الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ﴾ الآية، مضى الكلام في اللمز عند قوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: 58]. والمطوعون: المتطوعون [[في (م): (والمطوعين المتطوعين).]]، والتطوع التنفل، وهو الطاعة لله عز وجل فيما ليس بواجب، ومضى الكلام في إدغام التاء في الطاء عند قوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ [البقرة: 158] [[انظر: "النسخة الأزهرية" 1/ 100 أوقد قال هنا: (الوجه الثاني من القراءة (يطوع) بالياء وجزم العين، وتقديره يتطوع، إلا أن التاء أدغم في الطاء لتقاربهما).]]، وقوله: ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: 222] [[انظر: "النسخة الأزهرية" 1/ 135 ب وقد قال في هذا الموضع: (حتى يطهرن) أي: يتطهرن، ومعناه يغتسلن بالماء بعد النقاء من الدم، فأدغمت الثاني بالطاء، هذه قراءة أهل الكوفة).]]، قال المفسرون: حث النبي -ﷺ- على الصدقة فجاء عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، بصدقة عظيمة، وجاء رجل يقال له: أبو عقيل الأنصاري [[أبو عقيل الأنصاري، صحابي أنصاري معروف بكنيته، واختلف في اسمه اختلافًا كثيراً، فقيل: الحبحاب، وقيل: الحثحاث، وقيل: هذا لقب له واسمه سهل بن رافع، وقيل: هو عبد الرحمن بن بيحان، وقيل: هو أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة البلوي شهد بدراً، واستشهد باليمامة، وقيل غير ذلك. انظر: "فتح الباري" 8/ 331، و"الأصابة" 4/ 136 (776).]] بصاع من تمر وكان قد أجر نفسه ليلة إلى الصبح يسقي نخل رجل، فأخذ أجرته فجعل نصفها صدقة لوجه الله تعالى ونصفها لعياله، فلمزهم المنافقون وقالوا: ما أخرج هؤلاء صدقاتهم إلا رياء، وأما أبو عقيل فإنما جاء بصاعه ليذكر نفسه، وإن كان الله ورسوله لغنيين عن صاعه، فأنزل الله هذه الآية [[انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 194 - 198، و"الدر المنثور" 3/ 469 - 472، وقد روى نحوه البخاري (4668)، كتاب: التفسير، باب: قوله الذين يلمزون المطوعين، ومسلم (1018)، كتاب: الزكاة، باب: الحمل أجرة يتصدق بها، والنسائي، كتاب: الزكاة، [باب] جهد المقل 5/ 59.]]. وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾ يعني أبا عقيل، وقال عطاء عن ابن عباس: هو سهل بن نافع [[هكذا في النسخ التي بين يدي، ولم يذكر ابن حجر في "الإصابة" أحدًا من الصحابة بهذا الاسم، فلعل في اسمه تصحيف والصواب سهل بن رافع، أحد بني النجار الأنصاري الخزرجي، فقد قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في "الإصابة" 2/ 87: (يقال: إنه صاحب الصاع قال ابن منده: شهد أحدًا، ومات في خلافة عمر، وروى عيسى بن يونس عن سعيد بن عثمان البلوي عن جدته بنت عدي عن أمها عميرة بنت سهل بن رافع صاحب الصاع الذي لمزه المنافقون، خرج بزكاته صاع تمر وبابنته عميرة إلى النبي -ﷺ- فقال: ادع الله لي ولها بالبركة فما لي غيرها فوضع يده عليها فدعا له). وقد رجح الحافظ في "فتح الباري" 8/ 331 تعدد من جاء بالصاع فلمزه المنافقون.]]. قال الليث: الجهد شيء قليل يعيش به المقل [["تهذيب اللغة" (جهد) 1/ 675 والنص في كتاب: "العين" للخليل بن أحمد (جهد) 3/ 386.]]. وقال الزجاج: (إلا جهدهم) و (جهدهم) بالفتح والضم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 462، والقراة بالفتح شاذة قرأ بها الأعرج وعطاء ومجاهد. انظر: "مختصر في شواذ القرآن" من كتاب "البديع" لابن خالويه ص 54.]]. قال الفراء: الضم لغة أهل الحجاز والفتح لغيرهم [["معاني القرآن" 1/ 447 بمعناه.]]، وحكى [[في (م): (وقال).]] ابن السكيت عنه الفرق بينهما فقال: الجُهد: الطاقة، تقول: هذا جهدي أي طاقتي، والجهد: المشقة، تقول: اجهد جهدك [["تهذيب إصلاح المنطق" (جهد) ص 227، و"المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح على حروف المعجم" (جهد) 1/ 171 بنحوه.]]. وقال الشعبي: الجهد في العمل، والجهل في القوت [[رواه ابن جرير 10/ 198، وبمعناه ابن أبي حاتم 6/ 1853.]]. وقوله تعالى: ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ﴾ الكناية تعود إلى الذين لا يجدون إلا جهدهم، وقوله تعالى: ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ خبر الابتداء الذي هو قوله: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ﴾ ومعناه: جازاهم جزاء سخريتهم، ومضى الكلام في هذا [[انظر: "البسيط" البقرة: 212.]]، قال ابن عباس: (يريد حيث صاروا إلى النار) [[ذكره القرطبي في "تفسيره" 8/ 215.]]. وقال صاحب "النظم": قوله: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ﴾ صفة للمكني المتصل بقوله في الآية التي قبل هذه: ﴿سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ [التوبة: 78] ولا يحتمل أن يكون قوله: (الَّذِينَ [[ساقط من (ى).]] يَلْمِزُونَ) مبتدأ؛ لأنه لم يجيء له جواب، وقوله تعالى: ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ لا يحتمل أن يكون جوابًا لأنه فعل ماض [[ذهب النحاس في "إعراب القرآن" 2/ 206، والقرطبي في "تفسيره" 8/ 215 إلى أن (الذين يلمزون) مبتدأ و (سخر الله منهم) خبره، وذكر أبو البقاء العكيري عدة وجوه في الخبر: == الأول: (فيسخرون) ودخلت الفاء لما في (الذين) من الشبه بالشرط. الثاني: أن الخبر (سخر الله منهم). الثالث: أن الخبر محذوف، تقديره: منهم الذين يلمزون. انظر: "التبيان في إعراب القرآن" ص 425.]]، وهذه السخرية لا تكون إلا في الآخرة، فكان هذا القول دعاء، وقد قال بعضهم [[انظر التعليق السابق.]]: ﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ منقطع مما قبله وقوله: ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ خبره، دعاء كان أو خبرًا، في الدنيا كان أو في الآخرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب