الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي جِيدِها أَيْ عُنُقِهَا. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: وَجِيدٌ كَجِيدِ الرِّيمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ ... إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلَا بِمُعَطَّلِ [[الجيد: العنق. والريم: الظبي الأبيض الخالص البياض. و (نصته) رفعته. والمعطل: الذي لا حلى عليه. وقوله (بفاحش) أي ليس بكرية المنظر.]] حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ أَيْ مِنْ لِيفٍ، قَالَ النَّابِغَةُ: مَقْذُوفَةٍ بِدَخِيسِ النَّحْضِ بَازِلُهَا ... لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفَ الْقَعْوِ بِالْمَسَدِ [[قال التبريزي (مقذوفة: أي مرمية باللحم. والدخبس: الذي قد دخل بعضه في بعض من كثرته. والنحض: اللحم وهو جمع نحضة. والبازل: الكبير. والصريف: الصباح. والقعو: ما يضم البكرة إذا كان خشبا فإذا كان حديدا فهو خطاف. ويروى: له صريف صريف القعو (بالضم) على البدل والنصب أجود.]] وَقَالَ آخَرُ: يَا مَسَدَ الْخُوصِ تَعَوَّذْ مِنِّي ... إِنْ كُنْتَ لَدْنًا لَيِّنًا فَإِنِّي مَا شِئْتَ مِنْ أَشْمَطَ مُقْسَئِنِّ [[الأشمط: من خالط بياض رأسه سواد. والمقسئن: الذي قد انتهى في سنه فليس به ضعف كبر ولا قوة شباب. وقيل: هو الذي في آخر شبابه وأول كبره. والرجز ثلاثة أبيات في (اللسان: مسد) ولم ينسبه إلى قائله.]] وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ، أَوْ مِنْ أَوْبَارِهَا، قَالَ الشَّاعِرُ: وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانِقِ ... لَسْنَ بِأَنْيَابٍ وَلَا حَقَائِقِ [[أمر الحبل: فتله فتلا شديدا. وأيانق: جمع أينق وأينق جمع ناقة. والأنياب: جمع ناب، وهي الناقة الهرمة. والحقائق: جمع حقة وهي التي دخلت في السنة الرابعة وليس جلدها بالقوى. والرجز ثلاثة أبيات في اللسان. ونسبه الأصمعي لعمارة بن طارق. وقال أبو عبيدة: هو لعقبة الهجيمي. وقوله (ليس): كذا في (اللسان: مسد) وأعاده في (حقق): (لسن) بالنون. وهو الصواب.]] وَجَمْعُ الْجِيدِ أَجْيَادٌ، وَالْمَسَدِ أَمْسَادٌ. أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ حَبْلٌ يَكُونُ مِنْ صُوفٍ. قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ حِبَالٌ مِنْ شَجَرٍ تَنْبُتُ بِالْيَمَنِ تُسَمَّى الْمَسَدَ، وَكَانَتْ تُفْتَلُ. قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: هَذَا فِي الدُّنْيَا، فَكَانَتْ تُعَيِّرُ النَّبِيَّ ﷺ بِالْفَقْرِ وَهِيَ تَحْتَطِبُ فِي حَبْلٍ تَجْعَلُهُ فِي جِيدِهَا مِنْ لِيفٍ، فَخَنَقَهَا اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِهِ فَأَهْلَكَهَا، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ حَبْلٌ من نار. وقال ابن عباس فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قَالَ: سِلْسِلَةٌ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا- وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: تَدْخُلُ مِنْ فيها، وتحرج مِنْ أَسْفَلِهَا، وَيُلْوَى سَائِرُهَا عَلَى عُنُقِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ. حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قَالَ: قِلَادَةٌ مِنْ وَدَعٍ. الْوَدَعُ: خَرَزٌ بِيضٌ تَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ، تَتَفَاوَتُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ. قَالَ الشَّاعِرُ: وَالْحِلْمُ حِلْمُ صَبِيٍّ يَمْرُثُ الْوَدَعَهْ [[مرث الودع يمرثه مرثا: مصه.]] وَالْجَمْعُ: وَدَعَاتٌ. الْحَسَنُ: إِنَّمَا كَانَ خَرَزًا فِي عُنُقِهَا. سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَتْ لَهَا قِلَادَةٌ فَاخِرَةٌ مِنْ جَوْهَرٍ، فقالت: واللات والعزى لأنفقنها فِي عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ. وَيَكُونُ ذَلِكَ عَذَابًا فِي جِيدِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْخِذْلَانِ، يَعْنِي أَنَّهَا مَرْبُوطَةٌ عَنِ الْإِيمَانِ بِمَا سَبَقَ لَهَا مِنَ الشَّقَاءِ، كَالْمَرْبُوطِ فِي جِيدِهِ بِحَبْلٍ مِنْ مَسَدٍ. وَالْمَسَدُ: الْفَتْلُ. يُقَالُ: مَسَدَ حَبْلَهُ يَمْسِدُهُ مَسْدًا، أَيْ أَجَادَ فَتْلَهُ. قَالَ [[هو رؤبة.]]: يَمْسِدُ أَعْلَى لَحْمِهِ وَيَأْرِمُهْ يَقُولُ: إِنَّ الْبَقْلَ يُقَوِّي ظَهْرَ هَذَا الْحِمَارِ وَيَشُدُّهُ. وَدَابَّةٌ مَمْسُودَةُ الْخَلْقِ: إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةَ الْأَسْرِ [[الأسر: الخلق.]]. قَالَ الشَّاعِرُ: وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانِقِ ... صُهْبٍ عَتَاقٍ ذَاتِ مُخٍّ زَاهِقِ لَسْنَ بِأَنْيَابٍ وَلَا حَقَائِقِ [[أمر الحبل: فتله فتلا شديدا. والايانق: جمع ناقة. والصهب: جمع الأصهب هو بعير ليس بشديد البياض. وعتاق: جمع عتيق وهو الكريم. وزهق المخ: إذا اكتنز (اجتمع) لحمه فهو زاهق.]] وَيُرْوَى: وَلَا ضِعَافٍّ مُخُّهُنَّ زَاهِقُ قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَرْفُوعٌ وَالشِّعْرُ مُكْفَأٌ [[الاكفاء في الشعر: المخالفة بين ضروب إعراب قوافيه. ومن الاكفاء أيضا المخالفة بين هجاء قوافيه إذا تقاربت مخارج الحروف أو تباعدت.]]. يَقُولُ: بَلْ مُخُّهُنَّ مُكْتَنِزٌ، رَفَعَهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ وَلَا ضِعَافٌ زَاهِقٌ مُخُّهُنَّ. كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ أَبُوهُ قائم، بِالْخَفْضِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الزَّاهِقُ هُنَا: بِمَعْنَى الذَّاهِبِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا ضِعَافٌ مُخُّهُنَّ، ثُمَّ رَدَّ الزَّاهِقَ عَلَى الضِّعَافِ. وَرَجُلٌ مَمْسُودٌ: أَيْ مَجْدُولُ الْخَلْقِ. وَجَارِيَةٌ حَسَنَةُ الْمَسَدِ وَالْعَصَبِ وَالْجَدَلِ وَالْأَرْمِ [[أي مجدولة الخلق.]]، وَهِيَ مَمْسُودَةٌ وَمَعْصُوبَةٌ وَمَجْدُولَةٌ وَمَأْرُومَةٌ. وَالْمِسَادُ، عَلَى فِعَالٍ: لُغَةٌ فِي الْمِسَابِ [[وقد يهمز فيقال مسأب كمنبر.]]، وَهِيَ نَحِيُّ السَّمْنِ، وَسِقَاءُ الْعَسَلِ. قَالَ جَمِيعُهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَدِ اعْتُرِضَ فَقِيلَ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ حَبْلَهَا الَّذِي تَحْتَطِبُ بِهِ، فَكَيْفَ يَبْقَى فِي النَّارِ؟ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَادِرٌ عَلَى تَجْدِيدِهِ كُلَّمَا احْتَرَقَ. وَالْحُكْمُ بِبَقَاءِ أَبِي لَهَبٍ وَامْرَأَتِهِ فِي النَّارِ مَشْرُوطٌ بِبَقَائِهِمَا عَلَى الْكُفْرِ إِلَى الْمُوَافَاةِ [[كذا في الأصول والظاهر أن اللفظ محرف عن (الوفاة).]]، فَلَمَّا مَاتَا عَلَى الْكُفْرِ صَدَقَ الْإِخْبَارُ عَنْهُمَا. فَفِيهِ مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ. فَامْرَأَتُهُ خَنَقَهَا اللَّهُ بِحَبْلِهَا، وَأَبُو لَهَبٍ رَمَاهُ اللَّهُ بِالْعَدَسَةِ» بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِسَبْعِ لَيَالٍ، بَعْدَ أَنْ شَجَّتْهُ أُمُّ الْفَضْلِ [[هي لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهالية أخت ميمونة أم المؤمنين.]] وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَدُمَ الْحَيْسُمَانُ مَكَّةَ يُخْبِرُ خَبَرَ بَدْرٍ، قَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: أَخْبِرْنِي خَبَرَ النَّاسِ. قَالَ: نَعَمْ، وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ، فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا، يَضَعُونَ السِّلَاحَ مِنَّا حَيْثُ شَاءُوا، وَمَعَ ذَلِكَ مَا لَمَسْتُ النَّاسَ. لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ، لَا وَاللَّهِ مَا تُبْقِي مِنَّا، يَقُولُ: مَا تُبْقِي شَيْئًا. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: وَكُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ أَنْحِتُ الْأَقْدَاحَ فِي صِفَةِ زَمْزَمَ، وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةً، وَقَدْ سَرَّنَا مَا جَاءَنَا مِنَ الْخَبَر، فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ، فَقُلْتُ: تِلْكَ وَاللَّهِ الْمَلَائِكَةُ. قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ، فَضَرَبَ وَجْهِي ضَرْبَةً مُنْكَرَةً، وَثَاوَرْتُهُ [[المثاورة: المواثبة. (اللسان: ثور).]]، وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا، فَاحْتَمَلَنِي، فَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ، وَبَرَكَ عَلَى صَدْرِي يَضْرِبنُي. وَتَقَدَّمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ، فَتَأْخُذُهُ وَتَقُولُ: اسْتَضْعَفْتَهُ أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيِّدُهُ! وَتَضْرِبُهُ بِالْعَمُودِ عَلَى رَأْسِهِ فَتَفْلِقُهُ شَجَّةً مُنْكَرَةً. فَقَامَ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ ذَلِيلًا، وَرَمَاهُ اللَّهُ بِالْعَدَسَةِ، فَمَاتَ، وَأَقَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لم يُدْفَنُ حَتَّى أَنْتَنَ، ثُمَّ إِنَّ وَلَدَهُ غَسَّلُوهُ بِالْمَاءِ، قَذْفًا مِنْ بَعِيدٍ، مَخَافَةَ عَدْوَى الْعَدَسَةِ. وَكَانَتْ قُرَيْشُ تَتَّقِيهَا كَمَا يُتَّقَى الطَّاعُونُ. ثُمَّ احْتَمَلُوهُ إِلَى أَعْلَى مَكَّةَ، فَأَسْنَدُوهُ إِلَى جِدَارٍ، ثم رضموا [[رضموا: أي جعلوا الحجارة بعضها على بعض.]] عليه الحجارة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب