الباحث القرآني

قوله تعالى ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ الآية، قال أصحاب المعاني: جواب الملك ليوسف حين قال له: (اجعلني على خزائن الأرض) محذوف لبيان معناه، ولدلالة قوله: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ عليه. قال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 245، الرازي 18/ 162.]]: وتلخيصه، فقال الملك: قد فعلت. فدل تمكين الله له في الأرض على إجابة الملك إياه إلى ما سأل. وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ﴾ تحتمل وجهين: أحدهما [[انظر: "زاد المسير" 4/ 245، الرازي 18/ 163.]]: أن تكون الكاف منصوبة بالتمكين، وذلك إشارة إلى ما تقدم. يعني به: ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه في تقريبنا إياه من قلب الملك، وإنجائنا إياه من غم الحبس مكنا له في الأرض. الوجه الثاني: أن (كذلك) بجملته في موضع نصب بالتمكين، وتأويله: وهكذا، وهو إشارة إلى ما بعده، تقديره: وفي هذا الوقت مكنا له في الأرض. وعلى هذا الآية مستأنفة، وعلى الوجه الأول: الآية موصولة بما قبلها. وقوله تعالى [[(تعالى) ساقط من (ب).]]: ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ أي أقدرناه على ما يريد برفع الموانع، هذا معنى التمكين من الشيء، ومضى الكلام في هذه اللام التي في قوله "ليوسف" عند قوله ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ [[الأنعام: 6. وقال هناك: لم قال (ما لم نمكن لكم) ولم يقل نمكنكم، وهما لغتان تقول العرب: مكنته ومكنت له، كما تقول: نصحته ونصحت له، اهـ.]] وقوله ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 151.]]: يريد أرض مصر. وقوله تعالى: ﴿يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ﴾ هذا تفسير لقوله ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾ لأن معنى التمكين في الأرض: أن يكون هذه الصفة يتبوأ حيث يشاء، و (يتبوأ) في موضع نصب على الحال تقديره: مكناه متبوئًا [[الرازي 18/ 163.]]. وقوله تعالى: ﴿حَيْثُ يَشَاءُ﴾ يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون في موضع نصب بأنه ظرف، والآخر: في موضع نصب بأنه مفعول به، ودل على هذا الوجه قول الشماخ [[جزء من عجز بيت، وتمامه: وحلأها عن ذي الأراكة عامر ... أخو الخُضْر يرمي حيث تكوى النواحر حلأها: منعها الماء، والضمير للحمر، وعامر أخو الخضر: قانص مشهور، ذو الأراكة: نخل بموضع من اليمامة لبني عجل، النواحز: التي بها نحاز فتكوى في جنوبها وأصول أعناقها فتشفى، ويروى: حزاحز، والجزائز. و"ديوانه" 182، و"جمهرة أشعار العرب" ص 297، و"المعاني الكبير" 783، و"الأزمنة" 1/ 106، و"تاج العروس" (خفر) 6/ 354، و"تهذيب اللغة" 1/ 1044 (خضر) "اللسان" 2/ 1182.]]: يَرْمِي حَيْثُ تُكْوَى النَّواحِزُ [[ما سبق في ابن عطية 8/ 9.]] وقد مرّ. واختلف القراء [[قرأ ابن كثير وحده: ﴿يتبوأ منها حيث نشاء﴾ بالنون، وقرأ الباقون بالياء، انظر: "السبعة" ص 349، و"إتحاف" ص 266، وابن عطية 8/ 8، والثعلبي 7/ 91 أ، و"البحر المحيط" 5/ 320.]] في قوله ﴿حَيْثُ يَشَاءُ﴾ فعامة القراء قرأوا بالياء كقوله: ﴿يَتَبَوَّأُ﴾، كقوله: ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾ وكما أن قوله (نشاء) في هذه الآية وفق فعل المتبؤ كذلك قوله: ﴿حَيْثُ يَشَاءُ﴾ وفق لقوله: "يتبوأ" في إسناده إلى الغيبة. وقرأ ابن كثير (نشاء) بالنون وذلك أن مشيئة يوسف لما كانت [[في (ج): (كان).]] بمشيئة الله تعالى وإقداره عليها، جاز أن تنسب إلى الله تعالى وإن كان في المعنى ليوسف، وعلى هذا معنى هذه القراءة كمعنى قراءة العامة، ويقوي هذه القراءة أن الفعل المعطوف عليه بالنون وهو قوله: ﴿نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ﴾ قال ابن عباس: يريد أتفضل على من أشاء برحمتي. وقوله تعالى: ﴿وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال عطاء: يريد ثواب الموحدين وقال ابن عباس [[الثعلبي 7/ 91 أ، القرطبي 9/ 219.]] ووهب: يعني الصابرين، وذلك لحسن صبر يوسف فيما عانى من أنواع المكاره.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب