الباحث القرآني
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [فصلت ٤٥]، ﴿آتَيْنَا﴾ أعطينا، والإيتاء هنا إيتاء شرعي قدري: إيتاء شرعي؛ لأنه أُضيف إلى الوحي، قدَري؛ لأنه وقع فعلًا، وموسى عليه الصلاة والسلام هو أفضل أنبياء بني إسرائيل، وهو بالنسبة لأولي العزم بالمرتبة الثالثة؛ لأن أولي العزم خمسة أفضلهم محمد ﷺ، ثم إبراهيم ثم موسى، وهو -أي موسى- أكثر الأنبياء أتباعًا بعد الرسول ﷺ؛ لحديث: أنه عليه الصلاة والسلام «رَأَى سَوَادًا عَظِيمًا قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٧٠٥)، ومسلم (٢٢٠ / ٣٧٤) من حديث ابن عباس.]].
(﴿الْكِتَابَ﴾ التوراة)، وسميت كتابًا؛ لأنها مكتوبة، قال الله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف ١٤٥] فهي نزلت مكتوبة.
(﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ [فصلت ٤٥] بالتصديق والتكذيب كالقرآن) (اختُلِف فيه) من الذي اختلف فيه؟ أقوامه، قوم موسى، اختلفوا، فمنهم من صدَّق، ومنهم من كذَّب، لكن قوم موسى مشهورون بالعُتُوِّ والطغيان، والاستكبار العظيم، والجهل العميق، لما مروا بأقوام يعبدون غير الله ﴿قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف ١٣٨]، ولما صنعوا من الحلي عجلًا قالوا: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى﴾ [طه ٨٨]. فجعلوا العجل الذي صنعوه بأيديهم جعلوه إلهًا نسأل الله العافية، وإلى التتمة إن شاء الله.
* طالب: أحسن الله إليكم (...) يشكل عليَّ قوله عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِي».
* الشيخ: أجبنا عنه.
* طالب: أحسن الله إليكم، بالنسبة للرقية الشرعية، بعض الناس يتوسع فيها، ويجعل طرقًا من عنده بل إنه (...) الرقية على ما جاء عن السلف (...) لهم أن يتوسعوا.
* الشيخ: لكن بالكيفية ولَّا بالكلمات؟
* طالب: بالكيفية يأتي بطرق من عنده.
* الشيخ: أنا أرى أن الأولى بالقارئ أن يقتصر على ما جاء عن السلف، هذا الأولى، أما غير ما جاء عن السلف، فهذا ربما نقول: إنه خاضع للتجربة، إذا جُرِّب ونفع فالمقصود النفع، وإذا لم يُجرَّب ولكن الإنسان يتخرَّص فالظن بعضه إثم.
* طالب: شيخ، بارك الله فيكم، سبق في القواعد أن الأصل إبقاء المطلق على ما جاء، وهنا يا شيخ بعض أهل العلم يقيدون بعض الأمراض بآيات معينة يقول: تقرأ آية كذا وكذا وكذا. هكذا فهل يا شيخ هذا يخالف القاعدة أم..؟
* الشيخ: لا، ما هي مخالفة للقاعدة، هذه موافقة للحكمة، كما ذكرنا قبل قليل، ماذا قلنا؟
* طالب: قلنا: نقرأ الآيات المناسبة.
* الشيخ: إن المرض يُعالج بما يُناسبه.
* طالب: يا شيخ، من أين عرفوا هذا؟
* الشيخ: حِكمة الله عز وجل، نعرف هذا من الحكمة.
* طالب: يا شيخ (...) كثير من النساء مثلًا يتكشفن (...).
* طالب آخر: قوله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ ألا يكون هدًى من الضلالة وشفاءً من الغي، فتكون الأولى لمرض الشبهات، والثانية لمرض الشهوات؟
* الشيخ: ذكرنا هذا، لكن اختلاف اللفظ.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، قلنا: إنه يشترط في الرقية أن يكون المرقي الذي يُتلى عليه القرآن مؤمنًا به، المريض مؤمنًا به.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: وزعيم القوم هذا -يا شيخ- لم يكن مسلمًا؟
* الشيخ: لا، مؤمن، هو ما هو مؤمن بالقرآن، ما ندري عنه هل آمن بالقرآن ولَّا لا، لكن مؤمن بأن قراءتهم سوف تفيد، وهذا لا بد منه؛ لأنه إذا لم يُؤمن لم تنفعل النفس وتكون قابلة، لا يمكن أن تنفعل النفس لقبول هذا العلاج إلا إذا آمن بأنه مفيد.
* طالب: الكافر يا شيخ يُتلى عليه القرآن؟ الكافر يُعالج بالقرآن؟
* الشيخ: إي نعم، يُعالج بالقرآن، وربما يكون علاجه بالقرآن أولى من علاج المؤمن به؛ لأنه إذا عرف أنه مؤثر يكون ذلك سببًا لإسلامه.
* طالب: قوله تعالى في سورة يوسف: ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف ٢٤] هذه ﴿لَوْلَا﴾ شرطية أم ماذا؟ تُشكل علي..
* الشيخ: اقرأ اللي قبلها: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف ٢٤] يعني لفعل فهي شرطية لكن محذوفة الجواب.
* طالب: الهم ما حصل منه؟
* الشيخ: بلى، يعني لولا برهان ربه لفعل؛ يعني لأجابها إلى ما دعت، ما هو بـ(لولا برهان ربه لما هم)؛ لأن لو كان كذلك تناقض الكلام بل هو هَمَّ بها لكن لولا أنه رأى برهان ربه لأجابها إلى ما دعت.
* طالب: استنطاق الجن بالقرآن، هناك بعض من يرقي يقول: إنه يستنطق الجن، وقالوا له كذا وقالوا له كذا، هل هذا يمكن؟
* الشيخ: والله يا أخي ما ندري عن هذا، دائمًا يقولون مثلما قلت: إنهم يستنطقون، ودائمًا يعالجون بالتخييل، يضع القارئ يده على رأس الإنسان، ويقول: غمِّض، ويقول: شوف، أشوف كذا وكذا، من تتهم؟ أتهم فلانًا، ما ندري، هذه طرق غريبة، فهذه تحتاج إلى دراسة؛ يعني أحوال هؤلاء القارئين تحتاج إلى دراسة ومعرفة كيف يتوصلون إلى هذا، ومن أين جاءهم؟
* طالب: أحسن الله إليكم، إذا قلنا: إن الضابط في إقامة الحجة الفهم؟
* الشيخ: نعم.
* طالب: كيف الجواب يا شيخ عن قول الله عز وجل: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ﴾ [البقرة ٧]؟
* الشيخ: نعم، إي، ختم عليهم بعد الفهم؛ لأن الختم معناه قد يكون ختم يمنع الفهم، وقد يكون ختم يمنع الانقياد كقوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين ١٤].
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ لما ذكر الله تعالى هذا الكتاب العزيز، وأنه للذين آمنوا هدى وشفاء، والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى بَيَّنَ ما كان من الأمم السابقة نحو كتبهم فقال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ ﴿آتَيْنَا﴾ بمعنى أعطينا، الجملة هذه مؤكدة بثلاثة مؤكدات وهي القسم واللام وقد، وتقدير الكلام: والله لقد آتينا، وهو يقع كثيرًا في الكتاب العزيز؛ أي: مثل هذه الصيغة تقع كثيرًا في القرآن.
وقوله: ﴿آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ هذا الإتيان إتيان كوني وشرعي، فالله تعالى قد أنزل عليه التوراة فعلًا، وقد آتاه الحكم بها، وموسى هو ابن عمران أفضل أنبياء بني إسرائيل، وهو في المرتبة الثالثة بالنسبة لأولي العزم؛ لأن أولي العزم هم خمسة أفضلهم محمد ﷺ، ثم إبراهيم، ثم موسى.
وقوله: ﴿الْكِتَابَ﴾ يعني التوراة، وسماها الله تعالى كتابًا؛ لأن الله تعالى كتبها بيده كما قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف ١٤٥].
قال: (﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ بالتصديق والتكذيب كالقرآن) (اختُلف)؛ أي اختلف الناس فيه، فمنهم المصدِّق ومنهم المكذِّب كما كان الناس أيضًا بالنسبة للقرآن وهكذا جميع الأمم بالنسبة لما جاءت به الرسل منهم المصدق ومنهم المكذِّب.
﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ كذلك أيضًا جميع ما جاءت به الرسل يختلف الناس فيه بين مؤمن وكافر، وهذا تسلية للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ (لولا) هذه كلمة شرطية حرف شرط وهي -كما قال النحاة- حرف وجود أيش؟ لوجود ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ﴾ هذا موجود ﴿لَقُضِيَ﴾ هذا معدوم حرف وجود بعدم.
وقوله: ﴿كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾ يقول المفسر: (بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة)، فإن الجزاء الكامل إنما يكون يوم القيامة، أما في الدنيا فهو جزاء لا شك يُعاقَب فيه المجرمون، ويفلح فيه المؤمنون، لكنه ليس الجزاء الكامل من كل وجه.
(﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ في الدنيا فيما اختلفوا فيه) والمراد بذلك القضاء التام فلا يُنافِي هذا ما وَقَعَ لآل فرعون من الغرق والهلاك لما كذَّبوا موسى ﷺ (﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أي المكذبين به ﴿لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ مُوقِع في الريبة).
* في هذه الآية من الفوائد أوَّلًا: تأكيد الكلام إذا دعت الحاجة إليه؛ إما لأهميته، وإما للشك فيه، وإما لإنكاره، قال علماء البلاغة: والمخاطَب له ثلاث حالات:
الحال الأولى: حال ابتداء، وهي ألا يكون عند المخاطَب عِلْم، ولا تردد، ولا إنكار، هذا تُلقَى إليه الجملة غير مؤكدة؛ لأنه لا حاجة للتوكيد مثل أن يُقال: قدم فلان اليوم. لإنسان لم يكن في قلبه شيء من قدومه إثباتًا ولا نفيًا، وتسمى هذه الجملة ابتدائية.
الحال الثانية: أن يكون المخاطَب مترددًا في الأمر شاكًّا فيه لكنه لا ينكره، فهذا يحتاج إلى توكيد لكنه ليس بواجب مثل أن تُخاطِب رجلًا في أمر يستبعده لكنه لا ينكره فهنا يحسن أن تؤكد له الكلام من أجل أن يزول عنه الشك والتردد.
الحال الثالثة: أن يكون منكرًا مُكذِّبًا، فهذا يتعين توكيد الخبر له؛ لأن ذلك أبلغ في إقامة الحجة عليه وإقناعه. إذن أحوال المخاطب ثلاث: ابتداء، وتردد، وإنكار. ولكل حال حكمها فيما يتعلق بالتوكيد.
فإن قال قائل: يرد على كلامكم هذا قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون ١٥، ١٦]، والمراد الجملة الأولى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ فلا أحد ينكر الموت حتى يُؤكَّد له؟
أجابوا عن ذلك بأن تكذيبهم وإنكارهم واستكبارهم وتمردهم يفعلون ذلك فِعل الْمُنكِر فخُوطِبوا خطاب المنكِر، وهذا لا شك أنه جواب صحيح.
الذي معنا الآن: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ مؤكد بثلاثة مؤكدات، هل هو لإنكار المخاطب أو لتردده أم ماذا؟ قلنا: لأهمية الموضوع؛ لأن الموضوع مهم، فيحتاج إلى التوكيد لتسلية الرسول عليه الصلاة والسلام.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات رسالة موسى، تؤخذ من أين؟ وجه ذلك؟
* طالب: وجه ذلك أن الكتاب لا يؤتى إلا لنبي.
* الشيخ: أحسنت، وجه ذلك أن الكتاب لا يُؤتى إلا لنبي.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب الإيمان بأن الله تعالى آتى موسى كتابًا؛ لأن الله أخبر به وخبرُهُ حق؛ ولأن ذلك من الإيمان بكُتُب الله.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الخلاف لم يكن بِدعًا في الأمم، وقد سبق هذه الأمة مَن اختلفوا في كُتبهم ورسلهم؛ لقوله: ﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تسلية المصاب بذِكْر المشارِك له؛ لأن الغرض من ذلك؟ الغرض من إخبار أن الله آتى موسى الكتاب فاختلف فيه تسلية النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا فينبغي تسلية المصاب، ومنه ما يسمى بتعزية المصاب بالموت، فمن أُصيب بموت فإن من السنة أن يُعزَّى أي يُقوَّى على الصبر على المصيبة.
إذن * من فوائد الآية: تسلية المصاب وهل هذه التسلية سُنَّة أو هي مُباحة؟ نقول: هي سنة لما في ذلك من رفع ألم المصيبة عن أخيك المسلم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: حِكمة الله عز وجل بتأخير العذاب عمن كذبوا الرسل؛ لأن الله تعالى جعل لكل شيء قدرًا، فمِن حكمته تأخير العذاب عن الأمم لعلهم يرجعون.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تمام سلطان الله عز وجل، وأنه جل وعلا هو المدبِّر للأمور أخذًا ورفعًا؛ لقوله: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: رفعة منزلة الرسول عليه الصلاة والسلام عند الله تؤخذ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، رفعة منزلته؛ لأنه قال: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ فأضاف الربوبية إليه، وهذه ربوبية خاصة وهي تفيد علو منزلة المربوب عند الله عز وجل، وقد اجتمعت الربوبيتان العامة والخاصة في قول السحرة من آل فرعون: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢] الأولى: (رب العالمين) عامة، والثانية خاصة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى يُكنِّي عن الشر ببناء الفعل لما لم يُسمَّ فاعله؛ لقوله: ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ ولم يقُلْ: لَقَضى بينهم، وهذا هو المطرد في القرآن والغالب، وانظر إلى أدب الجن حيث قالوا: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن ١٠] أدب عالٍ، وفي الشر قالوا: ﴿أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ ولم يضيفوه إلى الله، وفي الرَّشَد قالوا: ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ ولم يقولوا: أم أُرِيد بهم رشدًا، بل قالوا: ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ وهذا من أدب الجن، والجن أحيانًا يكونون آدَب من الإنس ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا﴾ [الأحقاف ٢٩] أوصى بعضهم بعضًا أن ينصتوا حتى يستمعوا استماعًا تامًّا ﴿فَلَمَّا قُضِيَ﴾ أيضًا لم يتوقفوا أو يكسلوا ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ [الأحقاف ٢٩] بادروا إلى قومهم منذرين ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا﴾ [الأحقاف ٣٠] إلى آخره.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المكذِّبين بكتاب موسى في شك مريب مُوقِع في الريب وهو الشك مع القلق؛ يعني الفرق بين الريب والشك قريب؛ ولهذا يُفسِّر بعض العلماء الريب بالشك، ولكن شيخ الإسلام رحمه الله قال: هذا تفسير قريب، والريب أخص من مطلق الشك؛ إذ إن فيه قلقًا مع الريبة، وذلك لأن الأمر المشكوك فيه إما ألا يكون ذا أهمية فتجد الشاك فيه يقول: ما يهمني ثبت أم لم يثبت، وإما أن يكون ذا أهمية فحينئذٍ إذا شك فيه سيكون في قلق أيؤمن بهذا أم ينكر؛ لأنه أمر هام؟ فالغالب أن الريبة لا تأتي إلا في الأمور الهامة، وأما الشك الذي يشك هل فلان قدم أو ما قدم، وليس له أهمية في قدومه أو غيابه فهذا لا يُوجب الريبة.
﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾، * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإيمان يجب ألا يخالطه شك، وأنه إذا وَرَد على القلب شك ولو يسيرًا بشرط ألا يدافعه بل يركن إليه فإن هذا مُحبِط للإيمان، أما لو ورد الشك على القلب وطرده، وجاهد نفسه على دفعه فهذا لا يضره شيئًا؛ ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الناس يتساءلون: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقولوا: من خلق الله؟ وهذا شك، ولكن الرسول أخبر قال: «فَإِذَا بَلَغَ أَحَدَكُمْ ذَلِكَ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- فلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ»[[أخرجه مسلم (١٣٤ / ٢١٢) من حديث أبي هريرة.]]. وأخبره الصحابة أنهم يجدون في نفوسهم ما يحبون أن يكونوا حممة -أي فحمة محترقة- ولا ينطقون به، فقال ﷺ: «ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ»[[أخرجه مسلم (١٣٢ / ٢٠٩) من حديث أبي هريرة.]].
فالحاصل أن الشك الوارد على القلب إن اطمأن به الإنسان وركن إليه فليعلم أنه ليس بمؤمن؛ لأن الإيمان ينافيه شيئان؛ الشك والإنكار، أما إذا ورد على القلب وطارده وجاهد نفسه على تركه ففي هذه الحال يضره أو لا؟ لا يضره، بل هذا صريح الإيمان وخالص الإيمان، وذلك أن الشيطان لا يُورد مثل هذه الأمور على قلب ميت، القلب الميت مستريح منه، إنما يورده على قلب حي ليميته.
ولما ذكر اليهود لابن مسعود أو لابن عباس أنهم كانوا لا يُوسوسون في صلاتهم، يريدون بهذا أن يفتخروا على المسلمين، قال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بقلب خراب؟! كلمة عظيمة؛ يعني يقول: إن قلوبهم خربة، والشيطان ماذا يصنع في قلب خراب؟! أيأتي إليه ليخربه؟ الجواب: لا، إنما يأتي الشيطان بهذه الوساوس إلى قلب حي ليهلكه أو يمرضه.
{"ayah":"وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِیهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةࣱ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِیَ بَیۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُ مُرِیبࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق