الباحث القرآني

﴿فَقُلْنَا اذْهَبَا﴾ قال الكلبي [[(الكلب) ساقطة من (ج).]]: هذا لموسى خاصة. ونحو هذا ذكر الفراء؛ فقال: إنما أمر موسى وحده بالذهاب [["معاني القرآن" للفراء 2/ 268، وقال أيضًا: وهذا بمنزلة قوله: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: 61] وقوله: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: 22]. وقال السمرقندي: يعني به موسى، كقوله -عَزَّ وَجَلَّ- في سورة طه [42]،: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ﴾ خاطب موسى خاصة إلى القوم. وقد نقد الفراءَ أبو جعفر النحاس، في إعراب القرآن 3/ 161، فقال: وهذا مما لا ينبغي أن يجترأ به على كتَاب الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وقد قال جل ثناؤه: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى﴾ [طه 44، 45] هذا هو الصواب، الموافق لظاهر == الآية، ويؤيده قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ [مريم: 53].قال المراغي 19/ 16: فإنه وإن كان نبيًا فالشريعة لموسى -عليه السلام-، وهو تابع له فيها، كما أن الوزير متبع لسلطانه. وقد رد الرازي 24/ 81، على من استدل بكون هارون وزيرًا على أنه ليس بنبي بكلام جيد. فيراجع. وأما قوله تعالى: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ [النازعات: 17] فلا ينافي هذا؛ لأنهما إذا كانا مأمورين فكل واحد مأمور. "تفسير القرطبي" 13/ 31.]]، وعلى هذا خوطب الواحد بخطاب الاثنين، وهو من عادة العرب، كما أنشد النحويون: فقلت لصاحِبي لا تحبسانا ... بِنَزْعِ أُصولِه واجتزَّ شِيْحَا [[أنشده الفراء، "معاني القرآن" 3/ 78، وعنه ابن قتيبة، "تأويل مشكل القرآن" ص 291، وابن جني في "سر صناعة الإعراب" 1/ 187، ولم ينسبوه. وفي "حاشية تأويل مشكل القرآن": المعنى لا تحبسنا عن شي اللحم بأن تقطع أصول الشجر، بل خذ ما تيسر من الشيح؛ والشيح: نبت طيب الرائحة، واجتز: اقطع، والشاهد: قوله: تحبسانا: خاطب الواحد بلفظ الاثنين. وأنشده في "لسان العرب" 5/ 319 (جزز) نقلاً عن ثعلب والكسائي، ونسباه ليزيد بن الطَّثَرِية، وُيروى: واجْدَزَّ، ثم قال: قال ابن بري: ليس هو ليزيد بن الطثرية؛ وإنما هو لمضرس بن ربعي الأسدي.]] وإن كان الخطاب لهما فهو ظاهر [[وقد جزم بهذا القرطبي 13/ 30، -وهو الصحيح- وضعف القول الآخر بتصديره بقيل. ولم يتعرض الواحدي لنقد هذا القول مع أنه حري بذلك. والله أعلم.]]. قوله: ﴿إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ يعني: فرعون وقومه [["تنوير المقباس" ص 303، والهواري 3/ 209، والزجاج 4/ 67، وزاد: والذين مسخوا قردة وخنارير.]]. قال أهل المعاني: ذكرهم الله هاهنا بالصفة القائمة مقام الاسم؛ لأنهم كانوا عند نزول القرآن قد كذبوا بآيات موسى وإن لم يكونوا موصوفين بالتكذيب عند إرسال موسى إليهم [["تفسير مقاتل" ص 45 ب، حيث جعل الآيات هنا آيات نبي الله موسى -ﷺ- التسع. == ونسبه السمرقندي 2/ 460، للكلبي، ثم قال: وقال بعضهم: هذا التفسير خطأٌ. لأن الآيات التسع أعطاها الله تعالى موسى بعد ذهابه إليه.]]. ويحتمل أن يكون المعنى: اذهبا بآياتنا إلى القوم الذين كذبوا، فتكون الآيات من صلة الذهاب، لا من صلة التكذيب، وتكذيبهم في ذلك الوقتِ لم يكن بآيات موسى، وإنما كان بآيات مَنْ تقدمه من الأنبياء؛ كإبراهيم وإسحاق ويعقوب. وفرعونُ حين ادعى الربوبية، وقومُه لمَّا أطاعوه، كانوا مكذبين أنبياء الله وكتبه [[اختار هذا القول الواحدي في "الوسيط" 3/ 340، واقتصر عليه، ولم يتعرض لذلك في "الوجيز". واختاره ابن الجوزي 6/ 89. وشهد لهذا العموم "تفسير مجاهد" للآيات في هذه الآية بالبينات، دون تحديد لها. أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2693. قال السمرقندي 2/ 465: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ أي: بتوحيدنا، وديننا.]]. قوله: ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ أي: أهلكناهم بالعذاب [[أخرجه ابن أبي حاتم 179 ب، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وعن السدي. وذِكرُ لفظ التدمير للمبالغة في وصف ما أصابهم؛ لأنه كسر الشيء على ووجهٍ لا يمكن معه إصلاحه. "تفسير المراغي" 19/ 15 و"روح المعاني" 19/ 18.]] إهلاكًا. يعني: الغرق [["تنوير المقباس" ص 303. بمعناه، و"تفسير مقاتل" 45 ب. بنصه، و"تفسير هود الهواري" 3/ 209.]]، وما دمر عليه [[كذا في النسخ الثلاث: عليه، ولعل الصواب: عليهم.]] من صنايعهم كقوله: ﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ [الأعراف: 137]، وقال صاحب النظم: معنى الآية: فذهبا، وكُذِّبَا ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ ودخول الفاء دلالة على هذا الإضمار. والتدمير لم يكن بعد الأمر لهما بالذهاب، إنما كان بعد الذهاب والتكذيب [[قال الرازي 24/ 81: التعقيب هاهنا محمول على الحكم لا على الوقوع، وقيل: إنه تعالى أراد اختصار القصة فذكر حاشيتيها أولها وآخرها لأنهما ألمقصود من القصة بطولها، أعني إلزام الحجة ببعثة الرسل، واستحقاق التدمير بتكذيبهم.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب