الباحث القرآني
(p-١٠)﴿وقَرْنَ في بِيُوتِكُنَّ﴾
هَذا أمْرٌ خُصِّصْنَ بِهِ وهو وُجُوبُ مُلازَمَتِهِنَّ بُيُوتَهُنَّ تَوْقِيرًا لَهُنَّ. وتَقْوِيَةً في حُرْمَتِهِنَّ، فَقَرارُهُنَّ في بُيُوتِهِنَّ عِبادَةٌ، وأنَّ نُزُولَ الوَحْيِ فِيها وتَرَدُّدَ النَّبِيءِ ﷺ في خِلالِها يُكْسِبُها حُرْمَةً. وقَدْ كانَ المُسْلِمُونَ لَمّا ضاقَ عَلَيْهِمُ المَسْجِدُ النَّبَوِيُّ يُصَلُّونَ الجُمُعَةَ في بُيُوتِ أزْواجِ النَّبِيِّ ﷺ كَما في حَدِيثِ المُوَطَّأِ. وهَذا الحُكْمُ وُجُوبٌ عَلى أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ وهو كَمالٌ لِسائِرِ النِّساءِ.
وقَرَأ نافِعٌ، وعاصِمٌ، وأبُو جَعْفَرٍ بِفَتْحِ القافِ. ووَجَّهَها أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ الكِسائِيِّ، والفَرّاءِ، والزَّجّاجِ بِأنَّها لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ في قَرَّ بِمَعْنى: أقامَ واسْتَقَرَّ، يَقُولُونَ: قَرِرْتُ في المَكانِ بِكَسْرِ الرّاءِ مِن بابِ عَلِمَ فَيَجِيءُ مُضارِعُهُ بِفَتْحِ الرّاءِ فَأصْلُ قَرْنَ اقْرَرْنَ فَحُذِفَتِ الرّاءُ الأُولى لِلتَّخْفِيفِ مِنَ التَّضْعِيفِ وأُلْقِيَتْ حَرَكَتُها عَلى القافِ نَظِيرَ قَوْلِهِمْ: أحَسْنَ بِمَعْنى أحْسَسْنَ في قَوْلِ أبِي زُبَيْدٍ:
؎سِوى أنَّ الجِيادَ مِنَ المَطايا أحَسْنَ بِهِ فَهُنَّ إلَيْهِ شُوسُ
وأنْكَرَ المازِنِيُّ، وأبُو حاتِمٍ أنْ تَكُونَ هَذِهِ لُغَةً، وزَعَمَ أنَّ قَرِرْتُ بِكَسْرِ الرّاءِ في الماضِي لا يَرِدُ إلّا في مَعْنى قُرَّةِ العَيْنِ، والقِراءَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِما. والتَزَمَ النَّحّاسُ قَوْلَهُما وزَعَمَ أنَّ تَفْسِيرَ الآيَةِ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ أنَّها مِن قُرَّةِ العَيْنِ وأنَّ المَعْنى: واقْرَرْنَ عُيُونًا في بُيُوتِكُنَّ، أيْ لَكُنَّ في بُيُوتِكُنَّ قُرَّةٌ فَلا تَتَطَلَّعْنَ إلى ما جاوَزَ ذَلِكَ، أيْ فَيَكُونُ كِنايَةً عَنْ مُلازَمَةِ بُيُوتِهِنَّ.
وقَرَأ بَقِيَّةُ العَشَرَةِ (وقِرْنَ) بِكَسْرِ القافِ. قالَ المُبَرِّدُ: هو مِنَ القَرارِ، أصْلُهُ: اقْرِرْنَ بِكَسْرِ الرّاءِ الأُولى فَحُذِفَتْ تَخْفِيفًا، وأُلْقِيَتْ حَرَكَتُها عَلى القافِ كَما قالُوا: ظَلْتَ ومَسْتَ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةِ: يَصِحُّ أنْ يَكُونَ قِرْنَ، أيْ بِكَسْرِ القافِ أمْرًا مِنَ الوَقارِ، يُقالُ: وقِرَ فُلانٌ يَقِرُّ والأمْرُ مِنهُ قِرْ لِلْواحِدِ، ولِلنِّساءِ قِرْنَ مِثْلَ عِدْنَ، أيْ فَيَكُونُ كِنايَةً عَنْ مُلازَمَةِ بُيُوتِهِنَّ مَعَ الإيماءِ إلى عِلَّةٍ ذَلِكَ بِأنَّهُ وقارٌ لَهُنَّ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (بِيُوتِكُنَّ) بِكَسْرِ الباءِ. وقَرَأهُ ورَشٌ عَنْ نافِعٍ، وأبُو عَمْرٍو، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، وأبُو جَعْفَرٍ بِضَمِّ الباءِ.
(p-١١)وإضافَةُ البُيُوتِ إلَيْهِنَّ لِأنَّهُنَّ ساكِناتٌ بِها، أسْكَنَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَكانَتْ بُيُوتُ النَّبِيِّ ﷺ يُمَيَّزُ بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ بِالإضافَةِ إلى ساكِنَةِ البَيْتِ، يَقُولُونَ: حُجْرَةُ عائِشَةَ، وبَيْتُ حَفْصَةَ، فَهَذِهِ الإضافَةُ كالإضافَةِ إلى ضَمِيرِ المُطَلَّقاتِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] . وذَلِكَ أنَّ زَوْجَ الرَّجُلِ هي رَبَّةُ بَيْتِهِ، والعَرَبُ تَدْعُو الزَّوْجَةَ البَيْتَ، ولا يَقْتَضِي ذَلِكَ أنَّها مِلْكٌ لَهُنَّ لِأنَّ البُيُوتَ بَناها النَّبِيءُ ﷺ تِباعًا تَبَعًا لِبِناءِ المَسْجِدِ، ولِذَلِكَ لَمّا تُوُفِّيَتِ الأزْواجُ كُلُّهُنَّ أُدْخِلَتْ ساحَةُ بُيُوتِهِنَّ إلى المَسْجِدِ في التَّوْسِعَةِ الَّتِي وسَّعَها الخَلِيفَةُ الوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ في إمارَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ عَلى المَدِينَةِ ولَمْ يُعْطِ عِوَضًا لِوَرَثَتِهِنَّ.
وهَذِهِ الآيَةُ تَقْتَضِي وُجُوبَ مُكْثِ أزْواجِ النَّبِيءِ ﷺ في بُيُوتِهِنَّ وأنْ لا يَخْرُجْنَ إلّا لِضَرُورَةٍ، وجاءَ في الحَدِيثِ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قالَ: «إنَّ اللَّهَ أذِنَ لَكُنَّ أنْ تَخْرُجْنَ لِحَوائِجِكُنَّ» يُرِيدُ حاجاتِ الإنْسانِ.
ومَحْمَلُ هَذا الأمْرِ عَلى مُلازَمَةِ بُيُوتِهِنَّ فِيما عَدا ما يُضْطَرُّ فِيهِ الخُرُوجُ مِثْلَ مَوْتِ الأبَوَيْنِ. وقَدْ خَرَجَتْ عائِشَةُ إلى بَيْتِ أبِي بَكْرٍ في مَرَضِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ كَما دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُهُ مَعَها في عَطِيَّتِهِ الَّتِي كانَ أعْطاها مِن ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ وقَوْلُهُ لَها (وإنَّما هو اليَوْمَ مالُ وارِثٍ) رَواهُ في المُوَطَّأِ. وكُنَّ يَخْرُجْنَ لِلْحَجِّ وفي بَعْضِ الغَزَواتِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأنَّ مَقَرَّ النَّبِيِّ ﷺ في أسْفارِهِ قائِمٌ مَقامَ بُيُوتِهِ في الحَضَرِ، وأبَتْ سَوْدَةُ أنْ تَخْرُجَ إلى الحَجِّ والعُمْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. وكُلُّ ذَلِكَ مِمّا يُفِيدُ إطْلاقَ الأمْرِ في قَوْلِهِ وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ.
ولِذَلِكَ لَمّا ماتَ سَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ أمَرَتْ عائِشَةُ أنْ يُمَرَّ عَلَيْها بِجِنازَتِهِ في المَسْجِدِ لِتَدْعُوَ لَهُ، أيْ لِتُصَلِّيَ عَلَيْهِ. رَواهُ في المُوَطَّأِ.
وقَدْ أشْكَلَ عَلى النّاسِ خُرُوجُ عائِشَةَ إلى البَصْرَةِ في الفِتْنَةِ الَّتِي تُدْعى: وقْعَةُ الجَمَلِ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْها ذَلِكَ كَثِيرٌ مِن جِلَّةِ الصَّحابَةِ مِنهم طَلْحَةُ، والزُّبَيْرُ. وأنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْها بَعْضُهم مِثْلَ: عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ،، وعَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، ولِكُلٍّ نَظَرٌ في الِاجْتِهادِ. والَّذِي عَلَيْهِ المُحَقِّقُونَ مِثْلَ أبِي بَكْرِ بْنِ العَرَبِيِّ أنَّ ذَلِكَ كانَ مِنها عَنِ اجْتِهادٍ فَإنَّها رَأتْ أنَّ في خُرُوجِها إلى البَصْرَةِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ لِتَسْعى بَيْنَ فَرِيقَيِ الفِتْنَةِ (p-١٢)بِالصُّلْحِ فَإنَّ النّاسَ تَعَلَّقُوا بِها وشَكَوْا إلَيْها ما صارُوا إلَيْهِ مِن عِظَيمِ الفِتْنَةِ ورَجَوْا بَرَكَتَها أنْ تَخْرُجَ فَتُصْلِحَ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ، وظَنُّوا أنَّ النّاسَ يَسْتَحْيُونَ مِنها فَتَأوَّلَتْ لِخُرُوجِها مَصْلَحَةً تُفِيدُ إطْلاقَ القَرارِ المَأْمُورِ بِهِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ﴾ يُكافِئُ الخُرُوجَ لِلْحَجِّ. وأخَذَتْ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوا بَينَهُما﴾ [الحجرات: ٩] ورَأتْ أنَّ الأمْرَ بِالإصْلاحِ يَشْمَلُها وأمْثالَها مِمَّنْ يَرْجُونَ سَماعَ الكَلِمَةِ فَكانَ ذَلِكَ مِنها عَنِ اجْتِهادٍ. وقَدْ أشارَ عَلَيْها جَمْعٌ مِنَ الصَّحابَةِ بِذَلِكَ وخَرَجُوا مَعَها مِثْلَ طَلْحَةَ، والزُّبَيْرِ وناهِيكَ بِهِما. وهَذا مِن مَواقِعِ اجْتِهادِ الصَّحابَةِ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْنا حَمْلُها عَلى أحْسَنِ المَخارِجِ ونَظُنُّ بِها أحْسَنَ المَذاهِبِ كَقَوْلِنا في تَقاتُلِهِمْ في صِفِّينَ وكادَ أنْ يَصْلُحَ الأمْرُ ولَكِنْ أفْسَدَهُ دُعاةُ الفِتْنَةِ ولَمْ تَشْعُرْ عائِشَةُ إلّا والمُقاتَلَةُ قَدْ جَرَتْ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ مِنَ الصَّحابَةِ يَوْمَ الجَمَلِ. ولا يَنْبَغِي تَقَلُّدُ كَلامِ المُؤَرِّخِينَ عَلى عِلّاتِهِ فَإنَّ فِيهِمْ مِن أهْلِ الأهْواءِ ومَن تَلَقَّفُوا الغَثَّ والسَّمِينَ. وما يُذْكَرُ عَنْها - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -: أنَّها كانَتْ إذا قَرَأتْ هَذِهِ الآيَةَ تَبْكِي حَتّى يَبْتَلَّ خِمارُها فَلا ثِقَةَ بِصِحَّةِ سَنَدِهِ ولَوْ صَحَّ لَكانَ مَحْمَلُهُ أنَّها أسِفَتْ لِتِلْكَ الحَوادِثِ الَّتِي ألْجَأتْها إلى الِاجْتِهادِ في تَأْوِيلِ الآيَةِ.
* * *
﴿ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهِلِيَّةِ الأُولى﴾ التَّبَرُّجُ: إظْهارُ المَرْأةِ مَحاسِنَ ذاتِها وثِيابِها وحُلِيِّها بِمَرْأى الرِّجالِ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ في سُورَةِ النُّورِ.
وانْتَصَبَ تَبَرُّجَ الجاهِلِيَّةِ الأُولى عَلى المَفْعُولِ المُطْلَقِ وهو في مَعْنى الوَصْفِ الكاشِفِ أُرِيدَ بِهِ التَّنْفِيرُ مِنَ التَّبَرُّجِ. والمَقْصُودُ مِنَ النَّهْيِ الدَّوامُ عَلى الِانْكِفافِ عَنِ التَّبَرُّجِ وأنَّهُنَّ مَنهِيّاتٌ عَنْهُ. وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِنَهْيِ غَيْرِهِنَّ مِنَ المُسْلِماتِ عَنِ التَّبَرُّجِ فَإنَّ المَدِينَةَ أيّامَئِذٍ قَدْ بَقِيَ فِيها نِساءُ المُنافِقِينَ ورُبَّما كُنَّ عَلى بَقِيَّةٍ مِن سِيرَتِهِنَّ في الجاهِلِيَّةِ فَأُرِيدَ النِّداءُ عَلى إبْطالِ ذَلِكَ في سِيرَةِ المُسْلِماتِ، ويَظْهَرُ أنَّ أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ مَنهِيّاتٌ عَنِ التَّبَرُّجِ مُطْلَقًا حَتّى في الأحْوالِ الَّتِي رُخِّصَ لِلنِّساءِ التَّبَرُّجُ فِيها (في سُورَةِ النُّورِ) في بُيُوتِهِنَّ لِأنَّ تَرْكَ التَّبَرُّجِ كَمالٌ وتَنَزُّهٌ عَنِ الِاشْتِغالِ بِالسَّفاسِفِ.
فَنُسِبَ إلى أهْلِ الجاهِلِيَّةِ إذْ كانَ قَدْ تَقَرَّرَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ تَحْقِيرُ ما كانَ عَلَيْهِ أمْرُ (p-١٣)الجاهِلِيَّةِ إلّا ما أقَرَّهُ الإسْلامُ.
والجاهِلِيَّةُ: المُدَّةُ الَّتِي كانَتْ عَلَيْها العَرَبُ قَبْلَ الإسْلامِ، وتَأْنِيثُها لِتَأْوِيلِها بِالمُدَّةِ. والجاهِلِيَّةُ نِسْبَةٌ إلى الجاهِلِ لِأنَّ النّاسَ الَّذِينَ عاشُوا فِيها كانُوا جاهِلِينَ بِاللَّهِ وبِالشَّرائِعِ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.
ووَصْفُها بِالأُولى وصْفٌ كاشِفٌ لِأنَّها أُولى قَبْلَ الإسْلامِ وجاءَ الإسْلامُ بَعْدَها فَهو كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وأنَّهُ أهْلَكَ عادًا الأُولى﴾ [النجم: ٥٠]، وكَقَوْلِهِمْ: العِشاءُ الآخِرَةُ، ولَيْسَ ثَمَّةَ جاهِلِيَّتانِ أُولى وثانِيَةٌ. ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن جَعَلُوهُ وصْفًا مُقَيَّدًا وجَعَلُوا الجاهِلِيَّةَ جاهِلِيَّتَيْنِ فَمِنهم مَن قالَ: الأُولى هي ما قَبْلَ الإسْلامِ وسَتَكُونُ جاهِلِيَّةٌ أُخْرى بَعْدَ الإسْلامِ يَعْنِي حِينَ تَرْتَفِعُ أحْكامُ الإسْلامِ والعِياذُ بِاللَّهِ. ومِنهم مَن قالَ: الجاهِلِيَّةُ الأُولى هي القَدِيمَةُ مِن عَهْدِ ما قَبْلَ إبْراهِيمَ ولَمْ يَكُنْ لِلنِّساءِ وازِعٌ ولا لِلرِّجالِ، ووَضَعُوا حِكاياتٍ في ذَلِكَ مُخْتَلِفَةً أوْ مُبالَغًا فِيها أوْ في عُمُومِها، وكُلُّ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ دَعاهم إلَيْهِ حَمْلُ الوَصْفِ عَلى قَصْدِ التَّقْيِيدِ.
* * *
﴿وأقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكاةَ وأطِعْنَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ أُرِيدَ بِهَذِهِ الأوامِرِ الدَّوامُ عَلَيْها لِأنَّهُنَّ مُتَلَبِّساتٌ بِمَضْمُونِها مِن قَبْلُ، ولِيَعْلَمَ النّاسُ أنَّ المُقَرَّبِينَ والصّالِحِينَ لا تَرْتَفِعُ دَرَجاتُهم عِنْدَ اللَّهِ تَعالى عَنْ حَقِّ تَوَجُّهِ التَّكالِيفِ عَلَيْهِمْ. وفي هَذا مَقْمَعٌ لِبَعْضِ المُتَصَوِّفِينَ الزّاعِمِينَ أنَّ الأوْلِياءَ إذا بَلَغُوا المَراتِبَ العُلْيا مِنِ الوِلايَةِ سَقَطَتْ عَنْهُمُ التَّكالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ.
وخَصَّ الصَّلاةَ والزَّكاةَ بِالأمْرِ ثُمَّ جاءَ الأمْرُ عامًا بِالطّاعَةِ لِأنَّ هاتَيْنِ الطّاعَتَيْنِ البَدَنِيَّةِ والمالِيَّةِ هُما أصْلُ سائِرِ الطّاعاتِ فَمَنِ اعْتَنى بِهِما حَقَّ العِنايَةِ جَرَّتاهُ إلى ما وراءَهُما، قالَ تَعالى ﴿إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] وقَدْ بَيَّنّاهُ في سُورَةِ العَنْكَبُوتِ.
* * *
(p-١٤)﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكم تَطْهِيرًا﴾ مُتَّصِلٌ بِما قَبْلَهُ إذْ هو تَعْلِيلٌ لِما تَضَمَّنَتْهُ الآياتُ السّابِقَةُ مَن أُمِرٍ ونَهْيٍ، ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ تَعالى (﴿يا نِساءَ النَّبِيءِ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٠]) الآيَةَ. فَإنَّ مَوْقِعَ (إنَّما) يُفِيدُ رَبْطَ ما بَعْدَها بِما قَبْلَها لِأنَّ حَرْفَ ”إنَّ“ جُزْءٌ مِن (إنَّما) وحَرْفُ إنَّ مِن شَأْنِهِ أنْ يُغَنِيَ غِناءَ فاءِ التَّسَبُّبِ كَما بَيَّنَهُ الشَّيْخُ عَبَدُ القاهِرِ، فالمَعْنى أمَرَكُنَّ اللَّهُ بِما أمَرَ ونَهاكُنَّ عَمّا نَهى؛ لِأنَّهُ أرادَ لَكُنَّ تَخْلِيَةً عَنِ النَّقائِصِ والتَّحْلِيَةَ بِالكَمالاتِ. وهَذا التَّعْلِيلُ وقَعَ مُعْتَرَضًا بَيْنَ الأوامِرِ والنَّواهِي المُتَعاطِفَةِ.
والتَّعْرِيفُ في (البَيْتِ) تَعْرِيفُ العَهْدِ وهو بَيْتُ النَّبِيِّ ﷺ وبُيُوتُ النَّبِيِّ ﷺ كَثِيرَةٌ فالمُرادُ بِالبَيْتِ هُنا بَيْتُ كُلِّ واحِدَةٍ مِن أزْواجِ النَّبِيِّ ﷺ وكُلُّ بَيْتٍ مِن تِلْكَ البُيُوتِ أهَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ وزَوْجُهُ صاحِبَةُ ذَلِكَ، ولِذَلِكَ جاءَ بَعْدَهُ قَوْلُهُ (﴿واذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٤])، وضَمِيرا الخِطابِ مُوَجَّهانِ إلى نِساءِ النَّبِيِّ ﷺ عَلى سَنَنِ الضَّمائِرِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. وإنَّما جِيءَ بِالضَّمِيرَيْنِ بِصِيغَةِ جَمْعِ المُذَكِّرِ عَلى طَرِيقَةِ التَّغْلِيبِ لِاعْتِبارِ النَّبِيِّ ﷺ في هَذا الخِطابِ؛ لِأنَّهُ رَبُّ كُلِّ بَيْتٍ مِن بُيُوتِهِنَّ وهو حاضِرُ الخِطابِ إذْ هو مُبَلِّغُهُ. وفي هَذا التَّغْلِيبِ إيماءٌ إلى أنَّ هَذا التَّطْهِيرَ لَهُنَّ لِأجْلِ مَقامِ النَّبِيِّ ﷺ لِتَكَونَ قَرِيناتُهُ مُشابِهاتٍ لَهُ في الزَّكاءِ والكَمالِ، كَما قالَ تَعالى ﴿والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي أزْواجَ النَّبِيِّ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وهو نَظِيرُ قَوْلِهِ في قِصَّةِ إبْراهِيمَ ﴿رَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ عَلَيْكم أهْلَ البَيْتِ﴾ [هود: ٧٣] والمُخاطَبُ زَوْجُ إبْراهِيمَ وهو مَعَها.
والرِّجْسُ في الأصْلِ: القَذَرُ الَّذِي يُلَوِّثُ الأبْدانَ، واسْتُعِيرَ هُنا لِلذُّنُوبِ والنَّقائِصِ الدِّينِيَّةِ لِأنَّها تَجْعَلُ عِرْضَ الإنْسانِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ مَرْذُولًا مَكْرُوهًا كالجِسْمِ المُلَوَّثِ بِالقَذَرِ. وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ﴾ [المائدة: ٩٠] في سُورَةِ العُقُودِ. واسْتُعِيرَ التَّطْهِيرُ لِضِدِّ ذَلِكَ وهو تَجْنِيبُ الذُّنُوبِ والنَّقائِصِ كَما يَكُونُ الجِسْمُ أوِ الثَّوْبُ طاهِرًا.
واسْتُعِيرَ الإذْهابُ لِلْإنْجاءِ والإبْعادِ.
(p-١٥)وفِي التَّعْبِيرِ بِالفِعْلِ المُضارِعِ دَلالَةٌ عَلى تَجَدُّدِ الإرادَةِ واسْتِمْرارِها، وإذا أرادَ اللَّهُ أمْرًا قَدَّرَهُ إذْ لا رادَّ لِإرادَتِهِ.
والمَعْنى: ما يُرِيدُ اللَّهُ لَكُنَّ مِمّا أمَرَكُنَّ ونَهاكُنَّ إلّا عِصْمَتَكُنَّ مِنَ النَّقائِصِ وتَحْلِيَتَكُنَّ بِالكَمالاتِ ودَوامَ ذَلِكَ، أيْ لا يُرِيدُ مِن ذَلِكَ مَقْتًا لَكُنَّ ولا نِكايَةً. فالقَصْرُ قَصْرُ قَلْبٍ كَما قالَ تَعالى ﴿ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكم مِن حَرَجٍ ولَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] . وهَذا وجْهُ مَجِيءِ صِيغَةِ القَصْرِ بِإنَّما. والآيَةُ تَقْتَضِي أنَّ اللَّهَ عَصَمَ أزْواجَ نَبِيئِهِ ﷺ مِنَ ارْتِكابِ الكَبائِرِ وزَكّى نُفُوسَهُنَّ.
وأهْلُ البَيْتِ: أزْواجُ النَّبِيِّ ﷺ والخِطابُ مُوَجَّهٌ إلَيْهِنَّ وكَذَلِكَ ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ لا يُخالِطُ أحَدًا شَكٌّ في ذَلِكَ ولَمْ يَفْهَمْ مِنها أصْحابُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - والتابِعُونَ إلّا أنَّ أزْواجَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - هُنَّ المُرادُ بِذَلِكَ وأنَّ النُّزُولَ في شَأْنِهِنَّ.
وأمّا ما رَواهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أبِي سَلَمَةَ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ عَلى النَّبِيءِ ﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكم تَطْهِيرًا﴾ في بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ دَعا فاطِمَةَ وحَسَنًا، وحُسَيْنًا فَجَلَّلَهم بِكِساءٍ وعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهم بِكِساءٍ ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهْلُ بَيْتِي فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهِّرْهم تَطْهِيرًا» . وقالَ: هو حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِن حَدِيثِ عَطاءٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أبِي سَلَمَةَ ولَمْ يُسَمِّهِ التِّرْمِذِيُّ بِصِحَّةٍ ولا حُسْنٍ ووَسَمَهُ بِالغَرابَةِ. وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عائِشَةَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ غَداةً وعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ فَجاءَ الحَسَنُ فَأدْخَلَهُ ثُمَّ جاءَ الحُسَيْنُ فَأدْخَلَهُ ثُمَّ جاءَتْ فاطِمَةُ فَأدْخَلَها ثُمَّ جاءَ عَلِيٌّ فَأدْخَلَهُ ثُمَّ قالَ: ﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكم تَطْهِيرًا»﴾ . وهَذا أصْرَحُ مِن حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ.
فَمَحْمَلُهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ ألْحَقَ أهْلَ الكِساءِ بِحُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ وجَعَلَهم أهْلَ بَيْتِهِ كَما ألْحَقَ المَدِينَةَ بِمَكَّةَ في حُكْمِ الحَرَمِيَّةِ بِقَوْلِهِ «إنَّ إبْراهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وإنِّي أُحَرِّمُ ما بَيْنَ لابَتَيْها» . وتَأوُّلُ البَيْتِ عَلى مَعْنَيَيْهِ الحَقِيقِيِّ والمَجازِيِّ يَصْدُقُ بِبَيْتِ النَّسَبِ كَما يَقُولُونَ: فِيهِمُ البَيْتُ والعَدَدُ، ويَكُونُ هَذا مِن حَمْلِ القُرْآنِ عَلى جَمِيعِ مَحامِلِهِ غَيْرِ المُتَعارِضَةِ كَما أشَرْنا إلَيْهِ في المُقَدِّمَةِ التّاسِعَةِ. وكَأنَّ حِكْمَةَ (p-١٦)تَجْلِيلِهِمْ مَعَهُ بِالكِساءِ تَقْوِيَةُ اسْتِعارَةِ البَيْتِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ تَقْرِيبًا لِصُورَةِ البَيْتِ بِقَدْرِ الإمْكانِ في ذَلِكَ الوَقْتِ؛ لِيَكُونَ الكِساءُ بِمَنزِلَةِ البَيْتِ، ووُجُودُ النَّبِيِّ ﷺ مَعَهم في الكِساءِ كَما هو في حَدِيثِمُسْلِمٍ تَحْقِيقٌ لِكَوْنِ ذَلِكَ الكِساءُ مَنسُوبًا إلَيْهِ، وبِهَذا يَتَّضِحُ أنَّ أزْواجَ النَّبِيِّ ﷺ هُنَّ آلُ بَيْتِهِ بِصَرِيحِ الآيَةِ وأنَّ فاطِمَةَ وابْنَيْها وزَوْجَها مَجْعُولُونَ أهْلَ بَيْتِهِ بِدُعائِهِ أوْ بِتَأْوِيلِ الآيَةِ عَلى مَحامِلِها. ولِذَلِكَ هم أهْلُ بَيْتِهِ بِدَلِيلِ السُّنَةِ، وكُلُّ أُولَئِكَ قَدْ أذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهَّرَهم تَطْهِيرًا: بَعْضُهُ بِالجَعْلِ الإلَهِيِّ، وبَعْضُهُ بِالجَعْلِ النَّبَوِيِّ، ومِثْلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «سَلْمانُ مِنّا أهْلَ البَيْتِ» . وقَدِ اسْتَوْعَبَ ابْنُ كَثِيرٍ رِواياتٍ كَثِيرَةً مِن هَذا الخَبَرِ مُقْتَضِيَةً أنَّ أهْلَ البَيْتِ يَشْمَلُ فاطِمَةَ وعَلِيًّا، وحَسَنًا، وحُسَيْنًا. ولَيْسَ فِيها أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ إلّا حَدِيثًا واحِدًا نَسَبَهُ ابْنُ كَثِيرٍ إلى الطَّبَرِيِّ، ولَمْ يُوجَدْ في تَفْسِيرِهِ عَنْ أمِّ سَلَمَةَ أنَّها ذُكِرَ عِنْدَها عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ فَقالَتْ: فِيهِ نَزَلَتْ ﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكم تَطْهِيرًا﴾ وذَكَرَتْ خَبَرَ تَجْلِيلِهِ مَعَ فاطِمَةَ وابْنَيْهِ بِكِساءٍ[[وذَكَرَ مُصَحِّحُ طَبْعَةِ تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ أنَّ في مَتْنِ ذَلِكَ اخْتِلافًا في جَمِيعِ النُّسَخِ ولَمْ يُفَصِّلْهُ المُصَحِّحُ]].
وقَدْ تَلَقَّفَ الشِّيعَةُ حَدِيثَ الكِساءِ فَغَصَبُوا وصْفَ أهْلِ البَيْتِ وقَصَرُوهُ عَلى فاطِمَةَ وزَوْجِها وابْنَيْهِما - عَلَيْهِمُ الرِّضْوانَ - وزَعَمُوا أنَّ أزْواجَ النَّبِيءِ ﷺ لَسْنَ مِن أهْلِ البَيْتِ. وهَذِهِ مُصادَمَةٌ لِلْقُرْآنِ بِجَعْلِ هَذِهِ الآيَةِ حَشْوًا بَيْنَ ما خُوطِبَ بِهِ أزْواجُ النَّبِيءِ ﷺ . ولَيْسَ في لَفْظِ حَدِيثِ الكِساءِ ما يَقْتَضِي قَصَرَ هَذا الوَصْفِ عَلى أهْلِ الكِساءِ إذْ لَيْسَ في قَوْلِهِ («هَؤُلاءِ أهْلُ بَيْتِي» ) صِيغَةُ قَصْرٍ وهو كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي﴾ [الحجر: ٦٨] لَيْسَ مَعْناهُ لَيْسَ لِي ضَيْفٌ غَيْرُهم، وهو يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ هَذِهِ الآيَةُ مَبْتُورَةً عَمّا قَبِلَها وما بَعْدَها. ويَظْهَرُ أنَّ هَذا التَّوَهُّمَ مِن زَمَنِ عَصْرِ التّابِعِينَ، وأنَّ مَنشَأ قِراءَةِ هَذِهِ الآيَةِ عَلى الألْسُنِ دُونَ اتِّصالٍ بَيْنِها وبَيْنَ ما قَبْلَها وما بَعْدَها. ويَدُلُّ لِذَلِكَ ما رَواهُ المُفَسِّرُونَ عَنْ عِكْرِمَةَ أنَّهُ قالَ: مَن شاءَ بِأهْلِيَّةٍ أنَّها نَزَلَتْ في أزْواجِ النَّبِيِّ ﷺ، وأنَّهُ قالَ أيْضًا: لَيْسَ بِالَّذِي تَذْهَبُونَ إلَيْهِ إنَّما هو نِساءُ النَّبِيِّ ﷺ وأنَّهُ كانَ يَصْرُخُ بِذَلِكَ في السُّوقِ. وحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أبِي سَلَمَةَ صَرِيحٌ في أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ أنْ يَدْعُوَ النَّبِيُّ الدَّعْوَةَ لِأهْلِ الكِساءِ وأنَّها نَزَلَتْ في بَيْتِ أمِّ سَلَمَةَ.
(p-١٧)وأمّا ما وقَعَ مِن قَوْلِ عُمَرَ بْنِ أبِي سَلَمَةَ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قالَتْ: «وأنا مَعَهم يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ . فَقالَ: أنْتِ عَلى مَكانِكِ وأنْتِ عَلى خَيْرٍ» . فَقَدْ وهَمَ فِيهِ الشِّيعَةُ فَظَنُّوا أنَّهُ مَنَعَها مِن أنْ تَكُونَ مِن أهْلِ بَيْتِهِ، وهَذِهِ جَهالَةٌ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ إنَّما أرادَ ما سَألَتْهُ مِنَ الحاصِلِ؛ لِأنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيها وفي ضَرائِرِها فَلَيْسَتْ هي بِحاجَةٍ إلى إلْحاقِها بِهِمْ، فالدُّعاءُ لَها بِأنْ يُذْهِبَ اللَّهُ عَنْها الرِّجْسَ ويُطَهِّرَها دُعاءٌ بِتَحْصِيلِ أمْرٍ حَصَلَ وهو مُنافٍ بِآدابِ الدُّعاءِ كَما حَرَّرَهُ شِهابُ الدِّينِ القَرافِيُّ في الفَرْقِ بَيْنَ الدُّعاءِ المَأْذُونِ فِيهِ والدُّعاءِ المَمْنُوعِ مِنهُ، فَكانَ جَوابُ النَّبِيِّ ﷺ تَعْلِيمًا لَها. وقَدْ وقَعَ في بَعْضِ الرِّواياتِ أنَّهُ «قالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: (إنَّكِ مِن أزْواجِ النَّبِيِّ» ) . وهَذا أوْضَحُ في المُرادِ بِقَوْلِهِ (إنَّكِ عَلى خَيْرٍ) .
ولَمّا اسْتَجابَ اللَّهُ دُعاءَهُ كانَ النَّبِيُّ ﷺ يُطْلِقُ أهْلَ البَيْتِ عَلى فاطِمَةَ وعَلِيٍّ وابْنَيْهِما، فَقَدْ رَوى التِّرْمِذِيُّ «عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ يَمُرُّ بِبابِ فاطِمَةَ سِتَّةَ أشْهُرٍ إذا خَرَجَ إلى صَلاةِ الفَجْرِ يَقُولُ: الصَّلاةَ يا أهْلَ البَيْتِ ﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكم تَطْهِيرًا»﴾، قالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِن هَذا الوَجْهِ.
واللّامُ في قَوْلِهِ لِيُذْهِبَ لامُ جَرٍّ تُزادُ لِلتَّأْكِيدِ غالِبًا بَعْدَ مادَّتَيِ الإرادَةِ والأمْرِ، ويَنْتَصِبُ الفِعْلُ المُضارِعُ بَعْدَها (بِأنْ) مُضْمَرَةً إضْمارًا واجِبًا، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الأنعام: ٧١] وقَوْلُ كُثَيْرٌ:
؎أُرِيدُ لِأنْسى حُبَّها فَكَأنَّما تُمَثَّلُ لِي لَيْلى بِكُلِّ مَكانِ
وعَنِ النَّحاسِ أنَّ بَعْضَ القُرّاءِ سَمّاها (لامَ أنْ) وتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] في سُورَةِ النِّساءِ.
وقَوْلُهُ أهْلَ البَيْتِ نِداءٌ لِلْمُخاطَبِينَ مِن نِساءِ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ حَضْرَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - وقَدْ شَمِلَ كُلَّ مَن ألْحَقَ النَّبِيُّ ﷺ بِهِنَّ بِأنَّهُ مِن أهْلِ البَيْتِ وهم: فاطِمَةُ وابْناها وزَوْجُها وسَلْمانُ لا يَعْدُو هَؤُلاءِ.
{"ayah":"وَقَرۡنَ فِی بُیُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِینَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِ وَیُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق