الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة ٩].
﴿وَعَدَ﴾ يقال: (وَعَدَ)، ويقال: (أَوْعَدَ)؛ قالوا: (أَوْعَدَ) في الشر، و(وَعَدَ) في الخير، وبنوا عليه قول الشاعر:
؎وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ∗∗∗ لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
الإيعاد بأيش؟
* الطلبة: بالشر.
* الشيخ: والوعد؟
* الطلبة: بالخير.
* الشيخ: بالخير. هنا يقول: ﴿وَعَدَ اللَّهُ﴾ ولم يقل: أَوْعَدَ؛ لأنها في الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لكن هذا الذي قاله بعض أهل العلم قد يُنازَع فيه؛ لأن الله تعالى ذكر الوعد في العقوبة فقال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [التوبة ٦٨]، وهذا مما يدل على أن الوعد يأتي في الخير ويأتي في الشر.
* طالب: أحسن الله إليك، إذا قال أحد الشهداء: أنا لا أريد أن أشهد مخافةَ أن يلحقني أذى، فهل له ذلك؟
* الشيخ: يقول العلماء: إذا خاف ضررًا لا يُحتمَل فلا بأس، لكن لا بد أن يبيِّن الشهادة في موطن آخر، أما إذا كان ضررًا يُحتمل مثل أن يعاديه من شهد عليه أو ما أشبه ذلك فلا يجوز كتم الشهادة.
* طالب: قلنا: الوعد يكون في الخير، والإيعاد يكون في الشر، طيب يا شيخنا، ما يحمل إيعاد الله سبحانه وتعالى للكفار بجهنم بأنه على وجه السخرية منهم لقوله: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ﴾ وأن البشارة..؟
* الشيخ: لا، هو لو جاء غير مطَّرد، لكن مطَّرد، ما في القرآن أَوْعَدَ، وإلَّا كان يُحمل على ما قلت.
* طالب: (...) الله سبحانه وتعالى من ذرية آدم من ظهره مبني على الحديث إن صحت صح هذا، يصح القول بهذا، لكن هناك حديث ورد في الصحيحين فيما أذكر بالتأكيد في صحيح البخاري كتاب الأنبياء فيه تصريح بهذا، فكيف؟
* الشيخ: وهو؟
* الطالب: هو أنا ما أستحضر لفظ الحديث، لكن فيه أن الله..
* الشيخ: ائت به، ائت به جزاك الله خيرًا.
* طالب: الفرق بين قولنا: إن ﴿قَوَّامِينَ﴾ [المائدة ٨] نسبة، و: إنها مبالغة؛ ما الذي ينبني على الخلاف؟
* الشيخ: ينبني على الخلاف هو أنَّا إذا قلنا ﴿قَوَّامِينَ﴾: إنه مبالغة، معناه لا بد أن نحملها على المجموع، لماذا؟ لأننا إذا قلنا: إن الأمر بالمبالغة موجَّه إلى واحد، صار الأمر إنما هو لكثرة القيام وأن القيام مرة واحدة لا يدخل في الأمر؛ لأن الله قال: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ﴾، وإذا قلنا: إنها نسبة، شمل القليل والكثير.
* طالب: شيخ، ليش ما يصح أن نقول: أن الأمر أمرنا بأن نكون (...) قوامين وأن نكثر القيام في الجوامع؟
* الشيخ: نعم، لكن هل الأمر بالإكثار أو بالقيام ولو مرة واحدة؟
* الطالب: بالإكثار.
* الشيخ: لا، حتى إذا قام الإنسان بالقسط مرة واحدة فقد امتثل؛ لأننا إذا قلنا: إنه موجَّه لكثرة، صار الذي يأتي بمرة واحدة ليس ممتثلًا للأمر، يعني إنما يؤخذ من آية أخرى مثلًا.
* الطالب: شيخ، إذن لو قلت: قام مرة واحدة، نقول: خلاص يكفي، لا أن تقوم بالقسط مرة ثانية.
* الشيخ: لا؛ لأنه إذا كان مأمورًا به في واحدة فمن باب أَوْلى كل مرة فهو مأمور به.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، تفسير هذه الصيغة أو الخلاف في هذه الصيغة..
* الشيخ: أين؟
* الطالب: صيغة (فعَّال) ﴿قَوَّامِينَ﴾ الخلاف في حملها على النسبة أو المبالغة ينبني عليه خلاف بين العلماء كما في قوله: «زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ»[[أخرجه ابن ماجه في سننه (١٥٧٤) من حديث حسان بن ثابت.]]، فما الضابط، يعني كيف نحملها مرة على المبالغة أو على النسبة؟
* الشيخ: لا، «زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» ما تدخل في هذا؛ لأنه صح الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه «لعن زائراتِ القبور»[[أخرجه أبو داود (٣٢٣٦) والترمذي (٣٢٠) من حديث ابن عباس. ]].
* الطالب: هناك ضابط للتفريق بين المعنيين، متى نحملها على هذا المعنى؟
* الشيخ: نعم، نحملها مثلًا قوله تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت ٤٦] لو قال قائل: إن هذه للكثرة، ما استقام المعنى؛ لأنه يكون المنفي هو كثرة الظلم فقط، فإذا قلنا: النسبة، صح أن يقال: إن الله نفى عن نفسه نسبة الظلم إليه ولو مرة واحدة.
* الطالب: يعني حسب السياق؟
* الشيخ: على كل حال فيه قرينة؛ فإذا قلت مثلًا: (لا تكن أكولًا) -أو (أكَّالًا) أحسن عشان توافق الصيغة- هل المعنى لا تأكل أبدًا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا تكثر الأكل.
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، قلنا: إن الوعد يكون في الخير و(أَوْعَدَ) يكون في الشر، هذه قاعدة مطَّردة؟
* الشيخ: لا.
* الطالب: ليست مطَّردة.
* الشيخ: كما قلنا: إنها قالها بعض العلماء لكنها ليست مطَّردة، ونقضناها بقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ﴾ [التوبة ٦٨].
* الطالب: شيخ، ما اتضح لي الجواب عن الإشكال في الآية، يعني إزالة الإشكال في الآية.
* الشيخ: أي آية؟
* الطالب: قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ﴾، ما اتضح لي الجواب.
* الشيخ: هذا وعيد ولَّا لا؟
* الطالب: وعيد.
* الشيخ: طيب، مع أنه جاء بـ﴿وَعَدَ﴾ ولم يقل: أَوْعَدَ.
* الطالب: وهل يتخلف الوعد؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: هل الوعد أحيانًا يتخلف ولا يكون في الخير؟
* الشيخ: لا، كلمة (وَعَدَ) تُستعمَل في الخير وفي الشر.
* الطالب: ذكر بعض أهل العلم أن في قوله: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ [المائدة ٨] قراءة ثانية بضم الياء. الشيخ: أيش؟
* الطالب: ذكر بعض أهل العلم أن هناك قراءة ثانية في قوله ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ بضم الياء.
* الشيخ: (يُجْرِمَنَّكُمْ)؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: والله أنا مقيد للقراءات في مصحفي ما وجدتها، ما هي موجودة.
* الطالب: ذكرها الكسائي في (...).
* الشيخ: إي، بس هل هذه سبعية؟ اللي عندنا نقيد السبعيات.
* الطالب: ما صحة قول من قال: أن الميثاق هنا هو الميثاق الذي أخذه النبي ﷺ من الصحابة في بيعة الرضوان وبيعة العقبة حيث إنهم قالوا: سمعنا وأطعنا؟
* الشيخ: لا، حتى الصحابة رضي الله عنهم لما نزل قول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢] قالوا: ما نُطيق هذا، فأُمِروا أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، ثم خُفِّف عنهم.
* طالب: في الآية التي ذكرتها قبل قليل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ﴾، ألا يمكن نحمل هنا لفظ (وَعَدَ) على الأصل بأن هذا الخير، ولكن في هذا المقام كقوله تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ﴾ مثلًا أن ذلك ..
* الشيخ: ذلك هو (...)، لكن ما يستقيم، أصلًا لو كانت مطَّردة بأن (أَوْعَدَ) تكون في الشر قلنا: ممكن نحمل هذه على أنه وضع الوعد موضعه، لكن ما جاءت ولا مرة في القرآن (أَوْعَدَ) بمعنى الوعد بالشر.
* طالب: شيخ، بعض الناس منع الكتابة على المصحف، هل كلامه معتبر؟
* الشيخ: حواشي يعني؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: إي، هذا نعم، في الزمن السابق الكتابة غير معرَّبة لا في الأصل ولا فيما يُكتب على الحواشي، فكره بعض السلف أن يُكتب مع المصحف شيئ؛ لأنه يختلط القرآن بالمكتوب أو بغيره، أما الآن فلا يختلط، فإذا كان هذا لا يؤثر على الحروف بمعنى أنك ما تكتبه بين الأسطر فتختلط فلا بأس منه.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المائدة ٩ - ١١].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ﴿آمَنُوا﴾ أي: بما يجب الإيمان به، وقد بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام أن الإيمان «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[[أخرجه مسلم (٨ / ١) من حديث عمر بن الخطاب.]].
أما ﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ يعني عملوا الأعمال الصالحات، فـ﴿الصَّالِحَاتِ﴾ إذن صفة لموصوف محذوف، والتقدير: الأعمال الصالحات. فمتى يكون العمل صالحًا؟ يكون العمل صالحًا إذا تضمن أمرين؛ الأول: الإخلاص لله، والثاني: المتابعة لشريعة الله، سواء كان من أُمَّة محمد أو من الأمم السابقة، لا بد من أمرين:
الأول: الإخلاص لله عز وجل؛ لأن العبادة حق الله وحده، فلا يجوز أن تُشرك بها معه غيره، وللأدلة الكثيرة الدالة على وجوب الإخلاص لله تعالى في العبادة: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر ٢]، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة ٥] ، «مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» »[[متفق عليه؛ البخاري (٥٤) ومسلم (١٩٠٧ / ١٥٥) من حديث عمر بن الخطاب.]]، والنصوص في هذا كثيرة.
أما المتابعة فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧) ومسلم (١٧١٨ / ١٨) من حديث عائشة.]]، أيُّ عمل ليس عليه أمر الله ورسوله من عبادات أو معاملات فإنه مردود على صاحبه، إذن لا بد من أن يكون العمل عليه أمر الله ورسوله، ولا تتحقق المتابعة إلا إذا وافق العملُ الشريعةَ في أمور ستة؛ الأول: السبب، والثاني: الجنس، والثالث: النوع، والرابع: القدْر، والخامس: المكان، والسادس: الزمان، فلا بد أن تكون الموافقة للشريعة في هذه الأمور الستة: السبب، والجنس، والنوع، والقدْر، والزمان، والمكان.
فمن تعبَّد لله عبادة علقها بسبب لم يجعله الله ورسوله سببًا فالعبادة باطلة، بدعة مردودة؛ مثال ذلك أن يقول المرء كُلَّما لبس ثوبًا: اللهم صَلِّ على محمد. فقيل له: لماذا؟ قال: أتذكَّر لبس النبي ﷺ للثوب فأصلي عليه، فماذا نقول له؟
نقول: هذه العبادة بدعة؛ لأنها لم تَرِد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه أنهم كانوا يصلُّون على النبي إذا أرادوا اللباس.
لا بد أيضًا أن يكون موافقًا للشرع في جنس العبادة؛ فإن تعبَّد لله بما لم يُشرع جِنسه فالعبادة مردودة عليه، ومثال ذلك أن يضحِّي بفَرَس بدلًا عن البقرة مثلًا، نقول: هذه الأضحية غير مقبولة؛ لأنها ليست من جنس ما شرع الله ورسوله فلا تُقبل.
النوع، وهو أخص من الجنس؛ فمن تعبَّد لله سبحانه وتعالى بعبادة لم يُشرع نوعها فإنها لا تُقبل؛ كما لو أحدث أذكارًا مشروعة من حيث الجنس لكنها على نوع آخر فإنها لا تُقبل؛ لقول الرسول ﷺ:« «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
كذلك أيضًا أيش؟ القدْر؛ لو تعبَّد لله تعالى بعبادة زائدة أو ناقصة لم تُقبل منه؛ فلو صلى الظهر ثلاثًا لم تُقبل، ولو صلَّاها خمسًا لم تُقبل؛ لمخالفة الشريعة في العدد.
في الكيفية أيضًا، لو أنها خالفت الشريعة في الكيفية فإنها لا تُقبل؛ كما لو سجد قبل الركوع فإنها لا تُقبل لمخالفة الشريعة في كيفيتها.
* طالب: صار سبعة.
* طالب آخر: هذه جديدة يا شيخ، هذه جديدة.
* الشيخ: ليش يا أخي؟
* طالب: ما ذكرت، الكيفية ما ذكرتها.
* الشيخ: إي، هي في الواقع بدل النوع، أحيانًا نعبِّر بالنوع وأحيانًا نعبِّر بالكيفية.
* طالب: أيش هو النوع يا شيخ؟
* الشيخ: النوع هو الكيفية في الواقع.
الخامس: المكان؛ لو اعتكف الإنسان في بيته بدلًا عن المسجد وانقطع للعبادة في البيت فإنها لا تُقبل؛ لأنها غير موافقة للشرع في المكان.
في الزمان؛ لو صام الإنسان في غير رمضان عن رمضان لم تُقبل؛ لأنه في غير الزمن المشروع، وكذلك لو وقف بعرفة في غير يوم عرفة أو رمى الجمرات في غير موسم الحج أو ما أشبه ذلك.
إذن العمل الصالح هو ما وافق الشريعة في هذه الأمور الستة: السبب، والجنس، والقدْر، والكيفية، والزمان، والمكان، ويُجعل بدل النوعِ الكيفيةُ؛ لأنها أوضح.
يقول الله عز وجل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ وهذا في مقابل الذنوب، ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ في مقابل الحسنات؛ فالسيئات تُغفَر، والحسنات يثابون عليها هذا الثواب العظيم.
* من فوائد هذه الآية: فضيلة الإيمان والعمل الصالح، ووجه ذلك ما رُتِّب عليه من الثواب؛ لأن كل عمل رُتِّب عليه ثواب فإنه فاضل مأمور به.
* ومن فوائدها: أن الإيمان وحده لا يكفي، بل لا بد من عمل، ولهذا نجد كثيرًا من الناس يركزون على العقيدة؛ يقول: عقيدتنا سليمة والحمد لله، ولا يتعرض للعمل، وهذا قصور، بل لا بد مع العقيدة من عمل صالح.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات المغفرة لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾، وقد كررنا القول بمعنى المغفرة وأنها ستر الذنب والتجاوز عنه.
فإن قال قائل: المغفرة هنا مطلقة؛ لم يقل: من الله.
فالجواب: هي مطلقة، لكن الله تعالى قال: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران ١٣٥]، وهذا أمر معلوم بالضرورة من دين الإسلام أن الذي بيده المغفرة والرحمة هو الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تفضُّل الله عز وجل على عباده حيث جعل الثواب بمنزلة الأجر؛ كأن العامل أجيرٌ إذا وفَّى العمل أُعطِي أجره، مع أن المنَّة لله عز وجل أولًا وآخرًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: عظم ثواب المؤمنين العاملين الصالحات حيث عظَّمه الله عز وجل، وتعظيم العظيم للشيء يدل على أنه عظيم عظَمةً لا يتخيلها الإنسان ولا يتصورها، وهو كذلك.
ولما كان هذا القرآن مثاني كما وصفه الله به: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزمر ٢٣] ثنَّى الله عز وجل لما ذكر ثواب المؤمنين العاملين الصالحات بذكر من يقابلهم فقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [المائدة ١٠] ﴿كَفَرُوا﴾ في مقابل الأعمال الصالحات، ﴿كَذَّبُوا﴾ في مقابل الإيمان، فكذَّبوا بما يجب التصديق به، وكفروا بما يجب العمل به؛ ﴿كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾، فهُمْ لم يستقيموا على الأمر ولا على الخبر؛ قابلوا الخبر بالتكذيب، وقابلوا العمل بالكفر.
﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ المراد بالآيات هنا هل هي الآيات الشرعية أو الكونية؟
* طلبة: كلاهما.
* الشيخ: كلاهما؛ فمن أنكر ربوبية الله وخلقه للمخلوقات وتصرُّفه في الكون فهذا مكذِّب بالآيات الكونية، ومن أقرَّ بذلك لكنه لم يَقُم بطاعة الله فقد كفر وكذَّب بالآيات الشرعية.
وآيات الله تعالى كونية وشرعية:
فالكونية هذا الكون بما فيه من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والبحار والأنهار، وغير ذلك من المخلوقات العظيمة التي بعضها لا تحيط به كِبَرًا وبعضها لا تحيط به صِغَرًا؛ إنك أحيانًا تفتش الكتاب فتجد في طيَّاته حشرات صغيرة جدًّا جدًّا لا تكاد تراها بالعين، وهذه مخلوقة لله يرزقها الله عز وجل، يعلم مستقرها ومستودعها ولا يخفى عليه أمرها كما قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود ٦].
والآيات الشرعية هي ما جاءت به الرسل وكانت آيات دالة على الله عز وجل؛ لأن البشر لا يمكن أن يأتوا بمثلها، من يأتي بشريعة تصلح للبشر في كل زمان ومكان بالنسبة للشريعة المحمدية؟ لا أحد، وكذلك الشرائع بالنسبة للأمم السابقة هي ملائمة تمامًا لأحوالهم وأزمانهم وأماكنهم، فلا أحد يستطيع أن يأتي بمثل هذه الآيات الشرعية.
قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ ﴿أُولَئِكَ﴾ هذه مبتدأ ثانٍ، و﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ هي المبتدأ الأول، و﴿أَصْحَابُ﴾ خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والرابط الإشارة.
﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ أي: أهل الجحيم الملازمون لها، و﴿الْجَحِيمِ﴾ هي النار -أعاذنا الله وإياكم منها- وسُمِّيت بذلك لقعرها وسوادها.
* ففي الآية فوائد:
* منها: أن القرآن الكريم مثانٍ؛ إذا ذَكَر أهلَ العمل الصالح ذَكَر أهلَ العمل السيئ، وفائدة ذلك أيها الطلاب: ألَّا يغلب جانب الرجاء أو جانب الخوف؛ وذلك لأن الإنسان إذا لم يكن أمامه إلا أوصاف المؤمنين وجزاء المؤمنين فإن ذلك قد يحمله على أيش؟ على الرجاء، وينسى الخوف، وإذا لم يكن أمامه إلا أوصاف الكافرين وعقوبة الكافرين فقد يستولي عليه أيش؟ الخوف والقنوط من رحمة الله، فلهذا كان الله تعالى يذكر هذا إلى جنب هذا حتى لا يستولي القنوط من رحمة الله عند ذكر ما يخوِّف، أو الأمنُ من مكر الله عند ذكر ما يرجِّي.
فإن قال قائل: أيهما أفضل للعامل: أن يُغلِّب جانب الخوف أو أن يُغلِّب جانب الرجاء؟
فالجواب: أن أحسن الأقوال في هذا أنه عند العمل الصالح يُغلِّب جانب الرجاء، وعند الهَمِّ بالسيئة يُغلِّب جانب الخوف؛ لأنه إذا عمل العمل الصالح وغلَّب جانب الرجاء أحسن الظن بالله وأن الله تعالى سيقبل عمله ويُثيبه عليه، فنشط على العمل واحتسب الأجر على الله، وعند الهَمِّ بالمعصية لو غلَّب جانب الرجاء لقالت له نفسه: إن الله غفور رحيم، وهذه معصية سهلة، وأنت إذا فعلتها فتُب، باب التوبة مفتوح، وما أشبه ذلك، لكن إذا غلَّب جانب الخوف وخاف ألَّا يُوفَّق للتوبة وأن يزيغ قلبه حينئذٍ أيش؟ يَكُفُّ عن المعصية، فأحسن الأقوال في ذلك أن ينظر الإنسان إلى حاله؛ فعندما يفعل الطاعات يغلِّب جانب الرجاء، وعندما يَهُمُّ بالمعصية يغلِّب جانب الخوف.
فإن قال قائل: ألم يقُلِ الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون ٦٠] فبيَّن الله تعالى أن من أوصاف هؤلاء السادة أنهم إذا آتوا ما يُؤتون فقلوبهم وجِلَة يخافون ألَّا يُقبل منهم كما جاء ذلك في تفسيرها؟
قلنا: نعم، هو كذلك، وهذا إذا خاف الإنسان أن يُعجب بعمله فيجب أن يخاف، وأما إذا كان بريئًا من ذلك وهو يعلم أن ذلك العمل الصالح بمعونة الله فليُحسن الظن بالله عز وجل، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» »[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٠٥) ومسلم (٢٦٧٥ / ٢) من حديث أبي هريرة.]].
* من فوائد الآية الكريمة: أن الكفر قد يصحبه التكذيب وقد لا يصحبه، ولهذا أحيانًا يذكر الله الكفر فقط مثل قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٣١]، وأحيانًا يذكر التكذيب فقط: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ﴾ [الزمر ٣٢]، وأحيانًا يقرن بينهما؛ وذلك لأن كلًّا منهما قد يكون وحده موجِبًا للخلود في النار، فإذا اجتمعا جميعًا صار ذلك أشدَّ وأعظم والعياذ بالله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن على الإنسان أن يكون مستسلمًا استسلامًا تامًّا لآيات الله مصدِّقًا بأخبارها منفِّذًا لأحكامها؛ لأن الله توعَّد المكذِّبين بالآيات الكافرين بها بأيش؟ بأنهم أصحاب الجحيم.
وقد ذكر الله عز وجل في سورة النساء قَسَمًا مؤكدًا أنهم لا يؤمنون إلَّا بشروط فقال: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء ٦٥] هذه واحدة، ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ﴾ هذه اثنان، ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ هذا ثلاثة، فمن حكَّم غير الله ورسوله فليس بمؤمن، ومن حكَّم الله ورسوله ولكنه صار في قلبه ضيق لم ينشرح صدره بما حكم الله به ورسوله فليس بمؤمن، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ﴾، ومَن لم يجد حرجًا لكن صار يتكاسل ويتهاون في التسليم فإنه لم يؤمن، ثم قد يكون انتفاء الإيمان عنه انتفاءً كاملًا وقد يكون انتفاءً جزئيًّا حسب ما قام في قلبه وعمله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكافرين المكذِّبين مخلَّدون في النار؛ لقوله: ﴿أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾، وكلما جاءت ﴿أَصْحَاب﴾ فالمراد بها الملازمة الدائمة؛ كقول النبي ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِمَا جِئْتُ بِهِ -أو قال: لَا يَتَّبِعُ مَا جِئْتُ بِهِ- إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»[[أخرجه مسلم (١٥٣ / ٢٤٠) من حديث أبي هريرة. ]].
{"ayahs_start":9,"ayahs":["وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَأَجۡرٌ عَظِیمࣱ","وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق