الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ الآية [[(الآية): ساقطة من (ج).]]. معنى ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾: (بَلْ حَسِبْتُم)، على جهة الإنكار [[(أم) هذه، هي المنقطعة، التي تقدر بـ (بل) -التي للإضراب-، وهمزة الاستفهام التي تفيد الإنكار. والتقدير: (بل أحسبتم؟). وانظر أقوالًا أخرى فيها، في: "المغني" لابن هشام 821، و"البحر المحيط" 3/ 65 - 66، و"الدر المصون" 2/ 380، 3/ 408 - 409، و"دراسات لأسلوب القرآن الكريم" القسم الأول 1/ 313 - 315.]]، أي: لا تحسبوا ذلك. ومضى الكلام في هذا، في مواضع [[انظر: "البسيط" عند تفسير الآيات: 108، 133، 214 من سورة البقرة.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾. قال أبو إسحاق [[في "معاني القرآن" 1/ 472. نقله عنه بتصرف.]]: (لَمَّا) جوابٌ لقولِ القائل: (قَدْ فَعَلَ فُلان). فجوابه: (لَمَّا [[(لما): ساقطة من (ج).]] يَفْعَل)؛ لأن (لَمَّا) مُؤَكَّدٌ بِحَرْفٍ؛ كما أُكِّدَ الابتداءُ بـ (قد). وإذا قال: (فَعَلَ فلان)، فجوابه: (لَمْ يَفْعَل). وإذا قال: (لَقَد فَعَل)، فجوابه: (ما فَعَل) [[في "المعاني": ما يفعل.]] كأنه قال: (واللهِ لَقَد فَعَل) [[في "المعاني" (والله هو يفعل). وقد أورد هذا سيبويه في "الكتاب" 3/ 117 وفيه: (والله لقد فعل) كما هي عند المؤلف.]]، وقال المُجِيبُ: (واللهِ ما فَعَل) وإذا قال هو يفعل فجوابه و (لا يَفْعَل) [[انظر: "كتاب سيبويه" 3/ 117 فقد وردت نفس العبارات التي أوردها الزجاج، ويبدو أنه نقلها عن سيبويه. قال الزمخشري: (و (لَمَّا) بمعنى (لم)، إلا أن فيها ضربًا من التوقع، فدل على نفي الجهاد فيما مضى، وعلى توقعه فيما يُستقبل. وتقول: (وعدني أن يفعل كذا، ولَمَّا)، تريد: ولم يفعل، وأنا أتوقع فعله). "الكشاف" 1/ 467. قال أبو حيان -معلقًا على قول الزمخشري السابق-: (وهذا الذي قاله في (لَمَّا) == أنها تدل على توقع الفعل المنهي بها، فيما يُستَقبَل؛ لا أعلم أحدًا من النحويِن ذكره، بل ذكروا: أنك إذا قلت: (لمَّا يخرج زيد)، دَلَّ ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى، متصلًا نفيُهُ إلى وقت الإخبار، أمَّا أنها تدل على توقعه في المستقبل، فلا، لكني وجدت في كلام الفراء شيئًا يقارب ما قاله الزمخشري، قال: (لَمَّا) لتعريض الوجود، بخلاف (لم)) "البحر المحيط" 3/ 66. وانظر: "دراسات لأسلوب القرآن الكريم" القسم الأول 2/ 620 - 622.]] وإذا قال سيفعل فجوابه (لن يفعل) و (لا يفعل). والنَفْيُ في الآية، واقِعٌ على العِلْمِ. والمعنى: على نَفْي الجِهَادِ دونَ العِلْم؛ وذلك لِمَا فِيهِ مِنَ الإيجاز في انتفاءِ جهادٍ؛ لَوْ كانَ؛ لَعَلِمَهُ. والتقدير: (ولَمَّا لم [[لم: ساقطة من (ج).]] يكن المعلوم من الجهاد الذي أَوْجَبَ عليكم). فجرى النفيُ على العِلْمِ؛ للإيجاز؛ على سبيل التوسع في الكلام؛ إذ المعنى مفهومٌ مِن غير إخلال. وقال الزجاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 472. نقله عنه بنصه.]]: المعنى: وَلَمَّا يقع العِلْمُ بالجهاد، والعِلْمُ بِصَبْرِ الصابرين؛ أي [[أي: ليست في "معاني القرآن".]]: وَلمَا يَعْلَمِ اللهُ ذلك واقِعًا منكم [[في "معاني القرآن": منهم.]]؛ لأنه يَعْلَمُه غَيْبًا [[في (أ): (غنيا). والمثبت من: (ب)، (ج)، و"معاني القرآن".]]، وإنما يجازيهم على عَمَلِهِم. وقوله تعالى: ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ انتصب على الصَّرْفِ [[(الصرف) اصطلاح للكوفيين، يعني: أن الفعل كان من حقه أن يُعرَبَ بإعراب ما == قبله، ولكن صَرَفَتْهُ الواو إلى وجهٍ آخر من الإعراب. انظر: "المحلى" لابن شقير 42، و"مغني اللبيب" 472، و"الدر المصون" 3/ 411، و"النحو وكتب التفسير" 1/ 187. وسيفسر الفراءُ هذا المصطلح، كما سيأتي.]] عن العطف [[والرأي الثاني، -وهو للبصريين-: أن النصب في هذه الآية وأمثالها، بإضمار (أن) وجوبًا بعد الواو، إذا قصد بها المصاحبة. والرأي الثالث، -وهو لأبي عمرو الجَرْمي، من البصريين-: أنها نصبت بالواو نفسها؛ لأنها خرجت عن باب العطف. وقد عرض هذه الآراء وناقشها أبو البركات الأنباري في "الإنصاف" ص 442. وانظر: "شرح ابن عقيل" 4/ 14.]]. إذ ليس المعنى على نفي الثاني والأول، وإنما هو على نفي اجتماع الثاني والأول؛ على نحو: (لا يَسَعُنِي [[(أ)، (ب): (يستعني). والمثبت من (ج). وهو الصواب.]] شيءٌ، وَيعْجَزَ [[في (ب)، (ج): (ولا يعجز). وهو خطأ؛ لأنه خلاف ما يريد المؤلف في هذه المسألة النحوية، وسيأتي بيان ذلك في قول الفراء.]] عنك). ومثله: لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأتِيَ مِثْلَهُ [[صدر بيت، وعجزه: عار عليك إذا فعلت عظيمُ وقد اختلف في قائله، فنُسِب للشعراء التالين: أبي الأسود الدُؤَلي، والمتوكل الليثي، وسابق البربري، وحسان بن ثابت، والطرماح. وقد ورد في الكتب التالية: "ديوان أبي الأسود الدؤلي" 231، و"كتاب سيبويه" 3/ 42، و"معاني القرآن" للفراء 1/ 34، و"المقتضب" 2/ 26، و"تفسير الطبري" 1/ 255، 2/ 185، و"الأصول في النحو" 2/ 154، و"المحلى" لابن شقير 42، و"اللمع" لابن جني 189، و"الإيضاح العضدي" 1/ 323، و"جامع بيان العلم" لابن عبد البر 1/ 240، و"فصل المقال" للبكري 93/ و"شرح المفصل" 7/ 24، و"البسيط في == شرح جمل الزجاجي" 1/ 232، و"المغني" لابن هشام 472، و"شرح شذور الذهب" 296، 360، و"شرح ابن عقيل" 4/ 15، و"خزانة الأدب" 8/ 564 وقد ذكر البيت، والاختلاف في قائله. والشاهد في البيت: نصب الفعل المضارع (وتأتي) بعد الواو في جواب النهي. وهي الواو التي يسميها الكوفيون: واو الصرف. أما عند البصريين: فالنصب بـ (أن) المضمرة وجوبًا، بعد واو المعية التي تقتضي الجمع. انظر: "شرح ابن عقيل" 4/ 14 والمصادر النحوية السابقة.]] قال الفراء [[في "معاني القرآن" له 1/ 235. نقله عنه بالمعنى. وعبارة المؤلف قريبة جدًا من عبارة الطبري في "تفسيره" 7/ 247، وقد يكون المؤلف نقل قول الفراء عن الطبري. وعبارة الفراء في المعاني أوضح وأجلى.]]: ومعنى (الصرف): أن يجتمع فِعْلان ببعض حروف النَّسَقِ [[في المعاني: بالواو، أو (ثُمَّ)، أو الفاء، أو (أو).]]، وفي أوَّلِهِ ما لا يَحْسُنُ إعادَتُه في حروف النَّسَقِ [[في المعاني: (وفي أوله جحد، أو استفهام، ثم ترى ذلك الجحد، أو الاستفهام، ممتنعًا أن يُكَرَّر في العطف، فذلك الصرف ..).]]، فتنصب الذي بعد حرف العطف، لأنه مَصرُوفٌ عن معنى الأول. وذلك يكون مع جْحدٍ أو استفهامٍ أو نَهْيٍ في أول الكلام. كقولهم: (لا يَسَعُنِي مكانٌ، ويَضِيقَ عنك) بفتح (ويضيقَ)، لأن (لا) التي مع (يَسَعُنِي)، لا يَحْسُن أن يذكرها مع (يضيقَ عنك) [[انظر -لبيان معنى الصرف-: "تفسير البسيط" فقد تناول هذه المسألة عند تفسير آية 42 من سورة البقرة، و"معاني القرآن"، للفراء: 1/ 33 - 34، و"تفسير الطبري" 1/ 255، 4/ 108، و"الإنصاف" 555 - 556.]]. وقال ابن الأنباري [[لم أقف على مصدر قوله.]]: قوله تعالى: ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ معناه: الحال لِمَا قبله. وهذه الواو، يُسَمُّون [[هكذا جاءت في: (أ)، (ب). وفي (ج): (تسميها).]] النحويون: (واو الصرف)، والذي بعدها يُنْصَبُ [[في (ب): (نصب).]] على خلافِ ما قبلها. كما تقول العربُ: (لا تأكل السَّمَكَ، وتَشْرَبَ اللَّبَنَ [[في (ب): (الماين).]])؛ أي: لا تجمع بينهما، ولا تأكلِ السَّمَكَ، في حال شُرْبِكَ اللَّبَنَ. قال: وقَرَأ الحَسَنُ: ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ -بالكسر- [[انظر قراءة الحسن في: "معاني القرآن"، للفراء 1/ 235، "تفسير الطبري" 4/ 108، وهي -كذلك- قراءة: يحيى بن يعمر، وابن حيوة، وعمرو بن عبيد، انظر: "المحرر الوجيز" 3/ 41. وقرأها عبدُ الوارث عن أبي عمرو بن العلاء بالرفع: (ويعلمُ)، وهي إما على الاستئناف، وهو الأظهر، أو على أن الواو للحال. انظر: "الكشاف" 1/ 467، و"المحرر الوجيز" 3/ 344، و"الدر المصون" 3/ 411.]]، وهو جزمٌ بالعطف على الأول، وليس بحالٍ لما قبله. وهذه الآية خطابٌ للذين انهزموا يوم أحد، فقيل لهم: أَحَسِبتم أنْ تدخلوا الجَنَّةَ، كما دَخَلَ الذين قُتِلوا، وبَذَلُوا مُهَجَهُم [[في (ب): (جهدهم).]] لِرَبِّهم، وثَبَتُوا على أَلَمِ الجِرَاح والضَّرْبِ، مِن غير أنْ تَسْلُكُوا [[في (ج): (يسلكوا).]] طَرِيقهم، وتصبروا صَبْرَهُمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب