الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾، السَلْكُ إدخال الشيء في الشيء، كإدخال الخيط في المخيط، والرمح في المطعون [[انظر: (سلك) في "تهذيب اللغة" 2/ 1738، و"الصحاح" 4/ 1591، و"اللسان" 4/ 2073. وانظر: "تفسير الزمخشري" 2/ 311، الرازي 19/ 162، القرطبي 10/ 7، البيضاوي 1/ 267، الخازن 3/ 90، "الدر المصون" 7/ 148.]]. وقال الليث: الله يَسْلُكُ الكفارَ في جهنم؛ أي يدخلهم فيها [[ورد في "تهذيب اللغة" (سلك) 2/ 1739 بنصه.]]، ومن هذا قوله ﴿مَا سَلَكَكُمْ﴾ [المدثر: 42] وكل شيء أدخلته في شيء فقد سَلَكْتَه فيه، قال عديّ: وكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَرِّدْ ... وَقَدْ سَلَكوكَ في يَوْم عَصِيبِ [[ورد في "تفسير الطبري" 14/ 9، و"الأغاني" 2/ 103، و"تفسير الثعلبي" 2/ 146 أ، والطوسي 6/ 321، وابن عطية 7/ 358، و"تفسير القرطبي" 10/ 7 (عجز)، "اللسان" (سلك) 10/ 442، وغير منسوب في "الدر المصون" 7/ 148. (اللِّزاز) ما يتُرّس به الباب، (العَرْدُ) الشديد من كل شيء الصُّلْبُ المنتصب، وعرَّد الرجل تعريدا أي فرَّ، والمعنى: أي كنت إلى جانبك -يخاطب النعمان- أمنع عنك حتى في الأوقات العصيبة، ولم أحجم ولم أتراجع.]] وذكر أبو عبيدة وأبو عبيد: سلَكْتُه وأسلكتُه بمعنى [["مجاز القرآن" 1/ 347، بنحوه، وورد في "تهذيب اللغة" (سلك) 2/ 1739 بنصه عن أبي عبيد، وانظر: "جمهرة اللغة" 2/ 854.]]، وينشد بيت الهذلي: حتَّى إذا أسْلَكُوهُم في قُتاَئِدهِم ... شَلاًّ كما تَطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّرُدَا [["شرح أشعار الهذليين" 2/ 675، "مجاز القرآن" 1/ 37، "جمهرة اللغة" 2/ 854، "الصحاح" (سلك) 4/ 1591، "الاقتضاب" ص 402، "أمالي ابن الشجري" 3/ 30، "الإنصاف" ص 369، "تفسير القرطبي" 12/ 119، "اللسان" (قتد) 6/ 3525، (سلك) 4/ 2073، "الخزانة" 7/ 39، وورد منسوباً إلى ابن أحمر في "تهذيب اللغة" (سلك) 2/ 1739، وورد غير منسوب في: "تفسير الطبري" 14/ 9، "جمهرة اللغة" 1/ 391، 491، "المخصص" 16/ 101، "تفسير الطوسي" 6/ 322، " أمالي ابن الشجري" 2/ 122، "تفسير ابن عطية" 8/ 287، "الدر المصون" 7/ 148، "معجم البلدان" 4/ 310. وفي الديوان وجميع المصادر برواية (قُتائِدَةٍ) وهي: ثنية مشهورة، (شَلاًّ) معناه الطرد، (الجمَّالة) أصحاب الجمال، (الشُّرُدَا) جمع شارد، وهي الإبل النافرة، قال ابن السيد: إنه وصَف قوماً هُزمُوا حتى أُلجئوا إلى الدخول في قتائد؛ وهي ثنية ضيقة.]] بالوجهين، وقد حقق ابن عباس هذا التفسير فقال: يريد يسلكُ الشركَ في قلوب المكذبين، كما يسلك الخرزة في الخيط. وقال أبو إسحاق: أي كما فُعِلَ بالمجرمين الذين استهزأوا بمن تقدَّم مِنَ الرُّسُلِ، كذلك نَسلُكُ الضلالَ في قلوب المجرمين [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 174 بنصه.]]. واختلفوا في المُكنّى في قوله: ﴿نَسْلُكُهُ﴾؛ فذكر ابن عباس: الشرك [["تفسير ابن الجوزي" 4/ 385، وصديق خان 7/ 151.]]، وهو قول الحسن [[أخرجه عبد الرزاق 2/ 345 بلفظه، والطبري 14/ 9 بلفظه، و"تفسير ابن الجوزي" 4/ 385، و"تفسير القرطبي" 10/ 7 وابن كثير 2/ 602، و"الدر المنثور" 4/ 176 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وصديق خان 7/ 151.]]، وذكر الزجاج: الضلال [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 174 بلفظه.]]. وقال الربيع: يعني [الاستهزاء [[لم أقف عليه منسوباً له، ونُسب إلى قتادة في "تفسير الماوردي" 3/ 150، وابن الجوزي 4/ 385، وورد غير منسوب في "تفسير ابن عطية" 8/ 287، الفخر الرازي 19/ 163، "تفسير القرطبي" 7/ 10، "الدر المصون" 7/ 147.]]. وقال الفراء: يعني التكذيب بالعذاب [["معاني القرآن" للفراء 2/ 85 بلفظه.]]. قال صاحب النظم: الهاء كناية عن الاستهزاء] [[ما بين المعقوفين من (ش)، (ع).]] ودلَّ عليه الفعل؛ كقولهم: من كذب كان شرًا له، والفعل يدل على المصدر؛ كقوله: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: 7] أي: الشكر، فأضمره لدلالة الفعل عليه، وذكرنا مثل هذا كثيرًا، وأما ما ذكر المفسرون من الشرك والتكذيب والضلال فكلُّه داخل في الاستهزاء، وهو من معاني الاستهزاء. وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ﴾ إيماء بهذا التشبيه إلى ما كان منهم من الكفر والاستهزاء، قال: وهذه أبين آية في ثبوت القدر لمن أذعن للحق ولم يعاند. وقال أصحابنا: أضاف الله تعالى إلى نفسه سَلْكَ الكفر في قلوب الكفار، وحَسُن ذلك منه، فمن آمن بالقرآن فليستحسنه [[يَرُدّ الواحدي -رحمه الله- بقوله هذا على المعتزلة القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين، وهي من المسائل المشهورة التي اشتد فيها النزاع بين المعتزلة والأشاعرة، وقد وقع الفريقان في طرفي النقيض وجانبا الصواب في المسألة، على النحو التالي: ذهب المعتزلة إلى أن العقل قد يُعلم به حُسنُ كثير من الأفعال وقُبحُها، ومقتضى ذلك أن يكون فاعل القبيح أو تارك الحسن آثم ومعاقب في الآخرة ولو لم يرد شرع بذلك، فيستحق العذاب لمجرد مخالفته للعقل. انظر: المحصول في "علم أصول الفقه" 1/ 160، "مجموع الفتاوى" 11/ 677، "المواقف في علم الكلام" ص 323، 326. وذهب الأشاعرة إلى النقيض؛ فقالوا: إن العقل لا يُعلم به حُسن الفعل ولا قبحه، وبالتالي فلا يثبت عندهم حسن ولا قبح قبل ورود الشرع، وعليه فالقبيح ما قيل: لا تفعل، والحسن ما قيل فيه: افعل، أو ما أذن في فعله. "الملل والنحل" للشهرستاني 1/ 101، "مجموع الفتاوى" 11/ 677، "المواقف في علم الكلام" ص 327. وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية منشأ الغلط عند الفريقين، فقال: إن الطائفتين اتفقوا على أن الحسن والقبح باعتبار الملاعمة والمنافرة قد يعلم بالعقل، وهذا الذي اتفقوا عليه حق، لكن توهموا بعد هذا أن الحُسن والقبح الشرعيَّ خارج عن ذلك، وليس الأمر كذلك، بل هو في الحقيقة يعود إلى ذلك، لكنَّ الشارع عرَّف بالموجود، وأثبت المفقود، فتحسينه: إمَّا كشفٌ وبيان، وإمَّا إثبات لأمور في الأفعال والأعيان. انظر: "درء تعارض العقل والنقل" 8/ 22، "مجموع الفتاوى" 8/ 90. أما المذهب الحق في هذه المسألة فقد بينه كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: وعامة السلف وأكثر المسلمين على أن الظلم والشرك والكذب والفواخر ونحوها سيءٌ وقبيح قبل مجيء الرسول، لكن العقوبة لا تستحق إلا بمجيء الرسول، == وعليه يدل الكتاب والسنة؛ فإن فيهما بيان أن ما عليه الكفار هو شرٌ وقبيح، وسيءٌ قبل الرسل، وإن كانوا لا يستحقون العقوبة إلا بالرسول. انظر: "مجموع الفتاوى" 8/ 90، 11/ 677، "أصول الدين" للبغدادي ص 205. وفي هذه الآية ينفي المعتزلة سلكَ اللهِ الكفرَ في قلوب الكافرين، بناءً على أصلهم هذا. انظر: كلام القاضي عبد الجبار على الآية في تفسيره "متشابه القرآن" ص 245.]]، وأراد بالمجرمين المشركين الذين كانوا يستهزئون بالنبيّ -ﷺ-.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب