قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا﴾ يعني: هؤلاء القبائل الذين ذكرناهم إذا انطلقتم أيها المؤمنون، أي: سرتم وذهبتم إلى مغانم لتأخذوها، يعني: مغانم خيبر [[خيبر: الموضع المذكور في غزاة النبي -ﷺ- وهي: ناحية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام، يطلق هذا الاسم على الولاية، وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون ومزارع ونخل كثير، وقد فتحها النبي -ﷺ- سنة سبع من الهجرة، وقيل. سنة ثمان، انظر: "معجم البلدان" 2/ 409.]].
قال المفسرون: وذلك أنهم لما انصرفوا من الحديبية بالصلح وعدهم الله فتح خيبر، وخصَّ بغنائمها من شهد الحديبية دون غيرهم، فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون [[انظر: "تفسير الطبري" 13/ 80، "تفسير البغوي" 7/ 302، "زاد المسير" 7/ 430، "الجامع لأحكام القرآن" 16/ 270.]] ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ﴾.
قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾ وقرئ: (كَلِمَ الله) [[قرأ حمزة والكسائي: (كَلِمَ)، وقرأ الباقون: (كلام)، انظر: "الحجة" 6/ 202، و"التذكرة في القراءات" 2/ 687.]]، والكلام مصدر، والكَلِمْ: جمع كلمة، وكلاهما ورد به التنزيل، وهو قوله: ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: 6] وقوله: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: 41] قال ابن عباس: يريد مواعبد الله لأن الله تعالى جعل خيبر لأهل الحديبية خاصة [[ذكر ذلك ابن الجوزي في "زاد المسير" 7/ 430.]] لم يجعل لأحد من الناس فيها شيئاً إلا لمن تخلف عنها لعذر.
وقال مقاتل: يعني: يغيروا كلام الله الذي أمر الله النبي -ﷺ- أن لا يسير معه منهم أحد [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 72.]]، قال أبو إسحاق: يعني بقوله: (يريدون أن يبدلوا كلام الله) قول -عز وجل-: ﴿فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا﴾ [التوبة: 83] فأرادوا أن يأتوا بما ينقض هذا، فأعلم الله عز وجل أنهم لا يفعلون ولا يقدرون على ذلك [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 24، لكن بلفظ: (لا يعقلون) بدل: (لا يفعلون).]] فقال الله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ قال ابن عباس: يريد: في الحديبية [[معنى هذا القول عند الطبري منسوبًا لقتادة، انظر: "تفسيره" 13/ 81، وعند البغوي غير منسوب 7/ 302.]]، وقال مقاتل: يعني: هكذا قال الله بالحديبية من قبل خيبر أن لا تتبعونا [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 72.]].
وقال غيره: من قبل مرجعنا إليكم، أخبرنا الله أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية [[انظر: "تفسير الطبري" 13/ 81، "تفسير الثعلبي" 10/ 136 ب، "تفسير البغوي" 7/ 302.]]، فعلي هذا القول الذي ذكرنا يعني: قال الله تعالى من قبل ما سبق من وعده بالغنيمة لأهل الحديبية.
وقال الكلبي: لما قالوا لهم: لن تتبعونا، قالوا: والله ما أمركم الله بذلك وما بكم إلا الحسد [[انظر: "تنوير المقباس" ص 512.]]، فقال لهم المؤمنون: كذلكم قال الله لنا حين انصرفنا من الحديبية، إنهم سيقولون لكم إذا لم تأذنوا لهم إلى خيبر: إن بكم إلا الحسد كما قلتم لنا فهو بمعنى قوله: ﴿كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ واختار الفراء هذا القول، فقال: إنهم قالوا لرسول الله: ذرنا نتبعك، قال: نعم على أن لا نسهم لكم، فإن خرجتم على ذا فاخرجوا، فقالوا للمسلمين: كذلكم [[العبارة فيها تصحيف، ونصها عند الفراء في "المعاني" 3/ 66: (فقالوا للمسلمين: ما هذا لكم ما فعلتموه بنا إلا حسدًا؟ قال المسلمون: كذلكم قال الله لنا من قبل أن تقولوا).]] قال الله من قبل تقولون قد أخبرنا بما تقولون قبل أن تقولوه، وعلى هذا معنى قوله: (كذلكم قال الله من قبل).
قوله: ﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ والأول أظهر لأن ذكر الحسد لم يتقدم طى قوله: (كذلكم قال الله)، وإنما ذكر بعد، قال مقاتل: يقولون: يمنعكم الحسد من أن نصيب معكم الغنائم [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 72.]] فقال الله: ﴿بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ﴾ أي: لا يعلمون عن الله ما لهم وعليهم من أمر الدين ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ قال الكلبي: إلا يسيراً، منهم وهو من ترك النفاق وصدق بالله وبالرسول [[ذكر ذلك في "الوسيط" 4/ 138 ولم ينسبه.]].
قيل لهم: إن كنتم إنما ترغبون في الغزو والجهاد لا في الغنائم ، فستدعون غداً إلى أهل اليمامة، وهو قوله تعالى:
{"ayah":"سَیَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ یُرِیدُونَ أَن یُبَدِّلُوا۟ كَلَـٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَ ٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَیَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُوا۟ لَا یَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِیلࣰا"}