الباحث القرآني
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ يَقُولُ: أَدِّبُوهُمْ، عَلموهم.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ يَقُولُ: اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَاتَّقُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ، ومُروا أَهْلِيكُمْ بِالذِّكْرِ، يُنْجِيكُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَوْصُوا أَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ. .
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَأْمُرُهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَأَنْ يقومَ عَلَيْهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَيَأْمُرَهُمْ بِهِ وَيُسَاعِدَهُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً، قَدعتهم عَنْهَا وَزَجَرْتَهُمْ عَنْهَا.
وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ، مِنْ قَرَابَتِهِ وَإِمَائِهِ وَعَبِيدِهِ، مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.
وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا" [[المسند (٣/٤٠٤) وسنن أبي داود برقم (٤٩٤) وسنن الترمذي برقم (٤٠٧) .]] .
هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَ ذَلِكَ [[سنن أبي داود برقم (٤٩٥) .]] .
قَالَ الْفُقَهَاءُ: وَهَكَذَا فِي الصَّوْمِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَمْرِينًا لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ، لِكَيْ يَبْلُغَ وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ وَمُجَانَبَةِ الْمَعْصِيَةِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ ﴿وَقُودُهَا﴾ أَيْ: حَطَبُهَا الَّذِي يُلْقَى فِيهَا جُثث بَنِي آدَمَ. ﴿وَالْحِجَارَةُ﴾ قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْأَصْنَامُ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ لِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٨] .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ، وَالسُّدِّيُّ: هِيَ حِجَارَةٌ مِنْ كِبْرِيتٍ -زَادَ مُجَاهِدٌ: أَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ.
وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سِنَانٍ الْمِنْقَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي رَاَّود-قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ وعنده بعض أصحابه، وفيهم شَيْخٌ، فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حِجَارَةُ جَهَنَّمَ كَحِجَارَةِ الدُّنْيَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَصَخرة مِنْ صَخْرِ جَهَنَّمَ أعظمُ مِنْ جبَال الدُّنْيَا كُلِّهَا". قَالَ: فَوَقَعَ الشيخُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَوَضَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ فَإِذَا هُوَ حَيّ فَنَادَاهُ قَالَ: "يَا شَيْخُ"، قُلْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ". فَقَالَهَا، فَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ بَيْنِنَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ١٤] هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ غَرِيبٌ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ﴾ أَيْ: طِبَاعُهُمْ غَلِيظَةٌ، قَدْ نُزِعَتْ مِنْ قُلُوبِهِمُ الرَّحْمَةُ بِالْكَافِرِينَ بِاللَّهِ، ﴿شِدَادٌ﴾ أَيْ: تَرْكِيبُهُمْ فِي غَايَةِ الشِّدَّةِ وَالْكَثَافَةِ وَالْمَنْظَرِ الْمُزْعِجِ.
قَالَ [[في م: "كما قال".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا وَصَلَ أَوَّلُ أَهْلِ النَّارِ إِلَى النَّارِ، وَجَدوا عَلَى الْبَابِ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ مِنْ خَزَنة جَهَنَّمَ، سُودٌ وُجُوهُهُمْ، كَالِحَةٌ أَنْيَابُهُمْ، قَدْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِهِمُ الرَّحْمَةَ، لَيْسَ فِي قَلْبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْقَالُ ذَرَة مِنَ الرَّحْمَةِ، لَوْ طُيِّرَ الطَّيْرُ مِنْ مَنْكِبِ أَحَدِهِمْ لَطَارَ شَهْرَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَنْكِبَهُ الْآخَرَ، ثُمَّ يَجِدُونَ عَلَى الْبَابِ التِّسْعَةَ عَشَرَ، عَرْضُ صَدْرِ أَحَدِهِمْ سَبْعُونَ خَرِيفًا، ثُمَّ يَهْوُونَ مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ يَجِدُونَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مثلَ مَا وَجَدُوا عَلَى الْبَابِ الْأَوَّلِ، حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى آخِرِهَا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ أَيْ: مَهْمَا أَمَرَهُمْ بِهِ تَعَالَى يُبَادِرُوا إِلَيْهِ، لَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى فِعْلِهِ لَيْسَ بِهِمْ عَجْزٌ عَنْهُ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الزَّبَانِيَةُ عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أَيْ: يُقَالُ لِلْكَفَرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَا تَعْتَذِرُوا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْكُمْ، وَإِنَّمَا تُجْزَوْنَ الْيَوْمَ بِأَعْمَالِكُمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ أَيْ: تَوْبَةً صَادِقَةً جَازِمَةً، تَمْحُو مَا قَبْلَهَا مِنَ السَّيِّئَاتِ وَتَلُمُّ شَعَثَ التَّائِبِ وَتَجْمَعُهُ، وَتَكُفُّهُ عَمَّا كَانَ يَتَعَاطَاهُ مِنَ الدَّنَاءَاتِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاك بْنِ حَرب: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَخْطُبُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ قَالَ: يُذْنِبُ الذَّنْبَ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ فِيهِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سِماك، عَنِ النُّعْمَانِ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ: أَنْ يَتُوبَ مِنَ الذَّنْبِ ثُمَّ لَا يَعُودُ فِيهِ، أَوْ لَا يَعُودُ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ وَغَيْرُهُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ النُّعْمَانِ، سُئِل عُمَرَ عَنِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ، فَقَالَ: أَنْ يَتُوبَ الرَّجُلُ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّئِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ قال: يتوب ثم لا يعود.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمُ الهَجَري، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "التَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ أَنْ يَتُوبَ مِنْهُ، ثُمَّ لَا يَعُودُ فِيهِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ الهَجَري، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ [[المسند (١/٤٤٦) .]] وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ هُوَ أَنْ يُقلعَ عَنِ الذَّنْبِ فِي الْحَاضِرِ، ويندمَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ فِي الْمَاضِي، ويعزِم عَلَى أَلَّا يَفْعَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. ثُمَّ إِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ رَدَّهُ إِلَيْهِ بِطَرِيقِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعقِل قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ مَرَة: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّار، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيينة، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ -وَهُوَ ابْنُ مَالِكٍ الجَزَريّ-بِهِ [[المسند (١/٣٧٦) وسنن ابن ماجة برقم (٤٢٥٢) وقال البوصيري في الزوائد (٣/٣٠٨) : "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ بُكَيْر أَبُو خَبَّابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ العَدَوي، عَنْ أَبِي سِنان الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي قِلابة، عَنْ زِرّ بْنِ حُبَيش، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قِيلَ لَنَا أَشْيَاءُ تَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عِنْدَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ، مِنْهَا نِكَاحُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي دُبُرِهَا، وَذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَمْقُتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ، وَمِنْهَا: نِكَاحُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، وَذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَمْقُتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ. وَمِنْهَا نِكَاحُ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ، وَذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَمْقُتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ. وَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ صَلَاةٌ مَا أَقَامُوا عَلَى هَذَا، حَتَّى يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا. قَالَ زِرٌّ: فَقُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: فَمَا التَّوْبَةُ النَّصُوحُ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "هُوَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ حينَ يَفرطُ مِنْكَ، فتستغفرُ اللَّهَ بِنَدَامَتِكَ مِنْهُ عِنْدَ الْحَاضِرِ، ثُمَّ لَا تَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا" [[ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (٥٤٥٧) من طريق إسماعيل الصفار، عن الحسن بن عرفة به، وقال: "إسناده ضعيف".]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ: أَنْ تُبغِض الذنبَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ، وَتَسْتَغْفِرَ مِنْهُ إِذَا ذَكَرْتَهُ.
فَأَمَّا إِذَا حَزَم بِالتَّوْبَةِ وصَمم عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تَجُب مَا قَبْلَهَا مِنَ الْخَطِيئَاتِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: "الْإِسْلَامُ يَجُب مَا قَبْلَهُ، وَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا" [[صحيح مسلم برقم (١٢١) من حديث عمرو بن العاص، رضي الله عنه.]] .
وَهَلْ مِنْ شَرْطِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ الاستمرارُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْمَمَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَفِي الْأَثَرِ: "لَا يَعُودُ فِيهِ أَبَدًا"، أَوْ يَكْفِي الْعَزْمُ عَلَى أَلَّا يَعُودَ فِي تَكْفِيرِ الماضي، بحيث لو وقع منه ذَلِكَ الذَّنْبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ ضَارًّا فِي تَكْفِيرِ مَا تَقَدَّمَ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: "التَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا؟ ". وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَحْتَجَّ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: "مَن أحسنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤاخَذ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ" [[صحيح البخاري برقم (٦٩٢١) وصحيح مسلم برقم (١٢٠) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.]] فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنَ التَّوْبَةِ، فَالتَّوْبَةُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ﴾ وَ ﴿عَسَى﴾ مِنَ اللَّهِ مُوجِبَةٌ، ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ أَيْ: وَلَا يُخْزِيهِمْ مَعَهُ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ.
﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ: هَذَا يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُونَ حِينَ يَرَون يَوْمَ الْقِيَامَةِ نورَ الْمُنَافِقِينَ قَدْ طفِئ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا ابْنِ لَهِيعة، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ وَأَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أنا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ فِي السُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ، فأنظرُ بَيْنَ يَدَيّ فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَأَنْظُرُ عَنْ يَمِينِي فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَأَنْظُرُ عَنْ شِمَالِي فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ. قَالَ: "غُرٌّ مُحجلون مِنْ آثَارِ الطُّهور [[في م: "الوضوء".]] وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ كَذَلِكَ غَيْرُهُمْ، وَأَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ يؤتَون كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، وَأَعْرِفُهُمْ بِنُورِهِمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ" [[تعظيم قدر الصلاة برقم (٢٦١) ورواه أحمد في المسند (٥/١٩٩) من هذا الطريق -طريق ابن المبارك- وعن حسن، عن ابن لهيعة به نحوه، قال المنذري في الترغيب والترهيب (١/١٥١) : "رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعو، وهو حديث في المتابعات". وهو هنا من رواية ابن المبارك وهي رواية صحيحه.]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الطَالَقَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ، لَا تُخْزِنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [[المسند (٤/٢٣٤)]] .
{"ayahs_start":6,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ قُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِیكُمۡ نَارࣰا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَیۡهَا مَلَـٰۤىِٕكَةٌ غِلَاظࣱ شِدَادࣱ لَّا یَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَاۤ أَمَرَهُمۡ وَیَفۡعَلُونَ مَا یُؤۡمَرُونَ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَعۡتَذِرُوا۟ ٱلۡیَوۡمَۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ تُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةࣰ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ یَوۡمَ لَا یُخۡزِی ٱللَّهُ ٱلنَّبِیَّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ یَسۡعَىٰ بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَبِأَیۡمَـٰنِهِمۡ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَاۤۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَعۡتَذِرُوا۟ ٱلۡیَوۡمَۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق