الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا﴾، قال ابن عباس: عذابنا ﴿نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا﴾ قد مضى مثل الآية في قصة عاد [[ساقط من (ب)، وانظر: آية 58 من هذه السورة.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ﴾، قال ابن الأنباري [["المذكر والمؤنث" 619، "زاد المسير" 4/ 126، الرازي 18/ 21.]]: نسقت الواو (مِنْ) على محذوف قبلها تأويله: نجينا صالحًا والذين آمنوا معه برحمة منا، من العذاب الذي أهلك قومه، ومن الخزي الذي لزمهم، وبقي العار فيه مأثورًا عنهم منسوبًا إليهم؛ لأن معنى الخزي: العيب الذي تظهر فضيحته، ويستحيى من مثله، فحذف ما حذف اعتمادًا على دلالة ما بقي عليه، قال: ويجوز أن تكون الواو دخلت لفعل مضمر تأويله: ونجيناهم من خزي يومئذ. أو من خزي يومئذ نجيناهم، فقدر فعل مع الواو، قال: ويجوز أن تكون الواو مقحمة زائدة، وهذا قول صاحب النظم. قال أبو بكر: والعرب [[ساقط من (ي).]] ما زادت الواو قط إلا مع (لما) و (حتى)، وهذا الذي قاله أبو بكر إنما يجوز عند الكوفيين، وعند البصريين لا يجوز زيادة الواو في موضع قط، وقد ذكرنا هذا. واختلفوا في قوله ﴿يَوْمِئِذٍ﴾، فقرئ بفتح الميم وكسرها [[قرأ نافع والكسائي وأبو جعفر بفتح الميم، وبقية القراء بكسرها. "إتحاف" ص 257، "السبعة" ص 336، "الكشف" 1/ 532، "الحجة" 4/ 346.]] و (يوم) [[من هنا ابتدأ النقل عن أبي علي الفارسي عن "الحجة" 4/ 347 - 352 بتصرف.]] من قوله ﴿يَوْمِئِذٍ﴾ ظرف كَسَرْتَ أو فَتَحْتَ في المعنى، إلا أنه اتسع [[في (ب): (أشبع).]] فيه فجعل اسما كما اتسع [[في (ب): (أشبع).]] في قوله ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [سبأ: 33] فأضيف المكر إليهما [وإنما هو فيهما] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]]، فكذلك العذاب والخزي والفزع أضفن إلى اليوم والمعنى على أن ذلك كله في اليوم، فمن كسر الميم فلأن (يوما) اسم معرب فانجر با لإضافة ولم يُبْنَ، وإن كان مضافًا إلى مبني؛ لأن الأضافة لا تلزم، ألا ترى أنك تقول ثوب خز ودار زيد، فلا يجوز في المضاف إلا إعرابه، وإن كان الاسمان عملا على معنى الحرف، ولا يلزمها البناء كما يلزم ما لا ينفك عنه معنى الحرف [نحو أين] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]] وكيف ومتى، فكما لم يبن المضاف وإن كان قد عمل في المضاف إليه بمعنى اللام أو بمعنى (من) حيث كان غير لازم، كذلك لم يبن (يوم) للإضافة إلى (إذ)؛ لأن إضافته [[في (ي): (الإضافة).]] لا تلزم، ومن فتح الميم مع أنه في موضع جر، فلأنه على مضاف إلى مبني غير متمكن، والمضاف إلى المبني يجوز بناؤه كقول النابغة [[البيت في "ديوانه" ص 53، "الخزانة" 3/ 151، "الكامل" 1/ 185، "اللسان" (وزع) 4/ 4825، السيوطي 276، 298، "مجاز القرآن" 2/ 93 "معاني القرآن" 1/ 327، 3/ 245.]]: على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصبا ... وقلتُ ألمَّا أصحُ والشيبُ وازعُ وكذلك قول جرير [[البيت اختلف في نسبته فنسب لأعشى همدان، وأخرى للأحوص، وأخرى لجرير. وهو في "الحماسة البصرية" 209، "الكامل" 1/ 185، العيني 3/ 46، 523، سيبويه والشنتمري 1/ 59، "المقاصد النحوية" 3/ 46، ملحق ديوان جرير 1021، وزريق وابن عامر بن زريق، ولي البحرين، فقال هذا البيت.]]: على حينَ ألهى الناسَ جلُّ أمورهم ... فندلًا زريقُ المالَ ندلَ الثعالبِ وكذلك قول آخر: على حينَ لم [[في (ي): (من).]] تلبث عليه ذَنوبُه ... يَرِثْ شِرْبُهُ إذ في اليقام تراثر [[البيت للبيد، (تدابر) بالباء، وهو في ديوانه 217، سيبويه والشنتمري 1/ 441، "الإنصاف" 251، الخزانة 3/ 649، "همع الهوامع" 2/ 62، "الدرر" 1/ 77. وهو في وصف مقام فاخر فيه غيره، وكثرت المخاصمة فيه والمحاجة، الذنوب: الدلو مملوءة ماء، ضربه مثلا لما يدلى به من الحجة، الريث: الإبطاء، الشرب: الحظ من الماء المقام: المجلس، يريد مجلس الخصام والمفاخرة، التداثر: التزاحم والتكاثر.]] فلما بنيت هذه الأشياء من حيث كانت مضافة إلى مبني، فكذلك بني (يوم) لإضافته إلى (إذ) المبنية، والعلة في ذلك أن المضاف يكتسي من المضاف إليه [التعريف والتنكير، ومعنى الاستفهام والجزاء، فلما كان يكتسي منه هذه] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]] الأشياء اكتسى منه البناء أيضًا، إذا كان المضاف من الأسماء الشائعة نحو (يوم) و (حين) و (مثل)، وشبه، ومن ذلك قوله: ﴿إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات: 23] فـ (مثل) في موضع رفع في قول سيبويه، وقد أجري وصفا على النكرة، إلا أنه فتح للإضافة إلى (أنَّ)، فأما الكسر في (إذ) فلالتقاء الساكنين؛ وذلك أن (إذ) من حكمها أن تضاف إلى الجملة من المبتدأ [[في (جـ): (الابتداء).]] والخبر، فلما اقتطعت عنها الإضافة نونت، ليدل التنوين على أن المضاف [إليه قد حذف، فصار التنوين هنا يدل على قطع الإضافة من المضاف] [[ما بين المعقوفين ساقط من (جـ).]]، كما صار يدل على انقضاء البيت في قول من نون في الإسناد أواخر البيت فقال [[هذه أبيات مختلفة، فالأول: مطلع أرجوزة للعجاج وبعده: من طلل أمسى تخال المُصْحفا وهو في "ديوانه" 2/ 219، "خزانة الأدب" 3/ 443، سيبويه 2/ 299، "شرح الأشموني" لألفيه ابن مالك 4/ 220، "الكتاب" 4/ 207، "المقاصد النحوية" 1/ 26. والثاني: صدر بيت لجرير. وعجزه: وقولي إن أصبت لقد أصابن "ديوانه" 58، ويروى (العتابا) (أصابا). "خزانة الأدب" 1/ 69، "الخصائص" 2/ 60، الدرر 5/ 176، "شرح أبيات سيبويه" 2/ 349، سر صناعة الإعراب 2/ 481، "شرح شواهد المغني" 2/ 762، "شرح المفصل" 9/ 29، "الكتاب" 4/ 205. والثالث: عجز بيت لرؤبة وصدره: تقول بنتي قد أنى أناكا وهو في "ديوانه" ص 181، سبيويه 1/ 388، "الخصائص" 2/ 96، "المقتضب" 3/ 71، "الإنصاف" 181، "الخزانة" 2/ 441.]]: يا صاح ما هاج الدموعَ الذُّرَّفَنْ أقلي اللوم عاذل والعتابَنْ يا أبتا علك أو عساكَنْ فكما دل التنوين في هذه الأواخر على انقطاع الإضافة عن المضافة إليه، كذلك يدل في (يومئذ) و (حينئذ) على ذلك، فكسرت الدال لسكونها وسكون التنوين [[إلى هنا انتهى النقل عن "الحجة" 4/ 347 - 352 بتصرف.]]. قوله تعالى: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾، قال ابن الأنباري [["تهذيب اللغة" (صاح) 2/ 1958، "زاد المسير" 4/ 126.]]: إنما ذكَّر ﴿وَأَخَذَ﴾ لأن الصيحة محمولة على الصياح؛ ولأنه قد فصل بين الفعل والاسم المؤنث بفاصل، فكان الفصل كالعوض من تاء التأنيث، وقد سبق لهذا نظائر. قال المفسرون [[الطبري 12/ 68، "زاد المسير" 4/ 125، البغوي 4/ 187.]]: لما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة، وصوت كل شيء في الأرض، فتقطعت قلوبهم في صدورهم، ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾، ومضى تفسير ﴿جَاثِمِينَ﴾ في سورة الأعراف [[عند قوله تعالى ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ آية 78. وخلاصة ما ذكره ما أن جثم بمعنى برك وخمد وهمد من أثر العذاب.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب