الباحث القرآني

(p-١٧٥)سُورَةُ المُرْسَلاتِ مَكِّيَّةٌ مِن قَوْلِ الحَسَنِ وعِكْرِمَةَ وعَطاءٍ وجابِرٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ إلّا آيَةً مِنها، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ﴾ فَمَدَنِيَّةٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والمُرْسَلاتِ عُرْفًا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: المَلائِكَةُ تُرْسَلُ بِالمَعْرُوفِ، قالَهُ أبُو هُرَيْرَةَ وابْنُ مَسْعُودٍ. الثّانِي: أنَّهُمُ الرُّسُلُ يُرْسَلُونَ بِما يُعْرَفُونَ بِهِ مِنَ المُعْجِزاتِ، وهَذا قَوْلُ أبِي صالِحٍ. الثّالِثُ: أنَّها الرِّياحُ تُرْسَلُ بِما عَرَّفَها اللَّهُ تَعالى. وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: أنَّها السُّحُبُ لِما فِيها مِن نِعْمَةٍ ونِقْمَةٍ عارِفَةٍ بِما أُرْسِلَتْ فِيهِ، ومَن أُرْسِلَتْ إلَيْهِ.(p-١٧٦) وَيَحْتَمِلُ خامِسًا: أنَّها الزَّواجِرُ والمَواعِظُ. وَفي قَوْلِهِ ﴿عُرْفًا﴾ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: مُتَتابِعاتٌ كَعُرْفِ الفَرَسِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. الثّانِي: جارِياتٌ، قالَهُ الحَسَنُ يَعْنِي القُلُوبَ. الثّالِثُ: مَعْرُوفاتٌ في العُقُولِ. ﴿فالعاصِفاتِ عَصْفًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها الرِّياحُ العَواصِفُ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. الثّانِي: المَلائِكَةُ، قالَهُ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ. وَيَحْتَمِلُ قَوْلًا ثالِثًا: أنَّها الآياتُ المُهْلِكَةُ كالزَّلازِلِ والخُسُوفِ. وَفي قَوْلِهِ ﴿عَصْفًا﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: ما تَذْرُوهُ في جَرْيِها. الثّانِي: ما تُهْلِكُهُ بِشِدَّتِها. ﴿والنّاشِراتِ نَشْرًا﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّها الرِّياحُ تَنْشُرُ السَّحابَ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. الثّانِي: أنَّها المَلائِكَةُ تَنْشُرُ الكُتُبَ، قالَهُ أبُو صالِحٍ أيْضًا. الثّالِثُ: أنَّهُ المَطَرُ يَنْشُرُ النَّباتَ، قالَهُ أبُو صالِحٍ أيْضًا. الرّابِعُ: أنَّهُ البَعْثُ لِلْقِيامَةِ تُنْشَرُ فِيهِ الأرْواحُ، قالَهُ الرَّبِيعُ. الخامِسُ: أنَّها الصُّحُفُ تُنْشَرُ عَلى اللَّهِ تَعالى بِأعْمالِ العِبادِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. ﴿فالفارِقاتِ فَرْقًا﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: المَلائِكَةُ الَّتِي تُفَرِّقُ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: الرُّسُلُ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الحَلالِ والحَرامِ، قالَهُ أبُو صالِحٍ. الثّالِثُ: أنَّها الرِّياحُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الرّابِعُ: القُرْآنُ. وَفي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿فَرْقًا﴾ عَلى هَذا القَوْلِ وجْهانِ: أحَدُهُما: فَرَّقَهُ آيَةً آيَةً، قالَهُ الرَّبِيعُ. الثّانِي: فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، قالَهُ قَتادَةُ.(p-١٧٧) ﴿فالمُلْقِياتِ ذِكْرًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: المَلائِكَةُ تُلْقِي ما حَمَلَتْ مِنَ الوَحْيِ والقُرْآنِ إلى مَن أُرْسِلَتْ إلَيْهِ مِنَ الأنْبِياءِ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. الثّانِي: الرُّسُلُ يُلْقُونَ عَلى أُمَمِهِمْ ما أُنْزِلُ إلَيْهِمْ، قالَهُ قُطْرُبٌ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّها النُّفُوسُ تُلْقِي في الأجْسادِ ما تُرِيدُ مِنَ الأعْمالِ. ﴿عُذْرًا أوْ نُذْرًا﴾ يَعْنِي عُذْرًا مِنَ اللَّهِ إلى عِبادِهِ، ونُذْرًا إلَيْهِمْ مِن عَذابِهِ. وَيَحْتَمِلُ ثانِيًا: عُذْرًا مِنَ اللَّهِ بِالتَّمَكُّنِ، ونُذْرًا بِالتَّحْذِيرِ. وَفي ما جَعَلَهُ عُذْرًا أوْ نُذْرًا ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: المَلائِكَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: الرُّسُلُ، قالَهُ أبُو صالِحٍ. الثّالِثُ: القُرْآنُ، قالَهُ السُّدِّيُّ. ﴿إنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ﴾ هَذا جَوابُ ما تَقَدَّمُ مِنَ القَسَمِ، لِأنَّ في أوَّلِ السُّورَةِ قَسَمًا، أقْسَمَ اللَّهُ تَعالى إنَّما تُوعَدُونَ عَلى لِسانِ الرَّسُولِ مِنَ القُرْآنِ في أنَّ البَعْثَ والجَزاءَ واقِعٌ بِكم ونازِلٌ عَلَيْكم. ثُمَّ بَيَّنَ وقْتَ وُقُوعِهِ فَقالَ: ﴿فَإذا النُّجُومُ طُمِسَتْ﴾ أيْ ذَهَبَ ضَوْؤُها ومُحِيَ نُورُها كَطَمْسِ الكِتابِ. ﴿وَإذا السَّماءُ فُرِجَتْ﴾ أيْ فُتِحَتْ وشُقِّقَتْ. ﴿وَإذا الجِبالُ نُسِفَتْ﴾ أيْ ذَهَبَتْ، وقالَ الكَلْبِيُّ: سُوِّيَتْ بِالأرْضِ. ﴿وَإذا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: يَعْنِي أُوجِدَتْ، قالَهُ إبْراهِيمُ. الثّانِي: أُجِّلَتْ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: جُمِعَتْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وَقَرَأ أبُو عَمْرٍو (وُقِّتَتْ) ومَعْناها عَرَفَتْ ثَوابَها في ذَلِكَ اليَوْمِ، وتَحْتَمِلُ هَذِهِ القِراءَةُ وجْهًا آخَرَ أنَّها دُعِيَتْ لِلشَّهادَةِ عَلى أُمَمِها.(p-١٧٨)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب