الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن أرادَ الآخِرَةَ وسَعى لَها سَعْيَها وهو مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كانَ سَعْيُهم مَشْكُورًا﴾
ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿مَدْحُورًا ومَن أرادَ الآخِرَةَ وسَعى لَها سَعْيَها﴾ [الإسراء: ١٩] أيْ عَمِلَ لَها عَمَلَها الَّذِي تَنالُ بِهِ، وهو امْتِثالُ أمْرِ اللَّهِ، واجْتنابُ نَهْيِهِ بِإخْلاصٍ عَلى الوَجْهِ المَشْرُوعِ: وهو مُؤْمِنٌ [الإسراء: ١٩] أيْ مُوَحِّدٌ لِلَّهِ جَلَّ وعَلا، غَيْرُ مُشْرِكٍ بِهِ ولا كافِرٍ بِهِ، فَإنَّ اللَّهَ يَشْكُرُ سَعْيَهُ، بِأنْ يُثِيبَهُ الثَّوابَ الجَزِيلَ عَنْ عَمَلِهِ القَلِيلِ.
وَفِي الآيَةِ الدَّلِيلُ عَلى أنَّ الأعْمالَ الصّالِحَةَ لا تَنْفَعُ إلّا مَعَ الإيمانِ بِاللَّهِ.
لِأنَّ الكُفْرَ سَيِّئَةٌ لا تَنْفَعُ مَعَها حَسَنَةٌ، لِأنَّهُ شَرَطَ في ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [الإسراء: ١٩] .
وَقَدْ أوْضَحَ تَعالى هَذا في آياتٍ كَثِيرَةٍ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتَ مِن (p-٨٢)ذَكَرٍ أوْ أُنْثى وهو مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ١٢٤]، وقَوْلُهُ: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى وهو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهم أجْرَهم بِأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧] وقَوْلُهُ: ﴿مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إلّا مِثْلَها ومَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى وهو مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [غافر: ٤٠] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَمَفْهُومُ هَذِهِ الآياتِ أنَّ غَيْرَ المُؤْمِنِينَ إذا أطاعَ اللَّهَ بِإخْلاصٍ لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؛ لِفَقْدِ شَرْطِ القَبُولِ الَّذِي هو الإيمانُ بِاللَّهِ جَلَّ وعَلا.
وَقَدْ أوْضَحَ جَلَّ وعَلا هَذا المَفْهُومَ في آياتٍ أُخَرَ؛ كَقَوْلِهِ في أعْمالِ غَيْرِ المُؤْمِنِينَ: وقَدِمْنا ﴿إلى ما عَمِلُوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنثُورًا﴾ [الفرقان: ٢٣]، وقَوْلُهُ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أعْمالُهم كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ﴾ الآيَةَ [إبراهيم: ١٨]، وقَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ الآيَةَ [النور: ٣٩]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وعَلا في مَواضِعَ أُخَرَ: أنَّ عَمَلَ الكافِرِ الَّذِي يَتَقَرَّبُ بِهِ إلى اللَّهِ يُجازى بِهِ في الدُّنْيا، ولا حَظَّ لَهُ مِنهُ في الآخِرَةِ. كَقَوْلِهِ: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهم فِيها وهم فِيها لا يُبْخَسُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ إلّا النّارُ وحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: ١٥، ١٦]، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ ومَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنها وما لَهُ في الآخِرَةِ مِن نَصِيبٍ﴾ [الشورى: ٢٠] .
وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوُ ما جاءَتْ بِهِ هَذِهِ الآياتُ: مِنَ انْتِفاعِ الكافِرِ بِعَمَلِهِ في الدُّنْيا مِن حَدِيثِ أنَسٍ، قالَ مُسْلِمُ بْنُ الحَجّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ في صَحِيحِهِ: حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - واللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قالا: حَدَّثْنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أخْبَرَنا هَمّامُ بْنُ يَحْيى، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطى بِها في الدُّنْيا ويُجْزى بِها الآخِرَةَ، وأمّا الكافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَناتِهِ ما عَمِلَ بِها لِلَّهِ في الدُّنْيا، حَتّى إذا أفْضى إلى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزى بِها» .
حَدَّثَنا عاصِمُ بْنُ النَّضِرِ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ قالَ: سَمِعْتُ أبِي، حَدَّثَنا قَتادَةُ (p-٨٣)عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ: أنَّهُ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ الكافِرَ إذا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمُ بِها طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيا، وأمّا المُؤْمِنُ فَإنَّ اللَّهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَناتِهِ في الآخِرَةِ، ويُعْقِبُهُ رِزْقًا في الدُّنْيا عَلى طاعَتِهِ» .
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ، أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ عَطاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِ حَدِيثِهِما.
واعْلَمْ أنَّ هَذا الَّذِي ذَكَّرَنا أدِلَّتَهُ مِنَ الكِتابِ والسَّنَةِ مِن أنَّ الكافِرَ يَنْتَفِعُ بِعَمَلِهِ الصّالِحِ في الدُّنْيا:
كَبِرِّ الوالِدَيْنِ، وصِلَةِ الرَّحِمِ، وإكْرامِ الضَّيْفِ والجارِ، والتَّنْفِيسِ عَنِ المَكْرُوبِ ونَحْوِ ذَلِكَ، كُلِّهِ مُقَيَّدٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى، كَما نَصَّ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ العاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَن نُرِيدُ﴾ الآيَةَ [الإسراء: ١٨] .
فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مُقَيِّدَةٌ لِما ورَدَ مِنَ الآياتِ والأحادِيثِ، وقَدْ تَقَرَّرَ في الأُصُولِ أنَّ المُقَيَّدَ يَقْضِي عَلى المُطْلَقِ، ولا سِيَّما إذا اتَّحَدَ الحُكْمُ والسَّبَبُ كَما هُنا، وأشارَ لَهُ في ”مَراقِي السُّعُودِ“ بِقَوْلِهِ:
؎وَحَمْلُ مُطْلَقٍ عَلى ذاكَ وجَبْ إنْ فِيهِما اتَّحَدَ حُكْمٌ والسَّبَبْ
{"ayah":"وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡیَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ سَعۡیُهُم مَّشۡكُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق