الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ﴾، قال عطاء عن ابن عباس: يريد متعجبين منك [["زاد المسير" 4/ 35، "الوسيط" 2/ 548.]]، ﴿أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ﴾ يريد: أن الله أعمى قلوبهم فلا يبصرون شيئًا من الهدى كما يبصر المؤمنون، وهذا كما قال: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]. وقال أبو إسحاق: ومنهم من يقبل إليك بالنظر وهو كالأعمى من بغضه لك، وكراهته ما يراه من آياتك [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 22.]]، هذا على القول الأول في الآية الأولى [[وهو أنهم لشدة بغضهم لمحمد بمنزلة الصم.]]، وعلى القول الثاني [[وهو أنهم يستمعون القرآن وهم بمنزلة الصم لعدم التوفيق.]] معناه: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ﴾ فيبصرك ويراك ولا يؤمن بك، وأنت [[في (ح) و (ز): (وإنك).]] لا تقدر على أن توفقه للإيمان كما لا تقدر أن تخلق للأعمى بصرًا يهتدي به، وذكر ابن قتيبة: أن الله فضل السمع على البصر حيث قرن بذهاب السمع ذهاب العقل، ولم يقرن بذهاب النظر إلا ذهاب البصر [["تأويل مشكل القرآن" ص 7.]]. قال ابن الأنباري: وهذا عندي غلط؛ لأن الذي نفاه الله مع السمع بمنزلة الذي نفاه مع البصر؛ إذ كان الله -عز وجل- أراد إبصار القلوب، ولم يرد إبصار العيون، فالذي يبصره القلب هو الذي يعقله. وهذا الذي ذكره أبو بكر يكون على القول الأول في الآيتين، وعلى القول الثاني: يقال: إن الله تعالى نفى العقل [عن [[في (ى): (على)، وهو خطأ.]] الصم لا من حيث أن فقد السمع يوجب فقد العقل، ولكنه زاد نفي العقل] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح) و (ز).]] تأكيدًا؛ يقول: لا تقدر أن تسمع الصم الذين لا يعقلون؛ لأن الأصم إذا كان غير عاقل كان أبعد من الانتفاع بما يقال له، فإنه لا يفهم الإشارة أيضًا، وإذا كان عاقلًا فهم الإشارة، فقامت له مقام السمع، يؤكد ما قلناه أنا نشاهد الصم عاقلين، فلو كان الأمر على بما ذكره بن قتيبة وجب أن لا يوجد أصم عاقلًا. قال أبو بكر: وكيف يكون السمع أفضل وبالبصر يكون جمال الوجه، وبذهابه شينه، وذهاب السمع لا يكسب الوجه شينًا، والعرب تسمي العينين (الكريمتين)، ولا تصف السمع بمثل هذا؛ ومنه الحديث: يقول الله تعالى: من أذهبت كريمتيه فصبر [[في (م): (فصبر واحتسب).]] لم أرض له ثوابًا دون الجنة [[رواه نحوه البخاري في "صحيحه" (5653) كتاب المرضى، باب: فضل من ذهب بصره، والترمذي في "سننه" (2400) كتاب الزهد، باب: ما جاء في ذهاب البصر، والدارمي في "سننه" كتاب الرقاق، باب: فيمن ذهب بصره فصبر 2/ 217 (2795)، وأحمد في "المسند" 3/ 144.]] " [[ذكر بعض قول ابن الأنباري هذا الرازي في "تفسيره" 17/ 102، ولابن الأنباري كتاب في الرد على ابن قتيبة لم يكمله، ولعل هذا النص منه. انظر مقدمة "تأويل مشكل القرآن" ص70، وقول ابن الأنباري هذا يذكرنا بقول الشريف المرتضى في كتابه "غرر الفوائد ودرر القلائد" المعروف بـ"الأمالي" 2/ 13، بعد أن ذكر رأيًا لابن الأنباري: وهذا الذي ذكره ابن الأنباري غير صحيح، ونظن أن الذي حمله على الطعن في هذا الوجه حكايته له عن ابن قتيبة؛ لأن من شأنه أن يرد كل ما يأتي به ابن قتيبة وإن تعسف في الطعن عليه اهـ. وأقول: الواقع يؤيد رأي ابن قتيبة في تفضيل السمع على البصر، فكم من كفيف بلغ شأوًا عظيمًا في العلم والتعليم والنبوغ والتصنيف وقيادة الأمم، ولم نسمع ذلك في شأن الصم الذين ولدوا كذلك.]]. وأنشد لبعض من أصيب بعينيه: أصغي إلى قائدي لمخبرني ... إذا المقينا عمن يحييني لله عينن التي فجعت بها ... لو أن دهرًا بها يواتيني لو كنت خُيِّرت ما أَخَذْتُ ... بها تعميرَ نوح في ملك قارون [[الأبيات للخريمي كما في "عيون الأخبار" 4/ 57، و"الحيوان" للجاحظ 3/ 113، و"معاهد التنصيص" 1/ 253، و"الشعور بالعور" 1/ 246، و"الشعر والشعراء" ص 854، و"نكت الهيمان" ص 71.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب