الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً﴾ أَيْ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَالْأُمَّةُ هُنَا: أَهْلُ كُلِّ مِلَّةٍ. وَفِي الْجَاثِيَةِ تَأْوِيلَاتٌ خَمْسٌ: الْأَوَّلُ- قَالَ مُجَاهِدٌ: مُسْتَوْفِزَةٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ: الْمُسْتَوْفِزُ الَّذِي لَا يُصِيبُ الْأَرْضَ مِنْهُ إِلَّا رُكْبَتَاهُ وَأَطْرَافُ أَنَامِلِهِ. الضَّحَّاكُ: ذَلِكَ عِنْدَ الْحِسَابِ. الثَّانِي- مُجْتَمِعَةٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى وَتَرَى أَهْلَ كُلِّ دِينٍ مُجْتَمِعِينَ. الثَّالِثُ- مُتَمَيِّزَةٌ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ. الرَّابِعُ- خَاضِعَةٌ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، قَالَهُ مُؤَرِّجٌ. الْخَامِسُ- بَارِكَةٌ عَلَى الرُّكَبِ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَالْجَثْوُ: الْجُلُوسُ عَلَى الرَّكْبِ. جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَجْثُو وَيَجْثِي جُثُوًّا وَجُثِيًّا، على فعول فيهما، وَقَدْ مَضَى فِي "مَرْيَمَ" [[راجع ج ١١ ص ١٣٢.]]: وَأَصْلُ الْجُثْوَةِ [[مثلثة الجيم.]]: الْجَمَاعَةُ من كل شي. قَالَ طَرَفَةُ يَصِفُ قَبْرَيْنِ: تَرَى جُثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا ... صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدٍ [[الصم: الصلب. والمنضد: الذي جعل بعضه على بعض.]] ثم قيل: هو خاص بالكفار، قاله يحي بْنُ سَلَّامٍ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ انْتِظَارًا لِلْحِسَابِ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:" كَأَنِّي أَرَاكُمْ بِالْكَوْمِ [[الكوم: المواضع المشرفة.]] جَاثِينَ دُونَ جَهَنَّمَ "ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ سَلْمَانُ: إِنَّ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَسَاعَةٌ هِيَ عَشْرُ سِنِينَ يَخِرُّ النَّاسُ فِيهَا جُثَاةً عَلَى رُكَبِهِمْ حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيُنَادِيَ" لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي". "كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا" قَالَ يَحْيَى ابن سَلَّامٍ: إِلَى حِسَابِهَا. وَقِيلَ: إِلَى كِتَابِهَا الَّذِي كَانَ يَسْتَنْسِخُ لَهَا فِيهِ مَا عَمِلَتْ مِنْ خير وشر، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: "كِتابِهَا" مَا كَتَبَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهَا. وَقِيلَ كِتَابُهَا الْمُنَزَّلُ عَلَيْهَا لِيَنْظُرَ هَلْ عَمِلُوا بِمَا فِيهِ. وقيل: الكتاب ها هنا اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ "كُلَّ أُمَّةٍ" بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ "كُلٍّ" الْأُولَى لِمَا فِي الثَّانِيَةِ مِنَ الْإِيضَاحِ الَّذِي لَيْسَ فِي الْأُولَى، إِذْ لَيْسَ فِي جُثُوِّهَا شَيْءٌ مِنْ حَالِ شَرْحِ الْجَثْوِ كَمَا فِي الثَّانِيَةِ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ الدَّاعِي إِلَيْهِ وَهُوَ اسْتِدْعَاؤُهَا إِلَى كِتَابِهَا. وَقِيلَ: انْتَصَبَ بِإِعْمَالِ "تَرَى" مُضْمَرًا. وَالرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ. "الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" من خير أو شر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب