الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النّاسِ﴾.
اخْتُلِفَ في الظَّرْفِ هُنا، هَلْ هو ظَرْفٌ لِلْوَسْواسِ حِينَما يُوَسْوِسُ، فَيَكُونُ مَوْجُودًا في الصُّدُورِ، ويُوَسْوِسُ لِلْقَلْبِ، أوْ هو ظَرْفٌ لِلْوَسْوَسَةِ. ويَكُونُ المُرادُ بِالصُّدُورِ القُلُوبَ؛ لِكَوْنِها حالَةً في الصُّدُورِ مِن بابِ إطْلاقِ المَحَلِّ وإرادَةِ الحالِّ عَلى ما هو جارٍ في الأسالِيبِ البَلاغِيَّةِ.
(p-١٧٩)وَعَلى حَدِّ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلْيَدْعُ نادِيَهُ﴾ [العلق: ١٧]، أطْلَقَ النّادِيَ، وأرادَ مَن يَحِلُّ فِيهِ مِنَ القَوْمِ.
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ بَحْثُ تَعْدِيَةِ الوَسْوَسَةِ تارَةً بِإلى وتارَةً بِاللّامِ، فَفي سُورَةِ الأعْرافِ: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُما الشَّيْطانُ﴾ [الأعراف: ٢٠]، وفي طه: ﴿فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطانُ﴾ [طه: ١٢٠] .
وَحاصِلُ ما ذَكَرَهُ في الجَمْعِ بَيْنَهُما أحَدُ أمْرَيْنِ: إمّا أنَّ حُرُوفَ الجَرِّ يَنُوبُ بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ، وذَكَرَ شَواهِدَهُ، وإمّا أنْ يَكُونَ وسْوَسَ، أيْ: لِأجْلِهِ ووَسْوَسَ إلَيْهِ أيْ أنْهى إلَيْهِ الوَسْوَسَةَ، ولَكِنْ هُنا قالَ: ﴿فِي صُدُورِ النّاسِ﴾، ولَمْ يَقُلْ: إلى صُدُورِ النّاسِ، فَهَلْ هو مِن بابِ نِيابَةِ حُرُوفِ الجَرِّ بَعْضِها عَنْ بَعْضٍ أيْضًا ؟ أمْ هي ظَرْفٌ مَحْضٌ ؟
والظّاهِرُ أنَّها ظَرْفٌ، ولَكِنْ هَلْ مِنَ الظَّرْفِ لِلْوَسْواسِ، أوْ ظَرْفٌ لِلْوَسْوَسَةِ نَفْسِها ؟
وَبِالنَّظَرِ إلى كَلامِ المُفَسِّرِينَ، فَإنَّ كَلامَ ابْنِ جَرِيرٍ يَحْتَمِلُ اعْتِبارَ المَعْنَيَيْنِ بِدُونِ تَعْيِينٍ.
وَأمّا القُرْطُبِيُّ، والألُوسِيُّ، فَصَرَّحا بِما ظَهَرَ لَهُما ووَصَلا إلَيْهِ.
فَقالَ القُرْطُبِيُّ، قالَ مُقاتِلٌ: إنَّ الشَّيْطانَ في صُورَةِ خِنْزِيرٍ يَجْرِي مِن مَجْرى الدَّمِ في العُرُوقِ، سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ وذَكَرَ الحَدِيثَ: «إنَّ الشَّيْطانَ لَيَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرى الدَّمِ فَضَيِّقُوا مَجارِيَهُ» .
وَقالَ: إنَّ أبا ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيَّ قالَ: سَألْتُ رَبِّي أنْ يُرِيَنِي الشَّيْطانَ، ومَكانَهُ مِنِ ابْنِ آدَمَ، فَرَأيْتُهُ يَداهُ في يَدَيْهِ، ورِجْلاهُ في رِجْلَيْهِ، ومَشاعِيهِ في جَسَدِهِ، غَيْرَ أنْ لَهُ خَطْمًا كَخَطْمِ الكَلْبِ ؟ فَإذا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وإذا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ أخَذَ بِقَلْبِهِ.
أمّا الألُوسِيُّ فَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّقْسِيمِ الَّذِي أوْرَدْناهُ، فَقالَ: الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النّاسِ. قِيلَ: أُرِيدَ قُلُوبُهم مَجازًا.
وَقالَ بَعْضُهم: إنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ الصَّدْرَ الَّذِي هو بِمَنزِلَةِ الدِّهْلِيزِ، فَيُلْقِي مِنهُ ما يُرِيدُ إلْقاءَهُ إلى القَلْبِ ويُوَصِّلُهُ إلَيْهِ، ولا مانِعَ عَقْلًا مِن دُخُولِهِ في جَوْفِ إنْسانٍ. وساقَ الحَدِيثَ أيْضًا: «إنَّ الشَّيْطانَ يَجْرِي» إلى آخِرِهِ.
(p-١٨٠)وَمُرادُهُ بِالمَجازِ ما قَدَّمْنا مِن إطْلاقِ المَحَلِّ وإرادَةِ الحالِّ.
وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ أنَّ الشَّيْطانَ جاثِمٌ عَلى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإذا سَها وغَفَلَ وسْوَسَ، وإذا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ.
والَّذِي يَظْهَرُ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ: أنَّ الصَّدْرَ ظَرْفٌ لِلْوَسْواسِ، وأنَّهُ يُوقِعُ الوَسْوَسَةَ في القَلْبِ. عَلى ما قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَفِي لَفْظِ النّاسِ هُنا المُضافِ إلَيْهِ الصُّدُورُ: اخْتِلافٌ في المُرادِ مِنهُ، فَقِيلَ: الإنْسُ الظّاهِرُ الِاسْتِعْمالِ.
وَقِيلَ: الثَّقَلانِ: الإنْسُ والجِنُّ.
وَإنَّ إطْلاقَ النّاسِ عَلى الجِنْسِ مَسْمُوعٌ، كَما حَكاهُ القُرْطُبِيُّ. قالَ عَنْ بَعْضِ العَرَبِ: إنَّهُ كانَ يُحَدِّثُ فَجاءَ قَوْمٌ مِنَ الجِنِّ فَوَقَفُوا، فَقِيلَ: مَن أنْتُمْ: فَقالُوا: ناسٌ مِنَ الجِنِّ، وهَذا مَعْنى قَوْلِ الفَرّاءِ.
واسْتَدَلَّ صاحِبُ هَذا القَوْلِ بِطَرِيقِ القِياسِ بِاسْتِعْمالِ لَفْظَيْ رِجالٍ ونَفَرٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنِّ﴾ [الجن: ٦]، وقَوْلِهِ: ﴿وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ﴾ .
وَعَلَيْهِ يَكُونُ الوَسْواسُ المُسْتَعاذُ مِنهُ يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الجِنِّ والإنْسِ.
وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذا الوَجْهَ: ولَكِنَّهُ رَدَّهُ وضَعَّفَهُ؛ لِأنَّ لَفْظَ النّاسِ أظْهَرُ وأشْهَرُ في الإنْسِ، وهو المَعْرُوفُ في اسْتِعْمالِ القُرْآنِ، ولِأنَّهُ عَلى هَذا يَكُونُ قَسَمَ الشَّيْءَ قِسْمًا مِنهُ؛ لِأنَّهُ يَجْعَلُ النّاسَ قَسِيمَ الجِنِّ، ويَجْعَلُ الجِنَّ نَوْعًا مِنَ النّاسِ ا هـ. مُلَخَّصًا.
وَعَلى كُلٍّ فَإنَّ مَنهَجَ الأضْواءِ أنَّ ما كانَ مُحْتَمَلًا، وكانَ أكْثَرُ اسْتِعْمالاتِ القُرْآنِ لِأحَدِ الِاحْتِمالَيْنِ، فَإنَّ كَثْرَةَ اسْتِعْمالِهِ إيّاهُ تَكُونُ مُرَجَّحًا، وجَمِيعُ اسْتِعْمالاتِ القُرْآنِ لِلَفْظِ النّاسِ إنَّما هو في خُصُوصِ الإنْسِ فَقَطْ، ولَمْ تُسْتَعْمَلْ ولا مَرَّةً واحِدَةً في حَقِّ الجِنِّ مَعَ مُراعاةِ اسْتِعْمالِها في هَذِهِ السُّورَةِ وحْدَها خَمْسَ مَرّاتٍ، حَتّى سُمِّيَتْ سُورَةُ النّاسِ.
(p-١٨١)أمّا القِياسُ عَلى لَفْظَتَيْ رَجُلٍ ونَفَرٍ، فَقَدْ رَدَّهُ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أيْضًا بِأنَّهُما ورَدا مُقَيَّدَيْنِ ”رِجالٍ مِنَ الجِنِّ“، ”نَفَرًا مِنَ الجِنِّ“ .
أمّا عَلى الإطْلاقِ فَلَمْ يَرِدا، وهَكَذا لَفْظُ النّاسِ فَلا مانِعَ مِنِ اسْتِعْمالِهِ مُقَيَّدًا ناسٌ مِنَ الجِنِّ. أمّا عَلى الإطْلاقِ فَلا.
وَعَلَيْهِ فَحَيْثُ ورَدَ لَفْظُ النّاسِ هُنا مُطْلَقًا فَلا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلى الجِنِّ والإنْسِ مَعًا، بَلْ يَكُونُ خاصًّا بِالإنْسِ فَقَطْ، ويَكُونُ في صُدُورِ النّاسِ أيْ: في صُدُورِ الإنْسِ.
وَقَدْ ذَكَرَ أبُو السُّعُودِ مَعْنًى آخَرَ في لَفْظِ النّاسِ: وهو أنَّ النّاسِيَ عَنِ النِّسْيانِ، حُذِفَتِ الياءُ تَخْفِيفًا لِأنَّ الوَسْواسَ لا يُوَسْوِسُ إلّا في حِينِ النِّسْيانِ والغَفْلَةِ.
وَعَلَيْهِ يَكُونُ حَذْفُ الياءِ كَحَذْفِها مِنَ ”الدّاعِ“ في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَدْعُو الدّاعِي﴾ [القمر: ٦] ونَحْوِهِ.
وَلَكِنْ يَبْقى عَلى هَذا القَوْلِ بَيانُ مَنِ المُرادُ بِالنّاسِي، أهُوَ مِنَ الإنْسِ أمْ مِنَ الجِنِّ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنِ الِاحْتِمالَيْنِ السّابِقَيْنِ، مَعَ أنَّ هَذا القَوْلَ مِن لَوازِمِ مَعْنى الوَسْواسِ الخَنّاسِ.
وَيَرِدُ عَلى هَذا القَوْلِ جَمْعُ الصُّدُورِ وإفْرادُ النّاسِ، والجَمْعُ لا يُضافُ إلّا إلى جَمْعٍ، أيْ جَمْعُ الصُّدُورِ، لِأنَّ الفَرْدَ لَيْسَ لَهُ جَمْعٌ مِنَ الصُّدُورِ، فَيُقابِلُ الجَمْعَ بِجَمْعٍ، أوْ يَكْتَفِي بِالمُفْرَدِ بِمُفْرَدٍ.
وَقَدْ جاءَ في إضافَةِ الجَمْعِ إلى المُثَنّى في قَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما﴾ [التحريم: ٤] .
قالَ أبُو حَيّانَ: وحُسْنُهُ أنَّ المُثَنّى جَمْعٌ في المَعْنى، والجَمْعُ في مِثْلِ هَذا أكْثَرُ اسْتِعْمالًا مِنَ المُثَنّى، والتَّثْنِيَةُ دُونَ الجَمْعِ.
كَما قالَ الشّاعِرُ:
؎فَتَخالَسا نَفْسَيْهِما بِنَوافِذَ كَنَوافِذِ العُبُطِ الَّتِي لا تُرْفَعُ
(p-١٨٢)وَهَذا كانَ القِياسَ وذَلِكَ أنَّ المُعَبِّرَ عَنِ المُثَنّى بِالمُثَنّى، لَكِنْ كَرِهُوا اجْتِماعَ تَثْنِيَتَيْنِ فَعَدَلُوا إلى الجَمْعِ بِأنَّ التَّثْنِيَةَ جَمْعٌ في المَعْنى والإفْرادِ، لا يَجُوزُ عِنْدَ أصْحابِنا إلّا في الشِّعْرِ.
كَقَوْلِهِ:
؎حَمامَةَ بَطْنِ الوادِيَيْنِ تَرَنَّمِي
يُرِيدُ بَطْنَيِ، وغَلِطَ ابْنُ مالِكٍ في التَّسْهِيلِ إذْ قالَ: ونَخْتارُ الإفْرادَ عَلى لَفْظِ التَّثْنِيَةِ، فَتَراهُ غَلَّطَ ابْنَ مالِكٍ في اخْتِيارِهِ جَوازَ إضافَةِ الجَمْعِ إلى المُفْرَدِ، كَما أنَّهُ قالَ: ولا يَجُوزُ ذَلِكَ إلّا في الشِّعْرِ، وأنَّهُ مَعَ المُثَنّى لِكَراهِيَةِ اجْتِماعِ التَّثْنِيَتَيْنِ، فَظَهَرَ بُطْلانُ قَوْلِ أبِي السُّعُودِ.
أمّا الرّاجِحُ في الوَجْهَيْنِ في مَعْنى النّاسِ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُما. فَهو الوَجْهُ الأوَّلُ، وهو أنَّهُمُ الإنْسُ، وأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ﴾ [الناس: ٦]، بَيانٌ لِمَن يَقُومُ بِالوَسْوَسَةِ، أيْ: بَيانٌ لِلْوَسْواسِ الخَنّاسِ وأنَّهُ مِن كُلٍّ مِن وسْواسِ الجِنَّةِ ووَسْواسِ النّاسِ.
وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِن أُمُورٍ: مِنها: أنَّ الخِطابَ لِلرَّسُولِ ﷺ ولِأُمَّتِهِ تَبَعًا لَهُ فَهو في حَقِّ النّاسِ أظْهَرُ.
وَمِنها: أنَّنا لَوْ جَعَلْنا النّاسَ الأُولى عامَّةً لِمَن يُوَسْوِسُ إلَيْهِ كانَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسُ مَصْدَرُ الوَسْوَسَةِ، فَيَكُونُ مِن وسْواسِ النّاسِ مَن يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الجِنِّ. وهَذا بَعِيدٌ.
وَمِنها: أنَّهُ لَوْ كانَ لَفْظُ النّاسِ يَشْمَلُ الجِنَّ والإنْسَ، لَما احْتِيجَ إلى هَذا التَّقْسِيمِ ”الجِنَّةِ والنّاسِ“، واكْتَفى في الثّانِيَةِ بِما اكْتَفى بِهِ في الأُولى، وكانَ يَكُونُ الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النّاسِ مِنَ النّاسِ، ولَكِنْ جاءَ بَيانُ مَحَلِّ الوَسْوَسَةِ ”صُدُورِ النّاسِ“، ثُمَّ جاءَ مَصْدَرُ الوَسْوَسَةِ ”الجِنَّةِ والنّاسِ“، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
* * *
* تَنْبِيهٌ
ذَكَرَ أبُو حَيّانَ في آخِرِ تَفْسِيرِهِ مُقارَنَةً لَطِيفَةً بَيْنَ سُورَتَيِ المُعَوِّذَتَيْنِ، فَقالَ: ولَمّا كانَتْ مَضَرَّةُ الدِّينِ، وهي آفَةُ الوَسْوَسَةِ أعْظَمُ مِن مَضَرَّةِ الدُّنْيا وإنْ عَظُمَتْ، جاءَ البِناءُ في الِاسْتِعاذَةِ مِنها بِصِفاتٍ ثَلاثٍ: الرَّبِّ، والمَلِكِ، والإلَهِ، وإنِ اتَّحَدَ المَطْلُوبُ.
(p-١٨٣)وَفِي الِاسْتِعاذَةِ مِن ثَلاثٍ: الغاسِقِ، والنَّفّاثاتِ، والحاسِدِ، بِصِفَةٍ واحِدَةٍ وهي الرَّبُّ، وإنْ تَكَثَّرَ الَّذِي يُسْتَعاذُ مِنهُ.
وَهَذِهِ الأُخْرى لَفْتَةٌ كَرِيمَةٌ، طالَما كُنْتُ تَطَلَّعْتُ إلَيْها في وُجْهَتَيْ نَظَرٍ، إحْداهُما: بَيْنَ السُّورَتَيْنِ، والأُخْرى بَيْنَ سُورَةِ النّاسِ ونَسَقِ المُصْحَفِ الشَّرِيفِ، سَيَأْتِي إيرادُهُما إنْ شاءَ اللَّهُ.
إلّا أنَّهُ عَلى وُجْهَةِ نَظَرِ أبِي حَيّانَ، وهي أنَّهُ تَعالى في سُورَةِ الفَلَقِ جاءَ في الِاسْتِعاذَةِ بِصِفَةٍ واحِدَةٍ وهي ﴿بِرَبِّ الفَلَقِ﴾ .
وَفِي سُورَةِ النّاسِ جاءَ في الِاسْتِعاذَةِ بِثَلاثِ صِفاتٍ، مَعَ أنَّ المُسْتَعاذَ مِنهُ في الأُولى ثَلاثَةُ أُمُورٍ، والمُسْتَعاذَ مِنهُ في الثّانِيَةِ أمْرٌ واحِدٌ، فَلِخَطَرِ الأمْرِ الواحِدِ جاءَتِ الصِّفاتُ الثَّلاثُ.
وَيُقالُ أيْضًا مِن جِهَةٍ أُخْرى: إنَّ المُسْتَعاذَ مِنهُ في السُّورَةِ الأُولى أُمُورٌ تَأْتِي مِن خارِجِ الإنْسانِ، وتَأْتِيهِ اعْتِداءً عَلَيْهِ مِن غَيْرِهِ، وقَدْ تَكُونُ شُرُورًا ظاهِرَةً، ومِثْلُ ذَلِكَ قَدْ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنهُ أوِ اتِّقاؤُهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وتَجَنُّبُهُ إذا عُلِمَ بِهِ. بَيْنَما الشَّرُّ الواحِدُ في الثّانِيَةِ يَأْتِيهِ مِن داخِلِيَّتِهِ وقَدْ تَكُونُ هَواجِسُ النَّفْسِ وما لا يَقْدِرُ عَلى دَفْعِهِ، إذِ الشَّيْطانُ يَرانا ولا نَراهُ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ يَراكم هو وقَبِيلُهُ مِن حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٢٧] .
وَقَدْ يُثِيرُ عَلَيْهِ خَلَجاتِ نَفْسِهِ ونَوازِعَ فِكْرِهِ، فَلا يَجِدُ لَهُ خَلاصًا إلّا بِالِاسْتِعاذَةِ واللُّجُوءِ إلى رَبِّ النّاسِ مَلِكِ النّاسِ إلَهِ النّاسِ.
أمّا الوُجْهَتانِ اللَّتانِ نَوَّهْنا عَنْهُما، فالأُولى بَيْنَ السُّورَتَيْنِ وهي مِمّا أوْرَدَهُ أبُو حَيّانَ: إذْ في سُورَةِ الفَلَقِ قالَ: ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾ [الفلق: ١]، ورَبُّ الفَلَقِ تُعادِلُ قَوْلَهُ: ﴿رَبِّ العالَمِينَ﴾ لِأنَّهُ ما مِن مَوْجُودٍ في هَذا الكَوْنِ إلّا وهو مَفْلُوقٌ عَنْ غَيْرِهِ.
فَفِي الزَّرْعِ: ﴿فالِقُ الحَبِّ والنَّوى﴾ [الأنعام: ٩٥] .
وَفِي الزَّمَنِ ﴿فالِقُ الإصْباحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] .
(p-١٨٤)وَفِي الحَيَواناتِ: ﴿الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنها زَوْجَها وبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثِيرًا ونِساءً﴾ [النساء: ١] .
وَفِي الجَماداتِ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّ السَّماواتِ والأرْضَ كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما وجَعَلْنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿وَجَعَلْنا في الأرْضِ رَواسِيَ أنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٣٠ - ٣١] .
فَرَبُّ الفَلَقِ تُعادِلُ رَبَّ العالَمِينَ، فَقابَلَها في الِاسْتِعاذَةِ بِعُمُومِ المُسْتَعاذِ مِنهُ، ﴿مِن شَرِّ ما خَلَقَ﴾ .
ثُمَّ جاءَ ذِكْرُ الخاصِّ بَعْدَ العامِّ لِلِاهْتِمامِ بِهِ، وهو ”مِن شَرِّ غاسِقٍ إذا وقَبَ“، و ”النَّفّاثاتِ في العُقَدِ“، ”وَحاسِدٍ إذا حَسَدَ“ .
فالمُسْتَعاذُ بِهِ صِفَةٌ واحِدَةٌ، والمُسْتَعاذُ مِنهُ عُمُومُ ما خَلَقَ جُمْلَةً وتَفْصِيلًا، بَيْنَما في السُّورَةِ الثّانِيَةِ جاءَ بِالمُسْتَعاذِ بِهِ ثَلاثُ صِفاتٍ هي صِفاتُ العَظَمَةِ لِلَّهِ تَعالى: الرَّبُّ والمَلِكُ والإلَهُ.
فَقابَلَ المُسْتَعاذَ مِنهُ وهو شَيْءٌ واحِدٌ فَقَطْ، وهو الوَسْواسُ الخَنّاسُ، وهَذا يَدُلُّ عَلى شِدَّةِ خُطُورَةِ المُسْتَعاذِ مِنهُ.
وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأنَّنا لَوْ نَظَرْنا في واقِعِ الأمْرِ لَوَجَدْنا مَبْعَثَ كُلِّ فِتْنَةٍ ومُنْطَلَقَ كُلِّ شَرٍّ عاجِلًا أوْ آجِلًا، لَوَجَدْناهُ بِسَبَبِ الوَسْواسِ الخَنّاسِ. وهو مُرْتَبِطٌ بِتارِيخِ وُجُودِ الإنْسانِ.
وَأوَّلُ جِنايَةٍ وقَعَتْ عَلى الإنْسانِ الأوَّلِ، إنَّما هي مِن هَذا الوَسْواسِ الخَنّاسِ، وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا كَرَّمَآدَمَ، فَخَلَقَهُ بِيَدِهِ وأسْجَدَ المَلائِكَةَ لَهُ وأسْكَنَهُ الجَنَّةَ هو وزَوْجَهُ لا يَجُوعُ فِيها ولا يَعْرى، ولا يَظْمَأُ فِيها ولا يَضْحى، يَأْكُلانِ مِنها رَغَدًا حَيْثُ ما شاءا، إلّا مِنَ الشَّجَرَةِ المَمْنُوعَةِ، فَوَسْوَسَ إلَيْهِما الشَّيْطانُ حَتّى أكَلا مِنها ودَلّاهُما بِغُرُورٍ، حَتّى أُهْبِطُوا مِنها جَمِيعًا بَعْضُهم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ.
وَبَعْدَ سُكْناهُما الأرْضَ أتى ابْنَيْهِما قابِيلَ وهابِيلَ فَلاحَقَهُما أيْضًا بِالوَسْوَسَةِ، حَتّى طَوَّعَتْ نَفْسُ أحَدِهِما قَتْلَ أخِيهِ فَأصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ.
وَهَكَذا بِسائِرِ الإنْسانِ في حَياتِهِ بِالوَسْوَسَةِ حَتّى يُرْبِكَهُ في الدُّنْيا، ويُهْلِكَهُ في (p-١٨٥)الآخِرَةِ، ولَقَدِ اتَّخَذَ مِنَ المَرْأةِ جِسْرًا لِكُلِّ ما يُرِيدُ. وها هو يُعِيدُ الكَرَّةَ في نَزْعِ اللِّباسِ عَنْ أبَوَيْنا في الجَنَّةِ، فَيَنْتَزِعُهُ عَنْهُما في ظِلِّ بَيْتِ اللَّهِ الحَرامِ في طَوافِهِمْ قَبْلَ البَعْثَةِ ولا يَزالُ يُغْوِيهِ، وعَنْ طَرِيقِ المَرْأةِ في كُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ لِيُخْرِجَهُ عَنِ الِاسْتِقامَةِ كَما أخْرَجَ أبَوَيْهِ مِنَ الجَنَّةِ.
وَلا يَزالُ يَجْلِبُ عَلى الإنْسانِ بِخَيْلِهِ ورَجْلِهِ بارًّا بِقَسَمِهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ بِعِزَّتِهِ لَيُغْوِينَّهم أجْمَعِينَ.
وَإنَّ أخْطَرَ أبْوابِ الفَسادِ في المُجْتَمَعاتِ لَهي عَنِ المالِ أوِ الدَّمِ أوِ العِرْضِ، كَما في الحَدِيثِ في حَجَّةِ الوَداعِ: «ألا إنَّ دِماءَكم وأمْوالَكم وأعْراضَكم عَلَيْكم حَرامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكم هَذا» إلى آخِرِهِ.
وَهَلْ وُجِدَتْ جِنايَةٌ عَلى واحِدٍ مِنها إلّا مِن تَأْثِيرِ الوَسْواسِ الخَنّاسِ ؟ اللَّهُمَّ لا.
وَهَكَذا في الآخِرَةِ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى المَوْقِفَ جَلِيًّا في مَقالَةِ الشَّيْطانِ البَلِيغَةِ الصَّرِيحَةِ: ﴿وَقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الأمْرُ إنَّ اللَّهَ وعَدَكم وعْدَ الحَقِّ ووَعَدْتُكم فَأخْلَفْتُكم وما كانَ لِي عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ إلّا أنْ دَعَوْتُكم فاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكم ما أنا بِمُصْرِخِكم وما أنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إنِّي كَفَرْتُ بِما أشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ﴾ الآيَةَ [إبراهيم: ٢٢] .
وَلِقَدْ عَلِمَ عَدُوُّ المُسْلِمِينَ أنَّ أخْطَرَ سِلاحٍ عَلى الإنْسانِ هو الشَّكُّ ولا طَرِيقَ إلَيْهِ إلّا بِالوَسْوَسَةِ، فَأخَذَ عَنْ إبْلِيسَ مُهِمَّتَهُ وراحَ يُوَسْوِسُ لِلْمُسْلِمِينَ في دِينِهِمْ وفي دُنْياهم، ويُشَكِّكُهم في قُدْرَتِهِمْ عَلى الحَياةِ الكَرِيمَةِ مُسْتَقِلِّينَ عَنْهُ، ويُشَكِّكُهم في قُدْرَتِهِمْ عَلى التَّقَدُّمِ والِاسْتِقْلالِ الحَقِيقِيِّ، بَلْ وفي اسْتِطاعَتِهِمْ عَلى الإبْداعِ والِاخْتِراعِ، لِيَظَلُّوا في فَلَكِهِ ودائِرَةِ نُفُوذِهِ، فَيَبْقى المُسْلِمُونَ يَدُورُونَ في حَلْقَةٍ مُفْرَغَةٍ، يُقَدِّمُونَ رِجْلًا ويُؤَخِّرُونَ أُخْرى.
والمُتَشَكِّكُ في نَتِيجَةِ عَمَلٍ لا يُقْدِمُ عَلَيْهِ أبَدًا، بَلْ ما يَبْنِيهِ اليَوْمَ يَهْدِمُهُ غَدًا، وقَدْ أعْلَنَ عَنْ هَذِهِ النَّتِيجَةِ الخَطِيرَةِ رَئِيسُ مُؤْتَمَرِ المُسْتَشْرِقِينَ في الشَّرْقِ الأوْسَطِ، مُنْذُ أكْثَرَ مِن ثَلاثِينَ عامًا، حِينَما انْعَقَدَ المُؤْتَمَرُ في (بَيْرُوتَ) لِعَرْضِ نَتائِجِ أعْمالِهِمْ ودِراسَةِ أسالِيبِ تَبْشِيرِهِمْ.
(p-١٨٦)فَتَشَكّى المُؤْتَمِرُونَ مِن أنَّ لَهم زُهاءَ أرْبَعِينَ سَنَةً مِن عَمَلِهِمُ المُتَواصِلِ، لَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يُنَصِّرُوا مُسْلِمًا واحِدًا، فَقالَ رَئِيسُ المُؤْتَمَرِ: إذا لَمْ نَسْتَطِعْ أنْ نُنَصِّرَ مُسْلِمًا، ولَكِنِ اسْتَطَعْنا أنْ نُوجِدَ ذَبْذَبَةً في الرَّأْيِ، فَقَدْ نَجَحْنا في عَمَلِنا.
وَهَكَذا مَنهَجُ العَدُوِّ، تَشْكِيكٌ في قَضايا الإسْلامِ لِيُوجِدَ ذَبْذَبَةً في عَقِيدَةِ المُسْلِمِينَ، فَعَنْ طَرِيقِ المِيراثِ تارَةً، وعَنْ طَرِيقِ تَعَدُّدِ الزَّوْجاتِ أُخْرى، وعَنْ دَوافِعِ القِتالِ، وعَنِ اسْتِرْقاقِ الرَّقِيقِ، وعَنْ وعَنْ.
حَتّى وُجِدَ مِن أبْناءِ المُسْلِمِينَ مَن يَتَخَطّى حُدُودَ الشَّكِّ إلى التَّصْدِيقِ، وأخَذَ يَدْعُو إلى ما يَدْعُو إلَيْهِ العَدُوُّ، وما ذاكَ كُلُّهُ إلّا حَصادُ ونَتائِجُ الوَسْواسِ الخَنّاسِ.
فَلا غَرْوَ إذًا أنْ تُجْمَعَ الصِّفاتُ الجَلِيلَةُ الثَّلاثُ: ﴿بِرَبِّ النّاسِ﴾ ٣٠ ﴿مَلِكِ النّاسِ﴾ ٣٠ ﴿إلَهِ النّاسِ﴾ .
هَذِهِ وُجْهَةُ النَّظَرِ الأُولى بَيْنَ سُورَتَيِ الفَلَقِ والنّاسِ.
أمّا الوُجْهَةُ الثّانِيَةُ وهي بَيْنَ سُورَةِ النّاسِ ونَسَقِ المُصْحَفِ الشَّرِيفِ، بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ ﴿صِراطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٢ - ٧] .
وَفِي هَذِهِ البِدايَةِ الكَرِيمَةِ بَثُّ الطُّمَأْنِينَةِ في القَلْبِ المُعَبَّرِ عَنْها بِالحَمْدِ، عُنْوانِ الرِّضى والسَّعادَةِ والإقْرارِ لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، ثُمَّ الإيمانُ بِالبَعْثِ والإقْرارِ لِلَّهِ بِمُلْكِ يَوْمِ الدِّينِ، ثُمَّ الِالتِزامُ بِالعِبادَةِ لِلَّهِ وحْدَهُ والِالتِجاءُ إلَيْهِ مُسْتَعِينًا بِهِ، مُسْتَهْدِيًا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ، سائِلًا صُحْبَةَ الَّذِينَ أنْعَمَ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَها مُباشَرَةً في أوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] أيْ: إنَّ الهُدى الَّذِي تَنْشُدُهُ إلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، فَهو في هَذا الكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ، ثُمَّ بَيَّنَ المُتَّقِينَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وبِالآخِرَةِ هم يُوقِنُونَ﴾ [البقرة: ٣ - ٤] .
وَمَرَّةً أُخْرى لِلتَّأْكِيدِ: أُولَئِكَ لا سِواهم ﴿عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] .
(p-١٨٧)ثُمَّ تَتَرَسَّلُ السُّورَةُ في تَقْسِيمِ النّاسِ إلى الأقْسامِ الثَّلاثَةِ: مُؤْمِنِينَ، وكافِرِينَ، ومُذَبْذَبِينَ بَيْنَ بَيْنَ، وهُمُ المُنافِقُونَ.
ثُمَّ يَأْتِي النِّداءُ الصَّرِيحُ وهو أوَّلُ نِداءٍ في المُصْحَفِ لِعُمُومِ النّاسِ ﴿ياأيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: ٢١]، ويُقِيمُ البَراهِينَ عَلى اسْتِحْقاقِهِ لِلْعِبادَةِ وعَلى إمْكانِ البَعْثِ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِي خَلَقَكم والَّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِراشًا والسَّماءَ بِناءً وأنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقًا لَكم فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أنْدادًا وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١ - ٢٢] .
وَبَعْدَ تَقْرِيرِ الأصْلِ وهي العَقِيدَةُ، تَمْضِي السُّورَةُ في ذِكْرِ فُرُوعِ الإسْلامِ، فَتَشْتَمِلُ عَلى أرْكانِ الإسْلامِ كُلِّها وعَلى كَثِيرٍ مِن مَسائِلِ المُعامَلاتِ والجِهادِ، وقَلَّ بابٌ مِن أبْوابِ الفِقْهِ إلّا ولَهُ ذِكْرٌ في هَذِهِ السُّورَةِ، ويَأْتِي ما بَعْدَها مُبَيِّنًا لِما أُجْمِلَ فِيها أوْ لِما يُذْكَرُ ضِمْنَها.
وَهَكَذا حَتّى يَنْتَهِيَ القُرْآنُ بِكَمالِ الشَّرِيعَةِ وتَمامِ الدِّينِ.
وَلِما جاءَ في وصْفِ المُتَّقِينَ المُهْتَدِينَ في أوَّلِ المُصْحَفِ، أنَّهم يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ ومِنهُ الإيمانُ بِاليَوْمِ الآخِرِ وما فِيهِ مِن حِسابٍ وعِقابٍ وثَوابٍ - أُمُورُ الغَيْبِ تَسْتَلْزِمُ اليَقِينَ - لِتُرَتِّبَ الجَزاءَ عَلَيْهِ ثَوابًا أوْ عِقابًا.
والثَّوابُ والعِقابُ هُما نَتِيجَةُ الفِعْلِ والتَّرْكِ.
والفِعْلُ والتَّرْكُ: هُما مَناطُ التَّكْلِيفِ، لِأنَّ الإنْسانَ يَمْتَثِلُ الأمْرَ رَجاءَ الثَّوابِ، ويَكُفُّ عَنْ مُتَعَلِّقِ النَّهْيِ مَخافَةَ العِقابِ.
فَلَكَأنَّ نَسَقَ المُصْحَفِ الشَّرِيفِ يُشِيرُ إلى ضَرُورَةِ ما يَجِبُ الِانْتِباهُ إلَيْهِ مِن أنَّ القُرْآنَ بَدَأ بِالحَمْدِ ثَناءً عَلى اللَّهِ بِما أنْعَمَ عَلى الإنْسانِ بِإنْزالِهِ، وإرْسالِ الرَّسُولِ صاحِبِهِ بِهِ، ثُمَّ نَقَلَهُ مِن عالَمِ الدُّنْيا إلى عالَمِ الآخِرَةِ، وهو الأعْظَمُ قَدْرًا وخَطَرًا، ثُمَّ رَسَمَ لَهُ الطَّرِيقَ الَّذِي سَلَكَهُ المُهْتَدُونَ أُهْلُ الإنْعامِ والرِّضى، ثُمَّ أوْقَفَهُ عَلَيْهِ لِيَسْلُكَ سَبِيلَهم.
وَهَكَذا إلى أنْ جاءَ بِهِ بَعْدَ كَمالِ البَيانِ والإرْشادِ والهِدايَةِ، جاءَ بِهِ إلى نِهايَةِ هَذا الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، فاسْتَوْقَفَهُ لِيَقُولَ لَهُ إذا اطْمَأْنَنْتَ لِهَذا الدِّينِ، وآمَنتَ بِاللَّهِ رَبِّ (p-١٨٨)العالَمِينَ، واعْتَقَدْتَ مَجِيءَ يَوْمِ الدِّينِ، وعَرَفْتَ طَرِيقَ المُهْتَدِينَ ورَأيْتَ أقْسامَ النّاسِ الثَّلاثِ مُؤْمِنِينَ وكافِرِينَ ومُنافِقِينَ، ونِهايَةَ كُلٍّ مِنهم، فالزَمْ هَذا الكِتابَ، وسِرْ عَلى هَذا الصِّراطِ ورافِقْ أهْلَ الإنْعامِ، وجانِبِ المَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ والضّالِّينَ، واحْذَرْ مِن مَسْلَكِ المُنافِقِينَ المُتَشَكِّكِينَ، وحاذِرْ كُلَّ الحَذَرِ مِن مُوجِبِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وهو الوَسْواسُ الخَنّاسُ، أنْ يُشَكِّكَكَ في مُتَعَلِّقاتِ الإيمانِ، أوْ في اسْتِواءِ طَرِيقِكَ واسْتِقامَتِهِ أوْ في عِصْمَةِ كِتابِكَ وكَمالِهِ، وكُنْ عَلى يَقِينٍ مِمّا أنْتَ عَلَيْهِ، ولا تَنْسَ خَطَرَهُ عَلى أبَوَيْكَ مِن قَبْلُ، إذْ هُما في الجَنَّةِ دارِ السَّلامِ ولَمْ يَسْلَما مِنهُ، ودَلّاهُما بِغُرُورٍ فَحاذِرْ مِنهُ ولُذْ بِي كُلَّما ألَمَّ بِكَ أوْ مَسَّكَ طائِفٌ مِنهُ، وكُنْ كَسَلَفِكَ الصّالِحِ ﴿إذا مَسَّهم طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإذا هم مُبْصِرُونَ﴾ [الأنفال: ٢٠١] .
وَقَدْ عَلِمْتَ عَداوَتَهُ لَكَ مِن بَعْدُ، وعَداوَتُهُ ناشِئَةٌ عَنِ الحَسَدِ.
وَلَكَأنَّ ارْتِباطَ السُّورَتَيْنِ لَيُشِيرَ إلى مَنشَأِ تِلْكَ العَداوَةِ وارْتِباطِها بِهَذا التَّحْذِيرِ، إذْ في الأُولى: ومِن شَرِّ حاسِدٍ إذا حَسَدَ، فَحَسَدَ الشَّيْطانُ آدَمَ عَلى إكْرامِ اللَّهِ إيّاهُ كَما أسْلَفْنا.
والعَدُوُّ الحاسِدُ لا يُرْضِيهِ إلّا زَوالُ النِّعْمَةِ عَنِ المَحْسُودِ، ولَئِنْ كانَتْ تَوْبَةُ آدَمَ هي سَبِيلُ نَجاتِهِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتَلَقّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٣٧] .
فَنَجاتُكَ أيْضًا في كَلِماتٍ تَسْتَعِيذُ بِها مِن عَدُوِّكَ: بِرَبِّ النّاسِ مَلِكِ النّاسِ إلَهِ النّاسِ؛ لِأنَّ الرَّبَّ هو الَّذِي يَرْحَمُ عِبادَهُ، ومَلِكَ النّاسِ هو الَّذِي يَحْمِيهِمْ ويَحْفَظُهم ويَحْرُسُهم. وإلَهَ النّاسِ الَّذِي يَتَألَّهُونَ إلَيْهِ ويَتَضَرَّعُونَ ويَلُوذُونَ بِهِ سُبْحانَهُ.
* * *
* تَنْبِيهٌ
إذا كانَ هَذا كُلُّهُ خَطَرَ الوَسْواسِ الخَنّاسِ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ، وهُما عَدُوٌّ مُشْتَرَكٌ ومُتَرَبِّصٌ حاقِدٌ حاسِدٌ، فَما طَرِيقُ النَّجاةِ مِنهُ ؟
الَّذِي يَظْهَرُ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ: أنَّ طَرِيقَ النَّجاةِ تَعْتَمِدُ عَلى أمْرَيْنِ:
الأوَّلُ: يُؤْخَذُ مِن عُمُوماتِ الكِتابِ والسُّنَّةِ.
(p-١٨٩)والثّانِي: سَمِعْتُهُ مِنَ الشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ.
أمّا الأوَّلُ فَهو: إذا كانَتْ مُهِمَّةُ الوَسْوَسَةِ التَّشْكِيكَ والذَّبْذَبَةَ والتَّرَدُّدَ، فَإنَّ عُمُوماتِ التَّكْلِيفِ تُلْزِمُ المُسْلِمَ بِالعَزْمِ واليَقِينِ والمُضِيِّ دُونَ تَرَدُّدٍ كَما في قَوْلِهِ: ﴿فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩]، وامْتَدَحَ بَعْضَ الرُّسُلِ بِالعَزْمِ وأمَرَ بِالِاقْتِداءِ بِهِمْ: ﴿فاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥] .
وَقالَ ﷺ: «دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ» .
والقاعِدَةُ الفِقْهِيَّةُ ”اليَقِينُ لا يُرْفَعُ بِشَكٍّ“ .
والحَدِيثُ: «يَأْتِي الشَّيْطانُ لِأحَدِكم وهو في الصَّلاةِ فَيَنْفُخُ في مَقْعَدَتِهِ، فَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّهُ أحْدَثَ ولَمْ يُحْدِثْ، فَلا يَنْصَرِفْ حَتّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أوْ يَجِدَ رِيحًا» .
وَمِن هَنا كانَتِ التَّكالِيفُ كُلُّها عَلى اليَقِينِ، فالعَقائِدُ لا بُدَّ فِيها مِنَ اليَقِينِ.
والفُرُوعُ في العِباداتِ لا بُدَّ فِيها مِنَ النِّيَّةِ «إنَّما الأعْمالُ بِالنِّيّاتِ» .
والشَّرْطُ في النِّيَّةِ الجَزْمُ واليَقِينُ، فَلَوْ نَوى الصَّلاةَ عَلى أنَّهُ إنْ حَضَرَ فُلانٌ تَرَكَها، لا تَنْعَقِدُ نِيَّتُهُ، ولَوْ نَوى صَوْمًا أنَّهُ إنْ شاءَ أفْطَرَ، لا يَنْعَقِدُ صَوْمُهُ.
وَنَصَّ مالِكٌ في المُوَطَّأِ: أنَّهُ إنْ نَوى لِيَوْمِ الشَّكِّ في لَيْلَتِهِ الصَّوْمَ غَدًا، عَلى أنَّهُ إنْ صَحَّ مِن رَمَضانَ فَهو لِرَمَضانَ، وإلّا فَهو نافِلَةٌ، لا يَنْعَقِدُ صَوْمُهُ لا فَرْضًا ولا نَفْلًا حَتّى لَوْ جاءَ رَمَضانُ لا يُعْتَبَرُ لَهُ مِنهُ، وعَلَيْهِ قَضاؤُهُ لِعَدَمِ الجَزْمِ بِالنِّيَّةِ.
والحَجُّ: لَوْ نَواهُ لَزِمَهُ ولَزِمَهُ المُضِيُّ فِيهِ، ولا يَمْلِكُ الخُرُوجَ مِنهُ بِاخْتِيارِهِ.
وَهَكَذا المُعامَلاتُ في جَمِيعِ العُقُودِ مَبْناها عَلى الجَزْمِ حَتّى في المَزْحِ واللَّعِبِ، يُؤاخَذُ في البَعْضِ كالنِّكاحِ والطَّلاقِ والعَتاقِ.
فَمِن هَذا كُلِّهِ كانَتْ دَوافِعُ العَزِيمَةِ مُسْتَقاةٌ مِنَ التَّكالِيفِ، مِمّا يَقْضِي عَلى نَوازِعِ الشَّكِّ والتَّرَدُّدِ، ولَمْ يَبْقَ في قَلْبِ المُؤْمِنِ مَجالٌ لِشَكٍّ ولا مَحَلٌّ لِوَسْوَسَةٍ.
وَقَدْ كانَ الشَّيْطانُ يَفِرُّ مِن طَرِيقِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(p-١٩٠)أمّا الَّذِي كُنْتُ سَمِعْتُهُ مِنَ الشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: لَقَدْ عَلَّمَنا اللَّهُ كَيْفِيَّةَ اتِّقاءِ العَدُوِّ مِنَ الإنْسِ ومِنَ الجِنِّ.
أمّا العَدُوُّ مِنَ الإنْسِ فَفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤] .
فَدَلَّ عَلى أنَّ مُقابَلَةَ إساءَةِ العَدُوِّ بِالإحْسانِ إلَيْهِ تُذْهِبُ عَداوَتَهُ، وتُكْسِبُ صَداقَتَهُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ .
وَأمّا عَدُوُّ الجِنِّ فَفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هو السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ [فصلت: ٣٦] .
وَهُوَ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ ما تَقَدَّمَ مِنَ الآثارِ مِن أنَّ الشَّيْطانَ يَخْنَسُ إذا سَمِعَ ذِكْرَ اللَّهِ.
وَعَلى قَوْلِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإنَّ شَيْطانَ الجِنِّ يَنْدَفِعُ بِالِاسْتِعاذَةِ مِنهُ بِاللَّهِ، ويَكْفِيهِ ذَلِكَ؛ لِأنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفًا.
أمّا شَيْطانُ الإنْسِ فَهو في حاجَةٍ إلى مُصانَعَةٍ ومُدافَعَةٍ والصَّبْرِ عَلَيْهِ، كَما يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما يُلَقّاها إلّا الَّذِينَ صَبَرُوا وما يُلَقّاها إلّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٥] .
رَزَقَنا اللَّهُ تَعالى وجَمِيعَ المُسْلِمِينَ حَظًّا عَظِيمًا في الدُّنْيا والآخِرَةِ، إنَّهُ المَسْئُولُ، وخَيْرُ مَأْمُولٍ.
رَوى ابْنُ كَثِيرٍ حَدِيثَ أبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «كانَ يَتَعَوَّذُ مِن أعْيُنِ الجِنِّ والإنْسِ، فَلَمّا نَزَلَتِ المُعَوِّذَتانِ أخَذَ بِهِما وتَرَكَ ما سِواهُما» رَواهُ التِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ، وقالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الأسْلَمِيِّ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وضَعَ يَدَهُ عَلى صَدْرِهِ ثُمَّ قالَ: ”قُلْ“: فَلَمْ أدْرِ ما أقُولُ. ثُمَّ قالَ لِي: ”قُلْ“ . فَقُلْتُ: هو اللَّهُ أحَدٌ، ثُمَّ قالَ لِي: قُلْ. قُلْتُ: أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ حَتّى فَرَغْتُ مِنها، ثُمَّ قالَ لِي قُلْ. قُلْتُ: أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ حَتّى فَرَغْتُ مِنها. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”هَكَذا فَتَعَوَّذْ؛ وما تَعَوَّذَ المُتَعَوِّذُونَ بِمَثَلِهِنَّ قَطُّ“ .»
(p-١٩١)والحَمْدُ لِلَّهِ أوَّلًا وآخِرًا وصَلّى اللَّهُ عَلى أفْضَلِ خَلْقِهِ وأكْرَمِهِمْ عَلَيْهِ، مَنِ اصْطَفاهُ لِرِسالَتِهِ وشَرَّفَنا بِبَعْثَتِهِ، وخَتَمَ بِهِ رُسُلَهُ وكَرَّمَنا بِهِ وهَدانا لِاتِّباعِهِ، وعَلى آلِهِ وصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ، ومَن تَبِعَهم بِإحْسانٍ إلى يَوْمِ الدِّينِ، وعَلَيْنا مَعَهم أجْمَعِينَ، إنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
{"ayah":"ٱلَّذِی یُوَسۡوِسُ فِی صُدُورِ ٱلنَّاسِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق