الباحث القرآني
(p-٢٨٨)(سُورَةُ التَّحْرِيمِ مَدَنِيَّةٌ وهي اثْنَتا عَشْرَةَ آيَةً)
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
﴿يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاةَ أزْواجِكَ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكم تَحِلَّةَ أيْمانِكم واللَّهُ مَوْلاكم وهو العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ ﴿وإذْ أسَرَّ النَّبِيُّ إلى بَعْضِ أزْواجِهِ حَدِيثًا فَلَمّا نَبَّأتْ بِهِ وأظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وأعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمّا نَبَّأها بِهِ قالَتْ مَن أنْبَأكَ هَذا قالَ نَبَّأنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ﴾ ﴿إنْ تَتُوبا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وإنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإنَّ اللَّهَ هو مَوْلاهُ وجِبْرِيلُ وصالِحُ المُؤْمِنِينَ والمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ ﴿عَسى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْواجًا خَيْرًا مِنكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وأبْكارًا﴾ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أنْفُسَكم وأهْلِيكم نارًا وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أمَرَهم ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا اليَوْمَ إنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ .
(p-٢٨٩)هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ، وسَبَبُ نُزُولِها ما يَأْتِي ذِكْرُهُ في تَفْسِيرِ أوائِلِها، والمُناسَبَةُ بَيْنَها وبَيْنَ السُّورَةِ قَبْلَها أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ جُمْلَةً مِن أحْكامِ زَوْجاتِ المُؤْمِنِينَ، ذَكَرَ هُنا ما جَرى مِن بَعْضِ زَوْجاتِ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ . يا أيُّها النَّبِيُّ: نِداءُ إقْبالٍ وتَشْرِيفٍ وتَنْبِيهٍ بِالصِّفَةِ عَلى عِصْمَتِهِ مِمّا يَقَعُ فِيهِ مَن لَيْسَ بِمَعْصُومٍ. لِمَ تُحَرِّمُ سُؤالُ تَلَطُّفٍ؛ ولِذَلِكَ قَدَّمَ قَبْلَهُ يا أيُّها النَّبِيُّ كَما جاءَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَفا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٣] . ومَعْنى (تُحَرِّمُ) تَمْنَعُ، ولَيْسَ التَّحْرِيمُ المَشْرُوعُ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ، وإنَّما هو امْتِناعٌ لِتَطْيِيبِ خاطِرِ بَعْضِ مَن يُحْسِنُ مَعَهُ العِشْرَةَ. ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ هو مُباشَرَةُ مارِيَةَ جارِيَتِهِ، وكانَ ﷺ ألَمَّ بِها في بَيْتِ بَعْضِ نِسائِهِ، فَغارَتْ مِن ذَلِكَ صاحِبَةُ البَيْتِ، فَطَيَّبَ خاطِرَها بِامْتِناعِهِ مِنها، واسْتَكْتَمَها ذَلِكَ، فَأفْشَتْهُ إلى بَعْضِ نِسائِهِ. وقِيلَ: هو عَسَلٌ كانَ يَشْرَبُهُ عِنْدَ بَعْضِ نِسائِهِ، فَكانَ يَنْتابُ بَيْتَها لِذَلِكَ، فَغارَ بَعْضُهُنَّ مِن دُخُولِهِ بَيْتَ الَّتِي عِنْدَها العَسَلُ، وتَواصَيْنَ عَلى أنْ يَذْكُرْنَ لَهُ عَلى أنَّ رائِحَةَ ذَلِكَ العَسَلِ لَيْسَ بِطَيِّبٍ، فَقالَ: ”لا أشْرَبُهُ“ . ولِلزَّمَخْشَرِيِّ هُنا كَلامٌ أضْرَبْتُ عَنْهُ صَفْحًا، كَما ضَرَبْتُ عَنْ كَلامِهِ في قَوْلِهِ: ﴿عَفا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٣] وكَلامُهُ هَذا ونَحْوُهُ مُحَقَّقٌ قَوِيٌّ فِيهِ، ويَعْزُو إلى المَعْصُومِ ما لَيْسَ لائِقًا. فَلَوْ حَرَّمَ الإنْسانُ عَلى نَفْسِهِ شَيْئًا أحَلَّهُ اللَّهُ، كَشُرْبِ عَسَلٍ، أوْ وطْءِ سُرِّيَّةٍ. واخْتَلَفُوا إذا قالَ لِزَوْجَتِهِ: أنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ، أوِ الحَلالُ عَلَيَّ حَرامٌ، ولا يَسْتَثْنِي زَوْجَتَهُ. فَقالَ جَماعَةٌ، مِنهُمُ الشَّعْبِيُّ ومَسْرُوقٌ ورَبِيعَةُ وأبُو سَلَمَةَ وأصْبَغُ: هو كَتَحْرِيمِ الماءِ والطَّعامِ. وقالَ - تَعالى -: ﴿لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٧] والزَّوْجَةُ مِنَ الطَّيِّباتِ ومِمّا أحَلَّهُ اللَّهُ. وقالَ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وزَيْدٌ وابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ مَسْعُودٍ وعائِشَةُ وابْنُ المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ وطاوُسُ وسُلَيْمانُ بْنُ يَسارٍ وابْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ والحَسَنُ و الأوْزاعِيُّ وأبُو ثَوْرٍ وجَماعَةٌ: هو يَمِينٌ يُكَفِّرُها. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا في إحْدى رِوايَتَيْهِ، والشّافِعِيُّ في أحَدِ قَوْلَيْهِ: فِيهِ تَكْفِيرُ يَمِينٍ ولَيْسَ بِيَمِينٍ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ وسُفْيانُ والكُوفِيُّونَ: هَذا ما أرادَ مِنَ الطَّلاقِ، فَإنْ لَمْ يُرِدْ طَلاقَها فَهو لا شَيْءَ. وقالَ آخَرُونَ: كَذَلِكَ، فَإنْ لَمْ يُرِدْ فَهو يَمِينٌ. وفي التَّحْرِيرِ، قالَ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ: إنْ نَوى الطَّلاقَ فَواحِدَةٌ بائِنَةٌ، أوِ اثْنَيْنِ فَواحِدَةٌ، أوْ ثَلاثًا فَثَلاثٌ، أوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَيَمِينٌ وهو مُولٍ، أوِ الظِّهارَ فَظِهارٌ. وقالَ ابْنُ القاسِمِ: لا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ الظِّهارِ ويَكُونُ طَلاقًا. وقالَ يَحْيى بْنُ عُمَرَ: يَكُونُ، فَإنِ ارْتَجَعَها، فَلا يَجُوزُ لَهُ وطْئُها حَتّى يُكَفِّرَ كَفّارَةَ الظِّهارِ فَما زادَ مِن أعْدادِهِ، فَإنْ نَوى واحِدَةً فَرَجْعِيَّةٌ، وهو قَوْلُ الشّافِعِيِّ. وقالَ الأوْزاعِيُّ وسُفْيانُ وأبُو ثَوْرٍ أيْ: أيُّ شَيْءٍ نَوى بِهِ مِنَ الطَّلاقِ وقَعَ وإنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَقالَ سُفْيانُ: لا شَيْءَ عَلَيْهِ. وقالَ الأوْزاعِيُّ وأبُو ثَوْرٍ: تَقَعُ واحِدَةٌ. وقالَ الزُّهْرِيُّ: لَهُ نِيَّتُهُ ولا يَكُونُ أقَلَّ مِن واحِدَةٍ، فَإنْ لَمْ يَنْوِ فَلا شَيْءَ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وإنْ لَمْ يَكُنْ ظِهارًا. وقالَ أبُو قِلابَةَ وعُثْمانُ وأحْمَدُ وإسْحاقُ: التَّحْرِيمُ ظِهارٌ، فَفِيهِ كَفّارَةٌ. وقالَ الشّافِعِيُّ: إنْ نَوى أنَّها مُحَرَّمَةٌ كَظَهْرِ أُمِّهِ، فَظِهارٌ أوْ تَحْرِيمٌ عَيَّنَها بِغَيْرِ طَلاقٍ، أوْ لَمْ يَنْوِ فَكَفّارَةُ يَمِينٍ. وقالَ مالِكٌ: هي ثَلاثٌ في المَدْخُولِ بِها، ويَنْوِي في غَيْرِ المَدْخُولِ بِها، فَهو ما أرادَ مِن واحِدَةٍ أوِ اثْنَتَيْنِ أوْ ثَلاثٍ. وقالَهُ عَلِيٌّ وزَيْدٌ وأبُو هُرَيْرَةَ. وقِيلَ: في المَدْخُولِ بِها ثَلاثٌ، قالَهُ عَلِيٌّ أيْضًا، وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ والحَكَمُ. وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى وعَبْدُ المَلِكِ بْنُ الماجِشُونِ: هي ثَلاثٌ في الوَجْهَيْنِ، ولا يَنْوِي في شَيْءٍ. ورَوى ابْنُ خُوَيْزِ مَندادَ عَنْ مالِكٌ، وقالَهُ زَيْدٌ وحَمّادُ بْنُ أبِي سُلَيْمانَ: إنَّها واحِدَةٌ بائِنَةٌ في المَدْخُولِ بِها وغَيْرِ المَدْخُولِ بِها. وقالَ الزُّهْرِيُّ وعَبْدُ العَزِيزِ بْنُ الماجِشُونِ: هي واحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وقالَ أبُو مُصْعَبٍ ومُحَمَّدُ بْنُ الحَكَمِ: هي في (p-٢٩٠)الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِها واحِدَةٌ، وفي المَدْخُولِ بِها ثَلاثٌ. وفي الكَشّافِ لا يَراهُ الشّافِعِيُّ يَمِينًا، ولَكِنْ سَبَبًا في الكَفّارَةِ في النِّساءِ وحْدَهُنَّ، وإنْ نَوى الطَّلاقَ فَهو رَجْعِيٌّ. وعَنْ عُمَرَ: إذا نَوى الطَّلاقَ فَرَجْعِيٌّ. وعَنْ عَلِيٍّ: ثَلاثٌ. وعَنْ زَيْدٍ: واحِدَةٌ. وعَنْ عُثْمانَ: ظِهارٌ. انْتَهى. وقالَ أيْضًا: ولَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ لِما أحَلَّهُ: ”هو حَرامٌ عَلَيَّ“، وإنَّما امْتَنَعَ مِن مارِيَةَ لِيَمِينٍ تَقَدَّمَتْ مِنهُ، وهو قَوْلُهُ: واللَّهِ لا أقْرَبُها بَعْدَ اليَوْمِ، فَقِيلَ لَهُ: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ أيْ: لِمَ تَمْتَنِعُ مِنهُ بِسَبَبِ اليَمِينِ ؟ يَعْنِي أقْدِمْ عَلى ما حَلَفْتَ عَلَيْهِ وكَفِّرْ، ونَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وحَرَّمْنا عَلَيْهِ المَراضِعَ﴾ [القصص: ١٢] أيْ: مَنَعْناهُ مِنها. انْتَهى. و(تَبْتَغِي) في مَوْضِعِ الحالِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَفْسِيرٌ لِـ (تُحَرِّمُ) أوِ اسْتِئْنافٌ (مَرْضاةَ) رِضا أزْواجِكَ، أيْ: بِالِامْتِناعِ مِمّا أحَلَّهُ اللَّهُ لَكَ.
﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكم تَحِلَّةَ أيْمانِكُمْ﴾ . الظّاهِرُ أنَّهُ كانَ حَلَفَ عَلى أنَّهُ يَمْتَنِعُ مِن وطْءِ مارِيَةَ، أوْ مِن شُرْبِ ذَلِكَ العَسَلِ، عَلى الخِلافِ في السَّبَبِ، و(فَرَضَ) إحالَةٌ عَلى آيَةِ العُقُودِ، ﴿ولَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما عَقَّدْتُمُ الأيْمانَ﴾ [المائدة: ٨٩] . و(تَحِلَّةَ): مَصْدَرُ حَلَّلَ، كَتَكْرِمَةٍ مِن كَرَّمَ، ولَيْسَ مَصْدَرًا مَقِيسًا، والمَقِيسُ: التَّحْلِيلُ والتَّكْرِيمُ؛ لِأنَّ قِياسَ فِعْلِ الصَّحِيحِ العَيْنِ غَيْرِ المَهْمُوزِ هو التَّفْعِيلُ، وأصْلُ هَذا تَحْلِلَةٌ فَأُدْغِمَ. وعَنْ مُقاتِلٍ: أعْتَقَ رَقَبَةً في تَحْرِيمِ مارِيَةَ. وعَنِ الحَسَنِ: لَمْ يُكَفِّرْ. انْتَهى. فَدَلَّ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ يَمِينٌ. وبَعْضِ أزْواجِهِ حَفْصَةُ، والحَدِيثُ هو بِسَبَبِ مارِيَةَ. فَلَمّا نَبَّأتْ بِهِ أيْ: أخْبَرَتْ عائِشَةَ. وقِيلَ: الحَدِيثُ إنَّما هو: ”شَرِبْتُ عَسَلًا“ . وقالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرانَ: هو إسْرارُهُ إلى حَفْصَةَ أنَّ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ يَمْلِكانِ إمْرَتِي مِن بَعْدِي خِلافَةً. وقَرَأ الجُمْهُورُ: فَلَمّا نَبَّأتْ بِهِ. وطَلْحَةُ: أنْبَأتْ، والعامِلُ في إذا ”اذْكُرْ“، وذَكَرَ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّأْنِيبِ لِمَن أسَرَّ لَهُ فَأفْشاهُ. ونَبَّأ وأنْبَأ، الأصْلُ أنْ يَتَعَدَّيا إلى واحِدٍ بِأنْفُسِهِما، وإلى ثانٍ بِحَرْفِ الجَرِّ، ويَجُوزُ حَذْفُهُ فَتَقُولُ: نَبَّأتْ بِهِ، المَفْعُولُ الأوَّلُ مَحْذُوفٌ، أيْ غَيْرَها. ومَن أنْبَأكَ هَذا أيْ: بِهَذا قالَ نَبَّأنِيَ أيْ نَبَّأنِي بِهِ أوْ نَبَّأنِيهِ، فَإذا ضُمِّنَتْ مَعْنى أعْلَمَ، تَعَدَّتْ إلى ثَلاثَةِ مَفاعِيلَ، نَحْوَ قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎نُبِّئْتُ زُرْعَةَ، والسَّفاهَةُ كاسْمِها تُهْدِي إلَيَّ غَرائِبَ الأشْعارِ
﴿وأظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ أيْ: أطْلَعَهُ، أيْ: عَلى إفْشائِهِ، وكانَ قَدْ تُكُوتِمَ فِيهِ، وذَلِكَ بِإخْبارِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ. وجاءَتِ الكِنايَةُ هُنا عَنِ التَّفْشِيَةِ والحَذْفِ لِلْمُفْشى إلَيْها بِالسِّرِّ، حِياطَةً وصَوْنًا عَنِ التَّصْرِيحِ بِالِاسْمِ، إذْ لا يَتَعَلَّقُ بِالتَّصْرِيحِ بِالِاسْمِ غَرَضٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (عَرَّفَ) بِشَدِّ الرّاءِ، والمَعْنى: أعْلَمَ بِهِ وأنَّبَ عَلَيْهِ. وقَرَأ السُّلَمِيُّ والحَسَنُ وقَتادَةُ، وطَلْحَةُ والكِسائِيُّ وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةِ هارُونَ عَنْهُ: بِخَفِّ الرّاءِ، أيْ: جازى بِالعَتَبِ واللَّوْمِ، كَما تَقُولُ لِمَن يُؤْذِيكَ: لَأعْرِفَنَّ لَكَ ذَلِكَ، أيْ: لَأُجازِيَنَّكَ. وقِيلَ: إنَّهُ طَلَّقَ حَفْصَةَ وأُمِرَ بِمُراجَعَتِها. وقِيلَ: عاتَبَها ولَمْ يُطَلِّقْها. وقَرَأ ابْنُ المُسَيَّبِ وعِكْرِمَةُ: (عَرّافٌ) بِألِفٍ بَعْدَ الرّاءِ، وهي إشْباعٌ. وقالَ ابْنُ خالَوَيْهِ: ويُقالُ إنَّها لُغَةٌ يَمانِيَةٌ، ومِثالُها قَوْلُهُ:
؎أعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ العَقْرابِ ∗∗∗ الشّائِلاتِ عُقَدَ الأذْنابِ
يُرِيدُ: مِنَ العَقْرَبِ.
﴿وأعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾ أيْ: تَكَرُّمًا وحَياءً وحُسْنَ عِشْرَةٍ. قالَ الحَسَنُ: ما اسْتَقْصى كَرِيمٌ قَطُّ. وقالَ سُفْيانُ: ما زالَ التَّغافُلُ مِن فِعْلِ الكِرامِ، ومَفْعُولُ (عَرَّفَ) المُشَدَّدُ مَحْذُوفٌ، أيْ: عَرَّفَها بَعْضَهُ، أيْ: أعْلَمَ بِبَعْضِ الحَدِيثِ. وقِيلَ: المُعَرَّفُ خِلافَةُ الشَّيْخَيْنِ، والَّذِي أعْرَضَ عَنْهُ حَدِيثُ مارِيَةَ. ولَمّا أفْشَتْ حَفْصَةُ الحَدِيثَ لِـ عائِشَةَ واكْتَتَمَتْها إيّاهُ، ونَبَّأها الرَّسُولُ ﷺ بِهِ، ظَنَّتْ أنَّ عائِشَةَ فَضَحَتْها، فَقالَتْ: مَن أنْبَأكَ هَذا عَلى سَبِيلِ التَّثَبُّتِ، فَأخْبَرَها أنَّ اللَّهَ هو الَّذِي نَبَّأهُ بِهِ، فَسَكَنَتْ وسَلَّمَتْ. إنْ تَتُوبا إلى اللَّهِ انْتِقالٌ مِن غَيْبَةٍ إلى خِطابٍ، ويُسَمّى الِالتِفاتُ، والخِطابُ لِـ حَفْصَةَ وعائِشَةَ. فَقَدْ صَغَتْ مالَتْ عَنِ الصَّوابِ، وفي حَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ: راغَتْ، وأتى بِالجَمْعِ في قَوْلِهِ: (قُلُوبُكُما) وحَسَّنَ ذَلِكَ (p-٢٩١)إضافَتُهُ إلى مُثَنّى، وهو ضَمِيراهُما، والجَمْعُ في مِثْلِ هَذا أكْثَرُ اسْتِعْمالًا مِنَ المُثَنّى، والتَّثْنِيَةُ دُونَ الجَمْعِ، كَما قالَ الشّاعِرُ:
؎فَتَخالَسا نَفْسَيْهِما بِنَوافِذَ ∗∗∗ كَنَوافِذِ العُبُطِ الَّتِي لا تُرْفَعُ
وهَذا كانَ القِياسَ، وذَلِكَ أنْ يُعَبِّرَ بِالمُثَنّى عَنِ المُثَنّى، لَكِنْ كَرِهُوا اجْتِماعَ تَثْنِيَتَيْنِ فَعَدَلُوا إلى الجَمْعِ؛ لِأنَّ التَّثْنِيَةَ جَمْعٌ في المَعْنى، والإفْرادُ لا يَجُوزُ عِنْدَ أصْحابِنا إلّا في الشِّعْرِ، كَقَوْلِهِ:
؎حَمامَةَ بَطْنِ الوادِيَيْنِ تَرَنَّمِي
يُرِيدُ: بَطْنَيِ.
وغَلِطَ ابْنُ مالِكٍ، فَقالَ في كِتابِ التَّسْهِيلِ: ونَخْتارُ لَفْظَ الإفْرادِ عَلى لَفْظِ التَّثْنِيَةِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: (تَظّاهَرا) بِشَدِّ الظّاءِ، وأصْلُهُ تَتَظاهَرا، وأُدْغِمَتِ التّاءُ في الظّاءِ، وبِالأصْلِ قَرَأ عِكْرِمَةُ، وبِتَخْفِيفِ الظّاءِ قَرَأ أبُو رَجاءٍ والحَسَنُ وطَلْحَةُ وعاصِمٌ ونافِعٌ في رِوايَةٍ، وبِشَدِّ الظّاءِ والهاءِ دُونَ ألِفٍ قَرَأ أبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ، والمَعْنى: وأنْ تَتَعاوَنا عَلَيْهِ في إفْشاءِ سِرِّهِ والإفْراطِ في الغَيْرَةِ فَإنَّ اللَّهَ هو مَوْلاهُ أيْ: مُظاهِرُهُ ومُعِينُهُ، والأحْسَنُ الوَقْفُ عَلى قَوْلِهِ: (مَوْلاهُ) . ويَكُونُ (وجِبْرِيلُ) مُبْتَدَأً وما بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، والخَبَرُ (ظَهِيرٌ) . فَيَكُونُ ابْتِداءُ الجُمْلَةِ بِجِبْرِيلَ، وهو أمِينُ وحْيِ اللَّهِ واخْتِتامُهُ بِالمَلائِكَةِ. وبُدِئَ بِجِبْرِيلَ، وأُفْرِدَ بِالذِّكْرِ تَعْظِيمًا لَهُ وإظْهارًا لِمَكانَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ. ويَكُونُ قَدْ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً بِالنَّصِّ ومَرَّةً في العُمُومِ. واكْتَنَفَ صالِحُ المُؤْمِنِينَ جِبْرِيلَ تَشْرِيفًا لَهم واعْتِناءً بِهِمْ، إذْ جَعَلَهم بَيْنَ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ. فَعَلى هَذا جِبْرِيلُ داخِلٌ في الظُّهَراءِ لا في الوِلايَةِ، ويَخْتَصُّ الرَّسُولُ بِأنَّ اللَّهَ هو مَوْلاهُ. وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ وجِبْرِيلُ وصالِحُ المُؤْمِنِينَ عَطْفًا عَلى اسْمِ اللَّهِ، فَيَدْخُلانِ في الوَلايَةِ، ويَكُونُ (والمَلائِكَةُ) مُبْتَدَأً، والخَبَرُ (ظَهِيرٌ) فَيَكُونُ جِبْرِيلُ داخِلًا في الوَلايَةِ بِالنَّصِّ، وفي الظُّهَراءِ بِالعُمُومِ، والظّاهِرُ عُمُومُ وصالِحُ المُؤْمِنِينَ فَيَشْمَلُ كُلَّ صالِحٍ. وقالَ قَتادَةُ والعَلاءُ بْنُ العَلاءِ بْنِ زَيْدٍ: هُمُ الأنْبِياءُ، وتَكُونُ مُظاهَرَتُهم لَهُ كَوْنَهم قُدْوَةً، فَهم ظُهَراءُ بِهَذا المَعْنى. وقالَ عِكْرِمَةُ والضَّحّاكُ وابْنُ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٌ: المُرادُ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ، وزادَ مُجاهِدٌ: وعَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ. وقِيلَ: الصَّحابَةُ. وقِيلَ: الخُلَفاءُ. وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ: مَن بَرِئَ مِنَ النِّفاقِ، و(صالِحُ) يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ الجَمْعُ، وإنْ كانَ مُفْرَدًا فَيَكُونُ كالسّامِرِ في قَوْلِهِ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] أيْ سُمّارًا. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جَمْعًا حُذِفَتْ مِنهُ الواوُ خَطَأً لِحَذْفِها لَفْظًا، كَقَوْلِهِ: ﴿سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ﴾ [العلق: ١٨] وأفْرَدَ الظَّهِيرَ لِأنَّ المُرادَ فَوْجٌ ظَهِيرٌ، وكَثِيرًا ما يَأْتِي فَعِيلٌ نَحْوَ هَذا لِلْمُفْرَدِ والمُثَنّى والمَجْمُوعِ بِلَفْظِ المُفْرَدِ، كَأنَّهم في المُظاهَرَةِ يَدٌ واحِدَةٌ عَلى مَن يُعادِيهِ، فَما قَدْرُ تَظاهُرِ امْرَأتَيْنِ عَلى مَن هَؤُلاءِ ظُهَراؤُهُ، وذَلِكَ إشارَةٌ إلى تَظاهُرِهِما، أوْ إلى الوِلايَةِ.
وفِي الحَدِيثِ «أنَّ عُمَرَ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ لا تَكْتَرِثْ بِأمْرِ نِسائِكَ، واللَّهُ مَعَكَ، وجِبْرِيلُ مَعَكَ، وأبُو بَكْرٍ وأنا مَعَكَ، فَنَزَلَتْ» . ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ لِزَوْجاتِ النَّبِيِّ ﷺ: عَسى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ الآيَةِ، فَنَزَلَتْ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”طَلَّقَكُنَّ“ بِفَتْحِ القافِ، وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةِ ابْنِ عَبّاسٍ: بِإدْغامِها في الكافِ، وتَقَدَّمَ ذِكْرُ الخِلافِ في: أنْ يُبْدِلَهُ في سُورَةِ الكَهْفِ، والمُتَبَدَّلُ بِهِ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ المَعْنى عَلَيْهِ، تَقْدِيرُهُ: أنْ يُبْدِلَهُ خَيْرًا مِنكُنَّ؛ لِأنَّهُنَّ إذا طَلَّقَهُنَّ كانَ طَلاقُهُنَّ لِسُوءِ عِشْرَتِهِنَّ، واللَّواتِي يُبَدِّلُهُنَّ بِهَذِهِ الأوْصافِ يَكُنَّ خَيْرًا مِنهُنَّ. وبَدَأ في وصْفِهِنَّ بِالإسْلامِ، وهو الِانْقِيادُ، ثُمَّ بِالإيمانِ، وهو التَّصْدِيقُ، ثُمَّ بِالقُنُوتِ، وهو الطَّواعِيَةُ، ثُمَّ بِالتَّوْبَةِ، وهي الإقْلاعُ عَنِ الذَّنْبِ، ثُمَّ بِالعِبادَةِ، وهي التَّلَذُّذُ، ثُمَّ بِالسِّياحَةِ، وهي كِنايَةٌ عَنِ الصَّوْمِ، قالَهُ أبُو هُرَيْرَةَ وابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ والضَّحّاكُ. وقِيلَ: إنَّ الرَّسُولَ ﷺ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ، قالَهُ أيْضًا الحَسَنُ وابْنُ جُبَيْرٍ وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ وابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. قالَ الفَرّاءُ والقُتَبِيُّ: سُمِّيَ الصّائِمُ سائِحًا لِأنَّ السّائِحَ لا زادَ مَعَهُ، وإنَّما يَأْكُلُ مِن حَيْثُ يَجِدُ الطَّعامَ. وقالَ زَيْدُ بْنُ (p-٢٩٢)أسْلَمَ ويَمانٌ: مُهاجِراتٌ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَيْسَ في الإسْلامِ سِياحَةٌ إلّا الهِجْرَةَ. وقِيلَ: ذاهِباتٌ في طاعَةِ اللَّهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (سائِحاتٍ) وعَمْرُو بْنُ فائِدٍ: (سَيَّحاتٍ) وهَذِهِ الصِّفاتُ تَجْتَمِعُ، وأمّا الثُّيُوبَةُ والبَكارَةُ فَلا يَجْتَمِعانِ، فَلِذَلِكَ عُطِفَ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ، ولَوْ لَمْ يَأْتِ بِالواوِ لاخْتَلَّ المَعْنى. وذَكَرَ الجِنْسَيْنِ لِأنَّ في أزْواجِهِ ﷺ مَن تَزَوَّجَها بِكْرًا، والثَّيِّبُ: الرّاجِعُ بَعْدَ زَوالِ العُذْرَةِ، يُقالُ: ثابَتْ تَثُوبُ ثُوُوبًا، ووَزْنُهُ فَعْيِلٌ كَسَيِّدٍ.
ولَمّا وعَظَ أزْواجَ الرَّسُولِ ﷺ مَوْعِظَةً خاصَّةً، أتْبَعَ ذَلِكَ بِمَوْعِظَةٍ عامَّةٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وأهْلِيهِمْ، وعَطَفَ (وأهْلِيكم) عَلى (أنْفُسِكم) لِأنَّ رَبَّ المَنزِلِ راعٍ وهو مَسْئُولٌ عَنْ أهْلِهِ. ومَعْنى وِقايَتِهِمْ: حَمْلُهم عَلى طاعَتِهِ وإلْزامُهم أداءَ ما فُرِضَ عَلَيْهِمْ. قالَ عُمَرُ: «يا رَسُولَ اللَّهِ نَقِي أنْفُسَنا، فَكَيْفَ لَنا بِأهْلِينا ؟ قالَ: تَنْهَوْنَهُنَّ عَمّا نَهاكُمُ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وتَأْمُرُونَهُنَّ بِما أمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وِقايَةً بَيْنَهُنَّ وبَيْنَ النّارِ»، ودَخَلَ الأوْلادُ في (وأهْلِيكم) . وقِيلَ: دَخَلُوا في (أنْفُسِكم) لِأنَّ الوَلَدَ بَعْضٌ مِن أبِيهِ، فَيُعَلِّمُهُ الحَلالَ والحَرامَ ويُجَنِّبُهُ المَعاصِيَ. وقُرِئَ: ”وأهْلُوكم“ بِالواوِ، وهو مَعْطُوفٌ عَلى الضَّمِيرِ في (قُوا) وحَسُنَ العَطْفُ لِلْفَصْلِ بِالمَفْعُولِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): ألَيْسَ التَّقْدِيرُ قُوا أنْفُسَكم ولْيَقِ أهْلُوكم أنْفُسَهم ؟ (قُلْتُ): لا، ولَكِنَّ المَعْطُوفَ مُقارِنٌ في التَّقْدِيرِ لِلْواوِ، و(أنْفُسَكم) واقِعٌ بَعْدَهُ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: قُوا أنْتُمْ وأهْلُوكم أنْفُسَكم. لَمّا جُمِعَتْ مَعَ المُخاطَبِ الغائِبِ غَلَبَتْهُ عَلَيْهِ. فَجَعَلَتْ ضَمِيرَهُما مَعًا عَلى لَفْظِ المُخاطَبِ. انْتَهى. وتَناقَضَ في قَوْلِهِ هَذا لِأنَّهُ قَدَّرَ (ولْيَقِ أهْلُوكم) فَجَعَلَهُ مِن عَطْفِ الجُمَلِ؛ لِأنَّ (أهْلُوكُمُ) اسْمٌ ظاهِرٌ لا يُمْكِنُ عِنْدَهُ أنْ يَرْتَفِعَ بِفِعْلِ الأمْرِ الَّذِي لِلْمُخاطَبِ، وكَذا في قَوْلِهِ: ﴿اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥] ثُمَّ قالَ: ولَكِنَّ المَعْطُوفَ مُقارِنٌ في التَّقْدِيرِ لِلْواوُ. فَتَناقَضَ لِأنَّهُ في هَذا جَعَلَهُ مُقارِنًا في التَّقْدِيرِ لِلْواوِ، وفِيما قَبْلَهُ رَفَعَهُ بِفِعْلٍ آخَرَ غَيْرِ الرّافِعِ لِلْواوِ وهو و(لْيَقِ) وتَقَدَّمَ الخِلافُ في فَتْحِ الواوِ في قَوْلِهِ: (وقُودُها) وضَمِّها في البَقَرَةِ. وتَفْسِيرُ وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ في البَقَرَةِ عَلَيْها مَلائِكَةٌ هي الزَّبانِيَةُ التِسْعَةَ عَشَرَ وأعْوانُهم. ووَصَفَهم بِالغِلَظِ، إمّا لِشِدَّةِ أجْسامِهِمْ وقُوَّتِها، وإمّا لِفَظاظَتِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] أيْ: لَيْسَ فِيهِمْ رِقَّةٌ ولا حِنَّةٌ عَلى العُصاةِ. وانْتَصَبَ ما أمَرَهم عَلى البَدَلِ، أيْ: لا يَعْصُونَ أمْرَهُ لِقَوْلِهِ - تَعالى -: ﴿أفَعَصَيْتَ أمْرِي﴾ [طه: ٩٣] أوْ عَلى إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ. أيْ: فِيما أمَرَهم ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ. قِيلَ: كَرَّرَ المَعْنى تَوْكِيدًا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ) ألَيْسَ الجُمْلَتانِ في مَعْنًى واحِدٍ ؟ (قُلْتُ): لا فَإنَّ مَعْنى الأُولى: أنَّهم يَتَقَبَّلُونَ أوامِرَهُ ويَلْتَزِمُونَها ولا يَأْبَوْنَها ولا يُنْكِرُونَها، ومَعْنى الثّانِيَةِ: أنَّهم يُؤَدُّونَ ما يُؤْمَرُونَ، لا يَتَثاقَلُونَ عَنْهُ ولا يَتَوانُونَ فِيهِ. لا تَعْتَذِرُوا خِطابٌ لَهم عِنْدَ دُخُولِهِمُ النّارَ؛ لِأنَّهم لا يَنْفَعُهُمُ الِاعْتِذارُ، فَلا فائِدَةَ فِيهِ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَاۤ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِی مَرۡضَاتَ أَزۡوَ ٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَیۡمَـٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ","وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِیُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَ ٰجِهِۦ حَدِیثࣰا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضࣲۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَـٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِیَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡخَبِیرُ","إِن تَتُوبَاۤ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَـٰهَرَا عَلَیۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِیلُ وَصَـٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۖ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ ظَهِیرٌ","عَسَىٰ رَبُّهُۥۤ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن یُبۡدِلَهُۥۤ أَزۡوَ ٰجًا خَیۡرࣰا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَـٰتࣲ مُّؤۡمِنَـٰتࣲ قَـٰنِتَـٰتࣲ تَـٰۤىِٕبَـٰتٍ عَـٰبِدَ ٰتࣲ سَـٰۤىِٕحَـٰتࣲ ثَیِّبَـٰتࣲ وَأَبۡكَارࣰا","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ قُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِیكُمۡ نَارࣰا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَیۡهَا مَلَـٰۤىِٕكَةٌ غِلَاظࣱ شِدَادࣱ لَّا یَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَاۤ أَمَرَهُمۡ وَیَفۡعَلُونَ مَا یُؤۡمَرُونَ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَعۡتَذِرُوا۟ ٱلۡیَوۡمَۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَعۡتَذِرُوا۟ ٱلۡیَوۡمَۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق