﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِیهَا وَلَا تَعۡرَىٰ ١١٨ وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُا۟ فِیهَا وَلَا تَضۡحَىٰ ١١٩﴾ [طه ١١٨-١١٩]
تأمل كيف قابل الجوع بالعرى، والظمأ بالضحى.
والواقف مع القالب ربما يخيل إليه: أن الجوع يقابل بالظمأ، والعري بالضحى.
والداخل إلى بلد الفقه عن الله: يرى هذا الكلام في أعلى الفصاحة والجلالة لأن الجوع ألم الباطن، والعرى ألم الظاهر، فهما متناسبان في المعنى، وكذلك الظمأ مع الضحى، لأن الظمأ موجب لحرارة الباطن، والضحى موجب لحرارة الظاهر فاقتضت الآية نفي جميع الآفات ظاهرا وباطنا.
* (لطيفة)
قوله تعالى لآدم
﴿إنَّ لَكَ ألّا تَجُوعَ فِيها ولا تَعْرى وأنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيها ولا تَضْحى﴾فقابل بين الجوع والعري دون الجوع والظمإ وبين الظمإ والضحى دون الظمإ والجوع، فإن الجوع عري الباطن وذله والعري جوع الظاهر وذله فقابل بين نفي ذل باطنه وظاهره وجوع باطنه وظاهره، والظمأ حر الباطن، والضحى حر الظاهر.
فقابل بينهما.
وسئل المتنبي عن قول امرئ القيس
كأني لم أركب جوادا للذة ∗∗∗ ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبإ الزق الروي ولم أقل ∗∗∗ لخيلي كري كرة بعد إجفال
فقيل له إنه عيب عليه مقابلة سبي الزق الروي بالكر وكان الأحسن مقابلته بتبطن الكاعب جمعا بين اللذتين وكذلك مقابلة ركوب الجواد للكر أحسن من مقابلته لتبطن الكاعب فقال بل الذي أتى به أحسن فإنه قابل مركوب الشجاعة بمركوب اللذة واللهو فهذا مركب الطرب وهذا مركب الحرب والطلب وكذلك قابل بين السباءين سباء الزق وسباء الرق قلت وأيضا فإن الشارب يفتخر بالشجاعة كما قال حسان
ونشربها فتتركنا ملوكا ∗∗∗ وأسدا منا ينهنهنا اللقاء
وهذه جملة اعتراضية من ألطف الاعتراض
وقيل الحسن ما استنطق أفواه الناظرين بالتسبيح والتهليل كما قيل
ذي طلعة سبحان فالق صبحه ∗∗∗ ومعاطف جلت يمين الغارس
* (فائدة)
من له غرض في دقائق المعاني يتجاوز نظره قالب اللفظ إلى لب المعنى والواقف مع الألفاظ مقصود على الزينة اللفظية فتأمل قوله تعالى:
﴿إنَّ لَكَ ألاّ تَجُوعَ فِيها ولا تَعْرى وأنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيها ولا تَضْحى﴾كيف قابل الجوع بالعرى والظمأ بالضحى والواقف مع القالب ربما يخيّل إليه أن الجوع يقابل بالظمأ والعري بالضحى والداخل إلى بلد المعنى يرى هذا الكلام في أعلى الفصاحة والجلالة لأن الجوع ألم الباطن والعري ألم الظاهر فهما متناسبان في المعنى وكذلك الظمأ مع الضحى لأن الظمأ موجب لحرارة الباطن والضحى موجب لحرارة الظاهر فاقتضت الآية نفي جميع الآفات ظاهرا وباطنا.
وفي هذا الباب حكاية مشهورة وهي أن ابن حمدان قال يوما للمتنبي قد انتقد عليك قولك:
وقفت وما في الموت شك لواقف ∗∗∗ كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ∗∗∗ ووجهك وضاح وثغرك باسم
قالوا: ركبت صدر كل بيت على عجز الآخر وكان الأولى أن تقول:
وقفت وما في الموت شك لواقف ∗∗∗ ووجهك وضاح وثغرك باسم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ∗∗∗ كأنك في جفن الردى وهو نائم
فليتم المعنى حينئذ لأن انبساط الوجد ووضوحه مع الوقوف في موقف الموت أشبه بأوصاف الكماة، والسلامة من الردى مع مرور الأبطال كلمى هزيمة أعجب في حصول النجاة وهذا كما انتقد على امرئ القيس قوله:
كأني لم أركب جوادا للذة ∗∗∗ ولم أبتطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ∗∗∗ لخيلي كري كرة بعد إجفال
فلو قال:
كأني لم أركب جوادا ولم أقل ∗∗∗ لخليلي كري كرة بعد إجفال
ولم أسبأ الزق الروي للذة ∗∗∗ ولم أبتطن كاعبا ذات خلخال
كان أشبه بالمعنى لأن ركوب الخيل أشبه بالكر على الأبطال وسبأ الزق أليق بتبطن الكواعب.
فقال المتنبه يعني قائل الشعر المدعو بالمتنبي الكذاب: أعلم أن القزاز أعلم بالثوب من البزاز لأن القزاز يعلم أوله وآخره والبزاز لا يرى منه إلا ظاهره.
وهذا الانتقاد غير صحيح فإني قلت:
وقفت وما في الموت شك لواقف ... ... ... ... ...
فذكرت الموت وتحقق وقوعه في صدر البيت ثم تممت المعنى بقولي:
... ... ... ... ∗∗∗ كأنك في جفن الردى وهو نائم
والردى الموت بعينه فكأني قلت: وقفت في مواضع الموت ولم تمت كأن الموت نائم عنك فحصل المعنى مناسبا للقصد ثم قلت:
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ... ... ... ...
ومن شأن المكلوم والمنهزم أن يكونا كاشحي الوجوه عابسيها خائبي الأمل فقلت:
... ... ... ... ∗∗∗ ووجهك وضاح وثغرك باسم
لتحصل المطابقة بين عبوس الوجه وقطوبه ونضارته وشحوبه وإن لم تكن ظاهره في اللفظ فهي في المعنى يفهمها من له في إدراك دقائق المعاني قدم راسخ وأما قول امرئ القيس:
كأني لم أركب جوادا للذة ... ... ... ...
فإنه لما ذكر الركوب في البيت الأول تممه بما يشبهه ويناسبه من ركوب الكواعب ليحصل لذة ركوب مهر الحرب وركوب مهر اللذة.
وأما البيت الثاني فمن شأن الشارب إذا انتشى أن تتحرك كوامن صدره ويثور ما في نفسه من كوامن الأخلاق إلى الخارج فلما ذكر الشرب وحالة وتخيل نفسه كذلك فتحرك كامن خلقه من الحماسة والشجاعة فأردفه بما يليق به ثم ذكر الآية وتكلم عليها بنحو ما تقدم.
إذا ظفرت من الدنيا بقربكم ∗∗∗ فكل ذنب جناه الحب مغفور
(لطيفة وموعظة)
تأمل قوله تعالى:
﴿فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقى﴾ كيف شرك بينهما في الخروج، وخص الذَّكَر بالشقاء لاشتغاله بالكسب والمعاش والمرأة في خدرها
تزود من الماء القراح فلن يرى ∗∗∗ بوادي الغضا ماء نقاحا ولا بردا
ونل من نسيم البان والرند نفحة ∗∗∗ وهيهات وادٍ ينبت البان والرندا
وكر إلى نجد بطرفك إنه ∗∗∗ متى تسر لا تنظر عقيقا ولا نجدا
انظر يمنة فهل ترى محنة ثم اعطف يسرة فهل ترى إلا حسرة
أما الربع العامر فدرس، وأما أسر الممات فغرس، وأما الراكب فكبت به الفرس
ساروا في ظلم ظلامتهم فما عندهم قبس وقفت بهم سفن نجاتهم لأن البحر يبس وانقلبت تلك الدور كلها في تعس وجاء منكر بآخر سبأ ونكير بأول عبس أفلا يقوم لنجاته من طال ما قد جلس.
يا نفس ما هي إلا صبر أيام ∗∗∗ كأن مدتها أضغاث أحلام
يا نفس جودي عن الدنيا ولذتها ∗∗∗ وخل عنها فإن العيش قدامي
ألا يصبر طائر الهوى عن حبة مجهولة العاقبة، وإنما هي ساعة ويصل إلى برج أمنه وكم فيه من حبة.
وإن حننت للحمى وروضة ∗∗∗ فبالغضا ماء وروضات أخر
حامل الكتب من الطير أقوى عزيمة فلعل وضعك على غير الاعتدال.
لا تكون الروح الصافية إلا في بدن معتدل ولا الهمة العالية إلا في نفس نفيسة.
إذا حمل الطائر الرسالة صابر العزيمة ولازم بطون الأودية، فإن خفيت عليه الطريق تنسم الرياح وتلمح قرص الشمس وتستر وهو مع شدة جوعه يحذر الحَبَّ الملقى خوفا من دفينة فخ توجب تعرقل الجناح ويضيع ما حمل، فإذا بلغ الرسالة أطلق نفسه في أغراضها داخل البرج.
فيا حاملي كتب الأمانة أكثركم على غير الجادة وما يستدل منكم من قد راقه الحب فنزل بما حمل فارتهن، وربح فيسلم، تعرقل جناحه وينتظر الذبح فلا الحبة حصلت ولا الرسالة وصلت.
قطاة غرها شرك فباتت ∗∗∗ تجاذبه وقد علق الجناح
فلا في الليل نالت ما تمنت ∗∗∗ ولا في الصبح كان لها سراح
لو صابرتم مشقة الطريق لانتهى السفر فتوطنتم مستريحين في جنات عدن
يا مهملين النظر في العواقب أسلفوا في وقت الرخص فما يؤمن تغير الأسعار
لا ترم بسهام النظر فإنها والله فيك تقع
رب راع مقلة أهملها فأغير على السرح.
كل الحوادث مبدأها من النظر ∗∗∗ ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت قلب ناظرها ∗∗∗ فعل السهام بلا قوس ولا وتر
وقال غيره:
وأرى السهام نام من يرمي بها ∗∗∗ فعلام سهم للخط يصمى من رمى
اعرف قدر لطفه بل وحفظه لك. إنما نهاك عن المعاصي حماية لك وصيانة لك لا بخلا منه عليك وإنما أمرك بالطاعة رحمة وإحسانا. لا حاجة منه إليك لما عرفته بالعقل حرم ما يزيله وهو الخمر صيانة لبيت المعرفة. يا متناولا للمسكر لا تفعل يكفيك سكر جهلك فلا تجمع بين سكرين. سلعة وإني لغفار لا تبذل إلا بثمن لمن تاب. يا خارجا من سبيلة وأمن عن سكة وعمل صالحا. من داري ضرب ثم اهتدى إن لم تقدر على الجد في العمل فقف على باب الطلب. تعرض لنفحة من نفحات الرب ففي لحظة أفلح السجرة.
لا تجزعن من كل خطب عرى ∗∗∗ ولا ترى الأعداء ما يشمت
واصبر فبالصبر تنال المنى ∗∗∗ إذا لقيتم فئة فاثبتوا
ثمن المعالي الجد، والفتور داء أمر من السلوة.
أفي عينيك آيات وآثار إذا ما برد القلب فما تسخنه النار.
الوجود بحر، والعلماء جواهره، والزهاد عنبره، والتجار حيتانه، والأشرار تماسيحه، والجهال على ظهره كالزبد.
لو كشفت لك الدنيا ما تحت نقابها لرأيت المعشوقة عجوزا وما ترضى إلا بقتل عشاقها
وكم تدللت عليهم بالنشوز إذاقتهم برد كانون الأماني وإذا هم في وسط تموز.
تطلب مشاركة الغانمين وما شهدت الحرب تحل الغنيمة لمن شهد الوقعة.
البلايا تظهر جواهر الرجال وما أسرع ما يفتضح المدعي.
تنام عيناك وتشكو الهوى ∗∗∗ لو كنت صبا لم تكن هكذا
يا مؤثرا ما يفنى على ما يبقى هذا رأي هواك فهلا استشرت العقل لتعلم أنصحهما لك.
لا تحقرن يسير المعصية كالعشب الضعيف يفتل منه حبال تجر السفن.
أوَما نفذت في سد سبأ حيلة جرد العمر ثوب غير مكفوف وكل نفس خيط يسل منه. أنت أجير وعليك عمل فأخر ثياب الراحة إلى انقضاء العمل.
كم غرقت سفينة في بحر شوق ساروا وما يسألون ما فعل الفجر، ولا كيف مالت الشهب
عودهم هجرهم مطالبة الراحات أن يظفروا بما طلبوا.
الشجاع يلبس القلب على الدرع، والجبان يلبس الدرع على القلب.
أعظم البلايا تردد الركب إلى بلد الحبيب يودعون الدمن.
ومعال لو ادعاها سواهم ∗∗∗ لزمته جناية السراق
نالوا السماء وحطوا من نفوسهم ∗∗∗ إن الكرام إذا انحطوا فقد صعدوا