الباحث القرآني
﴿وقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنا اللَّهُ أوْ تَأْتِينا آيَةٌ﴾: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، والرَّبِيعُ، والسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ في كُفّارِ العَرَبِ حِينَ طَلَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ وغَيْرُهُ ذَلِكَ. وقالَ مُجاهِدٌ: في النَّصارى، ورَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ، لِأنَّهُمُ المَذْكُورُونَ في الآيَةِ أوَّلًا. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: اليَهُودُ الَّذِينَ كانُوا في عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ رافِعُ بْنُ خُزَيْمَةَ مِنَ اليَهُودِ: إنْ كُنْتَ رَسُولًا مِن عِنْدِ اللَّهِ، فَقُلْ لِلَّهِ يُكَلِّمُنا حَتّى نَسْمَعَ كَلامَهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ. وقالَ قَتادَةُ: مُشْرِكُو مَكَّةَ. وقِيلَ: الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ إلى جَمِيعِ هَذِهِ الطَّوائِفِ، لِأنَّهم كُلَّهم قالُوا هَذِهِ المَقالَةَ، واخْتِلافُهم في المَوْصُولِ مَبْنِيٌّ عَلى اخْتِلافِهِمْ في السَّبَبِ. فَإنْ كانَ المَوْصُولُ الجَهَلَةَ مِنَ العَرَبِ، فَنَفى عَنْهُمُ العِلْمَ، لِأنَّهم لَمْ يَكُنْ لَهم كِتابٌ، ولا هم أتْباعُ نُبُوَّةٍ، وإنْ كانَ المَوْصُولُ اليَهُودَ والنَّصارى، فَنَفى عَنْهُمُ العِلْمَ، لِانْتِفاءِ ثَمَرَتِهِ، وهو الِاتِّباعُ لَهُ والعَمَلُ بِمُقْتَضاهُ. وحَذَفَ مَفْعُولَ العِلْمِ هُنا اقْتِصارًا؛ لِأنَّ المَقْصُودَ إنَّما هو نَفْيُ نِسْبَةِ العِلْمِ إلَيْهِمْ، لا نَفْيُ عِلْمِهِمْ بِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: وقالَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِمَّنْ لَهُ سَجِيَّةٌ في العِلْمِ لِفَرْطِ غَباوَتِهِ، فَهي مَقالَةٌ صَدَرَتْ مِمَّنْ لا يَتَّصِفُ بِتَمْيِيزٍ ولا إدْراكٍ. ومَعْمُولُ القَوْلِ الجُمْلَةُ التَّخْصِيصِيَّةُ وهي: ﴿وقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنا اللَّهُ أوْ تَأْتِينا آيَةٌ﴾ كَما يُكَلِّمُ المَلائِكَةَ، وكَما كَلَّمَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - قالُوا ذَلِكَ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِكْبارِ والعُتُوِّ، ﴿أوْ تَأْتِينا آيَةٌ﴾، أيْ هَلّا يَكُونُ أحَدُ هَذَيْنِ، إمّا التَّكَلُّمُ، وإمّا إتْيانُ آيَةٍ ؟ قالُوا ذَلِكَ جُحُودًا لِأنْ يَكُونَ ما أتاهم آيَةً واسْتِهانَةً بِها. ولَمّا حَكى عَنْهم نِسْبَةَ الوَلَدِ إلى اللَّهِ تَعالى، أعْقَبَ ذَلِكَ بِمَقالَةٍ أُخْرى لَهم تَدُلُّ عَلى تَعَنُّتِهِمْ وجَهْلِهِمْ بِما يَجِبُ لِلَّهِ تَعالى مِنَ التَّعْظِيمِ وعَدَمِ الِاقْتِراحِ عَلى أنْبِيائِهِ.
﴿كَذَلِكَ قالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾: تَقَدَّمَ الكَلامُ في إعْرابِ كَذَلِكَ، وفي تَبْيِينِ وُقُوعِ ”مِن قَبْلِهِمْ“ صِلَةً لِلَّذِينَ في قَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ٢١] والَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ. إنْ فُسِّرَ المَوْصُولُ في الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ بِكُفّارِ العَرَبِ، أوْ مُشْرِكِي مَكَّةَ، فالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ هُمُ الأُمَمُ المُكَذِّبَةُ مِن أسْلافِهِمْ وغَيْرِهِمْ. وإنْ فُسِّرَ بِاليَهُودِ أوِ النَّصارى، فالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أسْلافُهم، (p-٣٦٧)وانْتِصابُ ”مِثْلَ قَوْلِهِمْ“ عَلى البَدَلِ مِن مَوْضِعِ الكافِ. ولا تَدُلُّ المِثْلِيَّةُ عَلى التَّماثُلِ في نَفْسِ المَقُولِ، بَلْ يُحْتَمَلُ أنَّ مَن قَبْلَهُمُ اقْتَرَحُوا غَيْرَ ذَلِكَ، وأنَّ المِثْلِيَّةَ وقَعَتْ في اقْتِراحِ ما لا يَلِيقُ سُؤالُهُ، وإنْ لَمْ تَكُنْ نَفْسَ تِلْكَ المَقالَةِ، إذِ المِثْلِيَّةُ تَصْدُقُ بِهَذا المَعْنى.
﴿تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾: الضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى ﴿الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿والَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ [آل عمران: ١١] . لَمّا ذَكَرَ تَماثُلَ المَقالاتِ، وهي صادِرَةٌ عَنِ الأهْواءِ والقُلُوبِ، ذَكَرَ تَماثُلَ قُلُوبِهِمْ في العَمى والجَهْلِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أتَواصَوْا بِهِ﴾ [الذاريات: ٥٣] . قِيلَ: تَشابَهَتْ قُلُوبُهم في الكُفْرِ. وقِيلَ: في القَسْوَةِ. وقِيلَ: في التَّعَنُّتِ والِاقْتِراحِ. وقِيلَ: في المُحالِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ، وأبُو حَيْوَةَ: تَشّابَهَتْ، بِتَشْدِيدِ الشِّينِ. وقالَ أبُو عَمْرٍو الدّانِيُّ: وذَلِكَ غَيْرُ جائِزٍ؛ لِأنَّهُ فِعْلٌ ماضٍ، يَعْنِي أنَّ اجْتِماعَ التّاءَيْنِ المَزِيدَتَيْنِ لا يَكُونُ في الماضِي، إنَّما يَكُونُ في المُضارِعِ نَحْوُ: تَتَشابَهُ، وحِينَئِذٍ يَجُوزُ فِيهِ الإدْغامُ. أمّا الماضِي فَلَيْسَ أصْلُهُ تَتَشابَهُ. وقَدْ مَرَّ نَظِيرُ هَذِهِ القِراءَةِ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ البَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا﴾ [البقرة: ٧٠]، وخَرَّجْنا ذَلِكَ عَلى تَأْوِيلٍ لا يُمْكِنُ هُنا، فَيُتَطَلَّبُ هُنا تَأْوِيلٌ لِهَذِهِ القِراءَةِ.
﴿قَدْ بَيَّنّا الآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾: أيْ أوْضَحْنا الآياتِ، فاقْتِراحُ آيَةٍ مَعَ تَقَدُّمِ مَجِيءِ آياتٍ وإيضاحِها، إنَّما هو عَلى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ. هَذا وهي آياتٌ مُبَيَّناتٌ، لا لَبْسَ فِيها، ولا شُبْهَةَ، لِشِدَّةِ إيضاحِها. لَكِنْ لا يَظْهَرُ كَوْنُها آياتٍ إلّا لِمَن كانَ مُوقِنًا، أمّا مَن كانَ في ارْتِيابٍ، أوْ شَكٍّ، أوْ تَغافُلٍ، أوْ جَهْلٍ، فَلا يَنْفَعُ فِيهِ الآياتُ، ولَوْ كانَتْ في غايَةِ الوُضُوحِ. ألا تَرى إلى قَوْلِهِمْ: ﴿إنَّما سُكِّرَتْ أبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ [الحجر: ١٥] ؟ وقَوْلِ أبِي جَهْلٍ، وقَدْ سَألَ أهْلَ البَوادِي الوافِدِينَ إلى مَكَّةَ عَنِ انْشِقاقِ القَمَرِ، فَأخْبَرُوهُ بِهِ، فَقالَ بَعْدَ ذَلِكَ: هَذا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ. ولَمّا ذَكَرَ أنَّ اقْتِراحَ ما تَقَدَّمَ إنَّما هو مِن أهْواءِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، قالَ في آخِرِها: ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ . والإيقانُ: وصْفٌ في العِلْمِ يُبْلَغُ بِهِ نِهايَةُ الوِثاقَةِ في العِلْمِ، أيْ مَن كانَ مُوقِنًا، فَقَدْ أوْضَحْنا لَهُ الآياتِ، فَآمَنَ بِها، ووَضَحَتْ عِنْدَهُ، وقامَتْ بِهِ الحُجَّةُ عَلى غَيْرِهِ. وفي جَمِيعِ الآياتِ رَدٌّ عَلى مَنِ اقْتَرَحَ آيَةً، إذِ الآياتُ قَدْ بُيِّنَتْ، فَلَمْ يَكُنْ آيَةً واحِدَةً، فَيُمْكِنَ أنْ يُدَّعى الِالتِباسُ فِيها، بَلْ ذَلِكَ جَمْعُ آياتٍ بَيِّناتٍ، لَكِنْ لا يَنْتَفِعُ بِها إلّا مَن كانَ مِن أهْلِ العِلْمِ والتَّبَصُّرِ واليَقِينِ.
{"ayah":"وَقَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ لَوۡلَا یُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِینَاۤ ءَایَةࣱۗ كَذَ ٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَـٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَیَّنَّا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق