الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ﴾ يَنْتَصبُ قرآنًا بإضمار فعل، مثل الذي ظهر [[مذهب سيبويه؛ أن نصبه بفعل مضمر يفسره الظاهر بعدُ؛ أي: وفرقناه قرآنًا، "تفسير ابن عطية" 9/ 215.]]، قال أبو علي: (وَقُرْءَانًا) يحتمل أمرين، أحدهما: أن يكون محمولًا على ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ كأنه قال: بالحق أنزلناه وأنزلنا قرآناً، فانتصابه على أنه مفعول به، والوجه الآخر: أن تعطفه على ما يتصل به كأنه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ وذا قرآن وصاحبَ قرآن [[في (أ)، (د)، (ش): (قرآنًا). وهو خطأ نحوي ظاهر، والمثبت من (ع) وموافق لما في المصدر.]]، فحذف المضاف [["المسائل الحلبيات" ص 298، بنصه. وهذا القول فيه تكلف وبعد عن ظاهر القرآن الواضح، وظاهر الآيتين أن الله تعالى وصف القرآن الكريم بثلاث صفات، أنه كله حق لأنه نزل من عنده، والثاني: أن جميع ما فيه حق لا مرية فيه، والثالث: أنه جاء محكمًا مفصلًا وواضحًا بَيّنًا، أو أراد وصفه بأنه نزل منجمًا مفرقًا بحسب الوقائع والأحداث. أملاه عليّ أ. د. فضل عباس، أحد علماء الأردن المعاصرين.]]، وعلى ما ذكر أبو علي -في القول الثاني- يجب أن يكون القرآن نكرة لوصفه له بالجملة من غير الذي، وقد ذكر في قوله: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [الزمر: 28] أنه يجوز أن يكون نكرة [[المصدر السابق ص 297، بنحوه.]]، وذلك غير جيد لتنكير [[في (أ)، (د)، (ش): (لنكير)، والمثبت من (ع).]] الاسم العلم [[وهذه إشارة إلى أنه من القائلين بأن القرآن علم مرتجل، وهي مسألة خلافية بين العلماء في أصل القرآن، هل هو مشتق أو علم مرتجل؟ انظر: "مناهل العرفان" 1/ 14، و"المدخل لدراسة القرآن الكريم" ص 17، و"مباحث في علوم القرآن" ص 16.]]، و ﴿فَرَقْنَاهُ﴾: فَصَّلناه، قاله علي بن أبي طلحة عن ابن عباس [[أخرجه "الطبري" 15/ 178 بلفظه من هذه الطريق (صحيحة)، وورد بلفظه في "تفسير الثعلبي" 7/ 123 أ.]]. وقال سعيد بن جبير عنه: نزل القرآن كله ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء السفلى في السنين التي نزل فيها [[أخرجه "الطبري" 15/ 178، بنحوه من طريق عكرمة (حسنة) ، وورد في "تفسير الطوسي" 6/ 530، بنحوه. انظر: "تفسير الرازي" 21/ 68، عن ابن جبير.]]. وقال قتادة: كان بين أوله وآخره عشرون سنة [[أخرجه "عبد الرزاق" 2/ 391 بنصه، و"الطبري" 15/ 178 بنصه، وورد في "تفسير الطوسي" 6/ 530 بنصه.]]، وهو معنى قوله: ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾، وقال السدي: قطعناه آية آية وسورة سورة، ولم ننزله جملة [[ورد في تفسيره "الوسيط" 2/ 559، بنصه، وهو في معنى قول ابن عباس وقتادة السابقين.]]، والاختيار عند الأئمة: فرقناه مخففًا [[قرأ بها السبعة وعامة قراء الأمصار، انظر: "تفسير الطبري" 15/ 178، و"إعراب القراءات السبع وعللها" 1/ 384.]]، وفَسّره أبو عمرو: بَيَّناه [[ورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 205 بلفظه.]]. وقال الفراء: أحكمناه [[في جميع النسخ: (حكيناه)، والصواب ما أثبته؛ لأنه هو المناسب للمعنى والمقابل لقوله: فصلناه، وقد ورد في المصدر والتهذيب: أحكمناه]] وفصَّلناه؛ كما قال: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 4] أي يُفَصّل [["معاني القرآن" للفراء 2/ 133 بنصه تقريبًا، انظر: "تهذيب اللغة" (فرق) 3/ 2778.]]. قال أبو عبيد: والتخفيف أعجب إليّ لأن تفسيره: بَيّناه، ومن قرأ بالتشديد [[أخرجها الطبري عن ابن عباس 15/ 178، ونسبت في "القرأءات الشاذة" لابن خالويه ص81 إلى أُبيّ وابن عباس ومجاهد، وأوردها ابن جني في "المحتسب" 2/ 23، ونسبها إلى علي وابن عباس وابن مسعود وأُبيّ والشعبي والحسن وقتادة وغيرهم. وفي "الإتحاف" ص 287 قرأ بها ابن محيصن. وزاد ابن عطية 9/ 216 أن في قراءة ابن مسعود وأبي زيادة كلمة (عليك)، أي: فَرَّقْنَاه عليك لتقرأه، وكلتا الروايتين قراءة شاذة كما هو ظاهر.]] لم يكن له معنى إلا أنه أُنزل متفرقًا، والتأويل الأول أعجب إليّ وأشرق، هذا كلامه [[لم أقف عليه.]]، وحصل من هذا أن معنى الفَرْق تفصيل يتضمن التبيين، والتفريق لا يتضمن التبيين، ولهذا فسروا هاهنا وفي قوله: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ﴾ [الدخان: 4] بالتبيين. ومما يرجح التخفيف ما روى ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: فرقتُ أفْرُقُ بين الكلام، وفَرَّقتُ بين الأجسام [[ورد في "تهذيب اللغة" (فرق) 3/ 2778 بنصه.]]، ويدل على هذا قوله -ﷺ-: "البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا" [[أخرجه بلفظه: أحمد 2/ 9، عن ابن عمر، والبخاري (2079) كتاب: البيوع، باب: إذا بيَّن البيّعان عن حكيم بن حزام، والدارمي: البيوع، في البيعان بالخيار 2/ 325، عن حكيم، والطبراني في "الكبير" 3/ 199، عن حكيم، والحاكم: البيوع، البيعان بالخيار 2/ 16، عن سمرة بن جندب، والبيهقي: البيوع، المتبايعان بالخيار 5/ 269، عن ابن عمر.]]، ولم يقل: يفترقا، والتفرق مطاوع التفريق، والافتراق مطاوع الفرق، ومعنى: ﴿عَلَى مُكْثٍ﴾ على تؤدة وتَرَسُّل، قاله مجاهد [["تفسير مجاهد" 1/ 371 بمعناه؛ قال: على ترتيل، وأخرجه "عبد الرزاق" 2/ 391، بلفظه، و"الطبري" 15/ 179 بلفظه وبمعناه، وورد بلفظه في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 205 و"تفسير هود الهواري" 2/ 446، و"الماوردي" 3/ 279، و"الطوسي" 6/ 531.]]. قال الفراء: يقال: مَكُثَ ومَكَثَ ومَكِثَ، ويقال في الفعل: مَكُث ويَمْكُث ومَكَث يَمْكَث [[ورد في "تهذيب اللغة" (مكث) 4/ 3433 مختصرًا ، وورد في "تفسير الفخر الرازي" 21/ 68 مختصرًا، ومكث مثلثة الأول بمعنى اللَّبْث والإقامة، انظر: "إكمال الإعلام بتثليث الكلام" 1/ 15، و"الدرر المبثّثة في الغرر المثلثة" ص 190.]]، والفتح قراءة عاصم في قوله: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ [[انظر: "السبعة" ص 480، و"الحجة للقراء" 5/ 380، و"المبسوط في القراءات" ص 278، و"التيسير" ص 167.]] [النمل: 22]، قال: فَرَّقَه الله في التنزيل ليفهمه الناس، فقال: ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾. وقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ قال ابن عباس: [نجوما بعد نجوم، وشيئًا بعد شيء [[لم أقف عليه، وأخرجه "الطبري" 15/ 179 - 180 بمعناه عن الحسن وقتادة، وورد في "تفسير الطوسي" 6/ 531، وورد في "الوسيط" 2/ 559 بنصه غير منسوب.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب