الباحث القرآني
وقوله سبحانه: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ ... الآيةُ: «ألا» استفتاح وتنبيه، وأَوْلِياءَ اللَّهِ: هم المؤمنون الذينَ وَالوهُ بالطاعةِ والعبادةِ، وهذه الآية يُعْطِي ظاهرُها أَنَّ مَنْ آمَنَ واتقَى اللَّه، فَهُوَ داخلٌ في أولياء اللَّه، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعةُ في الوَلِيِّ، وروي عن النبيّ ﷺ أَنَّهُ سُئِلَ، مَنْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «الَّذِينَ إذا رأيتهم ذكرت الله» [[ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 81) وقال: رواه البزار عن شيخه علي بن حرب الرازي ولم أعرفه، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 556) ، وزاد في نسبته إلى ابن المبارك، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس.]] .
قال: ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 128) .]] : وهذا وصفٌ لازِمٌ للمتَّقِين لأنهم يَخْشَعُونَ ويُخْشِّعُونَ، وروي عنه ﷺ أيضاً أَنَّهُ قَالَ: «أَوْلِيَاءُ اللَّه قَوْمٌ تَحَابُّوا فِي اللَّهِ، وَاجْتَمَعُوا في ذَاتِهِ، لَمْ تَجْمَعْهُمْ قَرَابَةٌ وَلاَ مَالٌ يَتَعَاطَوْنَهُ» . وروى الدارقطنيُّ في «سننه» عن النبيّ ﷺ أنّه قال: «خيار عباد اللَّهِ الَّذِينَ إِذَا رؤُوا، ذُكِرَ اللَّهُ، وَشَرُّ عباد الله المشّاءون بِالنَّمِيمَةِ المُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، البَاغُونَ للْبُرَآءِ العَيْبَ» [[أخرجه أحمد (4/ 227) ، وذكره الهيثمي في «المجمع» (8/ 96) ، وقال: رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب، وقد وثقه غير واحد وبقية رجال أحمد أسانيده رجال الصحيح.]] . انتهى من «الكوكب الدُّرِّيِّ» .
وقوله: لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يعني: في الآخرةِ، ويحتملُ في الدنيا لا يخافُونَ أَحداً من أَهل الدنيا، ولا من أعراضها، ولا يحزنون على ما فاتهم منها، والأولُ أظهر، والعمومُ في ذلك صحيحٌ: لاَ يَخَافُونَ في الآخرة جملةً، ولا في الدنيا الخَوْفَ الدُّنْيَوِيَّ.
وذكر الطبريُّ عن جماعة/ من العلماء مثْلَ ما في الحديثِ في الأولياء أنهم هُمُ الَّذِينَ إِذَا رَآهُمُ أَحَدٌ، ذَكَرَ اللَّهَ، وروي فيهم حديث «أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمْ قَوْمٌ يَتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ وَيُجْعَلُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، وَتُنِيرُ وُجُوهُهُمْ، فَهُمْ في عَرَصَاتِ القِيَامَةِ لاَ يَخَافُونَ وَلاَ يَحْزَنُون» [[تقدم تخريجه.]] وروى عمر بن الخطاب أنّ رسول الله ﷺ قَالَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عِبَاداً مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَغبُطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ لَمَكَانَتِهِمْ مِنَ اللَّهِ، قَالُوا: وَمَنْ هُمُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهَ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ، وَلا أَمْوَالٍ ... »
الحديثَ، ثم قرأَ: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [[أخرجه أبو داود (2/ 310- 311) كتاب «البيوع» باب: في الرهن، حديث (3527) ، وهنّاد بن السري في «الزهد» رقم: (475) ، والطبري في «تفسيره» (11/ 92) ، وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 5) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (8998- 8999) ، من حديث عمر بن الخطاب، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 557) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه.]] .
ت وقد خرَّج هذا الحديثَ أبو داود والنسائيُّ، قال أبو داود في هذا الحديث:
فو الله، إِنَّ وجوههم لَنُورٌ، وإِنهم لَعَلَى نُورٍ، ذكره بإِسنادٍ آخر. انتهى.
ورواه أيضاً ابن المبارك في «رقائقه» بسنده، عن أبي مالك الأشعريِّ أنّ النّبيّ ﷺ أقبل على النّاس، فقال: «يا أيّها النَّاسُ اسمعوا واعقلوا، واعلموا أَنَّ لِلَّهِ عِبَاداً لَيْسُوا بَأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ، يَغْبُطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: انْعَتْهُمْ لَنَا، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَ: هُمْ نَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ النَّاسِ، لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ، تَحَابُّوا فِي اللَّهِ، وتَصَافَوْا فيهِ، يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ نُوراً وَثِيَابَهُمْ نُوراً، يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وهم لا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون» . انتهى [[أخرجه أحمد (5/ 341- 342- 343) ، وأبو يعلى (12/ 233- 234) رقم: (6842) ، والطبري (11/ 92) ، وابن المبارك في «الزهد» ص: (248- 249) رقم: (714) ، وابن أبي الدنيا في «الإخوان» (6) ، والطبراني في «الكبير» (3433- 3434- 3435) من طريق شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري به، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 279- 280) وقال: رواه أحمد، والطبراني، ورجاله وثقوا.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 558) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه.]] .
وقوله تعالى: هُمُ الْبُشْرى ...
الآية: أَمَّا بشرَى الآخرة، فهي بالجنَّةِ بلا خلاف قولاً واحداً، وذلك هو الفَضْل الكبير، وأَمَّا بُشْرَى الدنيا، فَتَظاهَرَت الأَحاديث من طرق، عن النبيّ ﷺ أَنَّهَا «الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ» [[أخرجه الترمذي (4/ 534- 535) كتاب «الرؤيا» باب: قوله: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، حديث (2275) ، وابن ماجه (2/ 1283) كتاب «تعبير الرؤيا» باب: الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، حديث (3898) ، والدارمي (2/ 123) كتاب «الرؤيا» باب: في قوله تعالى: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
، وأحمد (5/ 315) والطبري في «تفسيره» (6/ 577) رقم: (17733- 17734) ، والحاكم (2/ 340) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (4/ 185- 186) رقم: (4753) ، والطيالسي (2/ 19- منحة) رقم: (1955) ، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» رقم: (238) كلهم من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، عن عبادة بن الصامت به، وقال الترمذي: حديث حسن.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 559) ، وزاد نسبته إلى الهيثم بن كليب، والحكيم الترمذي، وابن المنذر، والطبراني، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
وأخرجه الترمذي (4/ 534) كتاب «الرؤيا» باب: قوله: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، حديث (2273) ، وأحمد (6/ 452) ، وابن أبي شيبة (11/ 51) ، والطبري في «تفسيره» (6/ 577- 578) رقم: (17737) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (4/ 185) رقم (4752) كلهم من طريق عطاء بن يسار، عن رجل من أهل مصر، عن أبي الدرداء به.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 559) ، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.]] ، وقال قتادة والضَّحَّاك: البُشْرَى في الدنيا: هِيَ ما يُبَشَّرُ به المؤمنُ عِنْد موته، وهو حَيٌّ عند المعاينة، ويصح أنْ تكون بُشْرَى الدنيا ما في القرآن من الآيات المبشّرات ويقوّى ذلك بقوله: تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
، ويؤوّل قوله ﷺ: «هِيَ الرُّؤْيَا» أنه أعطَى مثالاً يعمُّ جميع الناس.
وقوله سبحانه: تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
: يريد: لا خُلْفَ لمواعيده، ولا رَدَّ في أمره، وقد أخذ ذلك ابنُ عُمَرَ علَى نحو غَيْرِ هذا، وجَعَلَ التبديلَ المنفيَّ في الألفاظ، وذلك أنَّه روي أَنَّ الحجاج خَطَبَ، فَقَالَ: أَلاَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْر قَدْ بَدَّلَ كِتَابَ اللَّهِ، فقال له عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِنَّكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ أَنْتَ، وَلاَ ابن الزُّبَيْرِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ، وقد رُوِيَ هذا النظرُ عن ابن عباس في غيرِ مُقَاوَلَةِ الحَجَّاجِ، ذكره البخاريّ [[ذكره ابن عطية (3/ 129) .]] .
{"ayahs_start":62,"ayahs":["أَلَاۤ إِنَّ أَوۡلِیَاۤءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ","ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ یَتَّقُونَ","لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ لَا تَبۡدِیلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"],"ayah":"لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ لَا تَبۡدِیلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق