الباحث القرآني
* [فَصْلٌ: المَعْصِيَةُ تُباعِدُ بَيْنَ العَبْدِ والمَلِكِ]
* فَصْلٌ
المَعْصِيَةُ تُباعِدُ بَيْنَ العَبْدِ والمَلِكِ ومِن عُقُوباتِها: أنَّها تُباعِدُ عَنِ العَبْدِ ولِيَّهُ وأنْفَعَ الخَلْقِ لَهُ وأنْصَحَهم لَهُ، ومَن سَعادَتُهُ في قُرْبِهِ مِنهُ، وهو المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ، وتُدْنِي مِنهُ عَدُوَّهُ وأغَشَّ الخَلْقِ لَهُ، وأعْظَمَهم ضَرَرًا لَهُ، وهو الشَّيْطانُ، فَإنَّ العَبْدَ إذا عَصى اللَّهَ تَباعَدَ مِنهُ المَلَكُ بِقَدْرِ تِلْكَ المَعْصِيَةِ، حَتّى إنَّهُ يَتَباعَدُ مِنهُ بِالكِذْبَةِ الواحِدَةِ مَسافَةً بَعِيدَةً.
وَفِي بَعْضِ الآثارِ: إذا كَذَبَ العَبْدُ تَباعَدَ مِنهُ المَلَكُ مِيلًا مِن نَتَنِ رِيحِهِ، فَإذا كانَ هَذا تَباعُدَ المَلَكِ مِنهُ مِن كِذْبَةٍ واحِدَةٍ، فَماذا يَكُونُ مِقْدارُ بُعْدِهِ مِنهُ مِمّا هو أكْبَرُ مِن ذَلِكَ، وأفْحَشُ مِنهُ؟
وَقالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إذا رُكِبَ الذَّكَرُ عَجَّتِ الأرْضُ إلى اللَّهِ وهَرَبَتِ المَلائِكَةُ إلى رَبِّها، وشَكَتْ إلَيْهِ عَظِيمَ ما رَأتْ.
وَقالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إذا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ابْتَدَرَهُ المَلَكُ والشَّيْطانُ، فَإنْ ذَكَرَ اللَّهَ وكَبَّرَهُ وحَمِدَهُ وهَلَّلَهُ، طُرِدَ الشَّيْطانُ وتَوَلّاهُ المَلَكُ، وإنِ افْتَتَحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ ذَهَبَ المَلَكُ عَنْهُ وتَوَلّاهُ الشَّيْطانُ.
وَلا يَزالُ المَلَكُ يَقْرُبُ مِنَ العَبْدِ حَتّى يَصِيرَ الحُكْمُ والطّاعَةُ والغَلَبَةُ لَهُ، فَتَتَوَلّاهُ المَلائِكَةُ في حَياتِهِ وعِنْدَ مَوْتِهِ وعِنْدَ بَعْثِهِ، كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ ألّا تَخافُوا ولا تَحْزَنُوا وأبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ - نَحْنُ أوْلِياؤُكم في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ﴾ [فصلت: ٣٠-٣١].
وَإذا تَوَلّاهُ المَلَكُ تَوَلّاهُ أنْصَحُ الخَلْقِ وأنْفَعُهم وأبَرُّهُمْ، فَثَبَّتَهُ وعَلَّمَهُ، وقَوّى جَنانَهُ، وأيَّدَهُ اللَّهُ تَعالى: ﴿إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةِ أنِّي مَعَكم فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الأنفال: ١٢].
فَيَقُولُ المَلَكُ عِنْدَ المَوْتِ: لا تَخَفْ ولا تَحْزَنْ وأبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، ويُثَبِّتُهُ بِالقَوْلِ الثّابِتِ أحْوَجَ ما يَكُونُ إلَيْهِ في الحَياةِ الدُّنْيا، وعِنْدَ المَوْتِ، وفي القَبْرِ عِنْدَ المَسْألَةِ.
فَلَيْسَ أحَدٌ أنْفَعَ لِلْعَبْدِ مِن صُحْبَةِ المَلَكِ لَهُ، وهو ولِيُّهُ في يَقَظَتِهِ ومَنامِهِ، وحَياتِهِ وعِنْدَ مَوْتِهِ وفي قَبْرِهِ، ومُؤْنِسُهُ في وحْشَتِهِ، وصاحِبُهُ في خَلْوَتِهِ، ومُحَدِّثُهُ في سِرِّهِ، ويُحارِبُ عَنْهُ عَدُوَّهُ، ويُدافِعُ عَنْهُ ويُعِينُهُ عَلَيْهِ، ويَعِدُهُ بِالخَيْرِ ويُبَشِّرُهُ بِهِ، ويُحِثُّهُ عَلى التَّصْدِيقِ بِالحَقِّ، كَما جاءَ في الأثَرِ الَّذِي يُرْوى مَرْفُوعًا ومَوْقُوفًا: «إنَّ لِلْمَلَكِ بِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ لَمَّةً، ولِلشَّيْطانِ لَمَّةً، فَلَمَّةُ المَلَكِ: إيعادٌ بِالخَيْرِ وتَصْدِيقٌ بِالوَعْدِ، ولَمَّةُ الشَّيْطانِ: إيعادٌ بِالشَّرِّ وتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ».
وَإذا اشْتَدَّ قُرْبُ المَلَكِ مِنَ العَبْدِ تَكَلَّمَ عَلى لِسانِهِ، وألْقى عَلى لِسانِهِ القَوْلَ السَّدِيدَ، وإذا بَعُدَ مِنهُ وقَرُبَ الشَّيْطانُ، تَكَلَّمَ عَلى لِسانِهِ، وألْقى عَلَيْهِ قَوْلَ الزُّورِ والفُحْشِ، حَتّى يُرى الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ عَلى لِسانِهِ المَلَكُ والرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ عَلى لِسانِهِ الشَّيْطانُ
وَفِي الحَدِيثِ: «إنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلى لِسانِ عُمَرَ» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكانَ أحَدُهم يَسْمَعُ الكَلِمَةَ الصّالِحَةَ مِنَ الرَّجُلِ الصّالِحِ فَيَقُولُ: ما ألْقاهُ عَلى لِسانِكَ إلّا المَلَكُ، ويَسْمَعُ ضِدَّها فَيَقُولُ: ما ألْقاها عَلى لِسانِكَ إلّا الشَّيْطانُ، فالمَلَكُ يُلْقِي بِالقَلْبِ الحَقَّ ويُلْقِيهِ عَلى اللِّسانِ، والشَّيْطانُ يُلْقِي الباطِلَ في القَلْبِ ويُجْرِيهِ عَلى اللِّسانِ.
فَمِن عُقُوبَةِ المَعاصِي أنَّها تُبْعِدُ مِنَ العَبْدِ ولِيَّهُ الَّذِي سَعادَتُهُ في قُرْبِهِ ومُجاوَرَتِهِ ومُوالاتِهِ، وتُدْنِي مِنهُ عَدُوَّهُ الَّذِي شَقاؤُهُ وهَلاكُهُ وفَسادُهُ في قُرْبِهِ ومُوالاتِهِ، حَتّى إنَّ المَلَكَ لَيُنافِحُ عَنِ العَبْدِ، ويَرُدُّ عَنْهُ إذا سَفِهَ عَلَيْهِ السَّفِيهُ وسَبَّهُ، كَما اخْتَصَمَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ رَجُلانِ، فَجَعَلَ أحَدُهُما يَسُبُّ الآخَرَ وهو ساكِتٌ، فَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يَرُدُّ بِها عَلى صاحِبِهِ، فَقامَ النَّبِيُّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَمّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ قُمْتَ، فَقالَ: «كانَ المَلَكُ يُنافِحُ عَنْكَ، فَلَمّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ جاءَ الشَّيْطانُ فَلَمْ أكُنْ لِأجْلِسَ».
وَإذا دَعا العَبْدُ المُسْلِمُ لِأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ أمَّنَ المَلَكُ عَلى دُعائِهِ، وقالَ: «وَلَكَ بِمِثْلٍ».
وَإذا فَرَغَ مِن قِراءَةِ الفاتِحَةِ أمَّنَتِ المَلائِكَةُ عَلى دُعائِهِ.
وَإذا أذْنَبَ العَبْدُ المُوَحِّدُ المُتَّبِعُ لِسَبِيلِهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ اسْتَغْفَرَ لَهُ حَمَلَةُ العَرْشِ ومَن حَوْلَهُ.
وَإذا نامَ العَبْدُ عَلى وُضُوءٍ باتَ في شِعارِ مَلَكٍ.
فَمَلَكُ المُؤْمِنِ يَرُدُّ عَنْهُ ويُحارِبُ ويُدافِعُ عَنْهُ، ويُعَلِّمُهُ ويُثَبِّتُهُ ويُشَجِّعُهُ، فَلا يَلِيقُ بِهِ أنْ يُسِيءَ جِوارَهُ ويُبالِغَ في أذاهُ وطَرْدِهِ عَنْهُ وإبْعادِهِ، فَإنَّهُ ضَيْفُهُ وجارُهُ.
وَإذا كانَ إكْرامُ الضَّيْفِ مِنَ الآدَمِيِّينَ والإحْسانُ إلى الجارِ مِن لَوازِمِ الإيمانِ ومُوجِباتِهِ، فَما الظَّنُّ بِإكْرامِ أكْرَمِ الأضْيافِ، وخَيْرِ الجِيرانِ وأبَرِّهِمْ؟ وإذا آذى العَبْدُ المَلَكَ بِأنْواعِ المَعاصِي والظُّلْمِ والفَواحِشِ دَعا عَلَيْهِ رَبَّهُ، وقالَ: لا جَزاكَ اللَّهُ خَيْرًا، كَما يَدْعُو لَهُ إذا أكْرَمَهُ بِالطّاعَةِ والإحْسانِ.
قالَ بَعْضُ الصَّحابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم -: إنَّ مَعَكم مَن لا يُفارِقُكُمْ، فاسْتَحْيُوا مِنهم وأكْرِمُوهم.
وَلا ألْأمَ مِمَّنْ لا يَسْتَحِي مِنَ الكَرِيمِ العَظِيمِ القَدْرِ، ولا يُجِلُّهُ ولا يُوَقِّرُهُ، وقَدْ نَبَّهَ سُبْحانَهُ عَلى هَذا المَعْنى بِقَوْلِهِ: ﴿وَإنَّ عَلَيْكم لَحافِظِينَ - كِرامًا كاتِبِينَ - يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: ١٠-١٢]
أيِ اسْتَحْيُوا مِن هَؤُلاءِ الحافِظِينَ الكِرامِ وأكْرِمُوهُمْ، وأجِلُّوهم أنْ يَرَوْا مِنكم ما تَسْتَحْيُونَ أنْ يَراكم عَلَيْهِ مَن هو مِثْلُكُمْ، والمَلائِكَةُ تَتَأذّى مِمّا يَتَأذّى مِنهُ بَنُو آدَمَ، وإذا كانَ ابْنُ آدَمَ يَتَأذّى مِمَّنْ يَفْجُرُ ويَعْصِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وإنْ كانَ يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَما الظَّنُّ بِأذى المَلائِكَةِ الكِرامِ الكاتِبِينَ؟ واللَّهُ المُسْتَعانُ.
* (فصل)
إذا عرف هذا فكل حركة في العالم العلوي والسفلي فسببها المحبة والإرادة، وغايتها المحبة والإرادة.
فإن الحركات ثلاث: إرادية، وطبعية، وقسرية.
فإن المتحرك إن كان له شعور بحركته وإرادة لها، فحركته إرادية، وإن لم يكن له شعور بحركته، أوله بها شعور وهو غير مريد لها، فحركته إما على وفق طبعه، أو على خلافه، فالأولى طبعية، والثانية قسرية.
أظهر من هذا أن يقال: مبدأ الحركة إما أن يكون أمرا مباينا للمتحرك، أو قوة فيه، فالأول الحركة فيه قسرية، والثاني، إما أن يكون له به شعور أم لا، فالأول: الحركة فيه إرادية، والثاني طبعية.
فالحركة متى لازمت الشعور والإرادة فهي إرادية، ومتى انتفى عنها الأمران، فإن كانت بقوة في المتحرك فهي الطبعية، وإن كانت من غير قوة في المحرك فهي القسرية.
وكل حركة في السماوات والأرض: من حركات الأفلاك، والنجوم، والشمس، والقمر، والرياح، والسحاب، والنبات، والحيوان، فهي ناشئة عن الملائكة الموكلين بالسماوات والأرض، كما قال تعالى: ﴿فالمُدَبِّراتِ أمْرا﴾، وقال ﴿فالمُقَسِّماتِ أمْرًا﴾.
وهي الملائكة عند أهل الإيمان وأتباع الرسل عليهم السلام، وأما المكذبون للرسل، المنكرون للصانع، فيقولون: هي النجوم.
وقد أشبعنا الرد على هؤلاء في كتابنا الكبير المسمى بالمفتاح.
وقد دل الكتاب والسنة على أصناف الملائكة، وأنها موكلة بأصناف المخلوقات، وأنه سبحانه وكِّل بالجبال ملائكة، ووكل بالسحاب والمطر ملائكة، ووكل بالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها. ثم وكل بالعبد ملائكة لحفظه، وملائكة لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته، ووكل بالموت ملائكة، ووكل بالشمس والقمر ملائكة، ووكل بالنار وإيقادها وتعذيب أهلها وعمارتها ملائكة، ووكل بالسؤال في القبر ملائكة، ووكل بالأفلاك ملائكة يحركونها، ووكل بالجنة وعمارتها وغراسها، وعمل الأنهار فيها ملائكة فالملائكة أعظم جنود الله تعالى.
ومنهم:
﴿والمُرْسَلاَتِ عُرْفًا فالعاصِفاتِ عَصْفًا والنّاشِراتِ نَشْرًا فالفارِقاتِ فَرْقًا فالمُلْقِياتِ ذِكْرًا﴾ [المرسلات: ١-٥] ومنهم ﴿والنّازِعاتِ غَرْقًا والنّاشِطاتِ نَشْطًا والسّابحاتِ سَبْحًا فالسّابِقاتِ سَبْقًا فالمُدَبِّراتِ أمْرا﴾ [النازعات:١-٥] ومنهم ﴿والصّافّاتِ صَفا فالزّاجِراتِ زَجْرًا فالتّالِياتِ ذِكْرا﴾ [الصافات:١-٣].
ومنهم ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وملائكة قد وكلوا بحمل العرش، وملائكة قد وكلوا بعمارة السماوات بالصلاة والتسبيح والتقديس، إلى غير ذلك من أصناف الملائكة التي لا يحصيها إلا الله تعالى.
ولفظ الملك يشعر بأنه رسول منفذ لأمر غيره، فليس لهم من الأمر شيء، بل الأمر كله لله الواحد القهار، وهم ينفذون أمره:
﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وهم بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم ولا يَشْفَعُونَ إلا لَمِن ارْتَضى وهْمْ مِن خَشْيَتهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٧-٢٨] ﴿يَخافُونَ رَبَّهم مِن فَوْقِهمْ ويَفْعَلُونَ ما يؤمَرُونَ﴾ [النحل: ٥٠] ﴿لا يَعْصُونَ اللهَ ما أمَرَهم ويفْعَلُونَ ما يُؤْمَرْونَ﴾ [التحريم: ٦].
ولا تتنزل إلا بأمره، ولا تفعل شيئا إلا من بعد إذنه، فهم:
﴿عِبادٌ مُكرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦].
منهم الصافون، ومنهم المسبحون. ليس منهم إلا من له مقام معلوم، لا يتخطاه وهو على عمل قد أمر به لا يقصر عنه، ولا يتعداه، وأعلاهم الذين عنده سبحانه:
﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ولا يَستَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ الليْلَ والنَّهارَ لا يفْتُروُنَ﴾ [الأنبياء: ١٩-٢٠].
ورؤساؤهم الأملاك الثلاث: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وكان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول: "الّلهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ ومِيكائِيلَ وإسْرافِيلَ، فاطِرَ السَّماواتِ والأرْضِ، عالِمَ الغَيْبِ والشَّهادَةِ، أنْتَ تَحْكم بَيْنَ عِبادِكَ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. اهْدِنِي لَمِا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإذْنِكَ تَهْدِي مَن تَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ".
فتوسل إليه سبحانه بربوبيته العامة والخاصة لهؤلاء الأملاك الثلاثة الموكلين بالحياة.
فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم.
فسأله رسوله بربوبيته لهؤلاء أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، لما في ذلك من الحياة النافعة.
والمقصود: أن الله سبحانه وكل بالعالم العلوي والسفلي ملائكة، فهي تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره، فلهذا يضيف التدبير إلى الملائكة تارة، لكونهم هم المباشرين للتدبير، كقوله:
﴿فالمُدَبِّراتِ أمْرًا﴾ [النازعات: ٥].
ويضيف التدبير إليه كقوله: ﴿إنَّ رَبَّكُم اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ﴾ [يونس: ٣] قوله: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكم مِنَ السَّماء والأرْضِ أمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبْصارَ ومَن يُخْرِجُ الحى مِنَ المَيِّتِ ويخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحى ومَن يُدَبِّرُ الأمْرَ، فَسَيَقُولُونَ الله﴾ [يونس: ٣١]. فهو المدبر أمرًا وإذنًا ومشيئةً، والملائكة المدبرات مباشرة وامتثالًا.
وهذا كما أضاف التوفي إليهم تارة، كقوله تعالى: ﴿تَوَفّتْهُ رُسُلنا﴾ [الأنعام: ٦١].
وإليه تارة، كقوله: ﴿اللهُ يَتَوَفّى الأنْفسَ﴾ [الزمر: ٤٢] ونظائره.
والملائكة الموكلة بالإنسان من حين كونه نطفة إلى آخر أمره لهم وله شأن آخر فإنهم موكلون بتخليقه، ونقله من طور إلى طور، وتصويره، وحفظه في أطباق الظلمات الثلاث، وكتابة رزقه، وعمله، وأجله، وشقاوته، وسعادته، وملازمته في جميع أحواله، وإحصاء أقواله وأفعاله، وحفظه في حياته، وقبض روحه عند وفاته، وعرضها على خالقه وفاطره. وهم الموكلون بعذابه ونعيمه في البرزخ، وبعد البعث. وهم الموكلون بعمل آلات النعيم والعذاب. وهم المثبتون للعبد المؤمن بإذن الله، والمعلمون له ما ينفعه، والمقاتلون الذابون عنه، وهم أولياؤه في الدنيا والآخرة، وهم الذين يرونه في منامه ما يخافه ليحذره، وما يحبه ليقوى قلبه، ويزداد شكرا، وهم الذين يعدونه بالخير ويدعونه إليه، وينهونه عن الشر، ويحذرونه منه.
فهم أولياؤه وأنصاره، وحفظته، ومعلموه، وناصحوه، والداعون له، والمستغفرون له، وهم الذين يصلون عليه مادام في طاعة ربه، ويصلون عليه مادام يعلم الناس الخير، ويبشرونه بكرامة الله تعالى في منامه، وعند موته، ويوم بعثه. وهم الذين يزهدونه في الدنيا، ويرغبونه في الآخرة. وهم الذين يذكرونه إذا نسي. وينشطونه إذا كسل، ويثبتونه إذا جزع. وهم الذين يسعون في مصالح دنياه وآخرته.
فهم رسل الله في خلقه وأمره، وسفراؤه بينه وبين عباده، تتنزل بالأمر من عنده في أقطار العالم، وتصعد إليه بالأمر قد أطت بهم السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك قائم، أو راكع أو ساجد ويدخل البيت المعمور كل يوم منهم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه آخر ما عليه.
والقرآن مملوء بذكر الملائكة، وأصنافهم، وأعمالهم، ومراتبهم. كقوله تعالى: ﴿وَإذْ قالَ رَبُّكَ للمَلائِكَةِ إنِّي جاعٍلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أتَجْعَل فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ بحَمْدِكَ ونُقّدِّسُ لَكَ قّالَ إنِّي أعْلَمُ مالاَ تَعْلَمُونَ وعَلّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهم عَلى المَلائِكةِ فَقالَ أنْبِئُونِي بِأسْماءِ هؤلاء إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قالُوا سُبحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إلاّ ما عَلّمْتَنا إنّكَ أنْتَ العَلِيمُ الحَكِيم قالَ يا آدَمُ أنْبِئْهم بأسمائهم فَلمّا أنْبَأهم بِأسْمائِهِمْ قالَ ألَمْ أقُلْ لَكم إنِّي أعْلُم غَيْبَ السَّمواتِ والأرْضِ وأعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ وإذْ قُلْنا لِلْملائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ﴾ إلى آخر القصة [البقرة: ٣٠-٣٨]
وقوله: ﴿تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ فِيها بِإذْنِ رَبهِّمْ﴾ [القدر: ٤].
وما بين هاتين السورتين في سور القرآن. بل لا تخلو سورة من سور القرآن عن ذكر الملائكة تصريحا، أو تلويحا، أو إشارة.
وأما ذكرهم في الأحاديث النبوية فأكثر وأشهر من أن يذكر.
ولهذا كان الإيمان بالملائكة عليهم السلام أحد الأصول الخمس التي هي أركان الإيمان، وهي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.
{"ayahs_start":10,"ayahs":["وَإِنَّ عَلَیۡكُمۡ لَحَـٰفِظِینَ","كِرَامࣰا كَـٰتِبِینَ","یَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ"],"ayah":"كِرَامࣰا كَـٰتِبِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق