(سلام عليكم) أي قائلين سلام عليكم، فأضمر القول هنا لدلالة الكلام عليه أي سلمتم من الآفات أو دامت لكم السلامة، وقيل دعاء لهم من الملائكة، أي سلمكم الله تعالى (بما صبرتم) أي بسبب صبركم في الدنيا على الآفات وهو متعلق بالسلام، أي إنما حصلت لكم هذه السلامة بواسطة صبركم أو متعلق بعليكم أو بمحذوف، أي هذه الكرامة بسبب صبركم وبدل ما احتملتم من مشاق الصبر (فنعم عقبى الدار) أي نعم ما أعقبكم الله من الدنيا الجنة.
أخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء المهاجرين الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله لمن يشاء من ملائكته ائتوهم فحيوهم، فتقول اللائكة ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا إن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟.
قال الله: إن هؤلاء عبادي كانوا يعبدوني ولا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب قائلين لهم سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " [[أحمد بن حنبل 2/ 168.]].
وفي القرطبي عن عبد الله بن سلام وعلي بن الحسين: إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فتقول إلى أين؟ فيقولون إلى الجنة، قالوا: قبل الحساب؟ قالوا: نعم، فيقولون: من أنتم، فيقولون: نحن أهل الصبر، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معاصي الله، وصبرناها على البلاء والمحن في الدنيا.
قال علي بن الحسين: فتقول لهم الملائكة: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار أي نعم عاقبة الدار التي كنتم فيها وعملتم فيها ما أعقبكم هذا الذي أنتم فيه، فالعقبى على هذا اسم والدار هي الدنيا.
وقال أبو عمران الجوني: أي الجنة عن النار بضم الجيم، وعنه الجنة عن الدنيا وبالجملة فقد جاء سبحانه بهذه الجملة المتضمنة لمدح ما أعطاهم من عقبى الدار المتقدم ذكرها للترغيب والتشويق.
ثم أتبع أحوال السعداء بأحوال الأشقياء فقال:
{"ayah":"سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُم بِمَا صَبَرۡتُمۡۚ فَنِعۡمَ عُقۡبَى ٱلدَّارِ"}