الباحث القرآني

قوله تعالى: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وهو الساقي وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ يعني: تذكر بعد حين، أي بعد سبع سنين. وقال الزجاج: أصل ادَّكَرَ إدتكر. ولكن التاء أبدلت بالدال وأدغم الدال في الدال. وقال القتبي: الأمة الصنف من الناس والجماعة كقوله تعالى: إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ [الأنعام: 38] ثم تستعمل الأمة في الأشياء المختلفة. يقال للإمام: أمة كقوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً [النحل: 120] لأنه سبب للاجتماع. ويسمى الدين أمة كقوله: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ [الزخرف: 22] أي: على دين، لأن القوم يجتمعون على دين واحد، فيقام ذلك اللفظ مقامه. ويسمى الحين أمة كقوله: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ وكقوله: إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ [هود: 8] وإنما سمي الحين أيضا أمة، لأن الأمة من الناس ينقرضون في حين، فيقام الأمة مقام الحين. وقرأ بعضهم وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ يعني: بعُدَ نسيانٍ يقال: أمَهْتُ أي: نسيت. وقال الفراء: يقال رجل مأموه، كأنه ليس معه عقل. فلما تذكر الساقي حال يوسف، جاء وجثا بين يدي الملك، وقال: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ يعني: بتأويل ما رأيت من الرؤيا. وروي عن الحسن: أنه كان يقرأ: أنا آتيكم بِتَأْوِيلِهِ، وقراءة العامة أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فقال: وما يدريك يا غلام، ولست بمعبّر ولا كاهن؟ فقصَّ عليه أمره الذي كان وقت كونه في السجن برؤيته الرؤيا، وتعبير يوسف لها، وصدق تعبيره على نحو ما وصفه له، وأخبره بحال يوسف وحكمته وعلمه وفهمه، قال: فَأَرْسِلُونِ يعني: أرسلني أيها الملك إلى يُوسُفُ خاطبه بلفظ الجماعة، كما يخاطب الملوك. فأرسله الملك، فلما جاء إلى يوسف في السجن، فدخل عليه، واعتذر إليه بما أنساه الشيطان ذكر ربه، وقال: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ يعني: يا يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق، والصِّدِّيقُ الكثير الصدق: يعني: أيها الصادق فيما عبرت لنا أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ أي يبتلعهنّ سَبْعٌ عِجافٌ هزلى وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ يعني: إلى أهل مصر لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَدْرك ومنزلتك. ويقال: أَرْجِعُ إِلَى الناس، يعني: إلى الملك لكي يعلم مكانك، فيكون ذلك سبباً لخلاصك إذا علم تعبير رؤياه. فعبر يوسف رؤياه وهو في الحبس، فقال: أما السبع البقرات السمان فهي سبع سنين خصب، أما السبع العجاف فهي سبع سنين شدة وقحط، ولا يكون في أرض مصر البر. وأما السبع السنبلات الخضر فهي الخصب، واليابسات هي القحط. قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً يعني: ازرعوا سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً يعني: دائماً فَما حَصَدْتُمْ من الزرع فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ يعني: في كعبرته. فهو أبقى لكم لكي لا يأكله السوس إذا كانت في الكعبرة، إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ يعني: تدرسون بقدر ما تحتاجون إليه، فتأكلون. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ الخصب سَبْعٌ شِدادٌ يعني: القحط سنين مجدبات يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ يعني: ما وراء السبع السنين. ويقال: مَا قَدَّمْتُمْ يعني: ما جمعتم لهنّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ يعني: تدّخرون، وتخزنون. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ القحط عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ يعني: يمطر الناس، والغيث: المطر. ويقال: هو من الإغاثة يعني: يغاثون بسعة الرزق وَفِيهِ يَعْصِرُونَ يعني: ينجون من الشدة، ويقال: يعصرون العنب والزيتون. قرأ حمزة والكسائي: تَعْصِرُونَ بالتاء على معنى المخاطبة، وقرأ الباقون بالياء على معنى المغايبة. يعني: الناس. وقرأ بعضهم يَعْصِرُونَ بضم الياء، ونصب الصاد، يعني: يمطرون من قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ مَآءً ثَجَّاجاً [النبأ: 14] فرجع الساقي إلى الملك وأخبره بذلك. قال تعالى: وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ قال بعضهم: كان الملك رأى الرؤيا ونسيها، فأتاه يوسف فأخبره بما رأى، وأخبره بتفسيره. ولكن في ظاهر الآية، دليل أن الملك كان ذاكراً لرؤياه، وأن يوسف عبّر رؤياه وهو في السجن، قبل أن ينتهي إلى الملك وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ يعني: بيوسف فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ برسالة الملك: أنَّ الملك يدعوك قالَ يوسف للرسول ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ يعني: إلى سيدك وهو الملك فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ يعني: سله حتى يتبيّن له أني مظلوم في حبسي، أو ظالم إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ يعني: إن سيدي وخالقي عالم بما كان منهن. قال: حدّثنا الخليل بن أحمد. قال: حدّثنا إبراهيم الدبيلي. - قال: حدّثنا أبو عبيد الله، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: قال رسول الله ﷺ: [[ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «ب» .]] - «لَوْلا الكَلِمَةُ الَّتِي قَالَ يُوسُفُ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ما لَبِثَ فِي السجن طول ما لبث ولقد عَجِبْتُ مِنْ يُوسُفَ وَكَرَمِهِ وصَبْرِهِ، وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ أنا الَّذِي دُعِيتُ إلى الخُرُوجِ لَبَادَرْتُهُمْ إلى البَابِ، وَلكِنْ أَحَبَّ أنْ يَكُونَ لَهُ العُذْرُ [[ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «ب» .]] بِقَوْلِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ» قال ابن عباس: «لو خرج يوسف حين دعي، لم يزل في قلب الملك منه شيء. فلذلك قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب