الباحث القرآني
الآية الكريمة: إثبات اليوم الآخر والجزاء فيه؛ لقوله: ﴿يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ [فاطر ٤٥].
* ومن فوائدها: إثبات الاسم لله وهو بصير، وما تضمنه من الصفة وهو البصر، والبصر هنا بمعنى بصر البصيرة أو بصر العين؟ يشمل هذا وهذا.
هل نأخذ من هذا أن الإنسان قد يُعاقَب بتلف المال؟ إي نعم؛ لقوله: ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [فاطر ٤٥] يشمل حتى الحيوانات، فإذا تلف للإنسان أموال فإن هذه من عقوبات الذنوب سواء كانت الأموال من ذوات الأرواح كالدواب حية أو من غير ذوات الأرواح، قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة ١٥٥] كل هذه تقع ابتلاء من الله عز وجل، وتقع عقوبة؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير﴾ [الشورى ٣٠].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات حكمة الله تعالى بتقديره الأشياء تقديرًا مُحكمًا لا تتقدم ولا تتأخر؛ لقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ [فاطر ٤٥].
ثم قال الله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس ١، ٢] قال المؤلف: (سورة يس مكية)، والمكي ما نزل قبل الهجرة ليس ما نزل بمكة؛ إذ قد ينزل بمكة بعد الهجرة ويكون مدنيًّا، فما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعدها فهو مدني، هذا القول هو الراجح من أقوال أهل العلم.
قال: (أو إلا قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا﴾ الآية [يس: ٤٧] أو مدنية) فالأقوال فيها إذن ثلاثة؛ إما مكية، أو مدنية، أو مكية إلا قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا﴾ [يس ٤٧]، والذي يظهر أنها مكية؛ لأن أسلوبها أسلوب المكي، والسور المكية تمتاز عن السور المدنية بقوة الأسلوب وجزالة اللفظ بخلاف السور المدنية فإن أسلوبها لين ألين؛ لأنه يُخاطِب قومًا آمنوا، ويخاطب أيضًا قومًا فيهم أهل كتاب، ليس عندهم من البلاغة في اللغة العربية ما عند العرب.
فالظاهر -والله أعلم- أنها مكية، وإذا جعلناها مكية فإننا لا نقول باستثناء شيء منها؛ لأن الأصل أن السورة المكية كلها مكية، وأن السورة المدنية كلها مدنية، فمن ادعى استثناء آية أو آيتين أو أكثر فعليه الدليل، أما مجرد أن المعنى يليق بأهل المدينة مثلًا فهذا لا يكفي في الاستثناء؛ لأن الله تعالى قد يذكر معنى يليق بأهل المدينة توطئة وتمهيدًا حتى يكون الناس على بصيرة؛ ولهذا يذكر الله تعالى في الآيات المكية قصص موسى عليه الصلاة والسلام مع أن العناية بقصة موسى في المدينة أولى؛ لأن فيها اليهود، أما مكة فليس فيها يهود.
المهم أن بعض العلماء إذا نظر إلى أن المعنى يليق بالسورة المدنية أو بالأحكام المدنية ذهب يستثني ويقول: إلا آية كذا، إلا آية كذا، وهذا غير مستمر.
قال الله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، البسملة آية من كتاب الله مستقلة، يؤتى بها في ابتداء كل سورة ما عدا سورة براءة وليست من الفاتحة ولا من غيرها، هذا هو القول الراجح، وأما من قال: إنها من الفاتحة وليست من غيرها فقوله ضعيف؛ أولًا: للتفريق بدون دليل، وثانيًا: أن حديث أبي هريرة الثابت في الصحيح وهو «قول الله تعالى: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ»[[أخرجه مسلم (٣٩٥/٣٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]]. يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة؛ لأنها لم تذكر في هذا الحديث، وأيضًا فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يجهر بها في صلاته، لا يجهر بالبسملة؛ وهذا يدل على أنها ليست من الفاتحة وإلا لجهر بها كما يجهر في بقية الآيات.
أما إعرابها فقد سبق لنا مرارًا وتكرارًا، وأنها جار ومجرور وصفة وموصوف، وأن هذا الجار والمجرور متعلق بمحذوف، وأن هذا المحذوف ينبغي أن يكون فعلًا خاصًّا متأخرًا، فكونه فعلًا لماذا؟ لأن الأصل في العامل أو بالعوامل الأفعال؛ ولذلك تعمل الأفعال عملها بدون شرط، الأسماء التي تعمل عمل الفعل لا بد فيها من شروط، هذا واحد، خاصًّا؛ لأنه أدل على المخصوص، متأخرًا لفائدتين: التبرُّك بتقديم اسم الله عز وجل، وإفادة الحصر.
عندما تُسمي على الوضوء ويش تُقدِّر؟ باسم الله أتوضأ، لو قلت: باسم الله ابتدائي؟ يصح، لكن ابتدائي عام، وأتوضأ أخص، والإتيان بالأخص أدل على المقصود.
لو قلت: ابتدائي باسم الله؟ صح، لكن فاتك التأخير والتخصيص والفعلية إذا قلت: ابتدائي، إذا قلت: أبتدئ باسم الله؛ فاتك التأخير والتخصيص. إذا قلت: أتوضأ باسم الله؛ فاتك التأخير فقط.
إذن نُقدر متعلق البسملة فعلًا خاصًّا متأخرًا، فعلًا لماذا؟ لأن الأفعال هي الأصل في العمل، خاصًّا؛ لأنه أدل على المخصوص، متأخرًا لأمرين: تَبَرُّكًا بالبداءة باسم الله، والثاني: إفادة الحصر؛ يعني لا ابتدئ بشيء إلا باسم الله.
ربما يقول قائل: هل يمكن أن نستدل لهذا القول بشيء من النص؟
نقول: نعم، قال النبي عليه الصلاة والسلام وهو يخطب الناس في عيد الأضحى: «مَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ» أو: «فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٠٠)، ومسلم (١٩٦٠/١و٢) من حديث جندب بن سفيان رضي الله عنه. ]]. لفظان، فإن هذا يدل على أن تقدير الأخص أولى من تقدير الأعم (...) ثم على قراءتها في القرآن، ذكرنا أن البسملة جار ومجرور متعلق بمحذوف (...)
وأعلم الأعلام، أعلم حتى من الضمير؛ لأنه اسم يختص بالله لا يمكن أن يشركه فيه أحد؛ ولهذا قالوا: أَعْرَف المعارف على الإطلاق اسم الله؛ لأنه لا يُشاركه فيه أحد، الضمير إذا قلت: قمت، صحيح ما يشاركني أحد فيه لكن صالح أن يستعمله غيري، أما الله فلا تصح الشركة فيه.
أما الرحمن الرحيم فهما صفتان لله، والرحمن والرحيم معناهما؛ ذو الرحمة، لكن الرحمن باعتبارها وصفًا لله، والرحيم باعتبارها فعلًا له؛ ولهذا كان الرحمن عامًّا والرحيم خاصًّا قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب ٤٣] فالرحمن لُوحِظ فيه الوصف، والرحيم لُوحِظ فيه الفعل؛ ولهذا لما لُوحِظ في الرحمن الوصف جاء على الأوزان التي تدل على الامتلاء والسعة فصارت على وزن (فَعْلَان).
والرحمة صفة من صفات الله سبحانه وتعالى الحقيقية الثابتة له على وجه الحقيقة لا المجاز، وقد أنكرها أهل التعطيل، ومنهم الأشاعرة، وقالوا: إنه ليس لله صفة هي الرحمة؛ لأن الرحمة رِقَّة ولين، وهذا لا يليق بالله عز وجل، وفسروها إما بالإرادة؛ لأنهم يؤمنون بالإرادة، وإما بالفعل؛ لأن الفعل منفصل عن الفاعل، يعني المفعول منفصل عن الفاعل، فهم يفسرونها إما بالإحسان وهو مخلوق منفصل، وإما بإرادة الإحسان؛ لأنهم يقرون بالإرادة.
ولا شك أن قولهم هذا باطل، وأنه إنكار صفة من أعظم صفات الله عز وجل وهي من أبرز الصفات، فقد قال الله تعالى: «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي»[[أخرجه البخاري (٧٤٢٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]]. والعجب كل العجب أنهم يقولون: إن الإرادة دل عليها العقل، والرحمة دل العقل على انتفائها، كيف؟ قالوا: لأن التخصيص دال على الإرادة، التخصيص يعني مثلًا كون هذا سماءً، وهذه أرضًا، وهذه شمسًا، وهذا قمرًا، إلى آخره يدل على الإرادة؛ لأنه لا مُخصِّص إلا بإرادة.
أما الرحمة فيقولون: إن العقل لا يدل عليها بل يدل على انتفائها، ونحن نقول: عجبًا لكم!! دلالة العقل على الرحمة أبلغ وأظهر وأوضح من دلالته على الإرادة، ولهذا جعلتم دلالة العقل على الإرادة بالتخصيص، وهذا لا يفهمه إلا خواص الناس، يمكن طالب العلم لو تسأله بدون أن يعرف البحث ما استدل بالتخصيص على الإرادة وهو طالب علم، لكن الرحمة كُلٌّ يعرف أن لله تعالى رحمة، ويستدل عليها بالعقل، تأتي العامي في السوق تقول له: والله نزل المطر، واخضرت الأرض، ورويت الزروع، وما أشبه ذلك، منين هذا؟ ويش يقول لك؟ من رحمة الله، على طول، فيستدل بالنعم التي هي من آثار الرحمة على الرحمة، ولكن نسأل الله لنا ولكم الهداية من لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.
قال الله تعالى: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس ١، ٢] قال المؤلف: (﴿يس﴾ الله أعلم بمراده). ولا شك أن الله أعلم بمراده ومراد غيره، وأعلم بكل شيء، ولكن ما المراد بهذه أو بهذين الحرفين الهجائيين؟ يقول المؤلف: (الله أعلم)، ما ندري ماذا أراد الله عز وجل.
ومنهم من قال: إن معنى ﴿يس﴾ يا إنسان، فـ(يا) حرف نداء على زعمهم، ويس كلمة يُعبر بها عن الإنسان، وبعضهم أتى بغير ذلك أيضًا مما لا طائل تحته، ولا دليل عليه، لكن يبقى النظر، هل نقول كما قال المؤلف: (الله أعلم بما أراد) في جميع الحروف الهجائية التي ابتُدئت بها السور أو نقول: إنه لا معنى لها بمقتضى قوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء ١٩٣ - ١٩٥] فإن مقتضى اللسان العربي المبين أن هذه الحروف ليس لها معنى، فإذا حكمنا بهذه القضية العامة بلسان عربي مبين على كل كلمة، أو حرف في القرآن الكريم، فإننا نعلم أن ﴿يس﴾ ليس لها معنى بمقتضى اللسان العربي المبين، (يا) ما لها معنى حرف هجاء، سين ما لها معنى أيضًا، حرف هجاء. وهذا القول ذكره ابن كثير عن مجاهد رحمه الله، وهو قول قوي، ويشهد له الآية التي استشهدت بها.
إذن نقول: لا معنى لهذه الحروف، فيرد علينا إشكال إذا قلنا: لا معنى لها، كيف يأتي الله عز وجل في كتابه العظيم بكلام لغو لا معنى له؟
والجواب على هذا أن يقال: إن له مغزى عظيمًا، هذا المغزى هو أنكم أيها العرب الذين عجزتم عن معارضة القرآن والإتيان بمثله، عجزتم عن ذلك لا لأن هذا القرآن أتى بحروف جديدة أو كلمات جديدة بل هو من الكلمات التي تكونون منها كلامكم، حروف هجائية؛ ولهذا قل أن تجد سورة مبدوءة بهذه الحروف الهجائية إلا وبعدها ذكر القرآن مما يدل على أن هذا هو المراد بها، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقبله الزمخشري أيضًا في تفسيره، وغيره من العلماء على أن هذه حروف هجائية جيء بها لأجل إظهار عجز العرب عن مُعارَضة هذا القرآن مع أنه لم يأتِ بجديد في كلامهم.
قال: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس ١، ٢] الواو هذه للقسم، فلها معنى ولها عمل؛ عملها الجر، ومعناها التأكيد؛ فالقسم تأكيد الشيء بذكر مُعظَّم على صورة مخصوصة، هذا القسم، ولا بد أن يكون المحلوف به مُعظَّمًا ولو تقديرًا في ذهن الْمُقْسِم، كأنه يقول -إي الْمُقْسم بالمعظم-: بقدر تأكد تعظيمي لهذا الشيء أؤكد ما حلفت عليه، بقدر تعظيمي لهذا الشيء وتأكدي منه وإثباتي له أؤكد المحلوف عليه؛ ولهذا لا بد أن يكون المحلوف به معظمًا، وإلا لكان الحلف لا فائدة منه.
﴿الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس ٢] القرآن المراد به هذا الذي نقرؤه كلام الله عز وجل، وهو مشتق من (قرأ) بمعنى (تلا)؛ لأنه متلو، أو من (قَرَى) بمعنى (جمع)؛ لأنه مجموع وجامِع، فهو مشتق من المعنيين، من القراءة بمعنى التلاوة، ومن (قَرَى) بمعنى (جمع)، ومنه القرية؛ لأنها مجتمع الناس؛ فالقرآن جامع بين المعنيين فهو متلو، وجامع، ومجموع، كلمات مجموع بعضها إلى بعض، كلام جامع لكل ما فيه الخير والصلاح.
قوله: ﴿الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس ٢] ﴿الْحَكِيمِ﴾ صفة للقرآن، وهي بمعنى مُحْكِم، أو بمعنى مُحْكَم، أو بمعنى حَاكِم، كلها تحتمل، فالقرآن حاكم؛ لأنه يجب الرجوع إليه ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء ٥٩] ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية ٢٩] إذا قلنا: إنه القرآن. طيب مُحْكِم؛ لأنه مُتقِن للأشياء، فقد ﴿تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام ١١٥]، وكذلك أيضًا مُحكَم؛ لأن الله تعالى أحكمه وأتقنه، فليس فيه تناقض ولا تعارض ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢] إذن هو مشتمِل على الحكمة أيضًا ولَّا لا؟ نعم، هو مشتمل على الحكمة، ففيه معنى الحكمة والْحُكْم.
إذا كان حكيمًا فإننا نعلم أنه حكيم في ترتيبه، كل آية إلى جنب الأخرى حتى وإن ظننا أنه لا ارتباط بينهما فإنما ذلك إما لقصورنا أو تقصيرنا فمثلًا لو قال قائل: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة ٢٣٨] جاءت في سياق آيات العِدَد، فما هو الارتباط؟ نقول: لا بد أن هناك حكمة لكن قصرت أفهامنا عنها، أو قصرنا في التدبر لطلبها والمراجعة لكتب أهل العلم.
إذن هو حكيم في ترتيبه، حكيم في أحكامه، فأحكامه كلها عدل موافقة للفطرة وللعقل الصريح؛ ولهذا لا تجد شيئًا في أحكام القرآن مناقضًا للفطرة أبدًا، بل هو موافق للفطرة، ولا تجد شيئًا في القرآن يكذبه العقل أو يحيله أبدًا، بل إن العقل يُقرِّر في الجملة ما جاء به القرآن.
كذلك حكيم في أسلوبه؛ يشتد في موضع الشدة، ويلين في موضع اللين، ويأتي بأساليب غريبة، ما كانت معروفة في أساليب العرب، فبينما الآية سياقها خبري، إذا بها تنتقل إلى سياق إنشائي، من استفهام، أو نهي، أو أمر، أو ما أشبه ذلك، وكل هذا من الحكمة، بينما القرآن يتحدث بصيغة الغائب إذا به ينتقل إلى صيغة الحاضر، فينتقل من أسلوب إلى آخر، وهو ما يسمى بالالتفات، وأنواع هذا كثيرة في القرآن.
فالقرآن إذن حكيم بكل معنى الحكمة، وبكل معنى الإحكام، وبكل معنى الْحُكْم.
قال المؤلف مُقتصرًا على واحد منها: (الْمُحْكَم في عجيب النظم وبديع المعاني) فأتى بمعنى واحد من معاني الحكيم، ونحن ذكرنا ثلاثة أشياء؛ ذو حكمة، ومُحْكِم، ومُحْكَم. مُحْكِم، ومُحْكَم، وحاكِم أيضًا، فذكرنا أنه حاكم، وذو حكمة، وحُكْم وإِحْكام، فيشمل أعم مما قال المؤلف، هذا الْمُقْسم به، وإقسام الله تعالى بكتابه العظيم، أو بكتابه الحكيم يدل على عِظَم هذا القرآن، وعلى عِظَم ما جاء به من الإحكام والحِكمة والْحُكم.
ثم ذكر الْمُقسم عليه فقال: ﴿إِنَّكَ﴾ [يس ٣] يا محمد ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ فأقسم الله تعالى بكتابه على أن محمدًا ﷺ من المرسلين.
وقوله: ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس ٣]؛ لأنه سبقه الرسل وهو خاتم الرسل وأكملهم شريعة، جاء ليتمم مكارم الأخلاق، وقد شبه النبي ﷺ رسالته «برجل بنى قصرًا وأشاده، وَبَقِي موضع لبنة، فصار الناس يطوفون به ويتعجبون منه إلا موضع هذه اللبنة، قال: «فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ»[[أخرج البخاري، واللفظ له (٣٥٣٤)، ومسلم (٢٢٨٧/٢٣) بسندهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال النبي ﷺ: «مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارًا، فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون: لولا موضع اللبنة». ]].
هذه الجملة ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس ٣] مؤكدة بثلاثة مؤكدات؛ القسم، وإن، واللام ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ قال: ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يس ٤] متعلق بما قبله، الذي قبله ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾، ومُرْسَل اسم مفعول صالح للعمل؛ لأن يتعلق به المعمول، المعنى إنك لمن الذين أُرسلوا على صراط مستقيم؛ لأن جميع الرسل على صراط مستقيم بلا شك، ولكن يحتمل وجه آخر أحسن مما قال المؤلف؛ وهو أن تكون ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ خبرًا ثانيًا لـ(إن). ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ إنك ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يس ٤] وهذا أنسب، ويشهد له قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى ٥٢، ٥٣].
إذن فنقول: الوجه الثاني في إعراب ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يس ٤] أنها خبر ثان لـ(إن). وقوله: ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يس ٤] قال: أي طريق الأنبياء قبلك التوحيد والهدى.
﴿صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿صِرَاط﴾ (فِعَال) بمعنى (مَفْعُول)؛ لأن فِعالًا تأتي بمعنى مفعول كثيرًا؛ كقولهم: بِناء وغِراس وفِراش بمعنى مبني، مغروس، مفروش، صِراط (فِعَال) بمعنى (مَفْعُول)؛ أي مصروط، والصَّرْط المرور بسرعة، هذا الصَّرْط، الصَّرْط المرور بسرعة، ومنه قولهم: صرط اللقمة أي: ابتلعها بسرعة، وفي اللغة العامية عندنا نقول: زرط وهي لغة عربية، صراط فيها سراط بالسين، وزراط بالزاي، كلها لغة عربية.
الصراط لا يكون صراطًا إلا إذا كان طريقًا واسعًا، يتحمل طوائف يعبرون عليه، قالوا: وأيضًا من صفاته أن يكون مستويًا ليس فيه طلوع ولا نزول، و﴿مُسْتَقِيم﴾ صفة له مؤكدة؛ يعني أنه لا اعوجاج فيه.
ولا شك أن ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام صراط مستقيم؛ لأنه طريق واسع يسع كل الأمة منذ بُعث إلى أن تقوم الساعة، لا يمكن أن يضيع، صراط واسع أيضًا، لا يمكن أبدًا أن يضيق عن الأحكام الشرعية، كل حادثة تنزل منذ بُعث الرسول ﷺ إلى يوم القيامة لا بد أن يوجد فيها حل لمشكلتها إن كانت مشكلة فيما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك نقول: إن هذا الشرط في القرآن والسنة كامل لا يحتاج إلى تكميل، وأيضًا واسع لا يمكن أن يضيق بأي جزء أو بأي جزئية تقع إلى يوم القيامة.
إذن ما فيه شيء مشكل في الشريعة ولَّا لا؟ لكن الإشكال إنما يأتي من قِبَل الناس؛ إما لقصور في الفهم، أو لتقصير في طلب العلم والهدى، أو لأشياء رانت على قلوبهم وأظلمتها حتى لا تُبصِر الحق؛ يعني قد يكون الإنسان غير مُقصِّر ولا قاصر، عنده فهم قوي، وعنده آلة قوية وعلم، لكن يكون على قلبه ذنوب تحول بينه وبين رؤية الصواب؛ ولهذا ينبغي للإنسان إذا أشكل عليه مسألة من المسائل بعد المراجعة والتتبع لكلام أهل العلم يُكثر من الاستغفار؛ لأن الاستغفار يمحو الله به الخطايا فيكون القلب مستنيرًا، وربما يستنبط هذا من قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ١٠٥ - ١٠٦].
ويستدل له أيضًا بقوله تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾ [المطففين ١٣ - ١٤]، فالذنوب منعت القلوب أن ترى أحقية هذا الكتاب حتى قال القائل: إنها أساطير الأولين.
فالمهم أنَّا نقول: إن هذا الدين صراط مستقيم واسع، يسع جميع الناس إذا دخلوه، واسع يشمل جميع أحكام الحوادث والنوازل منذ بُعث الرسول ﷺ إلى أن تقوم الساعة، ولكن الإشكال الذي يكون إما من قصورنا أو تقصيرنا، أو من أمور رانت على القلوب فلا ترى الحق (...)
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس ١، ٢] ما معنى قوله يس؟ (...)
بالقسم وغيره، تأكيد بالقسم في قوله: ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ وغيره؛ يعني بذلك إن واللام رد لقول الكفار له لستَ مُرسلًا كما قال الله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا﴾ [الرعد ٤٣].
إذن فالكلام مطابِق لمقتضى الحال؛ لأنه يُخاطِب المنكِر وقد سبق لنا في البلاغة أنه إذا خُوطِب المنكِر فإنه يجب أن يؤكد له الخبر؛ يعني يقول علماء البلاغة: للمخاطب ثلاث مراتب: أن يكون منكِرًا، وأن يكون مترددًا، وألا يكون في ذهنه شيء لا إنكار ولا تردد، قالوا: فإن كان منكرًا وجب تأكيد الخبر له، يجب أن يؤكد الخبر له، وإن كان مترددًا حسن أن يؤكَّد له الخبر، وإن لم يكن في ذهنه شيء فإنه يُلْقى إليه الخبر غير مؤكد، هذا هو الأصل.
إذا كنت تخاطب إنسانًا ليس في ذهنه شيئًا عن مدلول الخبر فألقِ الخبر إليه غير مؤكد، تقول: زيد قائم، إذا كنتَ تخاطب مترددًا في صحة الخبر فأكِّده له وجوبًا ولَّا لا؟ استحسانًا، إذا كنت تخاطب مُنكرًا فإنه يجب أن تؤكد له الخبر هذا، هو الأصل.
وقد يُحذف التوكيد في موضع التوكيد، وقد يأتي التوكيد في غير موضع التوكيد لأسباب تُعرَف من السياق، هنا الكفار يقولون: لست مرسلًا، فكان تأكيد خبر الرسالة لهم واجبًا؛ يعني مما تُوجِبه البلاغة، والوجوب هنا ليس الوجوب التكليفي الذي يأثم بتركه، بل الوجوب من حيث البلاغة.
قال: ﴿تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [يس: ٥] ﴿تَنْزِيلُ﴾ خبر مبتدأ محذوف تقديره هو؛ أي القرآن ﴿تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ .
و﴿تَنْزِيلَ﴾ مصدر (نَزَّل، يُنَزِّل)، والقرآن مُنَزَّل ومُنْزل؛ مُنَزَّل يعني ينزل شيئًا فشيئًا كما قال تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء ١٠٦]، فإنه ينزل شيئًا فشيئًا، ويعبر أحيانًا عن القرآن بأنه أُنزِل باعتبار نهايته، فإنه باعتبار النهاية يكون نزل كله، وباعتبار التدريج بتنزيله يكون منزلًا، وهكذا في القرآن نزول المطر، أحيانًا يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾ [ق ٩] ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنعام ٩٩] فباعتبار أن المطر ينزل شيئًا فشيئًا يقال: نزلنا وباعتبار النهاية واجتماعه كله يقال: أنزلنا.
وقوله: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ﴾ قال المؤلف: (في ملكه)؛ يعني الغالب في ملكه الذي لا يُغلَب فيه، وقد مر علينا في باب العقيدة أن العزيز من أسماء الله، وأن العِزَّة لها ثلاثة معانٍ؛ عِزَّة القدْر، وعزة القهر، وعزة الامتناع، ثلاثة، ما هي؟
* طالب: عزة القدْر، عزة الامتناع، عزة القهر.
* الشيخ: نعم، عزة القدْر؛ بمعنى أنه ذو قدْر عظيم رفيع، عزة القهر بمعنى أنه قاهِر غالب، عزة الامتناع بأنه قوي لا يناله شيء، قال ابن القيم:
؎وَهُوَ الْعَزِيزُ فَلَنْ يُرَامَ جَنَابُهُ ∗∗∗ أَنَّى يُرَامُ جَنَابُ ذِي السُّلْطَانِ
فهو عز وجل عزيز ممتنع أن يناله السوء. ومنه الأرض العَزَاز لقوتها وشدتها. إذن فقول المؤلف: (العزيز في ملكه) فيه قصور.
قال: ﴿الرَّحِيمِ﴾ بخلْقِه، وهنا نقول: إن الرحيم عامة؛ لأنها لم تُقيَّد، فالمراد به الرحمة العامة، فهو سبحانه وتعالى رحيم بخلقه كلهم، ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها حتى الكافر يرزقه الله تعالى العقل والصحة والأولاد والمال والأزواج، لكن هذه رحمة عامة، أما الرحمة الخاصة بالمؤمنين، ففي قوله تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب ٤٣].
قال: ﴿الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [يس ٥] بخلقه، وهنا أضاف تنزيل القرآن إلى هذين الاسمين إشارة إلى وجوب العمل بما جاء في القرآن، وأن من لم يعمل به فإن أمامه العزيز الذي يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
﴿الرَّحِيمِ﴾ إشارة إلى أن هذا القرآن إنزاله من مقتضى رحمته بخلقه؛ لأن الله تعالى ما رَحِم خلقه رحمة أعظم من إنزال القرآن الكريم؛ لأن به الحياة؛ الحياة القلبية والبدنية والفردية والاجتماعية، ففيه إشارة -كما قلت- بل فيه تهديد للذين يخالفون هذا القرآن بأنه نزل من عند عزيز ينتقم ممن خالفه، (رحيم) إشارة إلى أن هذا القرآن من مقتضى رحمته سبحانه وتعالى.
قال: (خبر مبتدأ مقدر) ويش يعني بخبر مبتدأ مقدر؟ ﴿تَنْزِيلُ﴾ بالرفع أي القرآن؛ يعني التقدير القرآن تنزيل العزيز الرحيم. في قراءة سبعية: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ وعلى هذه القراءة يكون منصوبًا على أنه مصدر عامله محذوف؛ يعني نُزِّل تنزيل العزيز الرحيم.
قال: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ به ﴿قَوْمًا﴾ متعلق بـ﴿تَنْزِيلَ﴾ لتنذر اللام، هذه تسمى لام التعليل، والفعل بعدها منصوب بها، على مذهب منصوب باللام ولا بأن؟
* طالب: باللام.
* الشيخ: باللام، وعلى مذهب البصريين منصوب بـ(أن) مضمرة بعد اللام، وعلى كل حال فهي تحتاج إلى متعلق، اللام ﴿لِتُنْذِرَ﴾ تحتاج إلى متعلق، فأين متعلقها؟ قوله: ﴿تَنْزِيلَ﴾ يعني تنزيل الرحمن الرحيم ﴿لِتُنْذِرَ﴾ يعني إنما نزل ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس ٦]. تنذر.
قال العلماء: إن الإنذار هو الإخطار المقرون بالتخويف، أو المتضمن للتخويف، فالإنسان مثلًا يأتي إلى قومه يصيح بهم: العدو العدو، يُقال: هذا منذر ونذير؛ فالنذير عن شيء يخوف فهو إعلام متضمن للتخويف، هذا القرآن أنزله الله عز وجل ليُنذر النبي ﷺ به قومًا ما أُنذر آباؤهم؛ أي لم يُنذروا في زمن الفترة، وعلى هذا فـ﴿مَا﴾ نافية يعني لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم؛ أي لم ينذروا، لم يخوفوا لكن في زمن الفترة، وأما قبل فقد أُنذروا بواسطة إسماعيل بن إبراهيم، فإنه مُرسَل إلى العرب إلى قومه، وبعد ذلك لم ينذر هؤلاء.
قال بعض المعربين الذين يجمعون الأقوال صحت أو ما صحت، أي أنهم يقولون أي احتمال قالوا: ويجوز أن تكون ﴿مَا﴾ موصولة أي لتنذر قومًا الذي أنذره آباؤهم، فيجعلون ﴿مَا﴾ موصولة، ويجعلون العائد محذوفًا تقديره الذي أنذره آباؤهم؛ أي لتنذرهم الذي أُنذره آباؤهم، ولكن هذا وإن كان محتملًا من قِبل اللفظ لكنه بعيد من جهة المعنى؛ لأن الآيات الكثيرة المتعددة تدل على أن قريشًا الذين بعث فيهم الرسول ﷺ لم ينذر آباؤهم، ومنه قوله تعالى في سورة (الم تنزيل)، السجدة ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [السجدة ٣] وهذا صريح في أن ﴿مَا﴾ هنا للنفي لا غير ﴿مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ [يس ٦] في زمن الفترة.
﴿فَهُمْ﴾ أي القوم ﴿غَافِلُونَ﴾ [يس ٦] عن الإيمان والرشد غافلون؛ لأنهم ما أتاهم نذير، ومعلوم أن النذر تُوجِب حياة القلوب والانتباه؛ ولهذا تجد الإنسان نفسَه، إذا لم يأتِه واعظ يغفل، وتكثر به الغفلة، فإذا أتاه واعظ فكأنما أيقظه من نوم، هؤلاء لما تطاول عليهم الأمد، ولم يأتهم نذير غفلوا، وكأنهم ما خُلِقوا لعبادة الله، وجعلوا لهم أصنامًا يعبدونها من دون الله، ويركعون لها ويسجدون وينذرون ويوفون.
﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس ٦] لعدم من يوقظهم، ولكن مِن هؤلاء مَنْ عنده عِلْم من الرسالة، من هؤلاء الذين في زمن الفترة من عنده عِلْم من الرسالة لكنه عاند، وبقي على ما كان عليه آباؤه كالذين شهد لهم النبي ﷺ بالنار، فإن الذين شهد لهم الرسول ﷺ بالنار نعلم علم اليقين أن هؤلاء قد قامت عليهم الحجة، ولولا ذلك ما كانوا من أهل النار، فأهل الفترة نوعان: نوع علمنا بشهادة النبي ﷺ أنه قد بلغتهم الرسالة لحكم الرسول ﷺ عليهم بأنهم من أهل النار، وآخرون لا ندري عنهم شيئًا؛ فالواجب علينا أن نتوقف في أمرهم، وأن نقول: الله أعلم بما كانوا عاملين، وأصح الأقوال فيهم أنهم يمتحنون يوم القيامة بتكاليف الله أعلم بها، فمن أطاع منهم دخل الجنة ومن عصى دخل النار.
* في الآية الكريمة فوائد: أولًا: بيان أن هذا القرآن الذي أعجز البشر لم يكن بدعًا من لسانهم، وأنه من الحروف التي يُرَكِّبُون منها كلامهم. يشير إلى هذا قوله ﴿يس﴾، ولهذا لا تأتي هذه الحروف الهجائية في أول السورة إلا وجدتَ بعدها ذكر القرآن في الغالب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عظمة القرآن العظيم؛ لأن الله تعالى أقسم به، ولا يُقْسَم إلا بالشيء المعَظَّم، ثم قد يكون عظيمًا في ذاته حقيقة، وقد يكون مُعَظَّمًا باعتبار المقسِم به؛ فالذين يحلفون باللات والعُزَّى يحلفون بِمُعظَّم لا بعظيم؛ لأنه مُعظَّم عندهم لكنه ليس بعظيم في نفسه، والذين يُقسمون بالله وآياته يحلفون بعظيم بِمُعَظَّم في قلوبهم وهو عظيم في نفسه. القرآن الكريم عظيم في نفسه، ولَّا لا؟
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على القرآن بأنه حكيم على الوجوه الثلاثة اللي ذكرناها؛ لقوله: ﴿وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس ٢].
* ومن فوائدها: العناية بإثبات رسالة النبي ﷺ؛ لأن الله تعالى أقسم عليها وأكدها زيادةً على القسم بـ(إن) واللام، ومنها ثبوت رسالة النبي ﷺ، فمن أنكرها فهو كافر؛ لأنه مُكذِّب لله ورسوله وإجماع المسلمين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الرسل، وأن ثمة رسلًا غير محمد ﷺ؛ لقوله: ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس ٣]؛ ولهذا قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف ٩]؛ يعني لست أول رسول فإنه عليه الصلاة والسلام قد سبقه رسل من قبله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما جاء به النبي ﷺ من الشرع فهو الصراط المستقيم؛ لقوله: ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يس ٤].
وفيه من العوج والشر بمقدار ما خالف شريعة النبي ﷺ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن القرآن مُنزَّل من عند الله، الآيات الكريمة هي آيات متعددة؛ لقوله: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [يس ٥].
* ومن فوائد الآيات: أن القرآن كلام الله، كيف ذلك؟
* طالب: قوله ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [يس ٥].
* الشيخ: وجهه؟
* الطالب: (...) كان منزلًا (...)، قائم بذاته أو قائم بغيره.
* الشيخ: نعم، والكلام؟
* الطالب: قائم بغيره.
* الشيخ: قائم بغيره، فيكون؟
* الطالب: غير مخلوق.
* الشيخ: غير مخلوق، يكون كلام الله غير مخلوق.
* إذن يستفاد منها: أن القرآن كلام الله غير مخلوق.
* ومن فوائد الآيات إثبات علو الله؛ لقوله: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ﴾، والنزول لا يكون إلا من أعلى، وعلو الله عز وجل دل عليه الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة، كل هذه الأنواع الخمسة من الأدلة كلها دلت على علو الله عز وجل.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: إثبات العزيز والرحيم اسمين من أسماء الله، وإثبات ما تضمناه من الوصف، وما تضمنه الرحيم من الأثر، وهو الْحُكْم.
* ومن فوائد الآيات: العزيز في بعض معانيها، وهو الغالب.
* ومن فوائد الآيات: إنذار المخالفين لهذا القرآن، وذلك بإضافة ﴿تَنْزِيلَ﴾ إلى ﴿الْعَزِيزِ﴾؛ لأنه إذا قيل مثلًا: جاء هذا من عزيز، ويش يدل عليه؟ على إنذار مَنْ خالفه وتحذيره، فيكون في هذا الإنذار والتحذير من مخالفة هذا المنَزَّل؛ لأنه نزل من عزيز.
* ومن فوائد الآيات: أن القرآن، بل إن الشرع كله من آثار رحمة الله؛ لقوله: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [يس ٥].
فإن قلت: أين الرحمة في قطْع يد السارق، وفي رجْم الزاني الْمُحصَن، وفي قتل القاتل، وما أشبه ذلك؟
فالجواب: أن الرحمة في ذلك واضحة جدًّا، قطع يد السارق فيها رحمة بالسارق وبغيره، رحمة بالسارق لتردعه عن السرقة مرة أخرى، ولتكون كفارة لذنبه؛ لأن الحدود كفارة يُكفَّر بها عن فاعلها، وفيها أيضًا إصلاح المجتمع وحمايته من الفوضى، وهذه رحمة ولَّا لا؟ رحمة ما فيه شك أن هذه رحمة، وكذلك نقول في بقية الحدود والقصاص: إنه من رحمة الله عز وجل.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أن الرسول ﷺ مُنذِر؛ أي مُعلِم إعلامًا يتضمن التخويف، فإن قلت: وهل هو مُبَشِّر؟ الجواب: نعم، مُبَشِّر، لكن هنا ذكر الإنذار دون البشارة، والجواب على ذلك أن يُقال: إما لأن المقام يقتضي ذلك؛ لأنه يُخاطِب قومًا طاغين، فالأليق في حقهم الإنذار والتخويف؛ لأنهم مخالفون وطاغون، وإما أن يقال: إن هذا من باب ذكر أحد المتضايفين أو المتقابلين استغناءً بذكره عن ذِكْر الآخر كما في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل ٨١] يعني والبرد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النبي ﷺ مرسل إلى العرب خاصة. من الذين ما أنذر آباؤهم؟
* طلبة: العرب.
* الشيخ: العرب إذن اليهود والنصارى ما أُرسل إليهم؛ لأنه أنذر آباؤهم.
* طالب: في الآيات الأخرى..
* طالب آخر: قومًا نكرة.
* الشيخ: إي، ﴿قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ نكرة موصوفة. إذن نقول: إن الآيات الأخرى تدل على عموم رسالته، مثل قوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف ١٥٨]، ومثل قوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان ١]، وكقوله ﷺ: «بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري، واللفظ له (٤٣٨)، ومسلم بنحوه (٥٢١/٣) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ]]. والنصوص في هذا كثيرة متوافرة، ومن كذبها فقد كذَّب رسالته إلى العرب أيضًا؛ لأن الجنس واحد، ولكن قد يُقال: لماذا خص العرب؟
فيقال: خصهم لأمرين؛ الأول: أنه منهم، كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [الجمعة ٢] والثاني: أنه باشر دعوتهم بنفسه، وهدى الله العرب على يديه قبل موته، ثم انتشرت رسالته في الآفاق.
وقد ذكر ابن كثير رحمه الله هنا قاعدة أشرنا إليها من قبل، وهي أن ذِكْر بعض أفراد العام بحكم يوافقه لا يقتضي التخصيص كما ذكر ذلك أهل الأصول كالشنقيطي في تفسيره وغيرهم، وأن هذا هو رأي الجمهور، وهو الحق، أن ذكر بعض أفراد العام في حكم لا يقتضي تخصيصها إذا كان يُطابِق حكم العام، فإذا قلت مثلًا: أكْرِم الطلبة، ثم قلت: أكرم زيدًا وهو منهم؛ فإنه لا يقتضي تخصيص الإكرام به؛ لأن الحكم هنا موافق للحكم العام، وذكر بعض أفراد العام بحكم يوافق العام ليس تخصيصًا له، واضح؟ ذكرنا هذا في أي مناسبة؟
* طالب: في باب التيمم.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: في قول النبي ﷺ: «وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا»[[أخرجه البخاري (٤٣٨) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ومسلم (٥٢١/٣)، واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. وجاء في بعض الروايات أنها التربة.
* الشيخ: تربتها؟
* الطالب: طهورًا.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: فكون النبي ﷺ ذكر التربة فلا يكفي أنه لا يصح التيمم بغيره.
* الشيخ: تمام، صح، وكذلك؟
* الطالب: في الصلاة (...) بين السجدتين في تحريك الأصبع، هنا قول الرسول في التشهد لا يقتضي (...).
* الشيخ: نعم، في الصلاة، وذكرناها أيضًا في الحلي عند قوله في الرقة: فِي مِئَتَي دِرْهَمٍ رُبْعُ الْعُشْرِ. قلنا: هذا لا يقتضي أن الحلي لا تجب فيها الزكاة؛ لأن ذكر بعض أفراد العام بحُكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص.
* ومن فوائد الآيات: سب هؤلاء الذين غفلوا عن الرسالات كقوله: ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس ٦]، وأن الغفلة عن البحث عن الرسالة يعتبر ذمًّا، وكذلك نقول: فيمن غفل عن البحث في جزئيات الشريعة، فمثلًا من غفل عن البحث في أحكام الصلاة فإنه يُذَم، عن البحث في أحكام الزكاة وهو محتاج لذلك نقول: إنه يُذم؛ ولهذا نقول: إن تعلم العلم الشرعي فرْض كفاية، ومن أراد أن يقوم بعبادة من العبادات كان تعلم أحكامها عليه فرض عين.
وبناء على هذا نقول: كل طلبة العلم في كل مكان قائمون بفرض كفاية؛ ولهذا يحسن أن نستحضر هذا الأمر، أننا في مجالسنا هذه نقوم بفرض كفاية نُثاب عليه ثواب الفرض، وقد قال الله تعالى: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ»[[أخرج البخاري (٦٥٠٢) بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه..» الحديث. ]].
وهذه مسألة يغفل عنها كثير من الطلبة لا في مجالس الذكر والعلم، ولا في المجالس الأخرى مجالس المراجعة، تجد الإنسان مثلًا يراجع الكتاب ولكنه ما يستحضر أنه الآن قائم بفرض كفاية، وهذا يُفوِّت علينا خيرًا كثيرًا؛ لهذا نسأل الله أن يعيننا على تذكر هذا المعنى حتى نكسب خيرًا بما نقرؤه وبما نراجعه (...)
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس ٥- ٦]. قوله: ﴿تَنْزِيلَ﴾ فيها قراءتان الأخ؟ (...)
أظن ما ذكرت (...).
لله عز وجل؛ لأن اللام للتعليل، إذن أضيفوها إليها؛ لأن أظن آخر ما أخذنا من الفوائد هي الآية هذه، يعني ما أخذنا سواها.
* فتضاف إلى الفوائد: إثبات الحكمة لله المستفاد من قوله: ﴿لِتُنْذِرَ﴾.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یسۤ","وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِیمِ","إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ","عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","تَنزِیلَ ٱلۡعَزِیزِ ٱلرَّحِیمِ","لِتُنذِرَ قَوۡمࣰا مَّاۤ أُنذِرَ ءَابَاۤؤُهُمۡ فَهُمۡ غَـٰفِلُونَ"],"ayah":"وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق