الباحث القرآني

﴿ذِي المَعارِجِ﴾: المَعارِجُ لُغَةً الدَّرَجُ وهُنا اسْتِعارَةٌ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ: في الرُّتَبِ والفَواضِلِ والصِّفاتِ الحَمِيدَةِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: المَعارِجُ، السَّماواتُ تَعْرُجُ فِيها المَلائِكَةُ مِن سَماءٍ إلى سَماءٍ. وقالَ الحَسَنُ: هي المَراقِي إلى السَّماءِ، وقِيلَ: المَعارِجُ، الغُرَفُ، أيْ: جَعَلَها لِأوْلِيائِهِ في الجَنَّةِ. (تَعْرُجُ) قِراءَةُ الجُمْهُورِ بِالتّاءِ عَلى التَّأْنِيثِ، وعَبْدُ اللَّهِ والكِسائِيُّ وابْنُ مِقْسَمٍ وزائِدَةُ عَنِ الأعْمَشِ بِالياءِ. (والرُّوحُ) قالَ الجُمْهُورُ: هو جِبْرِيلُ، خُصَّ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا، وأُخِّرَ هُنا بَعْدَ المَلائِكَةِ، وقُدِّمَ في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والمَلائِكَةُ صَفًّا﴾ [النبإ: ٣٨] . وقالَ مُجاهِدٌ: مَلائِكَةٌ حَفَظَةٌ لِلْمَلائِكَةِ الحافِظِينَ لِبَنِي آدَمَ، لا تَراهُمُ الحَفَظَةُ كَما لا نَرى نَحْنُ حَفَظَتَنا. وقِيلَ: الرُّوحُ مَلَكٌ غَيْرُ جِبْرِيلُ عَظِيمُ الخِلْقَةِ. وقالَ أبُو صالِحٍ: خَلْقٌ كَهَيْئَةِ النّاسِ ولَيْسُوا بِالنّاسِ. وقالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ: رُوحُ المَيِّتِ حِينَ تُقْبَضُ إلَيْهِ، الضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى اللَّهِ تَعالى، أيْ إلى عَرْشِهِ وحَيْثُ يَهْبِطُ مِنهُ أمْرُهُ تَعالى. وقِيلَ: ”إلَيْهِ“ أيْ: إلى المَكانِ الَّذِي هو مَحِلُّهم وهو في السَّماءِ؛ لِأنَّها مَحِلُّ بِرِّهِ وكَرامَتِهِ، والظّاهِرُ أنَّ المَعْنى: أنَّها تَعْرُجُ في يَوْمٍ مِن أيّامِكم هَذِهِ، ومِقْدارُ المَسافَةِ أنْ لَوْ عَرَجَها آدَمِيٌّ خَمْسُونَ ألْفَ سَنَةٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ إسْحاقَ، وجَماعَةٌ مِنَ الحُذّاقِ مِنهُمُ القاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ. فَإنْ كانَ العارِجُ مَلَكًا، فَقالَ مُجاهِدٌ: المَسافَةُ هي مِن قَعْرِ الأرْضِ السّابِعَةِ إلى العَرْشِ. ومَن جَعَلَ الرُّوحَ جِنْسَ أنْواعِ الحَيَوانِ. قالَ وهْبٌ: المَسافَةُ مِن وجْهِ الأرْضِ إلى مُنْتَهى العَرْشِ. وقالَ عِكْرِمَةُ والحَكَمُ: أرادَ مُدَّةَ الدُّنْيا، فَإنَّها خَمْسُونَ ألْفَ سَنَةٍ لا يَدْرِي أحَدٌ ما مَضى مِنها وما بَقِيَ، أيْ: تَعْرُجُ في مُدَّةِ الدُّنْيا وبَقاءِ هَذِهِ البِنْيَةَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: هو يَوْمُ القِيامَةِ. وقِيلَ: طُولُهُ ذَلِكَ العَدَدُ، وهَذا ظاهِرُ ما جاءَ في الحَدِيثِ في مانِعِ الزَّكاةِ، فَإنَّهُ قالَ: ﴿فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ﴾ . وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: قَدَّرَهُ في رَزاياهُ وهَوْلِهِ وشِدَّتِهِ لِلْكُفّارِ ذَلِكَ العَدَدَ. وفي الحَدِيثِ: ”يَخِفُّ عَلى المُؤْمِنِ حَتّى يَكُونَ أخَفَّ عَلَيْهِ مِن صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ“ . وقالَ عِكْرِمَةُ: مِقْدارُ ما يَنْقَضِي فِيهِ مِنَ الحِسابِ قَدْرُ ما يَقْضِي بِالعَدْلِ في خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ مِن أيّامِ الدُّنْيا. وقالَ الحَسَنُ نَحْوَهُ. وقِيلَ: لا يُرادُ حَقِيقَةَ العَدَدِ، إنَّما أُرِيدَ بِهِ طُولُ المَوْقِفِ يَوْمَ القِيامَةِ وما فِيهِ مِنَ الشَّدائِدِ، والعَرَبُ تَصِفُ أيّامَ الشِّدَّةِ بِالطُّولِ، وأيّامَ الفَرَحِ بِالقِصَرِ. قالَ الشّاعِرُ يَصِفُ أيّامَ الفَرَحِ والسُّرُورِ: ؎ويَوْمٍ كَظِلِّ الرُّمْحِ قَصَّرَ طُولَهُ دَمُ الزِّقِّ عَنّا واصْطِفاقُ المَزاهِرِ والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: في يَوْمٍ مُتَعَلِّقٌ بِـ (تَعَرُّجِ) وقِيلَ: بِـ (دافِعٍ) والجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: (تَعْرُجُ) اعْتِراضٌ. ولَمّا كانُوا قَدْ سَألُوا اسْتِعْجالَ العَذابِ، وكانَ السُّؤالُ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهْزاءِ والتَّكْذِيبِ، وكانُوا قَدْ وُعِدُوا بِهِ، أمَرَهُ تَعالى بِالصَّبْرِ، ومَن جَعَلَهُ مِنَ السَّيَلانِ، فالمَعْنى: أنَّهُ أشْرَفَ عَلى الوُقُوعِ، والضَّمِيرُ في ﴿يَرَوْنَهُ﴾ عائِدٌ عَلى العَذابِ أوْ عَلى اليَوْمِ، إذا أُرِيدَ بِهِ يَوْمُ القِيامَةِ، وهَذا الِاسْتِبْعادُ هو عَلى سَبِيلِ الإحالَةِ مِنهم. ﴿ونَراهُ قَرِيبًا﴾ أيْ: هَيِّنًا في قُدْرَتِنا، غَيْرَ بَعِيدٍ عَلَيْنا ولا مُتَعَذِّرٍ، وكُلُّ ما هو آتٍ قَرِيبٌ، والبُعْدُ والقُرْبُ في الإمْكانِ لا في المَسافَةِ. ﴿يَوْمَ تَكُونُ﴾: مَنصُوبٌ بِإضْمارِ فِعْلٍ، أيْ: يَقَعُ يَوْمَ تَكُونُ، أوْ ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كالمُهْلِ﴾ كانَ (p-٣٣٤)كَيْتَ وكَيْتَ، أوْ بِـ (قَرِيبًا) أوْ بَدَلٌ مِن ضَمِيرِ ”نَراهُ“ إذا كانَ عائِدًا عَلى يَوْمِ القِيامَةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أوْ هو بَدَلٌ مِن في يَوْمٍ فِيمَن عَلَّقَهُ بِـ (واقِعٍ) . انْتَهى. ولا يَجُوزُ هَذا؛ لِأنَّ في يَوْمٍ وإنْ كانَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ لا يُبْدَلُ مِنهُ مَنصُوبٌ؛ لِأنَّ مِثْلَ هَذا لَيْسَ مِنَ المَواضِعِ الَّتِي تُراعى في التَّوابِعِ؛ لِأنَّ حَرْفَ الجَرِّ فِيها لَيْسَ بِزائِدٍ، ولا مَحْكُومٍ لَهُ بِحُكْمِ الزّائِدِ كَـ (رُبَّ) وإنَّما يَجُوزُ مُراعاةُ المَواضِعِ في حَرْفِ الجَرِّ الزّائِدِ كَقَوْلِهِ: ؎يا بَنِي لُبَيْنى لَسْتُما بِيَدٍ ∗∗∗ إلّا يَدًا لَيْسَتْ لَها عَضُدُ ولِذَلِكَ لا يَجُوزُ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ الخَيّاطِ، عَلى مُراعاةِ مَوْضِعِ بِزَيْدٍ، ولا مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وعَمْرًا، ولا غَضِبْتُ عَلى زَيْدٍ وجَعْفَرًا، ولا مَرَرْتُ بِعَمْرٍو أخاكَ عَلى مُراعاةِ المَوْضِعِ. (فَإنْ قُلْتَ): الحَرَكَةُ في (يَوْمَ) تَكُونُ حَرَكَةَ بِناءٍ لا حَرَكَةَ إعْرابٍ، فَهو مَجْرُورٌ مِثْلُ في يَوْمٍ (قُلْتُ): لا يَجُوزُ بِناؤُهُ عَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ؛ لِأنَّهُ أُضِيفَ إلى مُعْرَبٍ، لَكِنَّهُ يَجُوزُ عَلى مَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ، فَيَتَمَشّى كَلامُ الزَّمَخْشَرِيِّ عَلى مَذْهَبِهِمْ إنْ كانَ اسْتَحْضَرَهُ وقَصَدَهُ. (كالمُهْلِ) تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْهِ في سُورَةِ الدُّخانِ ﴿وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ المَنفُوشِ﴾ [القارعة: ٥] كَما في القارِعَةِ، لَمّا نُسِفَتْ طارَتْ في الجَوِّ كالصُّوفِ المَنفُوشِ إذا طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ. قالَ الحَسَنُ: تَسِيرُ الجِبالُ مَعَ الرِّياحِ، ثُمَّ تَنْهَدُّ، ثُمَّ تَصِيرُ كالعِهْنِ، ثُمَّ تُنْسَفُ فَتَصِيرُ هَباءً. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ولا يَسْألُ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، أيْ: لا يَسْألُهُ نُصْرَةً ولا مَنفَعَةً لِعِلْمِهِ أنَّهُ لا يَجِدُ ذَلِكَ عِنْدَهُ. وقالَ قَتادَةُ: لا يَسْألُهُ عَنْ حالِهِ لِأنَّها ظاهِرَةٌ. وقِيلَ: لا يَسْألُهُ أنْ يَحْمِلَ عَنْهُ مِن أوْزارِهِ شَيْئًا لِيَأْسِهِ عَنْ ذَلِكَ. وقِيلَ: شَفاعَةً. وقِيلَ: ”حَمِيمًا“ مَنصُوبٌ عَلى إسْقاطِ عَنْ، أيْ: عَنْ حَمِيمٍ، لِشَغْلِهِ بِما هو فِيهِ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ وشَيْبَةُ وأبُو جَعْفَرٍ والبَزِّيُّ بِخِلافٍ عَنْ ثَلاثَتِهِمْ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، أيْ: لا يُسْألُ إحْضارَهُ، كُلٌّ مِنَ المُؤْمِنِ والكافِرِ لَهُ سِيما يُعْرَفُ بِها. وقِيلَ: عَنْ ذُنُوبِ حَمِيمِهِ لِيُؤْخَذَ بِها. ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾: اسْتِئْنافُ كَلامٍ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: في المَحْشَرِ يُبَصَّرُ الحَمِيمُ حَمِيمَهُ، ثُمَّ يَفِرُّ عَنْهُ لِشُغْلِهِ بِنَفْسِهِ. وقِيلَ: يُبَصَّرُونَهم في النّارِ. وقِيلَ: يُبَصَّرُونَهم فَلا يَحْتاجُونَ إلى السُّؤالِ والطَّلَبِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”يُبَصَّرُونَهم“ صِفَةً، أيْ: حَمِيمًا مُبَصَّرِينَ مُصَرِّفِينَ إيّاهم. انْتَهى. و﴿حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾: نَكِرَتانِ في سِياقِ النَّفْيِ فَيَعُمّانِ، ولِذَلِكَ جُمِعَ الضَّمِيرُ. وقَرَأ قَتادَةُ: ”يُبْصِرُونَهم“ مُخَفَّفًا مَعَ كَسْرِ الصّادِ، أيْ: يُبْصِرُ المُؤْمِنُ الكافِرَ في النّارِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: يُبْصِرُ الكافِرُ مَن أضَلَّهُ في النّارِ عِبْرَةً وانْتِقامًا وحُزْنًا. ﴿يَوَدُّ المُجْرِمُ﴾ أيِ: الكافِرُ، وقَدْ يَنْدَرِجُ فِيهِ المُؤْمِنُ العاصِي الَّذِي يُعَذَّبُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: مِن عَذابِ مُضافًا. وأبُو حَيْوَةَ بِفَتْحِها. (وصاحِبَتِهِ): زَوْجَتُهُ ﴿وفَصِيلَتِهِ﴾: أقْرِباؤُهُ الأدْنُونَ ﴿تُؤْوِيهِ﴾: تَضُمُّهُ انْتِماءً إلَيْها، أوْ لِياذًا بِها في النَّوائِبِ. ﴿ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾: عَطْفٌ عَلى ﴿يَفْتَدِي﴾ أيْ: يُنْجِيهِ بِالِافْتِداءِ، أوْ مَن تَقَدَّمَ ذِكْرُهم. وقَرَأ الزُّهْرِيُّ: تُؤْوِيهِ وتُنْجِيهِ بِضَمِّ الهاءَيْنِ. (كَلّا): رَدْعٌ لِوِدادَتِهِمُ الِافْتِداءَ، وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ لا يَنْفَعُ. (إنَّها): الضَّمِيرُ لِلْقِصَّةِ، و﴿لَظى نَزّاعَةً﴾: تَفْسِيرٌ لَها أوْ لِلنّارِ الدّالِّ عَلَيْها ﴿عَذابِ يَوْمِئِذٍ﴾ و﴿لَظى﴾ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ، و﴿نَزّاعَةً﴾ خَبَرُ إنَّ أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ، و﴿لَظى﴾ خَبَرُ إنَّ أيْ: هي نَزّاعَةٌ، أوْ بَدَلٌ مِن ﴿لَظى﴾ أوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. كُلُّ هَذا ذَكَرُوهُ، وذَلِكَ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ بِرَفْعِ ”نَزّاعَةٌ“ . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ضَمِيرًا مُبْهَمًا تَرْجَمَ عَنْهُ الخَبَرُ. انْتَهى. ولا أدْرِي ما هَذا المُضْمَرُ الَّذِي تَرْجَمَ عَنْهُ الخَبَرُ، ولَيْسَ هَذا مِنَ المَواضِعِ الَّتِي يُفَسِّرُ فِيها المُفْرَدُ الضَّمِيرَ، ولَوْلا أنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ هَذا: أوْ ضَمِيرُ القِصَّةِ، لَحَمَلْتُ كَلامَهُ عَلَيْهِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ وأبُو حَيْوَةَ، والزَّعْفَرانِيُّ وابْنُ مِقْسَمٍ وحَفْصٌ واليَزِيدِيُّ في اخْتِيارِهِ ”نَزّاعَةً“ بِالنَّصْبِ، فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ ﴿لَظى﴾ خَبَرًا لِـ (إنَّ) والضَّمِيرُ في ”إنَّها“ عائِدٌ عَلى النّارِ الدّالِّ عَلَيْها (عَذابٌ) وانْتَصَبَ ”نَزّاعَةً“ عَلى الحالِ المُؤَكَّدَةِ أوِ المُبَيَّنَةِ، والعامِلُ فِيها ﴿لَظى﴾ وإنْ كانَ عامِلًا لِما فِيهِ مِن مَعْنى التَّلَظِّي، كَما عَمِلَ العَلَمُ في الظَّرْفِ في قَوْلِهِ: ؎أنا أبُو المِنهالِ بَعْضَ الأحْيانِ أيْ: المَشْهُورُ بَعْضَ (p-٣٣٥)الأحْيانِ، أوْ عَلى الِاخْتِصاصِ لِلتَّهْوِيلِ، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وكَأنَّهُ يَعْنِي القَطْعَ. فالنَّصْبُ فِيها كالرَّفْعِ فِيها، إذا أضْمَرْتَ (هو) فَتُضْمِرُ هُنا، أعْنِي تَدْعُو، أيْ حَقِيقَةً يَخْلُقُ اللَّهُ فِيها الكَلامَ كَما يَخْلُقُهُ في الأعْضاءِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ، تَدْعُوهم بِأسْمائِهِمْ وأسْماءِ آبائِهِمْ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وكَما خَلَقَهُ في الشَّجَرَةِ. انْتَهى، فَلَمْ يَتْرُكْ مَذْهَبَ الِاعْتِزالِ. وقالَ الخَلِيلُ: مَجازٌ عَنِ اسْتِدْنائِها مِنهم وما تُوقِعُهُ بِهِمْ مِن عَذابِها. وقالَ ثَعْلَبٌ: يَهْلِكُ، تَقُولُ العَرَبُ: دَعا اللَّهَ، أيْ أهْلَكَكَ، وحَكاهُ الخَلِيلُ عَنِ العَرَبِ، قالَ الشّاعِرُ: ؎لَيالِيَ يَدْعُونِي الهَوى فَأُجِيبُهُ ∗∗∗ وأعْيُنُ مَن أهْوى إلَيَّ رَوانِي (وقالَ آخَرُ): ؎تَرَفَّعَ لِلْعِيانِ وكُلُّ فَجٍّ ∗∗∗ طَباهُ الرِّعْيُ مِنهُ والخَلاءُ يَصِفُ ظَلِيمًا، وطَباهُ أيْ: دَعاهُ، والهَوى والرِّعْيُ لا يُدْعَوانِ حَقِيقَةً، ولَكِنَّهُ لَمّا كانَ فِيهِما ما يَجْذِبُ صارا داعِيَيْنِ مَجازًا. وقِيلَ: تَدْعُو، أيْ: خَزَنَةُ جَهَنَّمَ، أُضِيفَ دُعاؤُهم إلَيْها ﴿مَن أدْبَرَ﴾ عَنِ الحَقِّ ﴿وتَوَلّى وجَمَعَ فَأوْعى﴾ أيْ: وجَمَعَ المالَ، فَجَعَلَهُ في وِعاءٍ وكَنَزَهُ ولَمْ يُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ فِيهِ، وهَذِهِ إشارَةٌ إلى كُفّارٍ أغْنِياءَ. وقالَ الحَكِيمُ: كانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ لا يَرْبُطُ كِيسَهُ ويَقُولُ: سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وجَمَعَ فَأوْعى﴾ . ﴿إنَّ الإنْسانَ﴾ جِنْسٌ، ولِذَلِكَ اسْتَثْنى مِنهُ ﴿إلّا المُصَلِّينَ﴾ . وقِيلَ: الإشارَةُ إلى الكُفّارِ. وقالَ ثَعْلَبٌ: قالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طاهِرٍ: ما الهَلَعُ ؟ فَقُلْتُ: قَدْ فَسَّرَهُ اللَّهُ تَعالى، ولا يَكُونُ تَفْسِيرٌ أبْيَنَ مِن تَفْسِيرِهِ، وهو الَّذِي إذا نالَهُ شَرٌّ أظْهَرَ شِدَّةَ الجَزَعِ، وإذا نالَهُ خَيْرٌ بَخِلَ بِهِ ومَنَعَهُ النّاسَ. انْتَهى. ولَمّا كانَ شِدَّةُ الجَزَعِ والمَنعِ مُتَمَكِّنَةً في الإنْسانِ، جُعِلَ كَأنَّهُ خُلِقَ مَحْمُولًا عَلَيْهِما، كَقَوْلِهِ: ﴿خُلِقَ الإنْسانُ مِن عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] والخَيْرُ: المالُ. ﴿إلّا المُصَلِّينَ﴾: اسْتِثْناءٌ كَما قُلْنا مِنَ الإنْسانِ، ولِذَلِكَ وصَفَهم بِما وصَفَهم بِهِ مِنَ الصَّبْرِ عَلى المَكارِهِ، والصِّفاتِ الجَمِيلَةِ الَّتِي حاوَرُوها. وقَرَأ الجُمْهُورُ: عَلى صَلاتِهِمْ بِالإفْرادِ. والحَسَنُ جَمْعًا. ودَيْمُومَتُها، قالَ الجُمْهُورُ: المُواظَبَةُ عَلَيْها. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: صَلاتُها لِوَقْتِها. وقالَ عُقْبَةُ بْنُ عامِرٍ: يُقِرُّونَ فِيها ولا يَلْتَفِتُونَ يَمِينًا ولا شِمالًا، ومِنهُ المالُ الدّائِمُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: دَوامُهم عَلَيْها أنْ يُواظِبُوا عَلى أدائِها ولا يَشْتَغِلُونَ عَنْها بِشَيْءٍ، ومُحافَظَتُهم عَلَيْها أنْ يُراعُوا إسْباغَ الوُضُوءِ لَها ومَواقِيتِها، ويُقِيمُوا أرْكانَها ويُكْمِلُوها بِسُنَنِها وأدائِها، ويَحْفَظُونَها مِنَ الإحْباطِ بِاقْتِرانِ المَآثِمِ، والدَّوامِ يَرْجِعُ إلى أنْفُسِ الصَّلَواتِ والمُحافَظَةِ عَلى أحْوالِها. انْتَهى. وهو جَوابُهُ لِسُؤالِهِ: (فَإنْ قُلْتَ): كَيْفَ قالَ: ﴿عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ﴾ ثُمَّ قالَ: ﴿عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾ . وأقُولُ: إنَّ الدَّيْمُومَةَ عَلى الشَّيْءِ والمُحافَظَةِ عَلَيْهِ شَيْءٌ واحِدٌ، لَكِنَّهُ لَمّا كانَتِ الصَّلاةُ هي عَمُودُ الإسْلامِ بُولِغَ في التَّوْكِيدِ فِيها، فَذُكِرَتْ أوَّلَ خِصالِ الإسْلامِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ السُّورَةِ وآخِرَها؛ لِيُعْلَمَ مَرْتَبَتُها في الأرْكانِ الَّتِي بُنِيَ الإسْلامُ عَلَيْها، والصِّفاتُ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُها، ومُعْظَمُها في سُورَةِ قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”بِشَهادَتِهِمْ“ عَلى الإفْرادِ. والسُّلَمِيُّ وأبُو عَمْرٍو وحَفْصٌ: عَلى الجَمْعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب