الباحث القرآني
﴿إلّا المُصَلِّينَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ﴾ ﴿والَّذِينَ في أمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ ﴿لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ﴾ ﴿والَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ ﴿والَّذِينَ هم مِن عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ ﴿إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ ﴿فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ ﴿والَّذِينَ هم لِأماناتِهِمْ وعَهْدِهِمْ راعُونَ﴾ ﴿والَّذِينَ هم بِشَهادَتِهِمْ قائِمُونَ﴾ ﴿والَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ في جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾
(p-١٧١)اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ ناشِئٌ عَنِ الوَعِيدِ المُبْتَدَأِ بِهِ مِن قَوْلِهِ ﴿يَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِن عَذابِ يَوْمِئِذٍ﴾ [المعارج: ١١] الآيَةَ.
فالمَعْنى عَلى الِاسْتِدْراكِ، والتَّقْدِيرُ: لَكِنَّ المُصَلِّينَ المَوْصُوفِينَ بِكَيْتَ وكَيْتَ أُولَئِكَ في جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ.
فَجُمْلَةُ ﴿أُولَئِكَ في جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ حَيْثُ وقَعَتْ بَعْدَ (إلّا) المُنْقَطِعَةِ وهي بِمَعْنى (لَكِنَّ) فَلَها حُكْمُ الجُمْلَةِ المُخْبَرِ بِها عَنِ اسْمِ (لَكِنَّ) المُشَدَّدَةِ أوْ عَنِ المُبْتَدَأِ الواقِعِ بَعْدَ (لَكِنَّ) المُخَفَّفَةِ وهو ما حَقَّقَهُ الدَّمامِينِيُّ، وإنْ كانَ ابْنُ هِشامٍ رَأى عَدَّ الجُمْلَةِ بَعْدَ الِاسْتِثْناءِ المُنْقَطِعِ في عِدادِ الجُمَلِ الَّتِي لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ.
والكَلامُ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِمُقابَلَةِ أحْوالِ المُؤْمِنِينَ بِأحْوالِ الكافِرِينَ، ووَعْدِهِمْ بِوَعِيدِهِمْ عَلى عادَةِ القُرْآنِ في أمْثالِ هَذِهِ المُقابَلَةِ.
وهَذِهِ صِفاتٌ ثَمانٍ هي مِن شِعارِ المُسْلِمِينَ، فَعَدَلَ عَنْ إحْضارِهِمْ بِوَصْفِ المُسْلِمِينَ إلى تَعْدادِ خِصالٍ مِن خِصالِهِمْ إطْنابًا في الثَّناءِ عَلَيْهِمْ،؛ لِأنَّ مَقامَ الثَّناءِ مَقامُ إطْنابٍ، وتَنْبِيهًا عَلى أنَّ كُلَّ صِلَةٍ مِن هَذِهِ الصِّلاتِ الثَّمانِ هي مِن أسْبابِ الكَوْنِ في الجَنّاتِ.
وهَذِهِ الصِّفاتُ لا يُشارِكُهُمُ المُشْرِكُونَ في مُعْظَمِها بِالمَرَّةِ، وبَعْضُها قَدْ يَتَّصِفُ بِهِ المُشْرِكُونَ ولَكِنَّهم لا يُراعُونَهُ حَقَّ مُراعاتِهِ بِاطِّرادٍ، وذَلِكَ حِفْظُ الأماناتِ والعَهْدِ، فالمُشْرِكُ يَحْفَظُ الأمانَةَ والعَهْدَ اتِّقاءَ مَذَمَّةِ الخِيانَةِ والغَدْرِ، ومَعَ أحْلافِهِ دُونَ أعْدائِهِ، والمُشْرِكُ يَشْهَدُ بِالصِّدْقِ إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ هَوًى في الكَذِبِ، وإذا خَشِيَ أنْ يُوصَمَ بِالكَذِبِ. وقَدْ غَدَرَ المُشْرِكُونَ بِالمُسْلِمِينَ في عِدَّةِ حَوادِثَ، وغَدَرَ بَعْضُهم بَعْضًا، فَلَوْ عَلِمَ المُشْرِكُ أنَّهُ لا يَطَّلِعُ عَلى كَذِبِهِ وكانَ لَهُ هَوًى لَمْ يُؤَدِّ الشَّهادَةَ.
ولَمّا كانَ وصْفُ (المُصَلِّينَ) غَلَبَ عَلى المُسْلِمِينَ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿ما سَلَكَكم في سَقَرَ﴾ [المدثر: ٤٢] ﴿قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ﴾ [المدثر: ٤٣] الآيَةَ، أتْبَعَ وصْفَ المُصَلِّينَ في الآيَةَ هَذِهِ بِوَصْفِ ﴿الَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ﴾ أيْ: مُواظِبُونَ عَلى صَلاتِهِمْ لا يَتَخَلَّفُونَ عَنْ أدائِها ولا يَتْرُكُونَها.
والدَّوامُ عَلى الشَّيْءِ: عَدَمُ تَرْكِهِ، وذَلِكَ في كُلِّ عَمَلٍ بِحَسَبِ ما يُعْتَبَرُ دَوامًا فِيهِ كَما تَقَرَّرَ في أُصُولِ الفِقْهِ في مَسْألَةِ إفادَةِ الأمْرِ التَّكْرارَ.
(p-١٧٢)وفِي إضافَةِ (صَلاةٍ) إلى ضَمِيرِ المُصَلِّينَ تَنْوِيهٌ بِاخْتِصاصِها بِهِمْ، وهَذا الوَصْفُ لِلْمُسْلِمِينَ مُقابِلُ وصْفِ الكافِرِينَ في قَوْلِهِ (بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرِينَ) .
ومَجِيءُ الصِّلَةِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً دُونَ أنْ يُقالَ: الَّذِينَ يَدُومُونَ لِقَصْدِ إفادَتِها الثَّباتَ تَقْوِيَةً كَمُفادِ الدَّوامِ.
وإعادَةُ اسْمِ المَوْصُولِ مَعَ الصِّلاتِ المَعْطُوفَةِ عَلى قَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ﴾ لِمَزِيدِ العِنايَةِ بِأصْحابِ تِلْكَ الصِّلاتِ.
وتَسْمِيَةُ ما يُعْطُونَهُ مِن أمْوالِهِمْ مِنَ الصَّدَقاتِ باسْمِ (حَقٍّ) لِلْإشارَةِ إلى أنَّهم جَعَلُوا السّائِلَ والمَحْرُومَ كالشُّرَكاءِ لَهم في أمْوالِهِمْ مِن فَرْطِ رَغْبَتِهِمْ مِن مُواساةِ إخْوانِهِمْ إذْ لَمْ تَكُنِ الصَّدَقَةُ يَوْمَئِذٍ واجِبَةً ولَمْ تَكُنِ الزَّكاةُ قَدْ فُرِضَتْ.
ومَعْنى كَوْنِ الحَقِّ مَعْلُومًا أنَّهُ يَعْلَمُهُ كُلُّ واحِدٍ مِنهم ويَحْسِبُونَهُ، ويَعْلَمُهُ السّائِلُ والمَحْرُومُ بِما اعْتادَ مِنهم.
ومَجِيءُ الصِّلَةِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً لِإفادَةِ ثَباتِ هَذِهِ الخَصْلَةِ فِيهِمْ وتَمَكُّنِها مِنهم دَفْعًا لِتَوَهُّمِ الشُّحِّ في بَعْضِ الأحْيانِ لِما هو مَعْرُوفٌ بَيْنَ غالِبِ النّاسِ مِن مُعاوَدَةِ الشُّحِّ لِلنُّفُوسِ.
والسّائِلُ: هو المُسْتَعْطِي، والمَحْرُومُ: الَّذِي لا يَسْألُ النّاسَ تَعَفُّفًا مَعَ احْتِياجِهِ فَلا يَتَفَطَّنُ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ فَيَبْقى كالمَحْرُومِ.
وأصْلُ المَحْرُومِ: المَمْنُوعُ مِن مَرْغُوبِهِ، وتَقَدَّمَ في سُورَةِ الذّارِياتِ في قَوْلِهِ ﴿وفِي أمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ﴾ [الذاريات: ١٩] . وهَذِهِ الصِّفَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ مُضادَّةُ صِفَةِ الكافِرِينَ المُتَقَدِّمَةِ في قَوْلِهِ (﴿وجَمَعَ فَأوْعى﴾ [المعارج: ١٨]) .
والتَّصْدِيقُ بِيَوْمِ الدِّينِ هو الإيمانُ بِوُقُوعِ البَعْثِ والجَزاءِ، والدِّينُ: الجَزاءُ. وهَذا الوَصْفُ مُقابِلُ وصْفِ الكافِرِينَ بِقَوْلِهِ (﴿إنَّهم يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾ [المعارج: ٦]) .
ولَمّا كانَ التَّصْدِيقُ مِن عَمَلِ القَلْبِ ولَمْ يُتَصَوَّرْ أنْ يَكُونَ فِيهِ تَفاوُتٌ، أُتِيَ بِالجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ عَلى الأصْلِ في صِلَةِ المَوْصُولِ، وأُوثِرَ فِيها الفِعْلُ المُضارِعُ لِدَلالَتِهِ عَلى الِاسْتِمْرارِ.
ووَصْفُهم بِأنَّهم مِن عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ مُقابِلُ قَوْلِهِ في حَقِّ الكافِرِينَ (﴿سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ [المعارج: ١] ﴿لِلْكافِرينَ﴾ [المعارج: ٢])؛ لِأنَّ سُؤالَهم سُؤالُ مُسْتَخِفٍّ بِذَلِكَ ومُحِيلِهِ.
(p-١٧٣)والإشْفاقُ: تَوَقُّعُ حُصُولِ المَكْرُوهِ وأخْذُ الحَذَرِ مِنهُ.
وصَوْغُ الصِّلَةِ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِتَحْقِيقِ وثَباتِ اتِّصافِهِمْ بِهَذا الإشْفاقِ؛ لِأنَّهُ مِنَ المُغَيَّباتِ، فَمِن شَأْنِ كَثِيرٍ مِنَ النّاسِ التَّرَدُّدُ فِيهِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ مُعْتَرِضَةٌ، أيْ: غَيْرُ مَأْمُونٍ لَهم، وهَذا تَعْرِيضٌ بِزَعْمِ المُشْرِكِينَ الأمْنَ مِنهُ إذْ قالُوا ﴿وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الشعراء: ١٣٨] . ووَصْفُهم بِأنَّهم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ مُقابِلُ قَوْلِهِ في تَهْوِيلِ حالِ المُشْرِكِينَ يَوْمَ الجَزاءِ بِقَوْلِهِ ﴿ولا يَسْألُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ [المعارج: ١٠] إذْ أخَصُّ الأحِمّاءِ بِالرَّجُلِ زَوْجُهُ، فَقَصَدَ التَّعْرِيضَ بِالمُشْرِكِينَ بِأنَّ هَذا الهَوْلَ خاصٌّ بِهِمْ بِخِلافِ المُسْلِمِينَ فَإنَّهم هم وأزْواجُهم يُحْبَرُونَ لِأنَّهُمُ اتَّقَوُا اللَّهَ في العِفَّةِ عَنْ غَيْرِ الأزْواجِ، قالَ تَعالى ﴿الأخِلّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلّا المُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧] .
وتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذا في سُورَةِ المُؤْمِنِينَ، أيْ: لَيْسَ في المُسْلِمِينَ سِفاحٌ ولا زِنًى ولا مُخالَّةٌ ولا بِغاءٌ، ولِذَلِكَ عَقَّبَ بِالتَّفْرِيعِ بِقَوْلِهِ ﴿فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ .
والعادِي: المُفْسِدُ، أيْ: هُمُ الَّذِينَ أفْسَدُوا فاخْتَلَطَتْ أنْسابُهم وتَطَرَّقَتِ الشُّكُوكُ إلى حَصانَةِ نِسائِهِمْ، ودَخَلَتِ الفَوْضى في نُظُمِ عائِلاتِهِمْ، ونَشَأتْ بَيْنَهُمُ الإحَنُ مِنَ الغَيْرَةِ.
وذِكْرُ رَعْيِ الأماناتِ والعَهْدِ لِمُناسَبَةِ وصْفِ ما يَوَدُّ الكافِرُ يَوْمَ الجَزاءِ أنْ يَفْتَدِيَهُ مِنَ العَذابِ بِفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ فَيَذْهَبُ مِنهُ رَعْيُ العُهُودِ الَّتِي يَجِبُ الوَفاءُ بِها لِلْقَبِيلَةِ وحَسْبُكَ مِن تَشْوِيهِ حالِهِ أنَّهُ قَدْ نَكَثَ العُهُودَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِ لِقَوْمِهِ مِنَ الدِّفاعِ عَنْ حَقِيقَتِهِمْ بِنَفْسِهِ وكانَ يَفْدِيهِمْ بِنَفْسِهِ، والمُسْلِمُ لَمّا كانَ يَرْعى العَهْدَ بِما يُمْلِيهِ عَلَيْهِ دِينُهُ جازاهُ اللَّهُ بِأنْ دَفَعَ عَنْهُ خِزْيَ ودادَةِ فِدائِهِ نَفْسَهُ بِمَوالِيهِ وأهْلِ عَهْدِهِ.
والقَوْلُ في اسْمِيَّةِ الصِّلَةِ كالقَوْلِ في الَّذِي قَبْلَهُ.
والرَّعْيُ: الحِفْظُ والحِراسَةُ. وأصْلُهُ رَعْيُ الغَنَمِ والإبِلِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: (لِأماناتِهِمْ)، بِصِيغَةِ الجَمْعِ. وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ (لِأمانَتِهِمْ) بِالإفْرادِ، والمُرادُ الجِنْسُ.
(p-١٧٤)وقَوْلُهُ (﴿والَّذِينَ هم بِشَهادَتِهِمْ قائِمُونَ﴾) ذُكِرَ لِمُناسَبَةِ ذِكْرِ رَعْيِ الأماناتِ إذِ الشَّهادَةُ مِن جُمْلَةِ الأماناتِ؛ لِأنَّ حَقَّ المَشْهُودِ لَهُ ودِيعَةٌ في حِفْظِ الشّاهِدِ فَإذا أدّى شَهادَتَهُ فَكَأنَّهُ أدّى أمانَةً لِصاحِبِ الحَقِّ المَشْهُودِ لَهُ كانَتْ في حِفْظِ الشّاهِدِ.
ولِذَلِكَ كانَ أداءُ الشَّهادَةِ - إذا طُولِبَ بِهِ الشّاهِدُ - واجِبًا عَلَيْهِ، قالَ تَعالى ﴿ولا يَأْبَ الشُّهَداءُ إذا ما دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] .
والقِيامُ بِالشَّهادَةِ: الِاهْتِمامُ بِها وحِفْظُها إلى أنْ تُؤَدّى، وهَذا قِيامٌ مَجازِيٌّ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى (﴿ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ [البقرة: ٣]) في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وباءُ (بِشَهادَتِهِمْ) لِلْمُصاحَبَةِ، أيْ: يَقُومُونَ مُصاحِبِينَ لِلشَّهادَةِ، ويَصِيرُ مَعْنى الباءِ في الِاسْتِعارَةِ مَعْنى التَّعْدِيَةِ.
فَذِكْرُ القِيامِ بِالشَّهادَةِ إتْمامٌ لِخِصالِ أهْلِ الإسْلامِ فَلا يَتَطَلَّبُ لَهُ مُقابِلٌ مِن خِصالِ أهْلِ الشِّرْكِ المَذْكُورَةِ فِيما تَقَدَّمَ.
والقَوْلُ في اسْمِيَّةِ جُمْلَةِ الصِّلَةِ لِلْغَرَضِ الَّذِي تَقَدَّمَ؛ لِأنَّ أداءَ الشَّهادَةِ يَشُقُّ عَلى النّاسِ إذْ قَدْ يَكُونُ المَشْهُودُ عَلَيْهِ قَرِيبًا أوْ صَدِيقًا، وقَدْ تُثِيرُ الشَّهادَةُ عَلى المَرْءِ إحْنَةً مِنهُ وعَداوَةً.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (بِشَهادَتِهِمْ) بِصِيغَةِ الإفْرادِ، وهو اسْمُ جِنْسٍ يَعُمُّ جَمِيعَ الشَّهاداتِ الَّتِي تَحَمَّلُوها. وقَرَأ حَفْصٌ ويَعْقُوبُ (شَهاداتِهِمْ) بِصِيغَةِ الجَمْعِ. وذَلِكَ عَلى اعْتِبارِ جَمْعِ المُضافِ إلَيْهِ.
وقَوْلُهُ ﴿والَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾ ثَناءٌ عَلَيْهِمْ بِعِنايَتِهِمْ بِالصَّلاةِ مِن أنْ يَعْتَرِيَها شَيْءٌ يُخِلُّ بِكَمالِها،؛ لِأنَّ مادَّةَ المُفاعَلَةِ هُنا لِلْمُبالَغَةِ في الحِفْظِ مِثْلَ: عافاهُ اللَّهُ، وقاتَلَهُ اللَّهُ، فالمُحافَظَةُ راجِعَةٌ إلى اسْتِكْمالِ أرْكانِ الصَّلاةِ وشُرُوطِها وأوْقاتِها. وإيثارُ الفِعْلِ المُضارِعِ لِإفادَةِ تَجَدُّدِ ذَلِكَ الحِفاظِ وعَدَمِ التَّهاوُنِ بِهِ، وبِذَلِكَ تَعْلَمُ أنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ تَأْكِيدٍ لِجُمْلَةِ ﴿الَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ﴾ بَلْ فِيها زِيادَةُ مَعْنًى مَعَ حُصُولِ الغَرَضِ مِنَ التَّأْكِيدِ بِإعادَةِ ما يُفِيدُ عِنايَتَهم بِالصَّلاةِ في كِلْتا الجُمْلَتَيْنِ.
وفِي الأخْبارِ النَّبَوِيَّةِ أخْبارٌ كَثِيرَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الصَّلاةِ، وأنَّ الصَّلَواتِ تُكَفِّرُ (p-١٧٥)الذُّنُوبَ كَحَدِيثِ «ما يُدْرِيكم ما بَلَغَتْ بِهِ صَلاتُهُ» .
وقَدْ حَصَلَ بَيْنَ أُخْرى هَذِهِ الصِّلاتِ وبَيْنَ أُولاها مُحَسِّنُ رَدِّ العَجُزِ عَلى الصَّدْرِ.
وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى المُسْنَدِ الفِعْلِيِّ في قَوْلِهِ ﴿والَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾ يُفِيدُ تَقْوِيَةَ الخَبَرِ مَعَ إفادَةِ التَّجَدُّدِ مِنَ الفِعْلِ المُضارِعِ.
ولَمّا أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الصِّفاتُ الجَلِيلَةُ أُخْبِرَ عَنْ جَزائِهِمْ عَلَيْها بِأنَّهم مُكَرَّمُونَ في الجَنَّةِ.
وجِيءَ بِاسْمِ الإشارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا ما بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ مِن أجْلِ ما سَبَقَ قَبْلَ اسْمِ الإشارَةِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والإكْرامُ: التَّعْظِيمُ وحُسْنُ اللِّقاءِ، أيْ: هم مَعَ جَزائِهِمْ بِنَعِيمِ الجَنّاتِ يُكْرَمُونَ بِحُسْنِ اللِّقاءِ والثَّناءِ، قالَ تَعالى ﴿والمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِن كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكم بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبى الدّارِ﴾ [الرعد: ٢٣] وقالَ ﴿ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ﴾ [التوبة: ٧٢] .
وهَذا يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (في جَنّاتٍ) خَبَرًا عَنِ اسْمِ الإشارَةِ، وقَوْلُهُ (مُكْرَمُونَ) خَبَرًا ثانِيًا.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["إِلَّا ٱلۡمُصَلِّینَ","ٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَاۤىِٕمُونَ","وَٱلَّذِینَ فِیۤ أَمۡوَ ٰلِهِمۡ حَقࣱّ مَّعۡلُومࣱ","لِّلسَّاۤىِٕلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ","وَٱلَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوۡمِ ٱلدِّینِ","وَٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ","إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمۡ غَیۡرُ مَأۡمُونࣲ","وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَـٰفِظُونَ","إِلَّا عَلَىٰۤ أَزۡوَ ٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَیۡرُ مَلُومِینَ","فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ","وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَ ٰعُونَ","وَٱلَّذِینَ هُم بِشَهَـٰدَ ٰتِهِمۡ قَاۤىِٕمُونَ","وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ یُحَافِظُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی جَنَّـٰتࣲ مُّكۡرَمُونَ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوۡمِ ٱلدِّینِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق