الباحث القرآني

وهي مَكِّيَّةٌ عِنْدَ الجُمْهُورِ، وقِيلَ مَدَنِيَّةٌ. وأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، والنَّحّاسُ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ واللَّيْلِ إذا يَغْشى بِمَكَّةَ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ في الظُّهْرِ والعَصْرِ ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشى﴾ ونَحْوِها. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ عَنْ أنَسٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلّى بِهِمُ الهاجِرَةَ فَرَفَعَ صَوْتَهُ، فَقَرَأ ﴿والشَّمْسِ وضُحاها﴾ ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشى﴾ فَقالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ أُمِرْتَ في هَذِهِ الصَّلاةِ بِشَيْءٍ ؟ قالَ: لا، ولَكِنْ أرَدْتُ أنْ أُوَقِّتَ لَكم» وقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ «فَهَلّا صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى، والشَّمْسِ وضُحاها، واللَّيْلِ إذا يَغْشى» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنِّي لَأقُولُ إنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ في السَّماحَةِ والبُخْلِ ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشى﴾ . (p-١٦٢٩)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشى﴾ أيْ يُغَطِّي بِظُلْمَتِهِ ما كانَ مُضِيئًا. قالَ الزَّجّاجُ: يَغْشى اللَّيْلُ الأُفُقَ وجَمِيعَ ما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ فَيَذْهَبُ ضَوْءُ النَّهارِ، وقِيلَ يَغْشى النَّهارَ، وقِيلَ يَغْشى الأرْضَ، والأوَّلُ أوْلى. ﴿والنَّهارِ إذا تَجَلّى﴾ أيْ ظَهَرَ وانْكَشَفَ ووَضُحَ لِزَوالِ الظُّلْمَةِ الَّتِي كانَتْ في اللَّيْلِ، وذَلِكَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ. ﴿وما خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثى﴾ " ما " هُنا هي المَوْصُولَةُ: أيْ والَّذِي خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثى، وعَبَّرَ عَنْ " مَن " بِـ " ما " لِلدَّلالَةِ عَلى الوَصْفِيَّةِ ولِقَصْدِ التَّفْخِيمِ: أيْ والقادِرُ العَظِيمُ الَّذِي خَلَقَ صِنْفَيِ الذَّكَرِ والأُنْثى. قالَ الحَسَنُ، والكَلْبِيُّ: مَعْناهُ والَّذِي خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثى فَيَكُونُ قَدْ أقْسَمَ بِنَفْسِهِ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: وما خَلَقَ: أيْ ومَن خَلَقَ. قالَ مُقاتِلٌ: يَعْنِي وخَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثى فَتَكُونُ " ما " عَلى هَذا مَصْدَرِيَّةً. قالَ الكَلْبِيُّ، ومُقاتِلٌ: يَعْنِي آدَمَ وحَوّاءَ، والظّاهِرُ العُمُومُ. قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿وما خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثى﴾ وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ " والذَّكَرِ والأُنْثى " بِدُونِ: ما خَلَقَ. ﴿إنَّ سَعْيَكم لَشَتّى﴾ هَذا جَوابُ القَسَمِ: أيْ إنَّ عَمَلَكم لَمُخْتَلِفٌ: فَمِنهُ عَمَلٌ لِلْجَنَّةِ، ومِنهُ عَمَلٌ لِلنّارِ. قالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ: السَّعْيُ العَمَلُ، فَساعٍ في فِكاكِ نَفْسِهِ، وساعٍ في عَطَبِها، وشَتّى جَمْعُ شَتِيتٍ: كَمَرْضى ومَرِيضٍ، وقِيلَ لِلْمُخْتَلِفِ شَتّى لِتَباعُدِ ما بَيْنَ بَعْضِهِ وبَعْضٍ. " ﴿فَأمّا مَن أعْطى واتَّقى﴾ " أيْ بَذَلَ مالَهُ في وُجُوهِ الخَيْرِ واتَّقى مَحارِمَ اللَّهِ الَّتِي نَهى عَنْها. " ﴿وصَدَّقَ بِالحُسْنى﴾ " أيْ بِالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: فَأمّا مَن أعْطى المُعْسِرِينَ. وقالَ قَتادَةُ: أعْطى حَقَّ اللَّهِ الَّذِي عَلَيْهِ. وقالَ الحَسَنُ: أعْطى الصِّدْقَ مِن قَلْبِهِ، وصَدَّقَ بِالحُسْنى أيْ: بِلا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وبِهِ قالَ الضَّحّاكُ، والسُّلَمِيُّ. وقالَ مُجاهِدٌ: بِالحُسْنى بِالجَنَّةِ. وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّوْمِ، والأوَّلُ أوْلى. قالَ قَتادَةُ: بِالحُسْنى: أيْ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الَّذِي وعَدَهُ أنْ يُثِيبَهُ. قالَ الحَسَنُ: بِالخَلَفِ مِن عَطائِهِ، واخْتارَ هَذا ابْنُ جَرِيرٍ. ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى﴾ أيْ فَسَنُهَيِّئُهُ لِلْخَصْلَةِ الحُسْنى، وهي عَمَلُ الخَيْرِ، والمَعْنى: فَسَنُيَسِّرُ لَهُ الإنْفاقَ في سَبِيلِ الخَيْرِ والعَمَلَ بِالطّاعَةِ لِلَّهِ. قالَ الواحِدِيُّ: قالَ المُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآياتُ في أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، اشْتَرى سِتَّةَ نَفَرٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ كانُوا في أيْدِي أهْلِ مَكَّةَ يُعَذِّبُونَهم في اللَّهِ. ﴿وأمّا مَن بَخِلَ واسْتَغْنى﴾ أيْ بَخِلَ بِمالِهِ فَلَمْ يَبْذُلْهُ في سُبُلِ الخَيْرِ، واسْتَغْنى: أيْ زَهِدَ في الأجْرِ والثَّوابِ، أوِ اسْتَغْنى بِشَهَواتِ الدُّنْيا عَنْ نَعِيمِ الآخِرَةِ. " ﴿وكَذَّبَ بِالحُسْنى﴾ " أيْ بِالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقالَ مُجاهِدٌ: بِالجَنَّةِ، ورُوِيَ عَنْهُ أيْضًا أنَّهُ قالَ: بِلا إلَهَ إلّا اللَّهُ. " ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى﴾ " أيْ فَسَنُهَيِّئُهُ لِلْخَصْلَةِ العُسْرى ونُسَهِّلُها لَهُ حَتّى تَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ أسْبابُ الخَيْرِ والصَّلاحِ ويَضْعُفُ عَنْ فِعْلِها فَيُؤَدِّيهِ ذَلِكَ إلى النّارِ. قالَ مُقاتِلٌ: يَعْسُرُ عَلَيْهِ أنْ يُعْطِيَ خَيْرًا. قِيلَ: العُسْرى: الشَّرُّ، وذَلِكَ أنَّ الشَّرَّ يُؤَدِّي إلى العَذابِ، والعُسْرَةُ في العَذابِ، والمَعْنى: سَنُهَيِّئُهُ لِلشَّرِّ بِأنْ نُجْرِيَهُ عَلى يَدَيْهِ. قالَ الفَرّاءُ: سَنُيَسِّرُهُ: سَنُهَيِّئُهُ، والعَرَبُ تَقُولُ: قَدْ يَسَّرَتِ الغَنَمُ إذا ولَدَتْ أوْ تَهَيَّأتْ لِلْوِلادَةِ. قالَ الشّاعِرُ: ؎هُما سَيِّدانا يَزْعُمانِ وإنَّما يَسُودانِنا إنْ يَسَّرَتْ غَنَماهُما ﴿وما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إذا تَرَدّى﴾ أيْ لا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا مالُهُ الَّذِي بَخِلَ بِهِ، أوْ أيُّ شَيْءٍ يُغْنِي عَنْهُ إذا تَرَدّى: أيْ هَلَكَ، يُقالُ رَدِيَ الرَّجُلُ يَرْدى رَدًى، وتَرَدّى يَتَرَدّى: إذا هَلَكَ. وقالَ قَتادَةُ وأبُو صالِحٍ وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: ﴿إذا تَرَدّى﴾: إذا سَقَطَ في جَهَنَّمَ، يُقالُ رَدِيَ في البِئْرِ وتَرَدّى: إذا سَقَطَ فِيها، ويُقالُ ما أدْرِي أيْنَ رَدِيَ: أيْ أيْنَ ذَهَبَ ؟ . " ﴿إنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى﴾ " هَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِما قَبْلَها: أيْ إنَّ عَلَيْنا البَيانَ. قالَ الزَّجّاجُ: عَلَيْنا أنْ نُبَيِّنَ طَرِيقَ الهُدى مِن طَرِيقِ الضَّلالِ. قالَ قَتادَةُ: عَلى اللَّهِ البَيانُ: بَيانُ حَرامِهِ وطاعَتِهِ ومَعْصِيَتِهِ. قالَ الفَرّاءُ: مَن سَلَكَ الهُدى فَعَلى اللَّهِ سَبِيلُهُ، لِقَوْلِهِ: ﴿وعَلى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] يَقُولُ: مَن أرادَ اللَّهَ فَهو عَلى السَّبِيلِ القاصِدِ. قالَ الفَرّاءُ أيْضًا: المَعْنى: إنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى والإضْلالَ، فَحَذَفَ الإضْلالَ كَقَوْلِهِ: ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] وقِيلَ المَعْنى: إنَّ عَلَيْنا ثَوابَ هُداهُ الَّذِي هَدَيْناهُ. " ﴿وإنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ والأُولى﴾ " أيْ لَنا كُلُّ ما في الآخِرَةِ، وكُلُّ ما في الدُّنْيا نَتَصَرَّفُ بِهِ كَيْفَ نَشاءُ، فَمَن أرادَهُما أوْ إحْداهُما فَلْيَطْلُبْ ذَلِكَ مِنّا، وقِيلَ المَعْنى: إنَّ لَنا ثَوابَ الآخِرَةِ وثَوابَ الدُّنْيا. " ﴿فَأنْذَرْتُكم نارًا تَلَظّى﴾ " أيْ حَذَّرْتُكم وخَوَّفْتُكم نارًا تَتَوَقَّدُ وتَتَوَهَّجُ، وأصْلُهُ تَتَلَظّى فَحُذِفَتْ إحْدى التّاءَيْنِ تَخْفِيفًا. وقَرَأ عَلى الأصْلِ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، ويَحْيى بْنُ يَعْمَرَ، وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ. " ﴿لا يَصْلاها إلّا الأشْقى﴾ " أيْ لا يَصْلاها صَلْيًا لازِمًا عَلى جِهَةِ الخُلُودِ إلّا الأشْقى وهو الكافِرُ، وإنْ صَلِيَها غَيْرُهُ مِنَ العُصاةِ فَلَيْسَ صِلِيُّهُ كَصِلِيِّهِ، والمُرادُ بِقَوْلِهِ يَصْلاها: يَدْخُلُها أوْ يَجِدُ صَلاها، وهو حَرُّها. ثُمَّ وصَفَ الأشْقى فَقالَ: " ﴿الَّذِي كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ " أيْ كَذَّبَ بِالحَقِّ الَّذِي جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وأعْرَضَ عَنِ الطّاعَةِ والإيمانِ. قالَ الفَرّاءُ " إلّا الأشْقى " إلّا مَن كانَ شَقِيًّا في عِلْمِ اللَّهِ جَلَّ ثَناؤُهُ. قالَ أيْضًا: لَمْ يَكُنْ كَذَّبَ بِرَدٍّ ظاهِرٍ، ولَكِنْ قَصَّرَ عَمّا أمَرَ بِهِ مِنَ الطّاعَةِ فَجُعِلَ تَكْذِيبًا كَما تَقُولُ لَقِيَ فُلانٌ العَدُوَّ فَكَذَّبَ: إذا نَكَلَ ورَجَعَ عَنِ اتِّباعِهِ. قالَ الزَّجّاجُ: هَذِهِ الآيَةُ هي الَّتِي مِن أجْلِها قالَ أهْلُ الإرْجاءِ بِالإرْجاءِ، فَزَعَمُوا أنَّهُ لا يَدْخُلُ النّارَ إلّا كافِرٌ، ولِأهْلِ النّارِ مَنازِلُ، فَمِنها أنَّ المُنافِقِينَ في الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النّارِ. واللَّهُ سُبْحانَهُ كُلُّ ما وعَدَ عَلَيْهِ بِجِنْسٍ مِنَ العَذابِ، فَجَدِيرٌ أنْ يُعَذِّبَ بِهِ، وقَدْ قالَ: (p-١٦٣٠)﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] فَلَوْ كانَ كُلُّ مَن لَمْ يُشْرِكْ لَمْ يُعَذَّبْ لَمْ يَكُنْ في قَوْلِهِ: ﴿ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ فائِدَةٌ. وقالَ في الكَشّافِ: الآيَةُ وارِدَةٌ في المُوازَنَةِ بَيْنَ حالَتَيْ عَظِيمٍ مِنَ المُشْرِكِينَ وعَظِيمٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَأُرِيدَ أنْ يُبالَغَ في صِفَتَيْهِما المُتَناقِضَتَيْنِ، فَقِيلَ الأشْقى، وجُعِلَ مُخْتَصًّا بِالصِّلِيِّ كَأنَّ النّارَ لَمْ تُخْلَقْ إلّا لَهُ، وقِيلَ الأتْقى وجُعِلَ مُخْتَصًّا بِالنَّجاةِ كَأنَّ الجَنَّةَ لَمْ تُخْلَقْ إلّا لَهُ، وقِيلَ المُرادُ بِالأشْقى أبُو جَهْلٍ أوْ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وبِالأتْقى أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. ومَعْنى سَيُجَنَّبُها الأتْقى سَيُباعَدُ عَنْها المُتَّقِي لِلْكُفْرِ اتِّقاءً بالِغًا. قالَ الواحِدِيُّ: الأتْقى أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ في قَوْلِ جَمِيعِ المُفَسِّرِينَ. انْتَهى، والأوْلى حَمْلُ الأشْقى والأتْقى عَلى كُلِّ مُتَّصِفٍ بِالصِّفَتَيْنِ المَذْكُورَتَيْنِ، ويَكُونُ المَعْنى أنَّهُ لا يَصْلاها صِلِيًّا تامًّا لازِمًا إلّا الكامِلُ في الشَّقاءِ وهو الكافِرُ، ولا يُجَنَّبُها ويُبْعَدُ عَنْها تَبْعِيدًا كامِلًا بِحَيْثُ لا يَحُومُ حَوْلَها فَضْلًا عَنْ أنْ يَدْخُلَها إلّا الكامِلُ في التَّقْوى، فَلا يُنافِي هَذا دُخُولَ بَعْضِ العُصاةِ مِنَ المُسْلِمِينَ النّارَ دُخُولًا غَيْرَ لازِمٍ، ولا تَبْعِيدَ بَعْضِ مَن لَمْ يَكُنْ كامِلَ التَّقْوى عَنِ النّارِ تَبْعِيدًا غَيْرَ بالِغٍ مَبْلَغَ تَبْعِيدِ الكامِلِ في التَّقْوى عَنْها. والحاصِلُ أنَّ مَن تَمَسَّكَ مِنَ المُرْجِئَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿لا يَصْلاها إلّا الأشْقى﴾ زاعِمًا أنَّ الأشْقى الكافِرُ؛ لِأنَّهُ الَّذِي كَذَّبَ وتَوَلّى ولَمْ يَقَعِ التَّكْذِيبُ مِن عُصاةِ المُسْلِمِينَ فَيُقالُ لَهُ: فَما تَقُولُ في قَوْلِهِ: ﴿وسَيُجَنَّبُها الأتْقى﴾ فَإنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا يُجَنَّبُ النّارَ إلّا الكامِلُ في التَّقْوى، فَمَن لَمْ يَكُنْ كامِلًا فِيها كَعُصاةِ المُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُجَنَّبُ النّارَ، فَإنْ أوَّلْتَ الأتْقى بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ التَّأْوِيلِ لَزِمَكَ مِثْلُهُ في الأشْقى، فَخُذْ إلَيْكَ هَذِهِ مَعَ تِلْكَ، وكُنْ كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎عَلى أنَّنِي راضٍ بِأنْ أحْمِلَ الهَوى ∗∗∗ وأخْرُجَ مِنهُ لا عَلَيَّ ولا لِيَهْ وقِيلَ أرادَ بِالأشْقى والأتْقى الشَّقِيَّ والتَّقِيَّ، كَما قالَ طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ: ؎تَمَنّى رِجالٌ أنْ أمُوتَ وإنْ أمُتْ ∗∗∗ فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيها بِأوْحَدَ أيْ بِواحِدٍ، ولا يَخْفاكَ أنَّهُ يُنافِي هَذا وصْفَ الأشْقى بِالتَّكْذِيبِ، فَإنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا مِنَ الكافِرِ فَلا يَتِمُّ ما أرادَهُ قائِلُ هَذا القَوْلِ مِن شُمُولِ الوَصْفَيْنِ لِعُصاةِ المُسْلِمِينَ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ صِفَةَ الأتْقى فَقالَ: ﴿الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ﴾ أيْ يُعْطِيهِ ويَصْرِفُهُ في وُجُوهِ الخَيْرِ، وقَوْلُهُ: " يَتَزَكّى " في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن فاعِلِ " يُؤْتِي " أيْ حالَ كَوْنِهِ يَطْلُبُ أنْ يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ زَكِيًّا لا يَطْلُبُ رِياءً ولا سُمْعَةً، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن " يُؤْتِي " داخِلًا مَعَهُ في حُكْمِ الصِّلَةِ. قَرَأ الجُمْهُورُ " يَتَزَكّى " مُضارِعُ تَزَكّى. وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ " تَزَّكّى " بِإدْغامِ التّاءِ في الزّايِ. ﴿وما لِأحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزى﴾ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ ما قَبْلَها مِن كَوْنِ التَّزَكِّي عَلى جِهَةِ الخُلُوصِ غَيْرَ مَشُوبٍ بِشائِبَةٍ تُنافِي الخُلُوصَ: أيْ لَيْسَ مِمَّنْ يَتَصَدَّقُ بِمالِهِ لِيُجازِيَ بِصَدَقَتِهِ نِعْمَةً لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ عِنْدَهُ ويُكافِئَهُ عَلَيْها، وإنَّما يَبْتَغِي بِصَدَقَتِهِ وجْهَ اللَّهِ تَعالى، ومَعْنى الآيَةِ: أنَّهُ لَيْسَ لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ مِن شَأْنِها أنْ يُجازى عَلَيْها حَتّى يَقْصِدَ بِإيتاءِ ما يُؤْتِي مِن مالِهِ مُجازاتَها، وإنَّما قالَ تُجْزى مُضارِعًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ لِأجْلِ الفَواصِلِ، والأصْلُ يَجْزِيها إيّاهُ، أوْ يَجْزِيهِ إيّاها. ﴿إلّا ابْتِغاءَ وجْهِ رَبِّهِ الأعْلى﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ إلّا ابْتِغاءَ بِالنَّصْبِ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ عَلى المَعْنى: أيْ لا يُؤْتِي إلّا لِابْتِغاءِ وجْهِ رَبِّهِ الأعْلى، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ عَلى التَّأْوِيلِ: أيْ ما أعْطَيْتُكَ ابْتِغاءَ جَزائِكَ بَلِ ابْتِغاءَ وجْهِ اللَّهِ، وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ بِالرَّفْعِ عَلى البَدَلِ مِن مَحَلِّ نِعْمَةٍ؛ لِأنَّ مَحَلَّها الرَّفْعُ إمّا عَلى الفاعِلِيَّةِ وإمّا عَلى الِابْتِداءِ، و" مِن " مَزِيدَةٌ، والرَّفْعُ لُغَةُ تَمِيمٍ، لِأنَّهم يُجَوِّزُونَ البَدَلَ في المُنْقَطِعِ ويُجْرُونَهُ مَجْرى المُتَّصِلِ. قالَ مَكِّيٌّ: وأجازَ الفَرّاءُ الرَّفْعَ في " ابْتِغاءُ " عَلى البَدَلِ مِن مَوْضِعِ نِعْمَةٍ، وهو بَعِيدٌ. قالَ شِهابُ الدِّينِ: كَأنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْها قِراءَةً، واسْتِبْعادُهُ هو البَعِيدُ فَإنَّها لُغَةٌ فاشِيَةٌ، وقَرَأ الجُمْهُورُ أيْضًا " ابْتِغاءَ " بِالمَدِّ، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ بِالقَصْرِ. والأعْلى نَعْتٌ لِلرَّبِّ. " ﴿ولَسَوْفَ يَرْضى﴾ " اللّامُ هي المُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ: أيْ وتاللَّهِ لَسَوْفَ يَرْضى بِما نُعْطِيهِ مِنَ الكَرامَةِ والجَزاءِ العَظِيمِ. قَرَأ الجُمْهُورُ يَرْضى مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وقُرِئَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشى﴾ قالَ: إذا أظْلَمَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: إنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ اشْتَرى بِلالًا مِن أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ بِبُرْدَةٍ وعَشْرِ أواقٍ فَأعْتَقَهُ لِلَّهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ " ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشى﴾ " إلى قَوْلِهِ: " ﴿إنَّ سَعْيَكم لَشَتّى﴾ " سَعْيَ أبِي بَكْرٍ، وأُمَيَّةَ، وأُبَيٍّ إلى قَوْلِهِ: " ﴿وكَذَّبَ بِالحُسْنى﴾ " قالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ. إلى قَوْلِهِ: " ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى﴾ " قالَ: النّارُ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: " ﴿فَأمّا مَن أعْطى﴾ " مِنَ الفَضْلِ " واتَّقى " قالَ: اتَّقى رَبَّهُ " ﴿وصَدَّقَ بِالحُسْنى﴾ " قالَ: صَدَّقَ بِالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى﴾ قالَ: لِلْخَيْرِ مِنَ اللَّهِ ﴿وأمّا مَن بَخِلَ واسْتَغْنى﴾ قالَ: بَخِلَ بِمالِهِ واسْتَغْنى عَنْ رَبِّهِ " ﴿وكَذَّبَ بِالحُسْنى﴾ " قالَ: بِالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى﴾ قالَ لِلشَّرِّ مِنَ اللَّهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ وصَدَّقَ بِالحُسْنى قالَ: أيْقَنَ بِالخَلَفِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا " ﴿وصَدَّقَ بِالحُسْنى﴾ " يَقُولُ: صَدَّقَ بِلا إلَهَ إلّا اللَّهُ " ﴿وأمّا مَن بَخِلَ واسْتَغْنى﴾ " يَقُولُ: مَن أغْناهُ اللَّهُ فَبَخِلَ بِالزَّكاةِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ عامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: كانَ أبُو بَكْرٍ يَعْتِقُ عَلى الإسْلامِ بِمَكَّةَ، وكانَ يَعْتِقُ عَجائِزَ ونِساءً إذا أسْلَمْنَ، فَقالَ لَهُ أبُوهُ: أيْ بُنَيَّ أراكَ تَعْتِقُ أُناسًا ضُعْفًا، فَلَوْ أنَّكَ تَعْتِقُ رِجالًا جُلُدًا يَقُومُونَ مَعَكَ ويَمْنَعُوكَ ويَدْفَعُونَ عَنْكَ. قالَ أيْ أبَتِ إنَّما أُرِيدُ ما عِنْدَ اللَّهِ، قالَ: (p-١٦٣١)فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أهْلِ بَيْتِي أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ " ﴿فَأمّا مَن أعْطى واتَّقى﴾ ﴿وصَدَّقَ بِالحُسْنى﴾ ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى﴾ " . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: " ﴿فَأمّا مَن أعْطى واتَّقى﴾ ﴿وصَدَّقَ بِالحُسْنى﴾ " قالَ: أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: " ﴿وأمّا مَن بَخِلَ واسْتَغْنى﴾ ﴿وكَذَّبَ بِالحُسْنى﴾ " قالَ: أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ وأهْلُ السُّنَنِ وغَيْرُهم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: «كُنّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في جِنازَةٍ، فَقالَ: ما مِنكم مِن أحَدٍ إلّا وقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ ومَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ أفَلا نَتَّكِلُ ؟ قالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ، أمّا مَن كانَ مِن أهْلِ السَّعادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعادَةِ، وأمّا مَن كانَ مِن أهْلِ الشَّقاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقاءِ ثُمَّ قَرَأ " ﴿فَأمّا مَن أعْطى واتَّقى﴾ ﴿وصَدَّقَ بِالحُسْنى﴾ " إلى قَوْلِهِ " لِلْعُسْرى "» . وأخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أنَّ سُراقَةَ بْنَ مالِكٍ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ في أيِّ شَيْءٍ نَعْمَلُ ؟ أفِي شَيْءٍ ثَبَتَتْ فِيهِ المَقادِيرُ وجَرَتْ بِهِ الأقْلامُ، أمْ في شَيْءٍ يُسْتَقْبَلُ فِيهِ العَمَلُ ؟ قالَ: بَلى في شَيْءٍ ثَبَتَتْ فِيهِ المَقادِيرُ وجَرَتْ فِيهِ الأقْلامُ، قالَ سُراقَةُ: فَفِيمَ العَمَلُ إذَنْ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ، وقَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الآيَةَ " ﴿فَأمّا مَن أعْطى واتَّقى﴾ " إلى قَوْلِهِ " ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى﴾ " ٣٢ . وقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ في السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ. وفي البابِ أحادِيثُ مِن طَرِيقِ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: لَتَدْخُلُنَّ الجَنَّةَ إلّا مَن يَأْبى، قالُوا: ومَن يَأْبى أنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ ؟ فَقَرَأ الَّذِي " ﴿كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ " . وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي أُمامَةَ قالَ: لا يَبْقى أحَدٌ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ إلّا أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ، إلّا مَن شَرَدَ عَلى اللَّهِ كَما يَشْرُدُ البَعِيرُ السُّوءُ عَلى أهْلِهِ، فَمَن لَمْ يُصَدِّقْنِي فَإنَّ اللَّهَ يَقُولُ: " ﴿لا يَصْلاها إلّا الأشْقى﴾ ﴿الَّذِي كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ " كَذَّبَ بِما جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ وتَوَلّى عَنْهُ. وأخْرَجَ أحْمَدُ، والحاكِمُ، والضِّياءُ «عَنْ أبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ ألْيَنِ كَلِمَةٍ سَمِعَها مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ألا كُلُّكم يُدْخِلُ اللَّهُ الجَنَّةَ إلّا مَن شَرَدَ عَلى اللَّهِ شِرادَ البَعِيرِ عَلى أهْلِهِ» . وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يَدْخُلُ النّارَ إلّا شَقِّيٌّ. قِيلَ ومَنِ الشَّقِيُّ ؟ قالَ: الَّذِي لا يَعْمَلُ لِلَّهِ بِطاعَةٍ ولا يَتْرُكُ لِلَّهِ مَعْصِيَةً» . وأخْرَجَ أحْمَدُ، والبُخارِيُّ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كُلُّ أُمَّتِي تَدْخُلُ الجَنَّةَ يَوْمَ القِيامَةِ إلّا مَن أبى، قالُوا: ومَن يَأْبى يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: مَن أطاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن عَصانِي فَقَدْ أبى» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عُرْوَةَ أنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أعْتَقَ سَبْعَةً كُلُّهم يُعَذَّبُ في اللَّهِ: بِلالٌ، وعامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، والنَّهْدِيَّةُ وابْنَتُها، وزِنِّيرَةُ، وأُمُّ عِيسى، وأمَةُ بَنِي المُؤَمَّلِ، وفِيهِ نَزَلَتْ " ﴿وسَيُجَنَّبُها الأتْقى﴾ " إلى آخِرِ السُّورَةِ. وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ عامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ما قَدَّمْنا عَنْهُ، وزادَ فِيهِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآيَةُ " ﴿فَأمّا مَن أعْطى واتَّقى﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وما لِأحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزى﴾ ﴿إلّا ابْتِغاءَ وجْهِ رَبِّهِ الأعْلى ولَسَوْفَ يَرْضى﴾ " . وأخْرَجَ البَزّارُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وابْنُ عَساكِرَ عَنْهُ نَحْوَ هَذا مِن وجْهٍ آخَرَ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وسَيُجَنَّبُها الأتْقى﴾ قالَ: هو أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب