الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ المَلِكِ ولِمَن جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وأَنا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ [يوسف: ٧٢].
لمّا أُعلِنَ في الناسِ فَقْدُ صُواعِ الملِكِ ولم يُعرَفْ مكانُهُ منهم، جعَلَ لمَن يجدُهُ جائزةً، وهي حِمْلُ البعيرِ، وضَمِنَها لواجِدِها.
حُكْمُ الجِعالَةِ:
وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على مشروعيَّةِ الجِعالةِ، والجِعالةُ: هي ما يُكافَأُ به الإنسانُ على أمرٍ يفعلُهُ، وهي جائزةٌ عندَ عامَّةِ السلفِ وجماهيرِ الفقهاءِ خلافًا للحنفيَّةِ، وقد أقَرَّ النبيُّ ﷺ الصحابةَ على أخْذِهم الجِعالةَ على ما فعَلُوهُ، كما في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أبي سعيدٍ، أنَّ رَهْطًا مِن أصْحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ انْطَلَقُوا فِي سَفْرَةٍ سافَرُوها، حَتّى نَزَلُوا بِحَيٍّ مِن أحْياءِ العَرَبِ، فاسْتَضافُوهُمْ فَأَبَوْا أنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أتَيْتُمْ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ قَدْ نَزَلُوا بِكُمْ، لَعَلَّهُ أنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ، فَقالُوا: يا أيُّها الرَّهْطُ، إنَّ سَيِّدَنا لُدِغَ، فَسَعَيْنا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَهَلْ عِنْدَ أحَدٍ مِنكُمْ شَيْءٌ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، واللهِ إنِّي لَراقٍ، ولَكِنْ واللهِ لَقَدِ اسْتَضَفْناكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونا، فَما أنا بِراقٍ لَكُمْ حَتّى تَجْعَلُوا لَنا جُعْلًا، فَصالَحُوهُمْ عَلى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فانْطَلَقَ فَجَعَلَ يَتْفُلُ ويَقْرَأُ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: ٢]، حَتّى لَكَأَنَّما نُشِطَ مِن عِقالٍ، فانْطَلَقَ يَمْشِي ما بِهِ قَلَبَةٌ، قالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا، فَقالَ الَّذِي رَقى: لا تَفْعَلُوا حَتّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كانَ، فَنَنْظُرَ ما يَأْمُرُنا، فَقَدِمُوا عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَذَكَرُوا لَهُ، فَقالَ: (وما يُدْرِيكَ أنَّها رُقْيَةٌ؟! أصَبْتُمُ، اقْسِمُوا واضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ)[[أخرجه البخاري (٥٧٤٩)، ومسلم (٢٢٠١).]].
ولم يُجوِّزْها الحنفيَّةُ بحُجَّةِ الجَهالةِ والغَرَرِ فيها، وذلك أنّ النتيجةَ مظنونةٌ، ولا يُشترَطُ تعيينُ العاملِ فيها، وهذا لا يُقالُ به مع ثبوتِ الدليلِ، والشريعةُ تُراعي الحاجاتِ في صُوَرٍ فتُجِيزُها مع اشتراكِها ببعضِ وجوهِ العلةِ في المحرَّماتِ كما هو في العَرايا، والحنفيَّةُ لا يُجيزونَ العرايا، كما لا يُجيزونَ الجِعالةَ.
ونقَلَ الطحاويُّ وغيرُه حُجَّةَ الحنفيَّةِ: أنّ حديثَ جوازِ العرايا هو في الهبةِ والهديَّةِ، وهذا لا يُوافِقُ ظاهرَ الحديثِ، ولا اصطلاحَ السلفِ.
والجِعالةُ هي نوعٌ مِن أنواعِ الإجارةِ، ولكنْ ثَمَّةَ فروقٌ بينَهما:
وذلك أنّ الإجارةَ عقدٌ لازمٌ لا يجوزُ فسخُهُ، بخلافِ الجِعالةِ فليستْ عقدًا لازمًا.
وكذلك فإنّه في الجِعالةِ لا يجوزُ اشتراطُ تعجيلِ الأجرِ قبلَ العملِ الذي به يستحقُّهُ، بخلافِ الإجارةِ فيجوزُ تقديمُ الأجرِ.
والجِعالةُ فيها احتمالُ الغَرَرِ والجهالةِ في العملِ، بخلافِ الإجارةِ فلا بدَّ أن يكونَ العملُ فيها معلومًا.
والمنفعةُ في الجِعالةِ لا يستحقُّها المالكُ إلاَّ بعدَ تمامِ العملِ وإنجازِهِ، بخلافِ الإجارةِ فينتفِعُ المستأجِرُ بجزءٍ مِن العملِ.
ولا يَلزَمُ في الجِعالةِ حضورُ المُتعاقِدَيْنِ، بخلافِ الإجارةِ فلا بدَّ مِن معرفةِ أحدِهما للآخَرِ، أو معرِفةِ مَن يقومُ مقامَهما، فمَن أحضَرَ صُواعَ الملِكِ ليوسُفَ، استحَقَّ حِمْلَ البعيرِ ولو لم يكنْ معروفًا ليوسُفَ ولا خَوَّلَهُ يوسُفُ بعَيْنِه.
وقولُه تعالى: ﴿ولِمَن جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ دليلٌ على وجوبِ أن يكونَ الجُعْلُ معلومًا، فلا يصحُّ أن يكونَ الجُعْلُ مجهولًا، كمَن يقولُ: مَن جاء بكذا وكذا، فله شيءٌ، لا يُسمِّيهِ.
حُكْمُ الضَّمانِ:
قولُه تعالى: ﴿وأَنا بِهِ زَعِيمٌ ﴾: الزعيمُ هو الضامنُ والكفيلُ، كقولِهِ تعالى: ﴿سَلْهُمْ أيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ﴾ [القلم: ٤٠]، ومنه قولُه ﷺ: (أنا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ المِراءَ وإنْ كانَ مُحِقًّا، وبِبَيْتٍ فِي وسَطِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ الكَذِبَ وإنْ كانَ مازِحًا، وبِبَيْتٍ فِي أعْلى الجَنَّةِ لِمَن حَسَّنَ خُلُقَهُ) [[أخرجه أبو داود (٤٨٠٠).]]، زعيمٌ، يعني: كفيلًا، ومَن ضَمِنَ الشيءَ يجبُ عليه الوفاءُ به، وتجوزُ مُؤاخَذتُهُ عندَ تفريطِه، وقد جاء عن النبيِّ ﷺ أنّه قال: (الزَّعِيمُ غارِمٌ)، رواهُ أحمدُ وأصحابُ السنن، مِن حديثِ أبي أُمامةَ[[أخرجه أحمد (٥ /٢٦٧)، وأبو داود (٣٥٦٥)، والترمذي (١٢٦٥)، وابن ماجه (٢٤٠٥).]].
وإذا ضَمِنَ رجلٌ مالًا على أحدٍ، فلم يَفِ صاحبُ المالِ الأصليُّ بما عليه، فالعلماءُ يتَّفقونَ على أنّ الغرِيمَ الأصليَّ مُطالَبٌ بكلِّ حالٍ، ولا يسقُطُ الحقُّ عنه بمجرَّدِ وجودِ الضامنِ، ولكنِ اختلَفَ العلماءُ في صاحِبِ الحقِّ: هل يكونُ مخيَّرًا بالأخذِ ممَّن شاء منهما مِن الأصليِّ والضامنِ؟ على قولينِ:
ذهَبَ جمهورُ العلماءِ: إلى أنّه يأخُذُ ممَّن شاء منهما حتى يَستوفِيَ حقَّه، وهذا قولُ الأئمَّةِ الأربعةِ، خلافًا لمالكٍ في قولٍ له متأخِّرٍ أنّه لا يأخُذُ مِن الضامنِ حتى يَعجِزَ عن الأصليِّ، إما لِغِيابِهِ، أو إفلاسِهِ.
ويصحُّ ضمانُ الحضورِ، وهي كفالةُ بدَنِ مَن عليه دَيْنٌ، وهي صحيحةٌ عندَ عامَّةِ العلماءِ، فمَن ضَمِنَ حضورَ أحدٍ وكفَلَه، وجَبَ عليه ولَزِمَه ذلك، وقد ذهَب الشافعيُّ: إلى ضَعْفِها مِن جهةِ القياسِ، وظاهرُ الكتابِ ثبوتُها، وذلك في قولِهِ تعالى: ﴿قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إلاَّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وكِيلٌ ﴾ [يوسف: ٦٦].
{"ayah":"قَالُوا۟ نَفۡقِدُ صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ وَلِمَن جَاۤءَ بِهِۦ حِمۡلُ بَعِیرࣲ وَأَنَا۠ بِهِۦ زَعِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق