الباحث القرآني

﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾ وقرئ بكسر السين هاهنا وفي سورة "ص". وأجمعوا على الضم في سورة الزخرف [[قرأ نافع، وحمزة، والكسائي: "سُخريا" بضمّ السين هنا، وفي قوله: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص: 63]. وقرأ الباقون: "سخريا" بكسر السين في السورتين. وأجمعوا على الضم في قوله: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: 32]. "السبعة" ص 448، "التبصرة" ص 271، "التيسير" ص 160.]]. قال الليث: السُّخْرِيّ والسُّخْرِيَّة مصدران. يقال: سخر منه وبه سُخْرِيَّة وسُخْرِيّا [["تهذيب اللغة" للأزهري 7/ 167 "سخر". وهو في "العين" 4/ 196 "سخر" بنحوه.]]. وزاد أبو زيد: سَخرَا [[انظر: "الحجة" 5/ 303، و"النوادر" ص 288.]]. ومنه قوله: لا عجيب منها ولا سَخَر [[هذا جزء من شطر بيت لأعشى باهلة عامر بن الحارث بن رباح الباهلي، ذكره أبو زيد في "النوادر" (ص 288) فقال: وقال أعشى باهلة: إني أتاني شيء لا أسربه ... من علُ لا عجيب فيه ولا سخرُ وهو من قصدة رائية هي أشهر شعره، يرثي بها أخاه لأمه المنتثمر بن وهب بن سلمة لما بلغه مقتله. قال البغدادي في "الخزانة" 1/ 191 - 192: وقوله "لا عجب" أي لا أعجب منها وإن كانت مصيبة عظيمة، لأن مصائب الدنيا كثيرة، "ولا سخر" بالموت، وقيل لا أقول ذلك سخرية، وهو بفتخين وضمتين.]] قال: ويكون نعتًا كقولك: هم لك سخري وسخرية [[انظر: "الحجة" 5/ 303، و"النوادر" ص 288.]]. قال القراءة الضم أجود [["معاني القرآن" للفراء 2/ 243.]]. وقال الزجاج: كلاهما جيد [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 24.]]. وحكى الكسائي اللغتين جميعًا، قال: وسمعت العرب تقول: بَحْرٌ لُجّي ولجي، ودري ودري، وكرسي وكرسي [[ذكره عن الكسائي: الفراء في "معاني القرآن" 2/ 243، والنحاس في "إعراب القرآن" 3/ 124، وذكره عنه أيضًا الأزهري في "علل القراءات" 2/ 442.]]. وذهب قوم إلى الفرق [[في (أ): (إلى أن الفرق).]] بينهما. قال يونس [[هو يونس بن حبيب.]]: سُخريا من السُّخْرة مضموم، ومن الهُزء سُخري [[قول يونس في "الحجة" للفارسي 5/ 303، وهو أيضًا في "تهذيب اللغة" للأزهري 7/ 168.]]. وقال أبو عبيدة: سِخريًّا يسخرون منهم، وسُخريًّا يسخرونهم [[قول أبي عبيدة في "الحجة" 5/ 303. وهو في "مجاز القرآن" 2/ 62 مع اختلاف في العبارة.]]. وهذا قول الحسن وقتادة، قالا: ما كان من العُبُودة [[في (أ): (المعبودة)، وهو خطأ. وفي الحجة: العبودية. قال ابن منظور في "لسان العرب" 3/ 270 (عبد): يقال: فلان بين العُبودة والعبودية.]] فهو بالضم، وما كان من الهزء فهو بالكسر [[قولهما في الحجة للفارسي 5/ 303. وذكره عنهما النحاس في "معاني القرآن" 4/ 488 - 489، وابن الجوزي 5/ 493.]]. وذكر الزجاج أن الضم والكسر واحد في معنى الهزء [[قال الزجاج في "معانيه" 4/ 24 بعد حكايته قول بعض أهل اللغة أن ما كان من الاستهزاء فهو بالكسر وما كان من جهة التسخير فهو بالضم: وكلاهما عند سيبويه والخليل واحد.]]. وقال -من عند نفسه-: الكسر أحسن لاتباع الكسر [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 24.]]. قال أبو علي: القراءة بكسر السين أرجح من قراءة من ضَمّ؛ لأنه من الهزء، والأكثر في الهُزء كسر السين فيما حكوه. ونرى [[في (أ): (وقرئ): وفي الحجة: وترى.]] أنَّه إنّما كان أكثر لأنَّ السَّخّر مصدر سَخِرْتُ. حكاه أبو زيد [[لم أجده في "النوادر" لأبي زيد، فعل أبا علي نقله من كتاب آخر لأبي زيد.]]. وفَعَلٌ وفعلٌ يكونان بمعنى، نحو: المثل والمثل والشَّبَه والشَّبْه، فكذلك السَّخَر والسّخْر إلا أنَّ المكسورة أُلزمت ياء النسب دون المفتوحة كما اتفقوا في القسم على الفتح في: لعمر [[في (أ): (لعمرو).]] الله، ولم يخرج مع إلحاق ياء النسب عن حكم المصدر، يدلك على ذلك قوله: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾ [[في جميع النسخ: (اتخذتموهم).]] فأفرد [[في (ع): (فرد).]]، وقد جرى على الجمع كما تفرد المصادر، فكأنَّ ياء النسب لم يقع بها [[في (ع): (بعدها). وفي الحجة: به.]] اعتداد في المعنى، كما لم يُعتدّ بها [[في الحجة: به.]] ولم يكن حكم للنسب في نحو: أحمر وأحْمري ودؤاري [[في (ع): (ودرار ودراري).]]، فكانت ياء النسب في حكم الزيادة كـ (لا) في قوله: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ [الحديد: 29]. وقال الأخفش: سخري إذا أردت من سخرتُ به ففيه لغتان: الضم والكسر [[كلام الأخفش ليس في معاني القرآن، وإنَّما هو في "الحجة" لأبي علي 5/ 305.]]. والتي يراد بها السُّخْرة فالضم لا غير، ومن ثمَّ اتفقوا على الضم في التي في الزخرف. وقولهم [[في الحجة: فأما ما حكاه أبو زيد من قوله ...]]: اتخذت فلانا سُخريّا وسُخْرة السُّخري مصدر وسُخْرة [[في (أ): (سخر).]] ليست بمصدر في الهزء ولكنه كقولهم: ضُحْكَةٌ وهُزْأةٌ إذا كان يُضْحك منه. وأما وجه الضم إذا كان من الهزء فإن سَخَرًا فَعَل، وفَعَل وفُعْل [[(وفعل) الثانية: ساقطة من (ظ)، (ع).]] يتعاقبان علي الكلمة كالحزن والحزن والبخل والبخل [[في (أ)، (ظ): (الحِل والحل). مهملة.]]، كما كان فَعَلٌ وفِعْلٌ كذلك، إلا أنَ المضموم خُصَّ [[في (أ): (حض).]] بالنسب كما خُصَّ المكسور به وبقي على حكم المصدر كما بقي عليه المكسور. وإذا ثبت هذا فقوله (سخريا) في القراءتين جميعًا مصدر وصف به ولذلك أفْرد [["الحجة" لأبي علي الفارسي 5/ 303 - 305 مع تقديم وتأخير وتصرّف. وانظر: "علل القراءات" للأزهري 2/ 441 - 442، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه 2/ 95، "حجة القراءات" ص 492، "الكشف" لمكي 2/ 131.]]. قال ابن عباس -في هذه الآية-: يريد يستهزئون بهم. وقال مقاتل: إنّ رؤوس كفار قريش كانوا يستهزئون من بلال وعمار وخَبَّاب وصهيب وسالم وفقراء العرب، ازْدَرَوْهُم [["تفسير مقاتل" 2/ 33 ب.]]. قوله: ﴿حَتَّى أَنْسَوْكُمْ﴾ يريد تركتم موعظتي. وقال مقاتل: ترككم الاستهزاء لا تؤمنون بالقرآن [["تفسير مقاتل" 2/ 33 ب.]]. قال أبو علي: ﴿أَنْسَوْكُمْ﴾ يجوز [[في (أ): (ويجوز).]] أن يكون منقولًا من الذي بمعنى الترك، ويمكن أن يكون (من) [[زيادة من الحجة.]] الذي هو خلاف الذكر، واللفظ على أنهم فعلوا بكم النسيان، والمعنى: أنكم أنها المتخذون عبادي سُخْريا نسيتم ذكري باشتغالكم باتخاذكم إيّاهم سخريا وبالضحك منهم. أي: تركتموه من أجل ذلك، فنسب الإنساء إلى عبادِه المخلصين وإن لم يفعلوه لما كانوا كالسبب لإنسائهم، وهذا كقوله: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم: 36] فنسب الإضلال إلى الأصنام لما كانت سببًا في الإضلال [["الحجة" لأبي علي الفارسي 2/ 191 - 192 عند كلامه على قوله "أو ننسها" [البقر ة: 106].]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب