الباحث القرآني
﴿ساءَ مَثَلا﴾ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ كَمالِ قُبْحِ المُكَذِّبِينَ بَعْدَ البَيانِ السّابِقِ، وساءَ بِمَعْنى بِئْسَ وفاعِلُها مُضْمَرٌ ومَثَلًا تَمْيِيزٌ مُفَسِّرٌ لَهُ، ويُسْتَغْنى بِتَذْكِيرِ التَّمْيِيزِ وجَمْعِهِ وغَيْرِهِما عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِالضَّمِيرِ، وأصْلُها التَّعَدِّي لِواحِدٍ، والمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ وحَيْثُ وجَبَ صِدْقُ الفاعِلِ والتَّمْيِيزُ والمَخْصُوصُ عَلى شَيْءٍ واحِدٍ والمَثَلُ مُغايِرٌ لِلْقَوْمِ لَزِمَ تَقْدِيرُ مَحْذُوفٍ مِنَ المَخْصُوصِ وهو الظّاهِرُ أوِ التَّمْيِيزُ أيْ: ساءَ مَثَلًا مَثَلُ القَوْمِ، أوْ ساءَ أهْلٌ مَثَلُ القَوْمِ.
وفِي الحَواشِي الشِّهابِيَّةِ أنَّهُ قُرِئَ بِإضافَةِ (مَثَلُ) بِفَتْحَتَيْنِ و(مِثْلُ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ لِلْقَوْمِ ورَفْعِهِ فَساءَ لِلتَّعَجُّبِ وتَقْدِيرُها عَلى فِعْلٍ بِالضَّمِّ كَ قَضَوَ الرَّجُلُ و(مَثَلُ القَوْمِ) فاعِلٌ، أيْ: ما أسْوَأهُمْ، والمَوْصُولُ في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لِلْقَوْمِ أوْ هي بِمَعْنى بِئْسَ (ومَثَلُ) فاعِلٌ، والمَوْصُولُ هو المَخْصُوصُ في مَحَلِّ رَفْعٍ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ: مَثَلُ الَّذِينَ إلَخْ.
وقَدَّرَ أبُو حَيّانَ في هَذِهِ القِراءَةِ تَمْيِيزًا، ورَدَّهُ السَّمِينُ بِأنَّهُ لا يَحْتاجُ إلى التَّمْيِيزِ إذا كانَ الفاعِلُ ظاهِرًا حَتّى جَعَلُوا الجَمْعَ بَيْنَهُما ضَرُورَةً، وفِيهِ ثَلاثَةُ مَذاهِبَ: المَنعُ مُطْلَقًا، والجَوازُ كَذَلِكَ، والتَّفْصِيلُ؛ فَإنْ كانَ مُغايِرًا جازَ نَحْوَ: نِعْمَ الرَّجُلُ شُجاعًا زَيْدٌ، وإلّا امْتَنَعَ، وبَعْضُهم يَجْعَلُ المَخْصُوصَ مَحْذُوفًا وفي كَوْنِهِ ما هو خِلافٌ وإعادَةُ القَوْمِ مَوْصُوفًا بِالمَوْصُولِ مَعَ كِفايَةِ الضَّمِيرِ بِأنْ يُقالَ: ساءَ مَثَلًا مَثَلُهم لِلْإيذانِ بِأنَّ مَدارَ السُّوءِ ما في حَيِّزِ الصِّلَةِ ولِيَرْبُطَ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿وأنْفُسَهم كانُوا يَظْلِمُونَ﴾ بِهِ فَإنَّهُ إمّا مَعْطُوفٌ عَلى كَذَّبُوا داخِلٌ مَعَهُ في حُكْمِ الصِّلَةِ بِمَعْنى جَمَعُوا بَيْنَ أمْرَيْنِ قَبِيحَيْنِ التَّكْذِيبِ وظُلْمِهِمْ أنْفُسَهم خاصَّةً أوْ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ بِمَعْنى: وما ظَلَمُوا إلّا أنْفُسَهم فَإنَّ وبالَها لا يَتَخَطّاها، وأيًّا ما كانَ فَفي ذَلِكَ لَمْحٌ إلى أنَّ تَكْذِيبَهم بِالآياتِ مُتَضَمِّنٌ لِلظُّلْمِ بِها، وأنَّ ذَلِكَ أيْضًا مُعْتَبَرٌ في القَصْرِ المُسْتَفادِ مِنَ التَّقْدِيمِ، وصَرَّحَ الطِّيبِيُّ والقُطْبُ وغَيْرُهُما أنَّ الجُمْلَةَ عَلى تَقْدِيرِ الِانْقِطاعِ تَذْيِيلٌ وتَأْكِيدٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها، ويُشْعِرُ كَلامُ بَعْضِهِمْ أنَّ تَقْدِيمَ المَفْعُولِ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ لِرِعايَةِ الفاصِلَةِ وعَلى الوَجْهِ الثّانِي لِلْإشارَةِ إلى التَّخْصِيصِ وأنَّ سَبَبَ ظُلْمِهِمْ أنْفُسَهم هو التَّكْذِيبُ، وفِيهِ خَفاءٌ كَما لا يَخْفى، هَذا ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الآياتِ مِمّا تَرْمِي عُلَماءَ السُّوءِ بِثالِثَةِ الأثافِي، وقَدْ ذَكَرَ مَوْلانا الطِّيبِيُّ طَيَّبَ اللَّهُ ثَراهُ أنَّ مَن تَفَكَّرَ في هَذا المَثَلِ وسائِرِ الأمْثالِ المَضْرُوبَةِ في التَّنْزِيلِ في حَقِّ المُشْرِكِينَ والأصْنامِ مِن بَيْتِ العَنْكَبُوتِ والذُّبابِ تَحَقَّقَ (p-117)لَهُ أنَّ عُلَماءَ السُّوءِ أسْوَأُ وأقْبَحُ مِن ذَلِكَ، فَما أنْعاهُ مِن مَثَلٍ عَلَيْهِمْ وما هم فِيهِ مِنَ التَّهالُكِ في الدُّنْيا مالِها وجاهِها والرُّكُونِ إلى لَذّاتِها وشَهَواتِها مِن مُتابَعَةِ النَّفْسِ الأمّارَةِ وإرْخاءِ زِمامِها في مَرامِها عافانا اللَّهُ تَعالى والمُسْلِمِينَ مِن ذَلِكَ.
ونُقِلَ عَنْ مَوْلانا شَيْخِ الإسْلامِ شِهابِ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيِّ أنَّهُ كَتَبَ إلى الإمامِ فَخْرِ الدِّينِ الرّازِيِّ تَغَمَّدَهُما اللَّهُ تَعالى بِرِضْوانِهِ مِن تَعَيُّنٍ في الزَّمانِ لِنَشْرِ العِلْمِ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي لِلْمُتَيَقِّظِينَ الحُذّاقِ مِن أرْبابِ الدِّياناتِ أنْ يَمُدُّوهُ بِالدُّعاءِ الصّالِحِ لِيُصَفِّيَ اللَّهُ تَعالى مَوْرِدَ عِلْمِهِ بِحَقائِقِ التَّقْوى ومَصْدَرَهُ مِن شَوائِبِ الهَوى إذْ قَطْرَةٌ مِنَ الهَوى تُكَدِّرُ بَحْرًا مِنَ العِلْمِ ونَوازِعِ الهَوى المَرْكُوزِ في النُّفُوسِ المُسْتَصْحِبَةِ إيّاهُ مِن مَحْتِدِها مِنَ العالَمِ السُّفْلِيِّ إذا شابَتِ العِلْمَ حَطَّتْهُ مِن أوْجُهٍ، وإذا صَفَتْ مَصادِرُ العِلْمِ ومَوارِدُهُ مِنَ الهَوى أمَدَّتْهُ كَلِماتُ اللَّهِ تَعالى الَّتِي يَنْفَدُ البَحْرُ دُونَ نَفادِها، ويَبْقى العِلْمُ عَلى كَمالِ قُوَّتِهِ، وهَذِهِ رُتْبَةُ الرّاسِخِينَ في العِلْمِ لا المُتَرَسِّمِينَ بِهِ، وهم ورَثَةُ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ كَرَّ عَمَلُهم عَلى عِلْمِهِمْ وتَناوَبَ العِلْمُ والعَمَلُ فِيهِمْ حَتّى صَفَتْ أعْمالُهم ولَطَفَتْ وصارَتْ مُسامَراتٍ سِرِّيَّةً ومُحاوَراتٍ رُوحِيَّةً وتَشَكَّلَتِ الأعْمالُ بِالعُلُومِ لِمَكانِ لَطافَتِها وتَشَكَّلَتِ العُلُومُ بِالأعْمالِ لِقُوَّةِ فِعْلِها وسَرايَتِها إلى الِاسْتِعْداداتِ، وفي اتِّباعِ الهَوى إخْلادٌ إلى الأرْضِ قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها ولَكِنَّهُ أخْلَدَ إلى الأرْضِ واتَّبَعَ هَواهُ﴾ فَتَطْهِيرُ نُورِ الفِكْرَةِ عَنْ رَذائِلِ التَّخَيُّلاتِ والِارْتِهانِ بِالمَوْهُوماتِ الَّتِي أوْرَثَتِ العُقُولَ الصِّغارَ والمُداهَنَةُ لِلنُّفُوسِ القاصِرَةِ هو مِن شَأْنِ البالِغِينَ مِنَ الرِّجالِ فَتَصْحَبُ نُفُوسُهُمُ الطّاهِرَةُ المَلَأ الأعْلى فَتَسْرَحُ في مَيادِينِ القُدُسِ، فالنَّزاهَةُ مِن مِحْنَةِ حُطامِ الدُّنْيا والفِرارُ مِنَ اسْتِحْلاءِ نَظَرِ الخَلْقِ وعَقائِدِهِمْ فَتِلْكَ مُصارِعُ الأدْوانِ، وطالِبُ الرَّفِيقِ الأعْلى مُكَلَّمٌ مُحَدَّثٌ، والتَّعْرِيفاتُ الإلَهِيَّةُ وارِدَةٌ عَلَيْهِ لِمَكانِ عِلْمِهِ بِصُورَةِ الِابْتِلاءِ واسْتِئْصالِهِ شَأْفَةَ الِابْتِلاءِ بِصِدْقِ الِالتِجاءِ وكَثْرَةِ وُلُوجِهِ في حَرِيمِ القُرْبِ الإلَهِيِّ وانْغِماسِهِ مَعَ الأنْفاسِ في بِحارِ عَيْنِ اليَقِينِ وغَسْلِهِ نَفْثَ دَلائِلِ البُرْهانِ بِنُورِ العِيانِ فالبُرْهانُ لِلْأفْكارِ لا لِلْأسْرارِ إلى آخِرِ ما قالَ، ويا لَها مِن مَوْعِظَةِ حَكِيمٍ ونَصِيحَةِ حَمِيمٍ نَسْألُ اللَّهَ تَعالى أنْ يَهْدِيَنا لِما أشارَتْ إلَيْهِ.
{"ayah":"سَاۤءَ مَثَلًا ٱلۡقَوۡمُ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا وَأَنفُسَهُمۡ كَانُوا۟ یَظۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق