الباحث القرآني
﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ﴾ مَرْفُوعٌ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ هُمُ الَّذِينَ، وقِيلَ: أيْ مِنهُمُ الَّذِينَ، وقِيلَ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( ﴿فَيَسْخَرُونَ﴾ ) مَرْفُوعٌ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ هُمُ الَّذِينَ، وقِيلَ: أيْ: مِنهُمُ الَّذِينَ، وقِيلَ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( ﴿فَيَسْخَرُونَ﴾ ) والفاءُ لِما في المَوْصُولِ مِن شَبَهِ الشَّرْطِ أوْ ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنهُمْ﴾ أوْ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أعْنِي –أعْنِي- أوْ أذُمُّ أوْ مَجْرُورٌ عَلى البَدَلِيَّةِ مِن ضَمِيرِ ( ﴿سِرَّهُمْ﴾ ) عَلى أنَّهُ لِلْمُنافِقِينَ مُطْلَقًا، وقُرِئَ بِضَمِّ المِيمِ وهو لُغَةً كَما عَلِمْتَ أيْ يَعِيبُونَ ( ﴿المُطَّوِّعِينَ﴾ ) أيِ: المُتَطَوِّعِينَ، والمُرادُ بِهِمْ مَن يُعْطِي تَطَوُّعًا ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿فِي الصَّدَقاتِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِيَلْمِزُونَ، ولا يَجُوزُ كَما قالَ أبُو البَقاءِ تَعَلُّقُهُ بِالمُطَّوِّعِينَ لِلْفَصْلِ، أخْرَجَ البَغْوِيُّ في مُعْجَمِهِ، وأبُو الشَّيْخِ عَنِ الحَسَنِ قالَ: " «قامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَقامًا لِلنّاسِ فَقالَ: يا أيُّها النّاسُ تَصَدَّقُوا أشْهَدُ لَكم بِها يَوْمَ القِيامَةِ، ألا لَعَلَّ أحَدَكم أنْ يَبِيتَ فِصالُهُ رُواءً وابْنُ لَهُ طاوٍ إلى جَنْبِهِ ألا لَعَلَّ أحَدَكم أنْ يُثْمِرَ مالُهُ وجارُهُ مِسْكِينٌ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ألا رَجُلٌ مَنَحَ ناقَةً مِن إبِلِهِ يَغْدُو بِرِفْدٍ ويَرُوحُ بِرِفْدٍ يَغْدُو بِصَبُوحِ أهْلِ بَيْتِهِ ويَرُوحُ بِغَبُوقِهِمْ ألا إنَّ أجْرَها لَعَظِيمٌ فَقامَ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي أبْعِرَةٌ، عِنْدِي أرْبَعَةُ ذُوَدٍ فَقامَ آخَرُ قَصِيرُ القامَةِ قَبِيحُ الشَّبَهِ يَقُودُ ناقَةً لَهُ حَسْناءَ جَمْلاءَ فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ المُنافِقِينَ كَلِمَةً خَفِيَّةً لا يَرى أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَمِعَها ناقَتُهُ خَيْرٌ مِنهُ، فَسَمِعَها عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقالَ: كَذَبْتَ هو خَيْرٌ مِنكَ ومِنها، ثُمَّ قامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي ثَمانِيَةُ آلافٍ تَرَكْتُ مِنها أرْبَعَةً لِعِيالِي وجِئْتُ بِأرْبَعَةٍ أُقَدِّمُها إلى اللَّهِ تَعالى، فَتَكاثَرَ المُنافِقُونَ ما جاءَ بِهِ ثُمَّ قامَ عاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ الأنْصارِيُّ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي سَبْعُونَ وسْقًا مِن تَمْرٍ فَتَكاثَرَ المُنافِقُونَ ما جاءَ بِهِ وقالُوا: جاءَ هَذا بِأرْبَعَةِ آلافٍ وجاءَ هَذا بِسَبْعِينَ وسْقًا لِلرِّياءِ والسُّمْعَةِ، فَهَلّا أخْفَياها فَهَلّا فَرَّقاها، ثُمَّ قامَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ اسْمُهُ الحَبْحابُ يُكَنّى أبا عَقِيلٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما لِي مِن مالٍ غَيْرِ أنِي آجَرْتُ نَفْسِي البارِحَةَ مِن بَنِي فُلانٍ أجُرُّ الجَرِيرَ في عُنُقِي عَلى صاعَيْنِ مِن تَمْرٍ، فَتَرَكْتُ صاعًا لِعِيالِي، وجِئْتُ بِصاعٍ أُقَرِّبُهُ إلى اللَّهِ تَعالى فَلَمَزَهُ المُنافِقُونَ وقالُوا: جاءَ أهْلُ الإبِلِ بِالإبِلِ، وجاءَ أهْلُ الفِضَّةِ بِالفِضَّةِ، وجاءَ هَذا بِتُمَيْراتٍ يَحْمِلُها، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى الآيَةَ»، ولَمْ يُبَيِّنِ الآلافَ الَّتِي ذَكَرَها عَبْدُ الرَّحْمَنِ في هَذِهِ الرِّوايَةِ، وكانَتْ عَلى ما أخْرَجَهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ (p-147)مُجاهِدٍ دَنانِيرَ وفي رِوايَةٍ أنَّها دَراهِمُ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ «أنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ جاءَ بِأرْبَعِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ مِن ذَهَبٍ، وهي نِصْفُ ما كانَ عِنْدَهُ، وأنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَهُ فِيما أعْطى وبارَكَ لَهُ فِيما أمْسَكَ»، وجاءَ في رِوايَةِ الطَّبَرانِيِّ أنَّ اللَّهَ بارَكَ لَهُ حَتّى صُولِحَتْ إحْدى امْرَأتَيْهِ عَنْ نِصْفِ الثَّمَنِ عَلى ثَمانِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ، وفي الكَشّافِ وعَزاهُ الطِّيبِيُّ لِلِاسْتِيعابِ أنَّ زَوْجَتَهُ تُماضِرَ صُولِحَتْ عَنْ رُبْعِ الثَّمَنِ عَلى ثَمانِينَ ألْفًا، فَعَلى الأوَّلِ يَكُونُ لَهُ زَوْجَتانِ وعَلى الثّانِي يَكُونُ لَهُ أرْبَعُ زَوْجاتٍ، ويَخْتَلِفُ مَجْمُوعُ المالَيْنِ عَلى الرِّوايَتَيْنِ اخْتِلافًا كَثِيرًا، وفي رِوايَةِ ابْنِ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ كانَ أحَدَ المُطَّوِّعِينَ، وأنَّهُ جاءَ بِمالٍ كَثِيرٍ يَحْمِلُهُ فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ المُنافِقِينَ: أتُرائِي يا عُمَرُ؟ فَقالَ: نَعَمْ أُرائِي اللَّهَ تَعالى ورَسُولَهُ ﷺ فَأمّا غَيْرُهُما فَلا.
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿والَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلا جُهْدَهُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى ( ﴿المُطَّوِّعِينَ﴾ ) وهو مِن عَطْفِ الخاصِّ عَلى العامِّ، وقِيلَ: عَطْفٌ عَلى المُؤْمِنِينَ، وتَعَقَّبَهُ الأجْهُورِيُّ بِأنَّ فِيهِ إيهامُ أنَّ المَعْطُوفَ لَيْسَ مِنَ المُؤْمِنِينَ.
وقالَ أبُو البَقاءِ: هو عَطْفٌ عَلى ( ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ﴾ ) وأراهُ خَطَأً صِرْفًا، والجُهْدُ بِالضَّمِّ الطّاقَةُ أيْ ويَلْمِزُونَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلّا طاقَتَهم وما تَبْلُغُهُ قُوَّتُهم وهُمُ الفُقَراءُ كَأبِي عَقِيلٍ واسْمُهُ ما مَرَّ آنِفًا، وعَنِ ابْنِ إسْحاقَ أنَّ اسْمَهُ سَهْلُ بْنُ رافِعٍ، وعَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ فَسَّرَ المَوْصُولَ بِرِفاعَةَ بْنِ سَعْدٍ، ولَعَلَّ الجَمْعَ حِينَئِذٍ لِلتَّعْظِيمِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَلى ظاهِرِهِ والمَذْكُورُ سَبَبُ النُّزُولِ، وقَرَأ ابْنُ هُرْمُزَ ( جَهْدَهم ) بِالفَتْحِ وهو إحْدى لُغَتَيْنِ في الجُهْدِ، فَمَعْنى المَضْمُومِ والمَفْتُوحِ واحِدٌ، وقِيلَ: المَفْتُوحُ بِمَعْنى المَشَقَّةِ والمَضْمُومُ بِمَعْنى الطّاقَةِ قالَهُ القُتَبِيُّ، وقِيلَ: المَضْمُونُ شَيْءٌ قَلِيلٌ يُعاشُ بِهِ والمَفْتُوحُ العَمَلُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنهُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى ( ﴿يَلْمِزُونَ﴾ ) أوْ خَبَرٌ عَلى ما عَلِمْتَ أيْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ، والمُرادُ بِهِمْ عَلى ما قِيلَ الفَرِيقُ الأخِيرُ ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنهُمْ﴾ أيْ جازاهم عَلى سُخْرِيَتِهِمْ، فالجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ والتَّعْبِيرُ بِذَلِكَ لِلْمُشاكَلَةِ ولَيْسَتْ إنْشائِيَّةً لِلدُّعاءِ عَلَيْهِمْ لِأنْ يَصِيرُوا ضِحْكَةً لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى جَدُّهُ: ﴿ولَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْها فَلَوْ كانَتْ دُعاءً لَزِمَ عَطْفُ الإخْبارِيَّةِ عَلى الإنْشائِيَّةِ وفي ذَلِكَ كَلامٌ، وإنَّما اخْتَلَفَتا فِعْلِيَّةً واسْمِيَّةً لِأنَّ السُّخْرِيَةَ في الدُّنْيا وهي مُتَجَدِّدَةٌ والعَذابُ في الآخِرَةِ وهو دائِمٌ ثابِتٌ، والتَّنْوِينُ في العَذابِ لِلتَّهْوِيلِ والتَّفْخِيمِ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِینَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ فِی ٱلصَّدَقَـٰتِ وَٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَیَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق