الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ الآية. يقال: ذبذبه فتذبذب، أي: حركه فتحرك، وهو كتحريك شيء معلق بين السماء والأرض، ولهذا تسمى معاليق الهودج ذباذب [[انظر: "العين" 8/ 178، و"تهذيب اللغة" 2/ 1265، و"اللسان" 3/ 1485 (ذبب).]]، ويسمى الفرج ذبذبًا (لتحرك لا يتذبذب) [[هكذا في المخطوط، ولعله تصحيف، وقد جاء في "العين" 18/ 178 (ذب): "الذباذب ذكر الرجل، لأنه يتذبذب أي يتردد"، وانظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1266، و"اللسان" 3/ 1485 (ذبب).]]، يقال: ذبذبه، أي: جعله يضطرب، فتذبذب أي: اضطراب [[انظر: الطبري 5/ 335، و"زاد المسير" 2/ 232.]]، قال النابغة: ألم ترَ أن الله أعطاكَ سورةً ... ترى كُلَّ مَلْكٍ دونَها يتذَبْذَبُ [["ديوانه" ص 65، والطبري 5/ 335.]] وقوله تعالى: ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾. أي: بين الكفر والإيمان، أو بين الكافرين والمؤمنين [[انظر: الطبري 5/ 336.]]. وذلك يشار به إلى الجماعة. وقد ذكرنا الكلام فيه عند قوله: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ بأبلغ شرح [[انظر: [البقرة: 68].]]. وذكر الكافرين والمؤمنين قد جرى في هذه القصة عند قوله: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ﴾ [النساء: 139] الآية، وإذا جرى ذكر الفريقين فقد جرى ذكر الكفر والإيمان. قال ابن عباس: "يريد لا كافر ولا مؤمن" [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 101.]]. وإنما أراد ابن عباس لا كافر ظاهر الكفر، بدليل قول السدي: ليسوا بمشركين مُصرِّحين الشرك [[هكذا، وقد تكون: "بالشرك".]]، وليسوا بمؤمنين [[أخرجه بنحوه الطبري 5/ 336.]]. وقول قتادة: ليسوا بمؤمنين مخلصين، ولا مشركين مصرحين الشرك [[أخرجه الطبري 5/ 336، وابن المنذر. انظر: "الدر المنثور" 8/ 412 وفيه: "مصرحين بالشرك".]]. قال أهل المعاني: معنى ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ مترددين بين الكفر والإيمان، لا إلى المؤمنين بإخلاص الإيمان، ولا إلى المشركين فيخلصوا الشرك على الإظهار والإبطان [[انظر: الطبري 5/ 336، و"الكشف والبيان" 4/ 135 أ.]]. والمُذبذب المتردد المتحرك، ويكون ذلك بتحريك الغير، ولا أحد فعل ذلك إلا الله تعالى فهو قد ذبذبهم، وصيّرهم مترددين يتذبذبون. وقوله تعالى: ﴿لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾ إشارة إلى الفريقين الذين تقدم ذكرهما، وهما الكافرين والمؤمنين [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 135ب. وهكذا جاء التعبير بالنصب "الكافرين والمؤمنين" والظاهر الرفع: "وهما الكافرون والمؤمنون" على أنه مبتدأ وخبر.]]. وقد ذكرنا أنَّ المراد بالكافرين في هذه القصة اليهود. فإن قيل: كيف يجوز أن يُذموا بأنهم لا إلى الكافرين، وهم لا يستحقون المدح، وإن صاروا إليهم بإظهار الكفر. والجواب: أنهم تركوا ذلك الكفر بكفر أشر منه وأوضع لصاحبه، وذلك أن المنافق أشرّ من المجاهر بالكفر، والمجاهر أحسن حالًا منه، لأن المجاهر يُرجى [[في المخطوط (يرجا) بالمحدودة.]] فلاحه بالاستدعاء إلى الحق، والمنافق ميئوس منه، فجاز أن يُذموا بترك كفر إلى كفرٍ أوضع منه. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ قال ابن عباس: "يريد من أضله الله فلن تجد له دينًا" [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 101.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب