الباحث القرآني
(p-٢٣١)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ يَسَ
هَذِهِ السُورَةُ مَكِّيَّةٌ بِإجْماعٍ، إلّا أنَّ فِرْقَةً قالَتْ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ﴾ [يس: ١٢] «نَزَلَتْ في بَنِي سَلِمَةَ مِنَ الأنْصارِ حِينَ أرادُوا أنْ يَتْرُكُوا دِيارَهم ويَنْتَقِلُوا إلى جِوارِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ لَهُمْ: "دِيارَكم تَكْتُبْ آثارُكُمْ"،» وكَرِهَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ أنْ يُعَرُّوا المَدِينَةَ، فَعَلى هَذا فَهي مَدَنِيَّةٌ، ولَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ، وإنَّما نَزَلَتِ الآيَةُ بِمَكَّةَ، ولَكِنَّهُ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ في المَدِينَةِ، ووافَقَها قَوْلُ رَسُولِ اللهِ ﷺ في المَعْنى، فَمِن هُنا قِيلَ ذَلِكَ، ورَوى أنَسُ بْنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: « "إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وإنَّ قَلْبَ القُرْآنِ يَسُ"،» ورَوَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ قالَ: « "إنَّ في القُرْآنِ سُورَةً يُشْفَعُ لِقارِئِها، ويُغْفَرُ لِمُسْتَمِعِها، وهي يَسُ"،» (p-٢٣٢)وَقالَ يَحْيى بْنُ أبِي كَثِيرٍ: " بَلَغَنِي أنَّ مَن قَرَأ سُورَةَ يَسَ لَيْلًا لَمْ يَزَلْ في فَرَحٍ حَتّى يُصْبِحَ، وكَذا في النَهارِ"، ويُصَدِّقُ ذَلِكَ التَجْرِبَةُ.
قوله عزّ وجلّ:
﴿يس﴾ ﴿والقُرْآنِ الحَكِيمِ﴾ ﴿إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿تَنْزِيلَ العَزِيزِ الرَحِيمِ﴾ ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أُنْذِرَ آباؤُهم فَهم غافِلُونَ﴾ ﴿لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلى أكْثَرِهِمْ فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾
أمالَ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ الياءَ في [يَسَ] غَيْرَ مُفْرِطِينَ، والجُمْهُورُ يَفْتَحُونَها، ونافِعٌ يَتَوَسَّطُ في ذَلِكَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "يس"﴾ يَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الأقْوالِ ما تَقَدَّمَ في الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ في أوائِلِ السُورِ، ويَخْتَصُّ هَذا بِأقْوالٍ: مِنها أنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قالَ: إنَّهُ اسْمٌ مِن أسْماءِ مُحَمَّدٍ ﷺ، دَلِيلُهُ ﴿إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾، وقالَ السَيِّدُ الحِمْيَرِيُّ:
؎ يا نَفْسُ لا تُمْحِضِي بِالنُصْحِ مُجْتَهِدًا ∗∗∗ عَلى المَوَدَّةِ إلّا آلَ ياسِينا
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: مَعْناهُ: "يا إنْسانُ" بِالحَبَشِيَّةِ، وقالَ أيْضًا في الثَعْلَبِيِّ: هو بِلُغَةِ طَيْءٍ، يَقُولُونَ: "إيسانُ" بِمَعْنى إنْسانٍ، ويَجْمَعُونَهُ عَلى "أياسِينَ"، فَهَذا مِنهُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: الياءُ حَرْفُ نِداءٍ، والسِينُ مُقامَةٌ مَقامَ "إنْسانٍ" انْتُزِعَ مِنهُ حَرْفٌ فَأُقِيمُ مَقامَهُ. ومَن قالَ "هُوَ اسْمٌ مِن أسْماءِ السُورَةِ أوِالقُرْآنِ" فَذَلِكَ مُشْتَرَكٌ في جَمِيعِ السُوَرِ.
(p-٢٣٣)وَقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "يس"﴾ بِسُكُونِ النُونِ وإظْهارِها، وإنْ كانَتِ النُونُ ساكِنَةً تُخْفى مَعَ حُرُوفِ الفَمِ فَإنَّما هَذا مَعَ الِانْفِصالِ وأنَّ حَقَّ هَذِهِ الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ في الأوائِلِ أنْ تُظْهَرَ. وقَرَأ عاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ - بِخِلافِ عنهُما - بِإدْغامِ النُونِ في الواوِ عَلى عُرْفِ الِاتِّصالِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ - بِخِلافٍ - بِنَصْبِ النُونِ، وهي قِراءَةُ عِيسى بْنِ عُمَرَ، ورَواها عَنِ الغَنَوِيِّ. وقالَ قَتادَةُ: "يَسْ" قَسَمٌ، وقالَ أبُو حاتِمٍ: قِياسُ هَذا القَوْلِ نَصْبُ النُونِ، كَما تَقُولُ: اللهَ لِأفْعَلَنَّ كَذا، وقَرَأ الكَلْبِيُّ بِضَمِّها وقالَ: هي بِلُغَةِ طَيْءٍ: يا إنْسانُ، وقَرَأ أبُو السَمّاكِ، وعَنِ ابْنِ أبِي إسْحاقَ - بِخِلافٍ - بِكَسْرِها، وهَذِهِ الوُجُوهُ الثَلاثَةُ هي لِلِالتِقاءِ، وقالَ أبُو الفَتْحِ: ويَحْتَمِلُ الرَفْعُ أنْ يَكُونَ اجْتِزاءً بِالسِينِ مَن يا إنْسانُ، وقالَ الزَجّاجُ: النَصْبُ كَأنَّهُ قالَ: اتْلُ يَسَ، وهو مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ عَلى أنَّهُ اسْمٌ لِلسُّورَةِ. و"يَسُ" مُشْبِهَةٌ الجُمْلَةَ مِنَ الكَلامِ فَلِذَلِكَ عُدَّتْ آيَةً، بِخِلافِ [طَسْ]، فَلَمْ تَنْصَرِفْ [يَسْ] لِلْعُجْمَةِ والتَعْرِيفِ.
و"الحَكِيمِ": المُحْكَمُ، فَيَكُونُ بِمَعْنى: مَفْعُولٍ، أيْ أُحْكِمَ في مَواعِظِهِ وأوامِرِهِ ونَواهِيهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الحَكِيمِ بِناءَ فاعِلٍ، أيْ ذُو الحِكْمَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةً في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى أنَّها (p-٢٣٤)خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى أنَّها في مَوْضِعِ حالٍ مِنَ "المُرْسَلِينَ"، و "الصِراطُ": الطَرِيقُ، والمَعْنى: عَلى طَرِيقٍ وهُدًى ومَهِيعِ رَشادٍ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو: "تَنْزِيلُ" بِالرَفْعِ عَلى خَبَرِ الِابْتِداءِ، وهي قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ، وشَيْبَةَ، والحَسَنِ، والأعْرَجِ، والأعْمَشِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "تَنْزِيلَ" بِالنَصْبِ عَلى المَصْدَرِ، واخْتُلِفَ عن عاصِمٍ، وهي قِراءَةُ طَلْحَةَ، والأشْهَبِ، وعِيسى بْنِ عُمَرَ، والأعْمَشِ، بِخِلافٍ عنهُما.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ﴾، اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في "ما"، فَقالَ عِكْرِمَةُ "ما" بِمَعْنى الَّذِي، والتَقْدِيرُ: الشَيْءُ الَّذِي أُنْذِرَهُ الآباءُ مِنَ النارِ والعَذابِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ "ما" مَصْدَرِيَّةً، أيْ ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ، والآباءُ عَلى هَذا هُمُ الأقْدَمُونَ عَلى مَرِّ الدَهْرِ، وقَوْلُهُ: "فَهُمْ" - مَعَ هَذا التَأْوِيلِ - بِمَعْنى: فَإنَّهُمْ، دَخَلَتِ الفاءُ لِقَطْعِ الجُمْلَةِ مِنَ الجُمْلَةِ. وقالَ قَتادَةُ: "ما" نافِيَةٌ، أيْ إنَّ آباءَهم لَمْ يُنْذَرُوا، فالآباءُ - عَلى هَذا - هُمُ القَرِيبُونَ مِنهُمْ، وهَذِهِ الآيَةُ كَقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وَما أرْسَلْنا إلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَذِيرٍ﴾ [سبإ: ٤٤]، وهَذِهِ النِذارَةُ المَنفِيَّةُ هي نِذارَةُ المُباشَرَةِ والأمْرِ والنَهْيِ، وإلّا فَدَعْوَةُ اللهِ تَعالى مِنَ الأرْضِ لَمْ تَنْقَطِعْ قَطُّ، وقَوْلُهُ: "فَهُمْ" - عَلى هَذا - الفاءُ واصِلَةٌ بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ ورابِطَةٌ لِلثّانِيَةِ بِالأُولى.
و ﴿حَقَّ القَوْلُ﴾ مَعْناهُ: وجَبَ العَذابُ وسَبَقَ القَضاءُ بِهِ، هَذا فِيمَن لَمْ يُؤْمِن مِن قُرَيْشٍ، كَمَن قُتِلَ بِبَدْرٍ وغَيْرِهِمْ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یسۤ","وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِیمِ","إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ","عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","تَنزِیلَ ٱلۡعَزِیزِ ٱلرَّحِیمِ","لِتُنذِرَ قَوۡمࣰا مَّاۤ أُنذِرَ ءَابَاۤؤُهُمۡ فَهُمۡ غَـٰفِلُونَ","لَقَدۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَىٰۤ أَكۡثَرِهِمۡ فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق