الباحث القرآني
* [فَصْلٌ: عِشْقُ اللُّوطِيَّةِ]
والطّائِفَةُ الثّانِيَةُ، الَّذِينَ حَكى اللَّهُ عَنْهُمُ العِشْقَ: هُمُ اللُّوطِيَّةُ كَما قالَ تَعالى: ﴿وَجاءَ أهْلُ المَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ - قالَ إنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ - واتَّقُوا اللَّهَ ولا تُخْزُونِ - قالُوا أوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَمِينَ - قالَ هَؤُلاءِ بَناتِي إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ - لَعَمْرُكَ إنَّهم لَفي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: ٦٧-٧٢].
فَهَذِهِ الأُمَّةُ عَشِقَتْ فَحَكاهُ سُبْحانَهُ عَنْ طائِفَتَيْنِ، عَشِقَ كُلٌّ مِنهُما ما حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنَ الصُّوَرِ، ولَمْ يُبالِ بِما في عِشْقِهِ مِنَ الضَّرَرِ.
وَهَذا داءٌ أعْيا الأطِبّاءَ دَواؤُهُ، وعَزَّ عَلَيْهِمْ شِفاؤُهُ، وهو واللَّهِ الدّاءُ العُضالُ، والسُّمُّ القَتّالُ، الَّذِي ما عَلِقَ بِقَلْبٍ إلّا وعَزَّ عَلى الوَرى خَلاصُهُ مِن إسارِهِ، ولا اشْتَعَلَتْ نارُهُ في مُهْجَةٍ إلّا وصَعُبَ عَلى الخَلْقِ تَخْلِيصُها مِن نارِهِ.
وَهُوَ أقْسامٌ:
تارَةً يَكُونُ كُفْرًا: لِمَنِ اتَّخَذَ مَعْشُوقَهُ نِدًّا يُحِبُّهُ كَما يُحِبُّ اللَّهَ، فَكَيْفَ إذا كانَتْ مَحَبَّتُهُ أعْظَمَ مِن مَحَبَّةِ اللَّهِ في قَلْبِهِ؟ فَهَذا عِشْقٌ لا يُغْفَرُ لِصاحِبِهِ، فَإنَّهُ مِن أعْظَمِ الشِّرْكِ، واللَّهُ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ، وإنَّما يَغْفِرُ بِالتَّوْبَةِ الماحِيَةِ ما دُونُ ذَلِكَ.
وَعَلامَةُ العِشْقِ الشَّرِكِيِّ الكُفْرِيِّ: أنْ يُقَدِّمَ العاشِقُ رِضاءَ مَعْشُوقِهِ عَلى رَبِّهِ، وإذا تَعارَضَ عِنْدَهُ حَقُّ مَعْشُوقِهِ وحَظُّهُ، وحَقُّ رَبِّهِ وطاعَتُهُ، قَدَّمَ حَقَّ مَعْشُوقِهِ عَلى حَقِّ رَبِّهِ، وآثَرَ رِضاهُ عَلى رِضاهُ، وبَذَلَ لَهُ أنْفَسَ ما يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وبَذَلَ لِرَبِّهِ - إنْ بَذَلَ - أرْدَأ ما عِنْدَهُ، واسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ في مَرْضاةِ مَعْشُوقِهِ وطاعَتِهِ والتَّقَرُّبِ إلَيْهِ، وجَعَلَ لِرَبِّهِ - إنْ أطاعَهُ - الفَضْلَةَ الَّتِي تَفَضَّلَ مَعْشُوقُهُ مِن ساعاتِهِ.
فَتَأمَّلْ حالَ أكْثَرِ عُشّاقِ الصُّوَرِ تَجِدْها مُطابِقَةً لِذَلِكَ، ثُمَّ ضَعْ حالَهم في كِفَّةٍ، وتَوْحِيدَهم وإيمانَهم في كِفَّةٍ، ثُمَّ زِنْ وزْنًا يَرْضى اللَّهُ بِهِ ورَسُولُهُ ويُطابِقُ العَدْلَ، ورُبَّما صَرَّحَ العاشِقُ مِنهم بِأنَّ وصْلَ مَعْشُوقِهِ أحَبُّ إلَيْهِ مِن تَوْحِيدِ رَبِّهِ، كَما قالَ العاشِقُ الخَبِيثُ:
؎يَتَرَشَّفْنَ مِن فَمِي رَشَفاتٍ ∗∗∗ هُنَّ أحْلى فِيهِ مِنَ التَّوْحِيدِ
وَكَما صَرَّحَ الخَبِيثُ الآخَرُ أنَّ وصْلَ مَعْشُوقِهِ أشْهى إلَيْهِ مِن رَحْمَةِ رَبِّهِ، وقَدْ مَرَّ.
بِلا رَيْبٍ إنَّ هَذا العِشْقَ مِن أعْظَمِ الشِّرْكِ، وكَثِيرٌ مِنهم يُصَرِّحُ بِأنَّهُ لَمْ يَبْقَ في قَلْبِهِ مَوْضِعٌ لِغَيْرِ مَعْشُوقِهِ ألْبَتَّةَ، بَلْ قَدْ مَلَكَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ كُلَّهُ فَصارَ عَبْدًا مَحْضًا مِن كُلِّ وجْهٍ لِمَعْشُوقِهِ، فَقَدْ رَضِيَ هَذا مِن عُبُودِيَّةِ الخالِقِ جَلَّ جَلالُهُ بِعُبُودِيَّةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ: فَإنَّ العُبُودِيَّةَ هي كَمالُ الحُبِّ والخُضُوعِ، وهَذا قَدِ اسْتَفْرَغَ قُوَّةَ حُبِّهِ وخُضُوعِهِ وذُلِّهِ لِمَعْشُوقِهِ فَقَدْ أعْطاهُ حَقِيقَةَ العُبُودِيَّةِ.
وَلا نِسْبَةَ بَيْنَ مَفْسَدَةِ هَذا الأمْرِ العَظِيمِ ومَفْسَدَةِ الفاحِشَةِ، فَإنَّ تِلْكَ ذَنْبٌ كَبِيرٌ لِفاعِلِهِ حُكْمُ أمْثالِهِ، ومَفْسَدَةُ هَذا العِشْقِ مَفْسَدَةُ الشِّرْكِ، وكانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنَ العارِفِينَ يَقُولُ: لَأنْ أُبْتَلى بِالفاحِشَةِ مَعَ تِلْكَ الصُّورَةِ أحَبُّ إلَيَّ مِن أنْ أُبْتَلى فِيها بِعِشْقٍ يَتَعَبَّدُ لَها قَلْبِي ويَشْغَلُهُ عَنِ اللَّهِ.
أكثر المفسرين من السلف والخلف بل لا يعرف عن السلف فيه نزاعًا أن هذا قسم من الله بحياة رسوله، وهذا من أعظم فضائله أن يقسم الرب عز وجل بحياته وهذه مزية لا تعرف لغيره.
ولم يوافق الزمخشري على ذلك فصرف القسم إلى أنه بحياة لوط، وأنه من قول الملائكة فقال: هو على إرادة القول أي قالت الملائكة للوط عليه الصلاة والسلام لعمرك أنهم في سكرتهم يعمهون وليس في اللفظ ما يدل على واحد من الأمرين بل ظاهر اللفظ وسياقه إنما يدل على ما فهمه السلف لا أهل التعطيل والاعتزال قال ابن عباس رضي الله عنهما لعمرك أي وحياتك قال وما أقسم الله تعالى بحياة نبي غيره.
والعُمُر والعُمر واحد إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإثبات الأخف لكثرة دوران الحلف على ألسنتهم وأيضًا فإن العمر حياة مخصوصة فهو عمر شريف عظيم أهلٌ أن يقسم لمزيته على كل عمر من أعمار بني آدم ولا ريب أن عمره وحياته من أعظم النعم والآيات فهو أهل أن يقسم به والقسم به أولى من القسم بغيره من المخلوقات.
وقوله تعالى ﴿يَعْمَهُونَ﴾ أي يتحيرون وإنما وصف الله سبحانه اللوطية بالسكرة لأن سكرة العشق مثل سكرة الخمرة كما قال القائل:
؎سكران بكسر هوى وسكر مدامة ∗∗∗ ومتى إفاقة من به سكران
{"ayahs_start":67,"ayahs":["وَجَاۤءَ أَهۡلُ ٱلۡمَدِینَةِ یَسۡتَبۡشِرُونَ","قَالَ إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ ضَیۡفِی فَلَا تَفۡضَحُونِ","وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ","قَالُوۤا۟ أَوَلَمۡ نَنۡهَكَ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","قَالَ هَـٰۤؤُلَاۤءِ بَنَاتِیۤ إِن كُنتُمۡ فَـٰعِلِینَ","لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِی سَكۡرَتِهِمۡ یَعۡمَهُونَ"],"ayah":"قَالُوۤا۟ أَوَلَمۡ نَنۡهَكَ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق