الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ولَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ إنْ تَرَنِ أنا أقَلَّ مِنكَ مالًا ووَلَدًا ﴾ [الكهف: ٣٩].
في هذا: مشروعيَّةُ قولِ: ﴿ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ﴾ عندَ رؤيةِ ما يَسُرُّ الإنسانَ ويُعجِبُهُ مِن النعيمِ والأشياءِ الحسَنةِ التي رُزِقَها العبدُ، وممّا يُستحَبُّ كذلك الدُّعاءُ بالبرَكةِ ممَّن يراها فيه مِن الناسِ.
الدُّعاءُ والذِّكْرُ المستحَبُّ عندَ رؤيةِ النعيمِ والفضلِ:
والواردُ عندَ رؤيةِ النعيمِ وما يَسُرُّ مِن الفضلِ قولانِ:
الأولُ لصاحبِ النعيمِ ومالكِهِ أنْ يقولَ: ما شاء اللهُ لا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ، ففي ذلك قال تعالى: ﴿ولَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ﴾، وفي ذلك نسبةُ الفضلِ إلى اللهِ، والبراءةُ مِن الحَوْلِ والقوةِ إلاَّ به، ودفعٌ لكِبْرِ النَّفْسِ وبَطَرِها واغترارِها، وذلك ظاهرٌ في قولِ اللَّهِ بعدُ: ﴿إنْ تَرَنِ أنا أقَلَّ مِنكَ مالًا ووَلَدًا ﴾، وفي هذا مِن كَسْرِ النَّفْسِ والكِبْرِ والعَيْنِ ما فيه.
ويُروى عندَ البيهقيِّ في «الأسماءِ والصفاتِ»، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبَيْرِ، أنّه كان إذا رأى مِن مالِه شيئًا يُعجِبُهُ، أو دخَلَ حائطًا مِن حيطانِهِ، قال: «ما شاءَ اللهُ لا قوةَ إلاَّ باللهِ»[[أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (٣٧١).]]، يتأوَّلُ قولَ اللَّهِ: ﴿ولَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ﴾.
وكان يفعلُ ذلك جماعةٌ مِن السلفِ، كما رَوى ابنُ أبي حاتمٍ، عن زيادِ بنِ سعدٍ، قال: «كان ابنُ شِهابٍ الزُّهْريُّ إذا دخَلَ أموالَهُ، قال: (ما شاء اللهُ، لا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ)، يتأوَّلُ قولَ اللَّهِ: ﴿ولَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ﴾»[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٧ /٢٣٦٢).]].
ورَوى عن مُطرِّفٍ، قال: «كان مالكٌ إذا دخَلَ بيتَهُ، قال: (ما شاءَ اللهُ)، قلتُ لمالكٍ: لِمَ تقولُ هذا؟ قال: ألا تَسْمَعُ اللهَ يقولُ: ﴿ولَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ﴾ الآية؟!»[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٧ /٢٣٦٢).]].
ورَوى عن حفصِ بنِ مَيْسَرةَ، قال: «رأيتُ على بابِ وهبِ بنِ مُنبِّهٍ مكتوبًا: (ما شاء اللهُ لا قوةَ إلا باللهِ)، وذلك قولُ اللَّهِ: ﴿ولَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ﴾ الآية»[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٧ /٢٣٦٢).]].
الثاني لِمَن رأى نعيمَ غيرِه: أن يَدْعُوَ بالبَرَكةِ، وذلك لِما جاء عن أبي أمامةَ بنِ سهلِ بنِ حُنَيْفٍ، قال: «مَرَّ عامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقالَ: لَمْ أرَ كاليَوْمِ ولا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ! فَما لَبِثَ أنْ لُبِطَ بِهِ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَقِيلَ لَهُ: أدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا، قالَ: (مَن تَتَّهِمُونَ بِهِ؟)، قالُوا: عامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ، قالَ: (عَلامَ يَقْتُلُ أحَدُكُمْ أخاهُ؟! إذا رَأى أحَدُكُمْ مِن أخِيهِ ما يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالبَرَكَةِ)، ثُمَّ دَعا بِماءٍ، فَأَمَرَ عامِرًا أنْ يَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وجْهَهُ ويَدَيْهِ إلى المِرْفَقَيْنِ، ورُكْبَتَيْهِ وداخِلَةَ إزارِهِ، وأَمَرَهُ أنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ»[[أخرجه أحمد (٣ /٤٨٦)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٧٥٧١)، وابن ماجه (٣٥٠٩).]].
والجمعُ بينَهما لا بأسَ به للرّائي والمالكِ، لأنّه مِن المَعانِي الحَسَنةِ، وقد روى البخاريُّ، مِن حديثِ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ، قال: كان النبيُّ ﷺ إذا صَلّى صَلاةً، أقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ، فَقالَ: (مَن رَأى مِنكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيا؟)، فَإنْ رَأى أحَدٌ قَصَّها، فَيَقُولُ: (ما شاءَ اللهُ)[[أخرجه البخاري (١٣٨٦).]]، ولكنَّه في روايةٍ في البخاريِّ، قال: «فَيُقَصُّ عَلَيْهِ ما شاءَ اللهُ أنْ يُقَصَّ»[[أخرجه البخاري (٧٠٤٧).]]، وفي روايةٍ له أُخرى، قال: «فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَن شاءَ اللهُ أنْ يَقُصَّ»[[أخرجه البخاري (٧٠٤٧).]].
وإنّما شُرِعَ الدعاءُ بالبَرَكةِ عندَ ذلك، لأنّ النَّفْسَ تجدُ عندَ استحسانِها لشيءٍ مِن نعيمٍ وفضلٍ لغيرِها شيئَيْنِ:
الأولُ: أنّها تَفقِدُهُ، وليس لدَيْها مِثلُهُ ولا أحسَنُ منه.
الثاني: تجدُ أنّ غيرَها اختَصَّ بذلك عنها.
والحَسَدُ يأتي مِن الثاني أكثَرَ مِن الأولِ، ومِن هذَيْنِ يتولَّدُ الحسدُ، وتقعُ العينُ، فشُرِعَ الدعاءُ بالبَرَكةِ لسدِّ ما تجدُهُ النفسُ، فإنّ الدعاءَ بالبرَكةِ يتضمَّنُ الزيادةَ في خيرِ مَن أُعْطِيَ، وفي ذلك دفعٌ لِما تجدُهُ مِن اختصاصِ غيرِها به، ويتضمَّنُ أنّ اللهَ هو مَن وهَبَ ورزَقَ وليس مِن تدبيرِ الناسِ واختيارِهم، وهذا يَكْسِرُ ما تجدُهُ النفسُ مِن حسدِ الناسِ على حُسْنِ تدبيرِهم، فإنّ اللهَ هو مَن وهَبَهم، وما تدبيرُهم إلاَّ سببٌ.
وأمّا ما يُذكَرُ عن النبيِّ ﷺ: (مَن رَأى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ، فَلْيَقُلْ: ما شاءَ اللهُ، لا قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ) [[أخرجه الديلمي في «الفردوس بمأثور الخطاب» (٥٦٩٧).]]، وما جاء مِن حديثِ عُقْبةَ بنِ عامرٍ: «مَن أنعَمَ اللهُ عليه بِنِعْمةٍ، فأرادَ بقاءَها، فلْيُكثِرْ مِن قولِ: لا حولَ ولا قوةَ إلاَّ باللهِ»، ثمَّ قرَأ رسولُ اللهِ ﷺ: ﴿ولَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ﴾ [[أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٨٥٩)، و«الأوسط» (١٥٥).]]، فلا يَصِحّانِ.
{"ayah":"وَلَوۡلَاۤ إِذۡ دَخَلۡتَ جَنَّتَكَ قُلۡتَ مَا شَاۤءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالࣰا وَوَلَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق