الباحث القرآني

فقال إبراهيم مجيبا لأبيه: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ﴾ أي: سلمت مني لا أصيبك بمكروه [["جامع البيان" 6/ 92، "النكت والعيون" 3/ 375، "المحرر الوجيز" 9/ 480، "معالم التنزيل" 3/ 198، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 137.]]. وذلك أنه لا يؤمر بقتاله على كفره فلذلك قال: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ﴾ وسئل سفيان بن عيينة: (أيجوز السلام على أهل الذمة؟ فقال: نعم، إنما حضر ذلك في دار الحرب، فأما في السلم فلا، وقد قال الله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ﴾ [الممتحنة: 8] الآية، وقال في قصة إبراهيم: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ إلى قوله: ﴿لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ [الممتحنة: 4]، فاستثنى الاستغفار، ولم يستثن السلام) [[ذكره القرطبي 11/ 11 أو قال: والجمهور على أن المراد بسلامه المسالمة التي هي المتاركة لا التحية، وقال النقاش: حليم خاطب فيها كما قال: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾.]]. وقد قال إبراهيم: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ سأدعو لك ربي بالمغفرة والتوبة، وذلك أنه لما أعياه أمره وعده أن يراجع الله في بابه فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفرله، واستغفاره له يتضمن مسألة التوحيد؛ لأنه لا يغفر له ما ثبت على شركه، ألا ترى أن الله تعالى قال: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [التوبة: 114] أي: لما مات على شركه ترك الاستغفار له. والمعنى على هذا سأسأل الله لك توبة تنال بها مغفرته [["بحر العلوم" 325/ 2، "النكت والعيون" 3/ 375، "المحرر الوجيز" 9/ 480، "معالم التنزيل" 5/ 235، "زاد المسير" 5/ 237.]]. وقيل: (أنه وعد أباه الاستغفار وهو لا يعلم أن ذلك محظور على المصر على الكفر فلما أعلمه الله، [[من قوله: (وموضع الباء مع ما بعدها ..) إلى هنا ساقط من (س).]] ما فيه قطع الاستغفار وبريء من أبيه) [["المحرر الوجيز" 9/ 480، "ابن كثير" 3/ 137، "فتح القدير" 3/ 483. ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: 114].]]. قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ قال ابن عباس، ومقاتل: (لطيفا بارا)] [["جامع البيان" 16/ 92، "ابن كثير" 3/ 137، "زاد المسير" 5/ 238، "فتح القدير" 3/ 337. وما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).]]. وهو قول أكثر المفسرين. قال الزجاج: (يقال: تَحَفَّى به تَحَفِّيًا، وحَفِي به حَفْوَة إذا بره وألطفه) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 333.]]. وقال الكلبي: (﴿حَفِيًّا﴾: عالما) [["النكت والعيون" 3/ 375، "معالم التنزيل" 5/ 235.]]. وهو قول ابن عباس في رواية عطاء [[ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "الكشف والبيان" 3/ 7، "معالم التنزيل" 5/ 235، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 113.]]. قال جابر: (معينا) [[ذكره أبو حيان في "النهر المارد" بدون نسبة 1/ 392، وكذلك ابن سعدي في "تيسير الكريم الرحمن" 5/ 113.]]. وذكر الفراء القولين جميعا [["معاني القرآن" للفراء 2/ 169.]]. والكلام في هذا قد مر مستقصى في قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: 187]. قوله تعالى: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ﴾ أي: أتنحى عنكم وأفارقكم. يقال: عَزَلْتُه عن الشيء نحيته عنه فَاعْتَزَل [[انظر: "تهذيب اللغة" (عزل) 5/ 2930، "مقاييس اللغة" (عزل) 4/ 307، "المفردات في غريب القرآن" (عزل) 334، "مختار الصحاح" (عزل) 430.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي: أعتزل ما تعبدون من دون الله يعني: الأصنام [["معالم التنزيل" 5/ 236، "المحرر الوجيز" 9/ 481، "زاد المسير" 5/ 238.]]. ﴿وَأَدْعُو رَبِّي﴾ أعبده ﴿عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ أرجو أن لا أشقى بعبادته، وفي هذا إشارة إلى أنهم شقوا بعبادة الأصنام؛ لأنها لا تنفعهم ولا تجيب دعاءهم [["معالم التنزيل" 5/ 239، "زاد المسير" 5/ 238.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب