الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾ انتصب يومَ على البدل من قوله: ﴿قَرِيبًا﴾ على معنى: قل عسى أن يكون يوم يدعوكم، ويكون تأويله: عسى أن يكون البعث قريبًا يوم يدعوكم، وهذا معنى قول أبي إسحاق: أي يعيدكم يوم القيامة [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 245، بنصه.]]، ومعنى يدعوكم: أي بالنداء الذي يُسْمِعكم، وهو النفخة الأخيرة؛ كما قال: ﴿يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [ق: 41]. وقوله تعالى: ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ﴾، أىِ: تجيبون، والاستجابة: موافقة الداعي فيما دَعا إليه؛ وهي الإجابة، إلا أن الاستجابة تقتضي طلب الموافقة، فهي أوكد من الإجابة [[ورد في "تفسير الطوسي" 6/ 489، بنصه تقريبًا.]]. وقوله تعالى: ﴿بِحَمْدِهِ﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، يقول: بأمره [[أخرجه "الطبري" 15/ 101 بلفظه، وورد في "تفسير الثعلبي" 7/ 111 أبلفظه ، انظر: "تفسير البغوي" 5/ 99، و"ابن الجوزي" 5/ 45، و"ابن كثير" 3/ 53، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 339 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.]]، وهو قول سفيان [[ورد بلفظه في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 165، و"الماوردي" 3/ 249.]]، ولا أدري وجه هذا القول من اللغة، وقال سعيد بن جبير: يخرجون من قبورهم يقولون: سبحانك وبحمدك، فهو قوله: ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ [[ورد في "تفسير الثعلبي" 7/ 111 أ، بنحوه، انظر: "تفسير الزمخشري" 2/ 364، و"ابن الجوزي" 5/ 45، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 339 وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.]]، وقال قتادة: يقول: بمعرفته وطاعته يوم القيامة [[أخرجه "الطبري" 15/ 101 بنصه، وورد في "تفسير الثعلبي" 7/ 111 أبنصه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 340 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.]]، ومعنى هذا أنهم إذا أجابوا بالتسبيح والتحميد كان ذلك معرفة منهم وطاعة، ولكنه لا ينفعهم الحمد. وقال أبو إسحاق: يستجيبون مقرّين بأنه خالقهم [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 245 بنصه.]]، وهذا معنى قول قتادة. قال أهل المعاني: تستجيبون بحمده: تستجيبون حامدين [[وقد ذكر الزمخشري (2/ 363) هذا القول وزاده بيانًا فقال: (بحمده) حال منهم؛ أي حامدين، وهي مبالغة في انقيادهم للبعث، كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويمتنع: ستركبه وأنت حامد شاكر، يعني أنك تُحمل عليه وتُقسر قسرًا، حتى أنك تلين لين المسمح الراغب الحامد عليه. وإلى هذا القول نحا "أبو حيان" 6/ 47 أيضًا.]]، كما تقول: جاء بغضبه، أي: جاء غضبان، وخرج زيد بثيابه، وركب الأمير بسيفه، أي: وسيفه معه [[ورد في "تفسر الطوسي" 6/ 489 بنصه تقريبًا، انظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 227.]]. وقوله تعالى: ﴿وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد بين النفختين الأولى والثانية يُكَفُّ عنهم العذاب فينامون [[ورد بنحوه في "تفسير السمرقندي" 2/ 272، و"الثعلبي" 7/ 111 أ، و"الماوردي" 3/ 249، وقال السمرقندي والثعلبي: هذا أصح ما قيل فيه؛ لأن بعض المبتدعة قالوا: إذا وضع الميت في قبره لا يكون عليه العذاب إلى وقت البعث، فيظنون أنهم مكثوا في القبر قليلاً.]]، مثل قوله في سورة يس: ﴿مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [آية:52] وهم يعذبون من حين يموتون إلى النفخة الأولى، فعلى هذا القول ظنهم اللَّبْثَ القليل يعود إلى لُبْثهم بين النفختين، وقيل: معنى هذا: تقريب وقت البعث؛ كما قال الحسن: كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تَزَل [[ورد بنصه في "تفسير الجصاص" 3/ 204، و"الماوردي" 3/ 249، و"الطوسي" 6/ 488.]]، فهؤلاء إذا رأوا يوم القيامة وشاهدوا البعث، استقصروا مدة لُبْثِهم مع ما يعلمون من طول لَبْثِهم في الآخرة، وعند الحسن وقتادة: هذا اللَّبْثُ يعود إلى لَبْثهم في الدنيا لا إلى لَبْث البرزخ. قال قتادة في قوله: ﴿وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ ، ذاكم والله لَمّا تحاقرت الدنيا في أنفسهم وقَلَّت؛ حين عاينوا يوم القيامة [[أخرجه "الطبري" 15/ 102، بنحوه، وورد بنحوه في "تفسير الجصاص" 3/ 204، و"الماوردي" 3/ 249، و"الطوسي" 6/ 489، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 340 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.]]. وقال الحسن: ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾: في الدنيا بطول لُبْثِكم في الآخرة [[ورد بنصه في "تفسير الماوردي" 3/ 249، و"الطوسي" 6/ 489.]]، وهذه ثلاثة أقوال في معنى استقصارهم اللَّبْث [[وأظهرها القول الثالث؛ قول قتادة وقول الحسن الثاني، وقد اقتصر الطبري وابن كثير على ذكره، وأيّده ابن كثير بعدة شواهد قرآنية، اما القول الثاني فهو قريب == من هذا، وأما القول الأول فطريقه إلى ابن عباس ضعيفة، لذلك نجد السمرقندي مع ترجيحه لهذا القول فقد أورده بصيغة التمريض.]]. ومن المفسرين من ذهب إلى أن هذا الخطاب للمؤمنين دون الكافرين، قال: وهذا أظهر في المؤمنين؛ لأنهم يستجيبون [[في جميع النسخ: (لا يستجيبون) بزيادة لا، ويضطرب المعنى بذلك، والتصويب من تفسيره "الوسيط" 2/ 508.]] الله بحمده، ويحمدونه على إحسانه إليهم، ويستقلون مدة لَبْثِهم في البرزخ؛ لأنهم كانوا غير معذبين [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 558 بنصه، انظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 228، و"أبي حيان" 6/ 48.]]، والمفسرون على الأول.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب