الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾، ﴿مُذَبْذَبِينَ﴾ أي: مرددين، يرددهم الشيطان مرة هنا ومرة هنا، ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾ يعني: لا إلى المؤمنين، ولا إلى المنافقين، هم في الظاهر مسلمون، وفي الباطن كافرون، فهم إذا أتوا الكفار قالوا: إنا معكم، وإذا جاؤوا إلى المسلمين قالوا: إنا معكم. ﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ كما مر، فهم -والعياذ بالله- مذبذَبين لا يستقرون على رأي، وهذا لأنهم لم يؤمنوا أول مرة، كما قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام ١١٠]. ولهذا احذر ألَّا تقبل الحق إلا مترددًا، احذر من هذا، لا بد متى بانَ لك الحق فقل: سمعًا وطاعة، وآمِن خوفًا من أن يقلب فؤادك وبصرك إذا لم تقبل الحق في أول مرة، ومن هذا أو قريب منه ما يفعله بعض الناس الآن إذا قلت: إن الرسول أمر بكذا، أو إن الله أمر بكذا، قال: هل الأمر للوجوب؟ كأنه يقول: إذا لم يكن للوجوب فلن أفعل، وهذا غلط، إذا سمعت الله يأمر، أو الرسول يأمر، قل: سمعنا وأطعنا، سواء كان للاستحباب أو للوجوب. وإنما يُسأل عن: واجب أو مستحب إذا ضيع الإنسان هذا الأمر وتركه، حينئذ لا حرج عليه أن يقول: هل هو واجب فأقضيه، أو غير واجب فلا آثم بعدم القضاء، أما قبل أن تفعل فإن تمام العبودية أن تقول: سمعنا وأطعنا، ثم إن كان واجبًا فقد حصلت على ثواب الواجب وإبراء الذمة، وإن لم يكن واجبًا حصلت على خير وثواب، فلن تندم، لكن الندم أن تتردد، تقول: هل هو واجب أو لا؟ ولا أعلم أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام حين يأمرهم: أواجب ذلك أم سنة؟ إلا في قضية واحدة، في قصة بَرِيرة؛ «فإن الرسول لما أمرها أن تبقى مع زوجها؛ مع مغيث، قالت: إن كنت تأمرني فسمعًا وطاعة » -ولم تقل: إن كنت تأمرني على سبيل الوجوب-« إن كنت تأمرني فسمعًا وطاعة، وإن كنت تشير عليَّ فلا حاجة لي فيه، » وكانت بريرة عَتقت، وإذا عتقت الزوجة تُخيَّر بين البقاء مع زوجها وفسخ النكاح، «فلما عتقت خيَّرها الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: إِنْ شِئْتِ بَقِيتِ مَعَ الزَّوْجِ، وَإِنْ شِئْتِ افْسَخِي النِّكَاحَ »[[هو معنى حديث أخرجه البخاري (٥٢٨٣) من حديث ابن عباس.]]، فاختارت الفسخ. وإنما خيَّرها الشارع لأنها الآن ملكت نفسها ملكًا تامًّا، وكانت حين العقد مملوكة لا تصرُّف لها في نفسها، أما الآن فقد تحرَّرت، ولهذا جعل لها الخيار، فاختارت الفسخ، اختارت نفسها، «فكان زوجها يلاحقها في أسواق المدينة يبكي، يريد أن ترجع، فكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعجب ويقول: «أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ لِبَرِيرَةَ، وَبُغْضِ بَرِيرَةَ لِمُغِيثٍ»[[أخرجه البخاري (٥٢٧٣) من حديث ابن عباس.]]؟ وهذا حق أن نعجب؛ لأن العادة أن القلوب شواهد كما يقولون، تتبادل البغضاء والمحبة، لكن هذه -سبحان الله- أَبَت، كامرأة ثابت بن قيس المشهود له بالجنة، جاءت الرسول عليه الصلاة والسلام تطلب المخالعة،« وقالت: إني لا أعيب عليه في خُلُق ولا دين، لكن أكره الكفر بالإسلام، حتى أمره الرسول ﷺ أن يُخالعَها وتردّ عليه حديقَتَهُ»[[أخرجه البخاري (٥٢٧٣) من حديث ابن عباس.]]، وهذا من العجب. المهم أننا نقول: إننا لا نعلم أن الصحابة راجعوا الرسول عليه الصلاة والسلام في أمره وقالوا: هل هو على سبيل الإلزام يا رسول الله، أو على سبيل التطوع؟ أبدًا، فلتكن كالصحابة، قل: سمعنا وأطعنا، واحمد الله أن الله عز وجل شرع لك هذا الأمر؛ لأنه لولا أن الله شرعه لك لكان قيامك به بدعة لا يزيدك إلا ضلالًا وبُعدًا من الله. يقول: ﴿لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾، ﴿مُذَبْذَبِينَ﴾، ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء ١٤٣] الجملة هذه شرطية، وفيها إشكال؛ وهي أن (من) الشرطية حسب ما نعرف تجزم الفعل، وإشكال آخر أن الفعل لا يلحقه الكسر، يعني لا يكون مجرورًا، وهنا مكسور، فهذان إشكالان؟ * طالب: كُسِر لالتقاء الساكنين. * الشيخ: يعني هو مجزوم لكن كُسِر كَسْرًا عارضًا؛ لالتقاء الساكنين، والإشكال الثاني؟ * الطالب: هو نفسه. * الشيخ: لا، ما هو نفسه، هل الجر يدخل الفعل؟ * الطالب: ما يدخل، هنا ما دخل. * الشيخ: أجل، لم هذه الكسرة؟ * الطالب: هذه للتخلص من التقاء الساكنين. * الشيخ: يعني ليست كسرة إعراب، نعم، وإنما للتخلص من التقاء الساكنين، أما الجواب فهو قوله: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾. يعني أي إنسان يكتب الله سبحانه وتعالى ضلاله فلن تجد له سبيلًا إلى الهداية، سبيلًا يعني طريقًا، ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾، وهؤلاء المنافقون قد أضلَّهم الله فلن تجد لهدايتهم سبيلًا -والعياذ بالله- ولكن ربما يَمُنُّ الله على بعضهم فيهتدي، كما قال تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ [التوبة ٦٥، ٦٦]. * من فوائد هذه الآية: أن حال المنافقين التردد بين الكفر والإيمان، لكن الحكم عليهم في الآخرة أنهم كفار، أما في الدنيا فعلى ظواهرهم؛ لأن الأحكام في الدنيا على الظواهر. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنك إذا رأيت نفسك مترددًا بين القبول والإنكار فاعلم أن فيك شبهًا ممن؟ من المنافقين؛ لأن المؤمن لا يمكن أن يكون مترددًا، ولا أن يكون له الخيرة فيما قضى الله ورسوله، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب ٣٦]، بل لا يترددون، يقبلون وينقادون. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الطمأنينة والاستقرار أمر مطلوب؛ ولهذا نجد أشد الناس استقرارًا وطمأنينة هم المؤمنون، قال: ﴿قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من أضلَّه الله فلن يستطيع أحد أن يهديه؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ﴾. فإن قال قائل: لماذا يضل الله فلانًا ويهدي فلانًا؟ قلنا له: هل منع هذا الذي منع هدايته، هل منعه ظلمًا أو عدلًا؟ الجواب: عدلًا لا شك، وتفضل على الآخر فهداه، فهو لم يمنع أحدًا حقه، وإنما تفضل على هذا فهداه. ثم اعلم أنه لن يكون الإضلال إلا لسبب من العبد؛ لقول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥]، وكما قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام ١١٠]، فلو أنهم آمنوا أول مرة، واستقاموا على الطريق، لم يضلهم الله أبدًا. وبهذا نعرف أن حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٠٨)، ومسلم (٢٦٤٣ / ١) من حديث ابن مسعود.]]، أنه ليس المراد أنه لا يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع بحسب عمله، ولكن لا يكون بينه وبين الجنة ذراع بحسب أجله؛ لأنه لو كان عمله أوصله إلى أن لا يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع ما خذله الله أبدًا، لكنه في قلبه حَسَكَة، كما جاء في الحديث الآخر: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨٩٨)، ومسلم (١١٢ / ١٧٩) من حديث سهل بن سعد، وفي أوله قصة.]]، وهذا التأويل متعيَّن؛ أن نقول: حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع باعتبار الأجل؛ يعني: حتى إذا قرب أجله وقارب الموت أظهر وأعلن أنه من أهل النار، والعياذ بالله. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى اللجوء إلى الله عز وجل في طلب الهداية؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾، وعليه فإذا دعونا أحدًا إلى الحق ولكنه أبى وتردد فإننا نلجأ إلى الله أن يهديه؛ لأن الله على كل شيء قدير، وكم من أناس كانوا أشقى القوم فصاروا أسعد القوم، وأفسد القوم فكانوا أصلح القوم، وما عمر بن الخطاب الرجل الثاني من أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمره ببعيد، خالد بن الوليد، عكرمة بن أبي جهل، ويش حالهم في أُحُد؟ أجيبوا؟ * الطلبة: كفار. * الشيخ: كفار معادون للإسلام، يريدون القضاء على أهل الإسلام، يريدون قتل الرسول عليه الصلاة والسلام، وقتل الصحابة، ومع ذلك كانوا بعد هذا، أيش كانوا؟ كانوا قادة، وكانوا شجعانًا في نصرة الإسلام وهزيمة الكفار، فالله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء، فإذا علم الله في قلب الإنسان خيرًا -ونسأل الله أن يجعل قلوبنا وقلوبكم هكذا- هداه للإسلام، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [الأنفال ٧٠]، فإذا علم الله من قلب العبد الخير وفَّقه له وهداه، حتى وإن ضلَّ فالعاقبة أيش؟ الهداية، العاقبة أن الله يهديه. ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾، ﴿سَبِيلًا﴾ هذه نكرة في سياق؟ النفي، ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [النساء ٥٢]، فتعم كل سبيل، لا يمكن أن يكون سبيل لمن أراد الله ضلاله -نسأل الله أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا-. * طالب: شيخ، أشكل عليّ هذا، وهو ذكر الله تبارك وتعالى هو كان (...) فلا يذكرون إلا قليلا ومع أن المنافقين ليست (...) فكيف يذكرون؟ * الشيخ: نعم، ربما ينقدح في قلوبهم بعض الشيء، أما ذكر اللسان والجوارح ما فيه إشكال، ذكرهم الله باللسان والجوارح ما فيه إشكال، لكن ذكر الله بالقلوب وهو الذي قلنا: إنه يكون بالقلب، قد ينقدح في ذهنه هذا، ولهذا قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [المنافقون ٣]. * طالب: هل المنافق يزوَّج من المؤمنات (...)؟ * الشيخ: من عُلِم نفاقه فلا. * الطالب: كيف وقد حكمنا عليه بالإسلام؟ * الشيخ: ظاهرًا، لكن إذا علمنا نفاقه، نعرف هذا الرجل يذهب منا من عند مجالس الذكر يروح إلى الكفرة والفسقة ويكون معهم، ولهذا من عُلِم نفاقه وجب قتله، وهل تُقبل توبته أو لا؟ على خلاف بين العلماء، والصحيح أنها تُقبل. لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم بعض المنافقين علمًا يقينًا، لكنه لم يقتله، خوفًا من التنفير عن الإسلام؛ ولهذا قال: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٩٠٥)، ومسلم (٢٥٨٤ / ٦٣) من حديث جابر بن عبد الله.]]، وهذه نقطة يجب التفطن لها؛ أننا إذا علمنا نفاق شخص وجب أن نُجري عليه أحكام الردة، ولا نقل كما قال الرسول ﷺ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فإن له أن يمتنع من قتلهم لهذه الفائدة العظيمة. * طالب: شيخ، بارك الله فيكم، من المعلوم أن باب الأفعال أوسع من باب الأوصاف، فما هو الضابط في الأوصاف التي تطلَق على الله عز وجل من الأفعال؟ * الشيخ: كل فعل يطلق عليه من صفته. * طالب: إذن ما صفته في بعضهم؟ باب الأفعال أوسع. * الشيخ: معلوم باب الأفعال، كل فعل يُشتق منه صفة، فإذا قال: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة ١٥]، فيها إثبات صفة الاستهزاء. * الطالب: هل نقول: الله المستهزئ، أي: من يستهزئ؟ * الشيخ: نعم، يصح. * الطالب: يا شيخ، اللعن، هل نقول: إن الله اللاعن؟ * الشيخ: لاعِن، نعم، والله يلعن، ونقول: إنه لاعن من يستحق اللعنة، ونقول: إن لعنة الله على من يستحق اللعنة. * الطالب: إذن باب الأفعال مثل باب الأوصاف. * الشيخ: هو نفسه ها الفعل مشتق من الصفة، ضارب مشتق منين؟ * الطالب: من الضرب. * الشيخ: هذه هي. * طالب: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ المشار إليه (...)؟ * الشيخ: ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾ فسرها بقوله، أي: بين ذلك الحال، وهي أنهم تارة مع الكفار، وتارة مع المؤمنين. * طالب: شيخ، بارك الله فيكم، يعني لو قال قائل: إنه ينبغي لنا معرفة الخطاب من الله عز وجل ومن رسوله هل يقتضي الوجوب أو يقتضي ما دون ذلك، كالاستحباب والجواز؛ لأننا حتى نشدد على أنفسنا في الواجبات، وقد نتسامح فيما دونها، وأما الصحابة فَلِفُهُومِهِمْ ولمعرفتهم باللغة العربية كانوا يعلمون أن هذا يقتضي الوجوب. * الشيخ: الأوامر بين أيدينا، المهم أنك أول مرة لا تسأل، وكما قلت لكم: إذا وقع الشيء، إذا وقعت المخالفة فلا بأس بالبحث، أو إذا صار فيه مثل نوع مشقة فلا بأس بالبحث؛ لأجل أن يسقط عن الإنسان، أما من أول ما نقول: افعل كذا، الرسول أمر بكذا، هل هو للوجوب ولّا الاستحباب! هذا لا شك فيه تردد. * طالب: يا شيخ، بالنسبة لطلبة العلم، تنصحهم بأن يسألوا عن الأسهل؛ لأنهم ربما يذهبون للعوام فيُسأَلون، فإذا لم يسألوا يعني العلماء في هذا.. * الشيخ: أنا أخبرك عن نفسي، أقول: هذا منهي عنه، وإذا قال: هو للتحريم؟ أقول: هذا منهي عنه، بس، كذلك دائمًا يلحُّون على الإنسان: هو حرام؟ أقول: نهى عنه الرسول، أو نهى الله عنه، وأنا ما أنا مكلَّف، إذا كنت سامعًا مطيعًا حقًّا اجتنِب. * طالب: يا شيخ، قوله تعالى: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾، الفاعل يا شيخ هو تقديره: أنت، عائد على النبي ﷺ أو على أمته؟ * الشيخ: نحن ذكرنا قاعدة في هذا، قلنا: الخطاب الموجَّه من الله إما أن يقوم الدليل على أنه عامٌّ للرسول ولغيره، أو أنه خاص بالرسول، أو ليس هناك دليل، لا في هذا ولا في هذا، فقد اختلف العلماء هل يشمل الأمة أو لا، والصحيح أنه يشمل الأمة؛ إما عن طريق اللفظ، أو عن طريق الحكم. * طالب: يا شيخ، ابن قيم الجوزية ذكر في كتابه شفاء العليل يقول في باب الهداية والضلال، يقول: إنما يهدي من كان محله قابلًا للهداية، ويُضلّ من كان محله غير قابل للهداية. * الشيخ: نعم، صحيح. * الطالب: ماذا يقصد بالمحل هنا؟ * الشيخ: يعني القلب، يعني من كان محلًّا قابلًا للهداية، ويضل من كان محلًّا قابلًا للضلال، وهذا كقوله: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤]. * الطالب: استدل يا شيخ بحديث «أن الله سبحانه وتعالى لما خلق آدم قبض قبضة من الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فمنهم الخبيث ومنهم الحزَن»[[أخرجه أبو داود (٤٦٩٣)، والترمذي (٢٩٥٥) من حديث أبي موسى الأشعري.]]. * الشيخ: صحيح. الطالب: يعني إيه يخلق الإنسان يا شيخ خبيث ويخلق طيب؟ * الشيخ: إي نعم، قد تكون طبيعته من أصل أنه يكره الإسلام، يكره الأوامر، وما أشبهها. * * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (١٤٤) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء ١٤٤ - ١٤٧].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب