الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنا اللَّهُ أوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذَلِكَ قالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهم قَدْ بَيَّنّا الآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّ هَذا هو النَّوْعُ الحادِيَ عَشَرَ مِن قَبائِحِ اليَهُودِ والنَّصارى والمُشْرِكِينَ، فَفِيهِ مَسائِلُ:(p-٢٧)
المَسْألَةُ الأُولى: أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا حَكى عَنِ اليَهُودِ والنَّصارى والمُشْرِكِينَ ما يَقْدَحُ في التَّوْحِيدِ وهو أنَّهُ تَعالى اتَّخَذَ الوَلَدَ، حَكى الآنَ عَنْهم ما يَقْدَحُ في النُّبُوَّةِ، وقالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: هَؤُلاءِ هم مُشْرِكُو العَرَبِ والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسْراءِ: ٩٠] وقالُوا: ﴿فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الأوَّلُونَ﴾ وقالُوا ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنا المَلائِكَةُ أوْ نَرى رَبَّنا﴾ هَذا قَوْلُ أكْثَرِ المُفَسِّرِينَ، إلّا أنَّهُ ثَبَتَ أنَّ أهْلَ الكِتابِ سَألُوا ذَلِكَ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْألُكَ أهْلُ الكِتابِ أنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتابًا مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَألُوا مُوسى أكْبَرَ مِن ذَلِكَ﴾ [النِّساءِ: ١٥٣] فَإنْ قِيلَ: الدَّلِيلُ عَلى أنَّ المُرادَ مُشْرِكُو العَرَبِ أنَّهُ تَعالى وصَفَهم بِأنَّهم لا يَعْلَمُونَ، وأهْلُ الكِتابِ أهْلُ العِلْمِ، قُلْنا: المُرادُ أنَّهم لا يَعْلَمُونَ التَّوْحِيدَ والنُّبُوَّةَ كَما يَنْبَغِي، وأهْلُ الكِتابِ كانُوا كَذَلِكَ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: تَقْرِيرُ الشُّبْهَةِ الَّتِي تَمَسَّكُوا بِها أنَّ الحَكِيمَ إذا أرادَ تَحْصِيلَ شَيْءٍ فَلا بُدَّ وأنَّ يَخْتارَ أقْرَبَ الطُّرُقِ المُفْضِيَةِ إلَيْهِ وأبْعَدَها عَنِ الشُّكُوكِ والشُّبُهاتِ، إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعالى يُكَلِّمُ المَلائِكَةَ وكَلَّمَ مُوسى وأنْتَ تَقُولُ: يا مُحَمَّدُ، إنَّهُ كَلَّمَكَ والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأوْحى إلى عَبْدِهِ ما أوْحى﴾ [النَّجْمِ: ١٠] فَلِمَ لا يُكَلِّمُنا مُشافَهَةً ولا يَنُصُّ عَلى نُبُوَّتِكَ حَتّى يَتَأكَّدَ الِاعْتِقادُ وتَزُولَ الشُّبْهَةُ وأيْضًا فَإنْ كانَ تَعالى لا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلِمَ لا يَخُصُّكَ بِآيَةٍ ومُعْجِزَةٍ وهَذا مِنهم طَعْنٌ في كَوْنِ القُرْآنِ آيَةً ومُعْجِزَةً، لِأنَّهم لَوْ أقَرُّوا بِكَوْنِهِ مُعْجِزَةً لاسْتَحالَ أنْ يَقُولُوا: هَلّا يَأْتِينا بِآيَةٍ ثُمَّ أنَّهُ تَعالى أجابَ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ قالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهم قَدْ بَيَّنّا الآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، وحاصِلُ هَذا الجَوابِ أنّا قَدْ أيَّدْنا قَوْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ بِالمُعْجِزاتِ، وبَيَّنّا صِحَّةَ قَوْلِهِ بِالآياتِ وهي القُرْآنُ وسائِرُ المُعْجِزاتِ، فَكانَ طَلَبُ هَذِهِ الزَّوائِدِ مِن بابِ التَّعَنُّتِ وإذا كانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ إجابَتُها لِوُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ إذا حَصَلَتِ الدَّلالَةُ الواحِدَةُ فَقَدْ تَمَكَّنَ المُكَلَّفُ مِنَ الوُصُولِ إلى المَطْلُوبِ، فَلَوْ كانَ غَرَضُهُ طَلَبَ الحَقِّ لاكْتَفى بِتِلْكَ الدَّلالَةِ، فَحَيْثُ لَمْ يَكْتَفِ بِها وطَلَبَ الزّائِدَ عَلَيْها عَلِمْنا أنَّ ذَلِكَ لِلطَّلَبِ مِن بابِ العِنادِ واللَّجاجِ، فَلَمْ تَكُنْ إجابَتُها واجِبَةً، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إنَّما الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وإنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ﴾ [العَنْكَبُوتِ: ٥٠، ٥١] فَبَكَّتَهم بِما في القُرْآنِ مِنَ الدَّلالَةِ الشّافِيَةِ.
وثانِيها: لَوْ كانَ في مَعْلُومِ اللَّهِ تَعالى أنَّهم يُؤْمِنُونَ عِنْدَ إنْزالِ هَذِهِ الآيَةِ لَفَعَلَها، ولَكِنَّهُ عَلِمَ أنَّهُ لَوْ أعْطاهم ما سَألُوهُ لَما ازْدادُوا إلّا لَجاجًا فَلا جَرَمَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ولِذَلِكَ قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهم ولَوْ أسْمَعَهم لَتَوَلَّوْا وهم مُعْرِضُونَ﴾ [الأنْفالِ: ٢٣] .
وثالِثُها: إنَّما حَصَلَ في تِلْكَ الآياتِ أنْواعٌ مِنَ المَفاسِدِ ورُبَّما أوْجَبَ حُصُولُها هَلاكَهم واسْتِئْصالَهم إنِ اسْتَمَرُّوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلى التَّكْذِيبِ، ورُبَّما كانَ بَعْضُها مُنْتَهِيًا إلى حَدِّ الإلْجاءِ المُخِلِّ بِالتَّكْلِيفِ، ورُبَّما كانَتْ كَثْرَتُها وتَعاقُبُها يَقْدَحُ في كَوْنِها مُعْجِزَةً، لِأنَّ الخَوارِقَ مَتى تَوالَتْ صارَ انْخِراقُ العادَةِ عادَةً، فَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُعْجِزًا، وكُلُّ ذَلِكَ أُمُورٌ لا يَعْلَمُها إلّا اللَّهُ عَلّامُ الغُيُوبِ فَثَبَتَ أنَّ عَدَمَ إسْعافِهِمْ بِهَذِهِ الآياتِ لا يَقْدَحُ في النُّبُوَّةِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ فالمُرادُ أنَّ المُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ تَتَشابَهُ أقْوالُهم وأفْعالُهم، فَكَما أنَّ قَوْمَ مُوسى كانُوا أبَدًا في التَّعَنُّتِ واقْتِراحِ الأباطِيلِ، كَقَوْلِهِمْ: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ [البَقَرَةِ: ٦١] وقَوْلِهِمْ: ﴿اجْعَلْ لَنا إلَهًا كَما لَهم آلِهَةٌ﴾ [الأعْرافِ: ١٣٨] وقَوْلِهِ: ﴿أتَتَّخِذُنا هُزُوًا﴾ [البَقَرَةِ: ٦٧] وقَوْلِهِمْ: ﴿أرِنا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ (p-٢٨)[النِّساءِ: ١٥٣] فَكَذَلِكَ هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ يَكُونُونَ أبَدًا في العِنادِ واللَّجاجِ وطَلَبِ الباطِلِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَدْ بَيَّنّا الآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ فالمُرادُ أنَّ القُرْآنَ وغَيْرَهُ مِنَ المُعْجِزاتِ كَمَجِيءِ الشَّجَرَةِ وكَلامِ الذِّئْبِ، وإشْباعِ الخَلْقِ الكَثِيرِ مِنَ الطَّعامِ القَلِيلِ، آياتٌ قاهِرَةٌ، ومُعْجِزاتٌ باهِرَةٌ لِمَن كانَ طالِبًا لِلْيَقِينِ.
{"ayah":"وَقَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ لَوۡلَا یُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِینَاۤ ءَایَةࣱۗ كَذَ ٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَـٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَیَّنَّا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق