الباحث القرآني
قَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنْ مُجَاهِدٍ: هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنْ [سُورَةِ] [[زيادة من أ.]] "بَرَاءَةَ".
يَذْكُرُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانَهُ لَدَيْهِمْ فِي نَصْرِهِ إِيَّاهُمْ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ مِنْ غَزَوَاتِهِمْ مَعَ رَسُولِهِ [[في ت: "رسول الله صلى الله عليه وسلم".]] وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ تَعَالَى، وَبِتَأْيِيدِهِ وَتَقْدِيرِهِ، لَا بعَددهم وَلَا بعُددهم وَنَبَّهَهُمْ عَلَى أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِهِ، سَوَاءٌ قَلَّ الْجَمْعُ أَوْ كَثُرَ، فَإِنَّ يَوْمَ حُنين أَعْجَبَتْهُمْ كَثْرَتُهُمْ، وَمَعَ هَذَا مَا أَجْدَى ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. ثُمَّ أَنْزَلَ [اللَّهُ] [[زيادة من ت، أ.]] نَصْرَهُ وَتَأْيِيدَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَعَهُ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُفَصَّلًا لِيُعْلِمَهُمْ [[في د: "ليعلم".]] أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِهِ تَعَالَى وَحْدَهُ وَبِإِمْدَادِهِ وَإِنَّ قَلَّ الْجَمْعُ، فَكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ يُونُسَ يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ، وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ [[المسند (١/٢٩٤) وسنن أبي داود برقم (٢٦١١) وسنن الترمذي برقم (١٥٥٥) .]] ثُمَّ قَالَ: [[في د: "وقال".]] هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا يُسْنِدُهُ كَبِيرُ أَحَدٍ غَيْرَ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُرْسَلًا.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بِنَحْوِهِ [[سنن ابن ماجه برقم (٢٨٢٧) وسنن البيهقي الكبرى (٩/٢٦٣) من طريق أبي سلمة العاملي عن الزهري عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لأكثم بن الجون، فذكر نحو حديث ابن عباس. وقال البوصيري في الزوائد (٢/٤١٢) : "هذا إسناد ضعيف؛ لضعف أبي سلمة العاملي الأزدي وعبد الملك بن محمد الصنعاني".]] واللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَانَتْ وَقْعَةُ: "حُنين" بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَذَلِكَ لَمَّا فَرَغَ عَلَيْهِ السَّلَامُ [[في أ: "رسوله الله صلى الله عليه وسلم".]] مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ، وَتَمَهَّدَتْ أُمُورُهَا، وَأَسْلَمَ عَامَّةُ أَهْلِهَا، وَأَطْلَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَبَلَغَهُ أَنَّ هَوَازِنَ جَمَعُوا لَهُ لِيُقَاتِلُوهُ، وَأَنَّ أَمِيرَهُمْ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ النَّضْري، وَمَعَهُ ثَقِيفُ بِكَمَالِهَا، وَبَنُو جُشم وَبَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَأَوْزَاعٌ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَهُمْ قَلِيلٌ، وَنَاسٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَعَوْفِ بْنِ عَامِرٍ، وَقَدْ أَقْبَلُوا مَعَهُمُ النِّسَاءَ وَالْوِلْدَانَ وَالشَّاءَ والنَّعم، وَجَاءُوا بقَضِّهم وقَضِيضهم فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي جَيْشِهِ الَّذِي جَاءَ [[في ت، أ: "الذي جاءوا"، وفي د: "الذين جاءوا".]] مَعَهُ لِلْفَتْحِ، وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَمَعَهُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَهُمُ الطُّلَقَاءُ فِي أَلْفَيْنِ أَيْضًا، فَسَارَ بِهِمْ إِلَى الْعَدُوِّ، فَالْتَقَوْا بِوَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ يُقَالُ لَهُ "حُنَيْنٌ"، فَكَانَتْ فِيهِ الْوَقْعَةُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فِي غَلَسِ الصُّبْحِ، انْحَدَرُوا فِي الْوَادِي وَقَدْ كَمَنَتْ فِيهِ هَوَازِنُ، فَلَمَّا تَوَاجَهُوا لَمْ يَشْعُرِ الْمُسْلِمُونَ إِلَّا بِهِمْ قَدْ ثَاوَرُوهُمْ [[في ت: "بادروهم".]] وَرَشَقُوا بِالنِّبَالِ، وَأَصْلَتُوا السُّيُوفَ، وَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، كَمَا أَمَرَهُمْ مَلِكُهُمْ. فَعِنْدَ ذَلِكَ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ [[في ت: "الله تعالى".]] وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ رَاكِبٌ يَوْمَئِذٍ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ يَسُوقُهَا إِلَى نَحْرِ الْعَدُوِّ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّهُ آخِذٌ بِرِكَابِهَا الْأَيْمَنِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آخِذٌ بِرِكَابِهَا الْأَيْسَرِ، يُثْقِلَانِهَا لِئَلَّا تُسْرِعَ السَّيْرَ، وَهُوَ يُنَوِّهُ بِاسْمِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَيَدْعُو الْمُسْلِمِينَ إِلَى الرَّجْعَةِ [وَيَقُولُ] [[زيادة من ت، أ.]] أَيْنَ يَا عِبَادَ اللَّهِ؟ إليَّ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ"، وَيَقُولُ فِي تِلْكَ الْحَالِ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبدِ الْمُطَّلِبْ ...
وَثَبَتَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ثَمَانُونَ، فَمِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَالْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ أَمَرَ ﷺ عَمَّهُ الْعَبَّاسَ -وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ -أَنْ يُنَادِيَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ -يَعْنِي شَجَرَةَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، الَّتِي بَايَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ تَحْتَهَا، عَلَى أَلَّا يَفِرُّوا عَنْهُ -فَجَعَلَ يُنَادِي بِهِمْ: يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ [[في ت: "الشجرة".]] وَيَقُولُ تَارَةً: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا لبيك، يا لبيك، وانعطف الناس فجعلوا يتراجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ إِذَا لَمْ يُطَاوِعُهُ بَعِيرُهُ عَلَى الرُّجُوعِ، لَبِسَ دِرْعَهُ، ثُمَّ انْحَدَرَ عَنْهُ، وَأَرْسَلَهُ، وَرَجَعَ بِنَفْسِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَلَمَّا رَجَعَتْ [[في د: "اجتمعت".]] شِرْذِمَةٌ مِنْهُمْ، أَمَرَهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ [[في أ: "صلى الله عليه وسلم".]] أَنْ يَصْدُقُوا الْحَمْلَةَ، وَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ بَعْدَمَا دَعَا رَبَّهُ وَاسْتَنْصَرَهُ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي" ثُمَّ رَمَى الْقَوْمَ بِهَا، فَمَا بَقِيَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ إِلَّا أَصَابَهُ مِنْهَا فِي عَيْنَيْهِ وَفَمِهِ مَا شَغَلَهُ عَنِ الْقِتَالِ، ثُمَّ انْهَزَمُوا، فَاتَّبَعَ [[في ت، د: "واتبع".]] الْمُسْلِمُونَ أَقْفَاءَهُمْ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، وَمَا تَرَاجَعَ بَقِيَّةُ النَّاسِ إِلَّا وَالْأُسَارَى مُجَدَّلَةٌ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ أَبِي هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِهْرِيِّ -وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ أُسَيْدٍ، وَيُقَالُ: يزيد بن أنيس، وَيُقَالُ: كُرْز -قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، فَسِرْنَا فِي يَوْمٍ قَائِظٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَنَزَلْنَا تَحْتَ ظِلَالِ الشَّجَرِ، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لَأْمَتِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي، فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي فُسْطَاطِهِ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَانَ الرَّوَاحُ؟ فَقَالَ: "أَجَلْ". فَقَالَ: "يَا بِلَالُ" فَثَارَ مِنْ تَحْتِ سَمُرَةٍ [[في ت: "شجرة".]] كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طَائِرٍ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَأَنَا فِدَاؤُكَ [[في ك: "فداك".]] فَقَالَ: "أَسْرِجْ لِي فَرَسِي". فَأَخْرَجَ سَرْجًا دَفَّتَاهُ مِنْ لِيفٍ، لَيْسَ فِيهِمَا أشرٌ وَلَا بَطَر.
قَالَ: فَأَسْرَجَ، فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَصَافَفْنَاهُمْ عَشِيَّتَنَا وَلَيْلَتَنَا، فَتَشَامَّتِ الْخِيلَانِ، فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا عِبَادَ اللَّهِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"، ثُمَّ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ". قَالَ: ثُمَّ اقْتَحَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ فَرَسِهِ [[في ت: "قرب".]] فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ، فَأَخْبَرَنِي الَّذِي كَانَ أَدْنَى إِلَيْهِ مِنِّي: أَنَّهُ ضَرَبَ بِهِ وُجُوهَهُمْ، وَقَالَ: "شَاهَتِ الْوُجُوهُ". فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ: فَحَدَّثَنِي أَبْنَاؤُهُمْ، عَنْ آبَائِهِمْ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَبْقَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ وَفَمُهُ تُرَابًا، وَسَمِعْنَا صَلْصَلَةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَإِمْرَارِ الْحَدِيدِ عَلَى الطَّسْتِ [[في ت: "الطشت".]] الْجَدِيدِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ [[المسند (٥/٢٨٦) ودلائل النبوة (٥/١٤١) .]]
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فَخَرَجَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ بِمَنْ مَعَهُ إِلَى حُنَيْنٍ، فَسَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِ، فَأَعَدُّوا وَتَهَيَّئُوا فِي مَضَايِقِ الْوَادِي وَأَحْنَائِهِ، وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى انْحَطَّ بِهِمُ الْوَادِي فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا انْحَطَّ النَّاسُ ثَارَتْ فِي وُجُوهِهِمُ الْخَيْلُ، فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ، وَانْكَفَأَ النَّاسُ مُنْهَزِمِينَ، لَا يُقْبِل أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَانْحَازَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ الْيَمِينِ يَقُولُ: "أَيُّهَا النَّاسُ [[في ت: "يأيها الناس".]] هَلُمُّوا إليَّ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" فَلَا شَيْءَ، وَرَكِبَتِ الْإِبِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا [[في ك: "بعض".]] فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُمِرَ الناس قَالَ: "يَا عَبَّاسُ، اصْرُخْ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ". فَأَجَابُوهُ: لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَذْهَبُ لِيَعْطِفَ بِعِيرَهُ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَقْذِفُ دِرْعَهُ فِي عُنُقِهِ، وَيَأْخُذُ سَيْفَهُ وَقَوْسَهُ، ثُمَّ يَؤُمَّ الصَّوْتَ، حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مِائَةٌ، فَاسْتَعْرَضَ الناسُ فَاقْتَتَلُوا، وَكَانَتِ الدَّعْوَةُ أَوَّلَ مَا كَانَتْ بِالْأَنْصَارِ، ثُمَّ جُعِلَتْ آخِرًا بِالْخَزْرَجِ [[في ت: "بالخروج".]] وكانوا صُبُرًا عِنْدَ الْحَرْبِ، وَأَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي رَكَائِبِهِ [[في ك، أ: "ركابه".]] فَنَظَرَ إِلَى مُجتَلَد الْقَوْمِ، فَقَالَ: "الْآنَ حَمِيَ الوَطيس": قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا رَاجَعَهُ النَّاسُ إِلَّا وَالْأُسَارَى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ملقَون، فَقَتَلَ الله منهم من قتل، وَانْهَزَمَ مِنْهُمْ مَنِ انْهَزَمَ، وَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ أَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَفِرَّ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاة، فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وحَمَلنا عَلَيْهِمُ انْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى الْغَنَائِمِ، فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، فَانْهَزَمَ النَّاسُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْبَيْضَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [[صحيح البخاري برقم (٢٨٦٤) ، وصحيح مسلم برقم (١٧٧٦) .]]
قُلْتُ: وَهَذَا فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّجَاعَةِ التَّامَّةِ، إِنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فِي حَومة الوَغَى، وَقَدِ انْكَشَفَ عَنْهُ جَيْشُهُ، هُوَ مَعَ ذَلِكَ [[في ت، د، ك: "وهو مع هذا".]] عَلَى بَغْلَةٍ وَلَيْسَتْ سَرِيعَةَ الْجَرْيِ، وَلَا تَصْلُحُ لكرٍّ وَلَا لفرٍّ وَلَا لِهَرَبٍ، وَهُوَ مَعَ هَذَا [[في ت، د، ك: "ذلك"]] أَيْضًا يَرْكُضُهَا إِلَى وُجُوهِهِمْ وينوِّه بِاسْمِهِ لِيَعْرِفَهُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَمَا هَذَا كُلُّهُ إِلَّا ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ، وَعِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ سَيَنْصُرُهُ، وَيُتِمُّ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ، وَيُظْهِرُ دِينَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ أَيْ: طُمَأْنِينَتَهُ وَثَبَاتَهُ عَلَى رَسُولِهِ، ﴿وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ: الَّذِينَ مَعَهُ، ﴿وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ:
[حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ] [[زيادة من ت، أ، والطبري.]] حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَوْفٍ -هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ الْأَعْرَابِيُّ -قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ مَوْلَى ابْنِ بُرْثُن، حَدَّثَنِي رَجُلٌ كَانَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ: لَمَّا الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ [[في ت: "يوم حنين في آثارهم".]] لَمْ يَقُومُوا لَنَا حَلَب شَاةٍ -قَالَ: فَلَمَّا كَشَفْنَاهُمْ جَعَلْنَا نَسُوقُهُمْ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى صَاحِبِ الْبَغْلَةِ الْبَيْضَاءِ، فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -قَالَ: فَتَلَقَّانَا عِنْدَهُ رِجَالٌ بِيضٌ حِسَانُ الْوُجُوهِ، فَقَالُوا لَنَا: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، ارْجِعُوا. قَالَ: فَانْهَزَمْنَا، وَرَكِبُوا أَكْتَافَنَا، فَكَانَتْ إِيَّاهَا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالُويَه، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ [[في ك: "الجرمي".]] حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرة، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنين، فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ، وبقيتُ مَعَهُ فِي ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قَدِمْنَا وَلَمْ نُوَلِّهِمُ الدُّبُرَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ. قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَغْلَتِهِ يَمْضِي قُدُما، فحادَت بَغْلَتُهُ، فَمَالَ عَنِ السَّرْجِ، فَقُلْتُ: ارْتَفِعْ رَفَعَكَ اللَّهُ. قَالَ: "نَاوِلْنِي كَفًّا مِنَ التُّرَابِ". فَنَاوَلْتُهُ، قَالَ: فَضَرَبَ بِهِ وُجُوهَهُمْ، فَامْتَلَأَتْ أَعْيُنُهُمْ ترابًا، قال: "أين الْمُهَاجِرُونَ [[في ت: "المهاجرين" وهو خطأ.]] وَالْأَنْصَارُ؟ " قُلْتُ: هُمْ هُنَاكَ. قَالَ: "اهْتِفْ بِهِمْ". فَهَتَفْتُ بِهِمْ، فَجَاءُوا وَسُيُوفُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، كَأَنَّهَا [[في ت: "كأنهم".]] الشُّهُبُ، وَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ أَدْبَارَهُمْ.
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَفَّانَ، بِهِ نَحْوَهُ [[دلائل النبوة (٥/١٤٢) والمسند (١/٤٥٤) .]]
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذلي، عَنْ عِكْرِمة مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَدْ عَرى، ذَكَرْتُ أَبِي وَعَمِّي وَقَتْلَ عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ إِيَّاهُمَا، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي مِنْهُ -قَالَ: فَذَهَبْتُ لِأَجِيئَهُ عَنْ يَمِينِهِ، فَإِذَا أَنَا بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَائِمًا، عَلَيْهِ دِرْعٌ بَيْضَاءُ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ، يَكْشِفُ عَنْهَا الْعَجَاجُ، فَقُلْتُ: عَمُّه وَلَنْ يَخْذُلَهُ -قَالَ: فَجِئْتُهُ [[في أ: "ثم جئته".]] عَنْ يَسَارِهِ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقُلْتُ: ابْنُ عَمِّهِ وَلَنْ يَخْذُلَهُ. فَجِئْتُهُ مِنْ خَلْفِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ أسَوّره سَوْرَةً بِالسَّيْفِ، إِذْ رُفِعَ لِي شُوَاظ مِنْ نَارٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، كَأَنَّهُ بَرْقٌ، فَخِفْتُ أَنْ تَمْحَشَني، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى بَصَرِي وَمَشَيْتُ الْقَهْقَرَى، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: "يَا شيبَ، يَا شَيْبَ [[في أ: "يا شبيب يا شبيب".]] ادْنُ مِنِّي [[في د: "ادن مني يا شيب".]] اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الشَّيْطَانَ". قَالَ: فَرَفَعْتُ إِلَيْهِ بَصَرِي، وَلَهُو أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي، فَقَالَ: "يَا شَيْبَ [[في أ: "يا شبيب".]] قَاتِلِ الْكُفَّارَ".
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ، فَذَكَرَهُ [[دلائل النبوة للبيهقي (٥/١٤٥) .]] ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَاللَّهِ مَا أَخْرَجَنِي إِسْلَامٌ وَلَا مَعْرِفَةٌ بِهِ، وَلَكِنِّي أَبَيْتُ أَنْ تَظْهَرَ هَوَازِنُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ وَأَنَا وَاقِفٌ مَعَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَى خَيْلًا بُلقا، فَقَالَ: "يَا شَيْبَةُ، إِنَّهُ لَا يَرَاهَا إِلَّا كَافِرٌ". فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي [[في ت، د، ك، أ: "يده على".]] صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ، اهْدِ شَيْبَةَ"، ثُمَّ ضَرَبَهَا الثَّانِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ، اهْدِ شَيْبَةَ"، ثُمَّ ضَرَبَهَا الثَّالِثَةَ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ شَيْبَةَ". قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحَبَّ إليَّ مِنْهُ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، فِي الْتِقَاءِ النَّاسِ وَانْهِزَامِ الْمُسْلِمِينَ وَنِدَاءِ الْعَبَّاسِ وَاسْتِنْصَارِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى هَزَمَ الله المشركين [[دلائل النبوة للبيهقي (٥/١٤٦) .]]
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَار، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ جُبَير بْنِ مُطْعِمٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّا لَمَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنَيْنٍ، وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ، إِذْ نَظَرْتُ إِلَى مِثْلِ البِجَاد الْأَسْوَدِ يَهْوِي مِنَ السَّمَاءِ، حَتَّى وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ، فَإِذَا نَمْلٌ مَنْثُورٌ قَدْ مَلَأَ الْوَادِيَ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا هَزِيمَةُ الْقَوْمِ، فما كنا نشك أنها الملائكة.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ عَامِرٍ السُّوَائي -وَكَانَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ -فَكُنَّا نَسْأَلُهُ عَنِ الرُّعْبِ الَّذِي أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَكَانَ يَأْخُذُ الْحَصَاةَ فَيَرْمِي بِهَا فِي الطَّسْت [[في ت: "الطشت".]] فَيَطِنُّ، فَيَقُولُ [[في ت: "ثم يقول".]] كُنَّا نَجِدُ فِي أَجْوَافِنَا مِثْلَ هَذَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ [[في ت: "أسد".]] فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمَّام قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ" [[صحيح مسلم برقم (٥٢٣) .]]
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [[في ك، أ: "فأنزل" وهو خطأ.]]
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى بَقِيَّةِ هَوَازِنَ، وَأَسْلَمُوا وَقَدِمُوا عَلَيْهِ مُسْلِمِينَ، وَلَحِقُوهُ وَقَدْ قَارَبَ مَكَّةَ عِنْدَ الجِعِرَّانة، وَذَلِكَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ بِقَرِيبٍ مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ خَيَّرهم بَيْنَ سَبْيِهِمْ وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ، فَاخْتَارُوا سَبْيَهُمْ، وَكَانُوا سِتَّةَ آلَافِ أَسِيرٍ مَا بَيْنَ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَقَسَّمَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَنَفَلَ أُنَاسًا مِنَ الطُّلَقَاءِ لِيَتَأَلَّفَ قُلُوبَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَأَعْطَاهُمْ مِائَةً مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أُعْطِيَ مِائَةً مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّضْري، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى قَوْمِهِ كَمَا كَانَ، فَامْتَدَحَهُ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
مَا إنْ رَأيتُ وَلَا سَمعتُ بمثْلِه ... فِي النَّاس كُلّهم بِمِثْلِ مُحَمَّد ...
أوْفَى وأعْطَى لِلْجَزِيلِ إِذَا اجتُدى ... ومَتى تَشَأ يُخْبرْكَ عَمّا فِي غَد ...
وإذَا الْكَتِيبَةُ عَرّدَتْ أنيابُها ... بالسَّمْهَريّ وَضَرْب كُلّ مُهَنَّد ...
فَكَأنَّه لَيْثٌ عَلَى أشْبَاله ... وَسْطَ الهَبَاءة [[في ت، د: "المياه"، وفي أ: "المناة".]] خَادر فِي مَرْصَد
{"ayah":"ثُمَّ یَتُوبُ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق