الباحث القرآني
وقوله سبحانه: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
قرأ الجمهور [[ينظر: اختلاف القراء في هذا الحرف في: «السبعة» (379) ، و «الحجة» (5/ 91) ، و «معاني القراءات» (2/ 89) ، و «شرح الطيبة» (4/ 426) ، و «إتحاف» (2/ 195) ، و «المحرر الوجيز» (3/ 444) ، و «البحر المحيط» (6/ 17) ، و «الدر المصون» (4/ 379) ، و «المحتسب» (2/ 15) .]] : «أَمَرْنَا» على صيغة الماضي، وعن نافع وابن كثير، في بعض ما رُوِيَ عنهما: «آمَرْنَا» بمد الهمزة بمعنى كَثَّرنا، وقرأ أبو عمرو بخلاف عنه: «أَمَّرْنَا» بتشديد الميم، وهي قراءة أبي عثمان النَّهْديِّ، وأبي العاليةِ وابن عبَّاسِ، ورُوِيَتْ عن علي، قال الطبري [[ينظر: «الطبري» (8/ 51) .]] القراءة الأولى معناها:
أمرناهم بالطَّاعة، فعصَوْا وفَسَقُوا فيها، وهو قولُ ابن عباس [[أخرجه الطبري (8/ 51) برقم: (22150) ، وذكره ابن عطية (3/ 444) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 33) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 307) ، وعزاه لابن جرير.]] وابنِ جبير، والثانية: معناها:
كَثَّرناهم، والثالثة: هي من الإِمارَةِ، أي ملَّكناهم على الناس، قال الثعلبي: واختار أبو عُبَيْد وأبو حاتمٍ قراءة الجمهور، قال أبو عُبَيْد: وإِنما اخترْتُ هذه القراءة، لأنَّ المعاني الثلاثةَ مجتمعةٌ فيها، وهي معنى الأمْرِ والإِمارة والكثرة انتهى.
ت: وعبارة ابن العربي [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1196) .]] : أَمَرْنا مُتْرَفِيها
يعني بالطاعة، ففسقوا بالمخالَفَة انتهى من كلامه على الأفعال الواقعة في القرآن، «والمترف» : الغنيُّ من المالِ المتنعِّم، والتُّرْفَةُ: النِّعمة، وفي مُصْحف أبيِّ بن كعب: «قَرْيَةً بَعَثْنَا أكابِرَ مُجْرِمِيها فَمَكَرُوا فيها» .
وقوله سبحانه: فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
، أي: وعيدُ اللَّه لها الذي قاله رسولهم، «والتدميرُ» الإِهلاك مع طَمْس الآثار وهَدْمِ البناء.
وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ ... الآية: مثال لقريشٍ ووعيدٌ لهم، أي: لستم ببعيد مما حصلوا فيه إِن كذبتم، واختلف في القرن، وقد روى محمَّد بن القاسم في خَتْنِهِ [[في الحديث: علي ختن رسول الله ﷺ، أي زوج ابنته.
ينظر: «لسان العرب» (ختن) .]] عَبْد اللَّه بن بُسْر، قال: وضع رسول الله ﷺ يَدَهُ على رأسه، وقال: «سَيَعِيشُ هَذَا الغُلاَمُ قرنا» قُلْتُ: كم القَرْنُ؟ قالَ: مِائَةُ سنة [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (15/ 44) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 71) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.]] قال محمد بن القاسِمِ: فما زِلْنَا نَعُدُّ له حتى كمل مائة سنة، ثم مات رحمه الله.
والباء في قوله: بِرَبِّكَ زائدةٌ، التقديرٌ وكفَى ربُّكَ، وهذه الباء إِنما تجيء في الأغلب في مَدْحٍ أو ذمٍّ، وقد يجيء «كَفَى» دون باء، كقول الشاعر: [الطويل] ... كَفَى الشَّيْبُ وَالإِسْلاَمُ لِلمَرْءِ ناهِيَا [[عجز بيت وصدره:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا ...
ينظر: «الإنصاف» (1/ 168) ، و «خزانة الأدب» (1/ 267) ، (2/ 102- 103) ، و «سر صناعة الإعراب» (1/ 141) ، و «شرح التصريح» (2/ 88) ، و «شرح شواهد المغني» (1/ 325) ، و «الكتاب» (2/ 26) ، (4/ 225) ، و «لسان العرب» (15/ 226) (كفى) ، و «مغني اللبيب» (1/ 106) ، و «المقاصد النحويّة» (3/ 665) ، وبلا نسبة في «أسرار العربيّة» ص: (144) ، و «أوضح المسالك» (3/ 253) ، و «شرح الأشموني» (2/ 364) ، و «شرح عمدة الحافظ» ص: (425) ، و «شرح قطر الندى» ص: (323) ، و «شرح المفصل» (2/ 115) ، (7/ 84) ، (148) ، (8/ 24، 93، 138) ، و «لسان العرب» (15/ 344) (نهى) .]] وكقول الآخر: [الطويل]
وَيُخْبرُني عَنْ غَائِبِ المَرْءِ هَدْيُهُ ... كَفَى الهَدْيُ عَمَّا غَيَّبَ المَرْءُ مُخْبِرَا [[البيت لزياد بن زيد العدوي، ينظر: في «الغراء» (2/ 119) ، و «التهذيب» ، و «اللسان» (هدى) ، و «البحر» (6/ 14) ، و «الدر» (4/ 377) .]]
وقوله سبحانه: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ... الآية:
المعنى فإِن اللَّه يعجِّل لمن يريدُ من هؤلاء ما يشاء سبحانه على قراءة النون [[قرأ الجمهور بالنون «نشاء» . ونافع «يشاء» بالياء من تحت. ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 446) ، و «البحر المحيط» (6/ 18) .]] ، أو ما يشاء هذا المريد على قراءة الياء، وقوله: لِمَنْ نُرِيدُ شرط كافٍ على القراءتين، وقال أبو إسحاق الفَزَارِيُّ: المعني: لِمَنْ نريدُ هَلَكَتَه [[أخرجه الطبري (8/ 55) برقم: (22171) ، وذكره ابن عطية (3/ 446) .]] ، و «المدحورُ» : المهان المُبْعَدُ المذَّلل المسخُوطُ عليه.
وقوله سبحانه: وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ، أي: إِرادَة يقينِ وإِيمانٍ بها، وباللَّهِ ورسالاتِهِ، ثم شرَطَ/ سبحانه في مريدِ الآخرة أنْ يَسَعى لها سَعْيَها، وهو ملازمة أعمال الخير على حُكْم الشرع، فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ولا يشكر اللَّه سعياً ولا عملاً إِلا أثابَ عليه، وغفر بسببه ومنه قوله ﷺ في حديثِ الرجُلِ الذي سَقَى الكَلْبَ العاطِشَ: «فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ له [[أخرجه البخاري (10/ 452) كتاب «الأدب» باب: رحمة الناس والبهائم، حديث (6009) من حديث أبي هريرة.]] » .
وقوله سبحانه: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ يحتملُ أنْ يريد ب «العطاء» الطاعات لمريد الآخرةِ، والمعاصي لمريد العاجلةِ، وروي هذا التأويل عن ابن [[ذكره ابن عطية (3/ 446) .]] عباس، ويحتمل أن يريد بالعطاء رزقَ الدنيا، وهو تأويل الحسن بن أبي الحسن، وقتادة [[أخرجه الطبري (8/ 56) برقم: (22175) وبرقم: (22177) ، وذكره ابن عطية (3/ 446) ، والسيوطي في «الدر المنثور» ((4/ 308) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبي نعيم في «الحلية» .]] ، المعنى أنه سبحانه يرزقُ في الدنيا من يريد العاجلَة ومريدَ الآخرة، وإِنما يقع التفاضُلُ والتبايُنُ في الآخرةِ، ويتناسَبُ هذا المعنى مع قوله: وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً، أي: ممنوعاً، وقَلَّمَا تصلح هذه العبارةُ لمن يمدّ بالمعاصي.
{"ayahs_start":16,"ayahs":["وَإِذَاۤ أَرَدۡنَاۤ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡیَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِیهَا فَفَسَقُوا۟ فِیهَا فَحَقَّ عَلَیۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَـٰهَا تَدۡمِیرࣰا","وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِنۢ بَعۡدِ نُوحࣲۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِیرَۢا بَصِیرࣰا","مَّن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِیهَا مَا نَشَاۤءُ لِمَن نُّرِیدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ یَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومࣰا مَّدۡحُورࣰا","وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡیَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ سَعۡیُهُم مَّشۡكُورࣰا","كُلࣰّا نُّمِدُّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَهَـٰۤؤُلَاۤءِ مِنۡ عَطَاۤءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَاۤءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا"],"ayah":"وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡیَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ سَعۡیُهُم مَّشۡكُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق