الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ الآية (كأن) هذه هي المخففة من الثقيلة، التقدير: كأنهم لم يلبثوا، كقول النابغة: وكأن قد [[بعض بيت للنابغة الذبياني في "ديوانه" ص 105 وتمامه: أزف الترحل غير أن ركابنا ... لمّا تَزُلْ برحالنا وكأن قد وانظر: "خزانة الأدب" 7/ 197، "شرح شواهد المغني" ص 490.]] وقول آخر: كأن ظبية تعطو إلى ناضر [[في (ى): (ناظر)، وهو خطأ، وفي المصادر التالية: وارق.]] السلم [[عجز بيت، وصدره: ويومًا توافينا بوجه مقسَّم وقد اختلف في نسبة البيت، فهو لباغت بن صريح اليشكري في "تخليص الشواهد" ص390، "شرح المفصل" 8/ 83، "كتاب سيبويه" 2/ 134، ولأرقم بن علباء في "شرح شواهد سيبويه" 1/ 525، ولعلباء بن أرقم في "الأصمعيات" ص 157، ولأحد الثلاثة أو لراشد بن شهاب اليشكري في "خزانة الأدب" 10/ 413، وصحح البغدادي نسبته لعلباء بن أرقم. والشاعر يصف امرأته حالة رضاها، ويشبهها بظبية مخصبة. والمقسَّم: المحسن، وتعطو: تتطاول إلى الشجر لتتناول منه. انظر: "شرح الأعلم على كتاب سيبويه" 1/ 281، "لسان العرب" (قسم) و (عطو).]] وقوله تعالى: ﴿إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ﴾، قال ابن عباس: كأن لم يلبثوا في قبورهم إلا قدر ساعة من النهار [["تفسير الثعلبي" 7/ 16 ب، والسمرقندي 2/ 100، والبغوي 4/ 135، وابن الجوزي 4/ 36، و"تنوير المقباس" ص 214.]]. وقال الزجاج: أي قرب عندهم ما بين موتهم وبعثهم كما قال: ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 22.]] [المؤمنون: 113]. وقال الضحاك وابن الأنباري: قصر عندهم مقدار الوقت الذي بين موتهم [[ساقط من (ح).]] وبعثهم فصار في تقديرهم كالساعة من النهار من هول ما استقبلوه من أمر البعث والقيامة [[انظر قول الضحاك في "الوسيط" 2/ 549، "زاد المسير" 4/ 36، وبمعناه في "بحر العلوم" 2/ 100.]]. وقال آخرون: إنما قصرت عندهم مدة لبثهم في الدنيا لا مدة كونهم في البرزخ، فقوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ أي: في الدنيا إلا ساعة من النهار [[هذا قول آخر للضحاك رواه الثعلبي 7/ 16 أ، والبغوي 4/ 135، وهو قول مقاتل ابن سليمان في "تفسيره" 140 ب، والزمخشري في "كشافه" 2/ 239.]]. وقوله تعالى: ﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾، قال ابن عباس [["تفسير الثعلبي" 7/ 16 ب، والبغوي 4/ 135، والسمرقندي 2/ 100، وابن الجوزي 4/ 36، وقد تبين من "تفسير السمرقندي" أن الأثر من رواية الكلبي ولا يخفى تهافتها.]]، والضحاك [["تفسير السمرقندي" 2/ 100.]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 140 ب بمعناه.]]: يتعارفون بينهم حين بعثوا من القبور يعرف بعضهم بعضًا كمعرفتهم في الدنيا، ثم تنقطع المعرفة فلا يعرف أحد أحدًا، قال أبو إسحاق: وفي معرفة بعضهم بعضًا وعلم بعضهم بإضلال بعض التوبيخ لهم وإثبات الحجة عليهم [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 22.]]، وزاد ابن الأنباري بيانًا فقال: ﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ بتوبيخ [[في (ج) و (ز): (توبيخ).]] بعضهم بعضًا، فيقول كل فريق للآخر: أنت أضللتني يوم كذا، وأنت كسّبتني دخول النار بما علمتنيه وزينته لي، فهذا تعارف توبيخ وتعنيف، وتباعد وتقاطع، لا تعارف عطف وإشفاق، ومن هذه الجهة وافق قوله: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ [المعارج: 10]، يريد لا يسأله سؤال رحمة وعطف. هذا كلامه [[ذكره بنحوه الرازي في "تفسيره" 17/ 104 - 105، وابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 36 دون نسبة.]]، والمفسرون حملوا الآيتين على حالتين فقالوا: يتعارفون إذا بعثوا ثم تنقطع المعرفة، فلذلك لا يسأل حميم حميمًا [[انظر: "تفسير ابن جرير" 11/ 120، والسمرقندي 2/ 100، والماوردي 2/ 437، والثعلبي 7/ 16 ب، والبغوي 4/ 135، والرازي 17/ 105.]]، وقال أبو علي: معنى ﴿يَتَعَارَفُونَ﴾ يحتمل أمرين؛ أحدهما: أن يكون المعنى يتعارفون مدة إماتتهم التي وقع حشرهم بعدها، وحذف المفعول للدلالة عليها [[هكذا في جميع النسخ، والضمير يعود إلى (مدة) إذ هي المفعول، وفي "الحجة" عليه، ومعنى (يتعارفون مدة إماتتهم) أي: يسأل بعضهم بعضًا كم لبثتم في القبور.]] كما حذف في مواضع كثيرة، وعدي (تفاعل) [[يعني وزن: تعارف.]] كما عدي فيما أنشد أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 2/ 5، ونسبه إلى أوفى بن مطر المازني، وهو صدر بيت عجزه: وأُخِّر يومي فلم يُعجل وانظر: "سمط اللآلي" 1/ 465، "شرح أبيات المغني" 7/ 41، "اللسان" (خطأ) 2/ 1193.]]: تخاطأت [[في (ح) و (ز) و (ص): (تخطأت)، وهو موافق لرواية "لسان العرب"، وما أثبته من (ى) و (م) موافق لرواية أبي عبيدة في "مجاز القرآن" وبقية المصادر، ومعنى تخاطأت: أخطأت، كما في "شرح أبيات المغني"، الموضع السابق.]] النبل أحشاءه أو يكون أعمل الفعل الذي دلّ عليه (يتعارفون)؛ ألا ترى أنه دل علي يستعلمون ويتعرفون، وتعرّفوا مدة اللبث هاهنا، كما تعّرفوها [[في (ز): (يعرفونها).]] [في قوله: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [المؤمنون: 112] الآية، والآخر في التعارف: بما جاء في قوله: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ز).]] يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ﴾ [الصافات: 50، 51]، وقال في موضع آخر ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا﴾ [[وقد ذكر أبو علي الآية بتمامها والآية التي قبلها.]] [الطور: 26] الآية، وتعرّفهم يكون على أحد هذين الوجهين [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 302.]]، وذكر [[يعني أبا علي الفارسي.]] تقدير الآية فقال: يحتمل قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون صفة لليوم، ويكون التقدير: كأن لم يلبثوا قبله إلا ساعة، فحذفت الكلمة لدلالة المعنى علمها، ومثله قوله: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: 2] أي أمسكوهن قبله، وكذلك قوله: ﴿فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ﴾ [البقرة: 226] أي قبل انقضاء الأربعة الأشهر، ويجوز أن يكون على هذا التقدير حذف (قبل) الذي هو مضاف إلى الهاء، وأقيم المضاف إليه مقامه ثم حذفت الهاء من الصفة، كقولك: الناس رجلان رجل أكرمت ورجل أهنت، ومثل هذا قوله: ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ [الشورى: 22] والتقدير: وجزاؤه واقع بهم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. الوجه الثاني: أن تجعله صفة للمصدر على تقدير: ويوم نحشرهم حشرًا [[في (ي): (نحشرهم جميعًا حشرًا) والجملة ليست من كلام أبي علي في هذا الموضع.]] كأن لم يلبثوا قبله، ثم فُعِلَ بـ (قبله) ما ذكرنا في الوجه الأول. الوجه الثالث: أن تجعله حالاً من الضمير المنصوب في ﴿نَحْشُرُهُمْ﴾ والمعنى: نحشرهم مشابهةً أحوالُهم أحوال من لم يلبث إلا ساعة، وأما (يوم) فإنه يصلح أن يكون معمولًا لأحد شيئين؛ أحدهما: أن يكون معمول ﴿يَتَعَارَفُونَ﴾، وينتصب على وجهين؛ أحدهما: أن يكون ظرفًا معناه: يتعارفون في هذا اليوم، والآخر: أن يكون مفعولًا على السعة على: يا سارقَ الليلةَ أهلِ الدار [[رجز مجهول القائل وهو من شواهد سيبويه في "الكتاب" 1/ 175، وانظره بلا نسبة في: "خزانة الأدب" 3/ 108، "شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي ص 655، "المحتسب" 2/ 295.]] وأهل الدار ما سرقوا وإنما سرق منهم، ولكن جعلوا مفعولًا على السعة، كذلك هاهنا تعارفوا في اليوم فجعل اليوم مفعولًا على السعة، والآخر [[يعني الوجه الثاني في العامل في (يوم).]]: أن يكون ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ معمول ما دلّ عليه قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ ألا ترى أن المعنى: تشابه أحوالهم أحوال من لم يلبث، فيعمل في الظرف هذا المعنى، ولا يمنع المعنى من أن يعمل في الظرف وإن تقدم الظرف عليه، كقولهم: أكلَّ يوم لك ثوب؟ غير أن هذا الوجه ضعيف؛ لأن قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ لا يخلو من أن يكون على أحد [[في (ح) و (ز): (احدى).]] الأوجه الثلاثة التي ذكرنا، فإن جعلته صفة المصدر لم يجز أن يعمل في (يوم)؛ لأن الصفة لا يتقدم عليها ما تعمل فيه، وإن جعلته صفة لليوم فالصفة لا تعمل في [الموصوف كما أن الصلة لا تعمل في] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] الموصول؛ لأنها بعضه، وإنْ قدرته تقدير الحال على ما ذكرنا لم يجز أن يكون (يوم) معمولًا له؛ لأن العامل [في الحال] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح) و (ز).]] (نحشر) و (نحشر) قد أضيف اليوم إليه فلا يجوز أن يعمل في المضاف المضاف إليه، ولا ما يتعلق بالمضاف إليه؛ لأن ذلك يوجب تقديمه على المضاف، فلهذا [[في (ح): (فلذلك).]] قلنا: إن هذا الوجه ضعيف [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 300 - 304 بتصرف واختصار، وإضافة بعض الجمل.]]. وقوله تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾، قال المفسرون: خسر ثواب الجنة الذين كذبوا بالبعث [[انظر: "زاد المسير" 4/ 36، "الوسيط" 2/ 549، وبنحوه في "تفسير ابن جرير" 11/ 120.]]. قال ابن الأنباري: ووجه اتصال خسرانهم بتعارفهم هو أن الله -عز وجل- لما ذكر البعث وذكر ما يصير إليه أحوال المبعوثين، وصله بتخسير المكذبين بالبعث [[لم أجده.]]، وهذا معنى قول أبي إسحاق: يجوز أن يكون هذا إعلامًا من الله عز وجل -بعد أن بين أمر البعث- أنه من كذب به فقد خسر [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 22.]]. قال أبو بكر: وفيه قول [[فى (ى): (وجه).]] آخر: قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله في حال التعارف؛ لأن تلك حالٌ لا تقبل فيها توبة ولا يرجى معها إقالة [[ذكره القرطبي في "تفسيره" 8/ 348 بنحوه، دون تعيين القائل.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب