الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَيا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ ... الآية، قد تقَدَّمَ ذِكْرُ الخِلاَفِ، هل هذهِ المقالاتُ لموسى أو لمؤمنِ آل فرعون، والدعاءُ إلى النجاةِ هو الدعاءُ إلى سبَبِها وهو توحيدُ اللَّهِ تعالى وطاعتُه، وباقي الآية بيِّنٌ. وقوله: أَنَّما تَدْعُونَنِي المعنى: وإنَّ الذي تدعونَني إليه من عبادةِ غيرِ اللَّهِ لَيْسَ له دعوة، أي: قَدْرٌ وَحَقٌ يجب أنْ يدعى أحدٌ إليه ثم توعَّدَهم بأنَّهم سَيَذْكُرُونَ قولَه عند حُلُولِ/ العذابِ بهم، والضميرُ في فَوَقاهُ يحتملُ أنْ يعودَ على موسى، أو على مؤمنِ آل فرعون علَى ما تقدَّم من الخلاف. وقال القائلون بأنه مؤمن آل فرعون: إن ذلك المؤمن نجا مع موسى ع في البَحْرِ، وَفَرَّ في جملةِ مَنْ فَرَّ معَه مِنَ المتَّبِعينَ. وقوله تعالى في آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ... الآية، قوله: النَّارُ رَفْعٌ على البَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: سُوءُ وقيلَ رفعٌ بالابتداءِ، وخَبَرُهُ يُعْرَضُونَ قالت فرقةٌ: هذا الغُدُوُّ والعَشِيُّ هو في الدنيا، أي: في كل غُدُوٍّ وَعَشِيٍّ من أيام الدنيا يُعْرَضُ آلُ فِرْعَوْنَ على النَّارِ، قال القرطبيُّ في «التذكرة» [[ينظر: «التذكرة» (1/ 191) .]] : وهذا هو عذابُ القَبْرِ في البَرْزَخِ، انتهى وكذا قال الإمام الفخر [[ينظر: «تفسير الرازي» (27/ 64) .]] ، ورُوِيَ في ذلك أنَّ أرواحَهُمْ في أجوافِ طَيْرٍ سُودٍ تَرُوحُ بِهِمْ وَتَغْدُو إلى النارِ وقالَهُ الأوزاعِيُّ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 66) برقم: (30370) عن الأوزاعي، وبرقم: (30368) عن الهذيل بن شرحبيل (30369) عن السدي، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 99) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 562) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 82) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 659) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وهناد، وعبد بن حميد عن هذيل بن شرحبيل، ولعبد بن حميد عن الضحاك، ولعبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود.]] - عافانا اللَّه من عذابه-، وخرَّج البخاريُّ ومسلم عن ابن عمر أنّ النبي ﷺ قَالَ: «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وإنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَمنْ أَهْلِ النَّارِ، يقالُ لَهُ: هذا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [[أخرجه البخاري (3/ 286) كتاب «الجنائز» باب: الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي (1379) ، (6/ 366) كتاب «بدء الخلق» باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3240) ، (11/ 369) كتاب الرقاق، باب: سكرات الموت (6515) ، ومسلم (4/ 2199) كتاب «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (65- 66/ 2866) ، وابن حبان (7/ 400- 401) ، كتاب «الجنائز» باب: ذكر الإخبار بأن أهل القبور تعرض عليهم مقاعدهم التي يسكنونها في كلّ يوم مرتين (3130) ، ومالك (1/ 239) كتاب «الجنائز» باب: جامع الجنائز (47) ، وأحمد (2/ 113، 116) ، والترمذي (3/ 375) كتاب «الجنائز» باب: ما جاء في عذاب القبر (1072) ، والترمذي (4/ 107) كتاب «الجنائز» باب: وضع الجريدة على القبر (2072) ، وابن ماجه (2/ 1427) كتاب «الزهد» باب: ذكر القبر والبلى (4170) ، والطيالسي (1/ 153) كتاب «الجنائز» باب: ما جاء في حسن الظن بالله والكشف لكل إنسان عن مصيره (736) . قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح.]] ، انتهى. وقوله [تعالى] وَيَوْمَ [تَقُومُ السَّاعَةُ] [[في د: ويوم القيامة.]] أي: وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُقَالُ: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ وآل فرعون: أتْبَاعُهُ وأهْلُ دينهِ، والضميرُ في قولهِ: يَتَحاجُّونَ لجميعِ كفارِ الأُمَمِ، وهذا ابتداءُ قصص لا يَخْتَصُّ بآل فرعونَ، والعامِلُ في: «إذ» فَعْلٌ مضمرٌ، تقديره: اذْكُرْ، ثم قال جميعُ مَنْ في النارِ لخَزَنَتِهَا: ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ فراجَعَتْهُمُ الخَزَنَةُ على مَعْنَى التَّوبِيخِ والتقريرِ: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ، فأقَرَّ الكُفَّارُ عند ذلك، وقالُوا/ بَلى، أي: قَدْ كَانَ ذلك، فقالَ لهم الخَزَنَةُ عِنْدَ ذلك: ادعوا أنتم إذن، وهذا على معنى الهُزْءِ بهِم. وقوله تعالى: وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ قيل: هو من قول الخَزَنَةِ، وقيل: هو من قول الله تعالى إخبارا منه لمحمّد ع، ثم أخبَر تعالى أنه ينصر رسلَه والمؤمنينَ في الدنيا والآخرةِ، ونصرُ المؤمِنينَ داخلٌ في نَصْرِ الرُّسُلِ، وأَيْضاً، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ للمؤمنينَ الفضلاءِ وُدًّا، وَوَهَبَهُمْ نَصْراً إذا ظُلِمُوا، وَحَضَّتِ الشريعة على نصرهم ومنه قوله ﷺ: «مَنْ رَدَّ عَنْ أخِيهِ في عِرْضِهِ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جهنّم» [[أخرجه البيهقي (8/ 168) كتاب «قتال أهل البغي» باب: ما جاء في الشفاعة والذب عن عرض أخيه المسلم من الأجر، وأحمد (6/ 450) ، والترمذي (4/ 327) كتاب «البر والصلة» باب: ما جاء في الذب عن عرض المسلم برقم: (1931) ، وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (3/ 501) كتاب «الأدب وغيره» باب: الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما، والترغيب في ردهما برقم: (4194) عن أبي الدرداء]] ، وقوله ع: «مَنْ حمى مُؤْمِناً مِنْ مُنَافِقٍ يَغْتَابُهُ، بَعَثَ اللَّهُ مَلَكَاً يَحْمِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [[أخرجه أبو داود (2/ 687) ، كتاب «الأدب» باب: من رد عن مسلم غيبته برقم: (4883) ، والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 377) برقم: (1195) .]] . وقوله تعالى: وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يريدُ يَوْمَ القيامةِ، قال الزّجّاج [[ينظر: «معاني القرآن» (4/ 376) .]] ، والْأَشْهادُ: جَمْعُ شَاهِدٍ، وقال الطبري [[ينظر: «تفسير الطبري» (11/ 70) .]] : جمع شَهِيدٍ، كَشريفِ وأشراف، ويَوْمَ لاَ يَنْفَعُ بَدَلٌ من الأوَّلِ، والمَعْذِرَةُ، مَصْدَرٌ، كالعُذْرِ، ثم أخبرَ تعالى بقصَّةِ موسى ومَا آتاه منَ النُّبوَّةِ، تأنيساً لمحمَّدٍ، وضَرْبَ أُسْوَةٍ وتذكيراً بما كانتِ العربُ تَعْرفُه مِنْ أمرِ موسى، فبيَّنَ ذلكَ أن محمداً لَيْسَ ببِدْعٍ من الرسل، والهُدَى: النُّبُوَّةُ والحكمةُ التوراةُ تَعُمُّ جميعَ ذلك. وقوله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ قال الطبريُّ [[ينظر: «تفسير الطبري» (11/ 71) .]] : الْإِبْكارِ: من طلوع الفَجْرِ إلى طلُوعِ الشَّمْسِ، وقيلَ: مِنْ طلوعِ الشمْسِ إلى ارْتِفَاعِ الضحى، وقال الحَسَنُ: بِالْعَشِيِّ يريدُ صلاةَ العَصْرِ، وَالْإِبْكارِ يريدُ صلاةَ الصُّبْحِ [[ذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 101) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 565) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 661) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة.]] . وقوله تعالى: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ [أي: ليسُوا على شَيْءٍ، بَلْ في صُدُورِهُمْ كِبْر] [[سقط في: د.]] وأَنَفَةٌ عليك، ثُمَّ نفى أنْ يكونُوا يَبلغُون آمالهم بِحَسَبِ ذلكَ الكِبْرِ، ثم أمَرَهُ تعالى بالاسْتِعَاذَةِ باللَّهِ في كل أمره من كلّ مستعاذ منه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب