الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾، قال الليث [["تهذيب اللغة" 4/ 3580، من هنا يبدأ النقل بتصرف مادة: (نصا).]]: الناصية هي: قصاص الشعر في مقدمة الرأس، وقال الفراء [["معاني القرآن" 3/ 279.]]: الناصية: مقدم الرأس. قال الأزهري: الناصية عند العرب: منبت الشعر في مقدمة الرأس، ويسمى الشعر الثابت هناك: ناصية باسم منبته؛ يقال: نصوت الرجل أنصوه، إذا مددت ناصيته. وناصيته إذا جاذبته وأخذ كل واحد منكما بناصية صاحبه، ومنه قول عمرو بن معدي كرب [[هو: أبو ثور الزبيدي من مذحج باليمن، من فرسان العرب المشهورين، أدرك الإسلام ووفد على النبي ﷺ وأسلم ثم ارتد ثم أسلم واستشهد في فتح نهاوند سنة 21 هـ. انظر: "الشعر والشعراء" 235، "معجم الشعراء" 208، "الإصابة" 4/ 18. والبيت في "ديوانه" 125، و"ديوان الأدب" 3/ 375، و"تاج العروس" (حمس) 8/ 249. والبيت في "اللسان" (شور) 4/ 2357، وفي "تهذيب اللغة" 4/ 3580 (نصا). وشيار أي: سمان حسان يقال: جاءت الإبل شيارًا أي: سمانًا حسانًا.]]: أعباسُ لو كانت شيارًا جيادُنا ... بتثليثَ ما ناصيتَ بعدي الأحامسا ومعنى ﴿إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ أي: هي في قبضته وتنالها بما شاء قدرته. قال أبو إسحاق [[لعل العبارة (قاله أبو إسحاق) وهي في "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 58، ونصها: "أي هي في قبضته، وتنالها بما تشاء قدرته".]]، وهذا معنى هذا الكلام، وإن اختلفت العبارات في تفسيره، والأصل فيه ما ذكره ابن جرير [[الطبري 12/ 60 بتصرف، ولعله نقله عن الثعلبي 7/ 46 أ.]] فقال: العرب إذا وصفت إنسانًا بالذلة والخضوع قالوا: (ما ناصية فلان إلا بيد فلان)، أي أنه: مطيع له يصرفه كيف شاء؛ لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته، وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه والمن عليه، جزوا ناصيته ليعتدوا بذلك فخرا عليه، ويكون علامة لقهره [[كذا في النسخ ولعل الصواب: (لقهرهم).]] إياه، فخوطبوا بما يعرفون في كلامهم، وأخبروا أن كل دابة بهذه المنزلة في الذلة والانقياد لله عز وجل. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، [قال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 58.]]: أي: هو وإن كانت قدرته تنالهم بما شاء فهو لا يشاء إلا العدل، وزاد ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 119.]] لهذا بيانًا فقال: لما قال ﴿إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ كان في معنى: لا يخرج عن قبضته، لكنه قاهر بعظيم سلطانه كل دابة، فأتبع قوله ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]] [أي أنه وان كان قادرًا عليهم فهو لا يظلمهم ولا يلحقهم بقدرته عليهم - إلا ما يوجب الحق وقوعه بهم، وهذا معنى قول مجاهد ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (جـ).]] قال: على الحق [[الطبري 12/ 60 - 61، "زاد المسير" 4/ 118.]]، وهذا نحو كلام العرب إذا وصفوا رجلاً بحسن السيرة والعدل والإحسان، قالوا: فلان على طريقة حسنة وليس ثم طريق. وذكر وجهًا آخر قال: لما ذكر أن سلطانه قد قهر كل دابة، أتبع هذا قوله ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي أنه لا يخفى عليه مستتر، ولا يعدل عنه هارب، فذلك الصراط المستقيم، وهو يعني به الطريق الذي لا يكون لأحد مسلك إلا عليه؛ كما قال ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: 14] وقال عطاء عن ابن عباس [[البغوي 4/ 184.]] في هذه الآية يريد أن الذي بعثني الله به دين مستقيم. وقال الكلبي [["تنوير المقباس" 142.]]: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ يقول: قائم دائم، وهو الإسلام والطريق عليه، فمن شاء هداه إلى الإسلام. فعلى هذين القولين المراد بالصراط المستقيم: دين الإسلام، ومعناه: إنَّ ربي أمر بذلك، ودعا إلى ذلك؛ كما يقول الإنسان لمن دعا غيره إلى أمر: أنا على هذه الطريقة، ولهذا المعنى ذهب بعض أهل المعاني [["زاد المسير" 4/ 118، البغوي 4/ 184.]] إلى إضمار في الآية، فقال: معناه: إن ربي على صراط مستقيم أو [[هكذا في النسخ ولعل الصواب: (أي).]] يحث أو يحملكم على الدعاء إليه. وقال بعضهم [[ابن عطية 324/ 7.]]: هذا من باب حذف المضاف؛ على معنى أن أمر ربي وتدبيره لخلقه، على صراط مستقيم لا خلل فيه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب