الباحث القرآني
﴿ذَلِكَ﴾ المُتَقَدِّمُ في التَّكالِيفِ المُفَصَّلَةِ ﴿مِمّا أوْحى إلَيْكَ رَبُّكَ﴾ أيْ: بَعْضٌ مِنهُ أوْ مِن جِنْسِهِ (p-77)﴿مِنَ الحِكْمَةِ﴾ الَّتِي هي عِلْمُ الشَّرائِعِ أوْ مَعْرِفَةُ الحَقِّ سُبْحانَهُ لِذاتِهِ والخَيْرِ لِلْعَمَلِ بِهِ أوِ الأحْكامِ المُحْكَمَةِ الَّتِي لا يَتَطَرَّقُ إلَيْها النَّسْخُ والفَسادُ، وفي الكَشّافِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ هَذِهِ الثَّمانِي عَشْرَةَ آيَةً يَعْنِي مِن ﴿لا تَجْعَلْ﴾ فِيما مَرَّ إلى ﴿مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ بَعْدُ كانَتْ في ألْواحِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وهي عَشْرُ آياتٍ في التَّوْراةِ، وفي الدُّرِّ المَنثُورِ: أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ التَّوْراةَ كُلَّها في خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً مِن بَنِي إسْرائِيلَ ثُمَّ تَلا: ﴿ولا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ وهَذا أعْظَمُ مَدْحًا لِلْقُرْآنِ الكَرِيمِ مِمّا في الكَشّافِ، «ومِن» إمّا مُتَعَلِّقَةٌ بِ أوْحى عَلى أنَّها تَبْعِيضِيَّةٌ أوِ ابْتِدائِيَّةٌ، وإمّا بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنَ المَوْصُولِ أوْ عائِدِهِ المَحْذُوفِ أيْ مِنَ الَّذِي أوْحاهُ إلَيْكَ رَبُّكَ كائِنًا مِنَ الحِكْمَةِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الجارُّ والمَجْرُورُ بَدَلًا مِن ما ﴿ولا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ الخِطابُ نَظِيرُ الخِطابِ السّابِقِ كُرِّرَ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ التَّوْحِيدَ مَبْدَأُ الأمْرِ ومُنْتَهاهُ، وأنَّهُ رَأْسُ كُلِّ حِكْمَةٍ ومِلاكُها، ورُتِّبَ عَلَيْهِ أوَّلًا ما هو عائِدُهُ الشِّرْكُ في الدُّنْيا حَيْثُ قالَ: ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولا﴾ ورَتَّبَ عَلَيْهِ هاهُنا نَتِيجَتَهُ في العُقْبى فَقِيلَ: ﴿فَتُلْقى في جَهَنَّمَ مَلُومًا﴾ مِن جِهَةِ نَفْسِكَ ومِن جِهَةِ غَيْرِكَ ﴿مَدْحُورًا﴾ مُبْعَدًا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى. وفي التَّفْسِيرِ الكَبِيرِ الفَرْقُ بَيْنَ المَذْمُومِ والمَلُومِ أنَّ المَذْمُومَ هو الَّذِي يَذْكُرُ أنَّ الفِعْلَ الَّذِي أقْدَمَ عَلَيْهِ قَبِيحٌ ومُنْكَرٌ، والمَلُومُ هو الَّذِي يُقالُ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ هَذا الفِعْلَ وما الَّذِي حَمَلَكَ عَلَيْهِ وما اسْتَفَدْتَ مِنهُ إلّا إلْحاقَ الضَّرَرِ بِنَفْسِكَ. ومِن هَذا يُعْلَمُ أنَّ الذَّمَّ يَكُونُ أوَّلًا واللَّوْمَ آخِرًا، والفَرْقُ بَيْنَ المَخْذُولِ والمَدْحُورِ أنَّ المَخْذُولَ عِبارَةٌ عَنِ الضَّعِيفِ يُقالُ: تَخاذَلَتْ أعْضاؤُهُ أيْ: ضَعُفَتْ، والمُرادُ بِهِ مَن تُرِكَتْ إعانَتُهُ وفُوِّضَ إلى نَفْسِهِ والمَدْحُورُ المَطْرُودُ والمُرادُ بِهِ المُهانُ والمُسْتَخَفُّ بِهِ انْتَهى.
وفِي إيرادِ الإلْقاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ جَرى عَلى سَنَنِ الكِبْرِياءِ وازْدِراءٍ بِالمُشْرِكِ وجُعِلَ لَهُ كَخَشَبَةٍ يَأْخُذُها مَن كانَ فَيُلْقِيها في التَّنُّورِ، هَذا وقَدْ وُحِّدَ الخِطابُ في بَعْضِ هَذِهِ الأوامِرِ والنَّواهِي وجُمِعَ في بَعْضٍ آخَرَ مِنها، ولَمْ يَظْهَرْ لِي سِرُّ اخْتِيارِ كُلٍّ مِنَ التَّوْحِيدِ والجَمْعِ فِيما اخْتِيرَ فِيهِ عَلى وجْهٍ يَسْلَمُ مِنَ القِيلِ والقالِ ويَهَشُّ لَهُ كُمَّلُ الرِّجالِ، وقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِبَعْضِ أحْبابِي مِن أجِلَّةِ المُحَقِّقِينَ ورُؤَساءِ المُدَرِّسِينَ وطَلَبْتُ مِنهُ أنْ يُحَرِّرَ ما يَظْهَرُ لَهُ حَيْثُ إنِّي مُحَقَّقٌ كَمالَهُ وفَضْلَهُ فَكَتَبَ ما نَصُّهُ: أقُولُ مُعْتَرِفًا بِالقُصُورِ مُحْتَرِزًا عَنِ الغُرُورِ مُتَعَذِّرًا بِالقَوْلِ المَأْثُورِ المَأْمُورِ مَعْذُورٌ يَخْطُرُ عَلى خاطِرِ الفَقِيرِ لِتَغْيِيرِ أُسْلُوبِ الخِطابِ وُجُوهٌ تِسْعَةٌ لا تَدْخُلُ في الحِسابِ. الأوَّلُ: الإشْعارُ بِانْقِسامِ هَذِهِ التَّكالِيفِ إلى أقْسامٍ ثَلاثَةٍ قِسْمٌ أهْلُ الكُلِّ خُوطِبَ بِهِ الأُمَّةُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً تَصْرِيحًا بِخِطابِ أنْفُسِهِمْ ومَرَّةً تَعْرِيضًا بِخِطابِ رَسُولِهِمْ ﷺ، وهَذا الأهَمُّ هو التَّوْحِيدُ، وقِسْمٌ مُهِمٌّ جِدًّا لَكِنْ دُونَ الأوَّلِ خُوطِبُوا بِهِ واحِدَةً تَصْرِيحًا وهو أُمُورٌ سَبْعَةٌ، الأوَّلُ مُطْلَقُ الإحْسانِ بِالوالِدَيْنِ فَإنَّ انْتِفاءَهُ بِأنْ لا يُحْسِنَ إلَيْهِما أصْلًا مِن أشَدِّ مَراتِبِ العُقُوقِ، والثّانِي: تَرْكُ قَتْلِ الأوْلادِ، والثّالِثُ: الزِّنا، والرّابِعُ: تَرْكُ قَتْلِ النَّفْسِ المُحَرَّمَةِ إلّا بِالحَقِّ، والخامِسُ: تَرْكُ التَّصَرُّفِ في مالِ اليَتِيمِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ، والسّادِسُ: الإيفاءُ بِالعَهْدِ، والسّابِعُ: الوَزْنُ بِالقِسْطاسِ المُسْتَقِيمِ. وقِسْمٌ ثالِثٌ دُونِ الأوَّلَيْنِ في المُهِمِّيَّةِ خُوطِبُوا بِهِ واحِدَةً تَعْرِيضًا وهو أيْضًا أُمُورٌ أحَدَ عَشَرَ. الأوَّلُ: تَرْكُ قَوْلِ أُفٍّ لِلْوالِدَيْنِ، والثّانِي: تَرْكُ النَّهْرِ؛ فَإنَّ التَّأْفِيفَ والنَّهْرَ مِن أهْوَنِ مَراتِبِ العُقُوقِ بِخِلافِ تَرْكِ الإحْسانِ مُطْلَقًا، والثّالِثُ: قَوْلُ القَوْلِ الكَرِيمِ لَهُما، والرّابِعُ: خَفْضُ الجَناحِ مِنَ الرَّحْمَةِ، والخامِسُ: الدُّعاءُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى، وهَذِهِ الثَّلاثَةُ تَرْكُها لَيْسَ كَتَرْكِ مُطْلَقِ الإحْسانِ مَثَلًا. والسّادِسُ: تَرْكُ إيتاءِ حَقِّ ذِي القُرْبى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ، وظاهِرٌ أنَّ عَدَمَ القِيامِ بِإيتاءِ مَجْمُوعِ الحُقُوقِ الثَّلاثَةِ أهْوَنُ مِن تَرْكِ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ في القِسْمِ (p-78)الثّانِي، والسّابِعُ: تَرْكُ التَّبْذِيرِ. والثّامِنُ: قَوْلُ القَوْلِ المَيْسُورِ، والتّاسِعُ: العَدْلُ في المَنعِ والعَطاءِ، والعاشِرُ: تَرْكُ القَفْوِ لِما لَيْسَ بِهِ عِلْمُ الصّادِقِ عَلى القَوْلِ بِمُوجِبِ الظَّنِّ مَثَلًا، والحادِي عَشَرَ: تَرْكُ المَشْيِ مَرَحًا وتَرْكُ واحِدٍ مِن هَذِهِ الخَمْسَةِ أيُّها كانَ لا يَبْلُغُ تَرْكَ واحِدٍ مِنَ الأُمُورِ المُكَلَّفِ بِها المَذْكُورَةِ في القِسْمِ الثّانِي كَما لا يَخْفى. والثّانِي مِن تِلْكَ الوُجُوهِ الإيماءُ بِاقْتِرانِ خِطابِ الأُمَّةِ في النَّهْيِ عَنْ كَبائِرَ خَطِيرَةٍ مَثَلًا بِخِطابِهِ ﷺ عَمّا لَيْسَ في خَطَرِها إلى أنَّ الذُّنُوبَ تَزْدادُ عِظَمًا بِعِظَمِ مُرْتَكِبِها فَرْضًا كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ آيَةُ: ﴿ولَوْلا أنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا﴾ ﴿إذًا لأذَقْناكَ ضِعْفَ الحَياةِ وضِعْفَ المَماتِ﴾ وكَرِيمَةُ ﴿يا نِساءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ وكَما اشْتُهِرَ أنَّ حَسَناتِ الأبْرارِ سَيِّئاتُ المُقَرَّبِينَ وأنَّ المُقَرَّبِينَ عَلى خَطَرٍ عَظِيمٍ لَكِنْ لَمْ تُراعَ هَذِهِ النُّكْتَةُ في النَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ إشارَةً إلى أنَّهُ في غايَةِ العِظَمِ بِحَيْثُ لا يَنْبَغِي أنْ يُتَصَوَّرَ في عِظَمِهِ ازْدِيادُ وتَفاوُتُ الأفْرادِ، أوْ نَقُولُ: لَمّا عارَضَتْ هَذِهِ النُّكْتَةُ نُكْتَةً أُخْرى رُجِّحَتْ لِكَوْنِها بِالرِّعايَةِ أحْرى وهي الإشارَةُ إلى أنَّ الشِّرْكَ كانَ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحانَهُ عَظِيمًا فَكُرِّرَ الخِطابُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ تَخْصِيصًا وتَعْمِيمًا، وهَكَذا نَقُولُ في عَدَمِ رِعايَةِ نُكْتَةِ الوُجُوهِ الآتِيَةِ في التَّكْلِيفِ بِالتَّوْحِيدِ ولا نُعِيدُ. والثّالِثُ مِن تِلْكَ الوُجُوهِ التَّنْبِيهُ بِتَعْمِيمِ الخِطابِ في النَّهْيِ عَنْ بَعْضِ المَعاصِي والأمْرِ بِبَعْضِ الطّاعاتِ عَلى أنَّ فِتْنَةَ فِعْلِ تِلْكَ المَعاصِي وتَرْكَ تِلْكَ الطّاعاتِ لا تُصِيبُ الَّذِينَ ظَلَمُوا خاصَّةً. والرّابِعُ مِنها الإشارَةُ بِتَعْمِيمِ الخِطابِ فِيما عُمِّمَ فِيهِ مِنَ المَنهِيّاتِ والمَأْمُوراتِ إلى أنَّ تِلْكَ المَنهِيّاتِ كَما يَجِبُ عَلى كُلِّ مُكَلَّفٍ الِانْكِفافُ عَنْها يَجِبُ عَلَيْهِ كَفُّ الغَيْرِ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ لَكانَ كَفاعِلِها في أنَّهُ اقْتَرَفَ كَبِيرَةً نَهى عَنْها نَهْيَ تِلْكَ المَنهِيّاتِ وإلى أنَّ تِلْكَ المَأْمُوراتِ كَما يَجِبُ عَلى الكُلِّ أداؤُها يَجِبُ إجْبارُ التّارِكِ عَلى أدائِها بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُجْبَرْ لَكانَ كَتارِكِها في أنَّهُ تَرَكَ واجِبًا أُمِرَ بِهِ أمْرَ تِلْكَ المَأْمُوراتِ وبِتَخْصِيصِ الخِطابِ فِيما خُصِّصَ فِيهِ إلى أنَّهُ لَيْسَ بِتِلْكَ المَثابَةِ فَإنَّهُ وإنْ وجَبَ إجْبارُ الغَيْرِ عَلى بَعْضِ تَكالِيفِهِ لَكِنْ عَسى أنْ لا يَكُونَ تَرْكُهُ كَبِيرَةً والخامِسُ الرَّمْزُ بِتَوْحِيدِ الخِطابِ فِيما وُحِّدَ فِيهِ أنَّ تِلْكَ الطّاعَةَ لا تَصْدُرُ إلّا مِنَ الآحادِ لِأنَّها لا يُوفِّي حَقَّها إلّا المُتَوَرِّعُونَ الصّالِحُونَ وقَلِيلٌ ما هم بِخِلافِ غَيْرِها فَإنَّهُ مَضْبُوطٌ.
والسّادِسُ: الإشْعارُ بِأنَّ التَّكالِيفَ الَّتِي خُوطِبَ بِها النَّبِيُّ ﷺ والمُرادُ أُمَّتُهُ لا يَقُومُ بِها حَقَّ القِيامِ إلّا هو أوْ مَن يَقْتَدِي بِأنْوارِهِ ويَقْتَفِي لِآثارِهِ ويَسْعى في اتِّباعِ سَنَنِهِ القَوِيمِ ويَجْتَهِدُ في التَّخَلُّقِ بِخُلُقِهِ الكَرِيمِ بِخِلافِ غَيْرِها مِمّا خُوطِبُوا بِهِ صَرِيحًا فَإنَّها تَأْتِي مِن أغْلَبِهِمْ.
والسّابِعُ: أنَّهُ صَرَفَ الخِطابَ عَنْهُ ﷺ في النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الأوْلادِ والزِّنا وقَتْلِ النَّفْسِ المُحَرَّمَةِ إلّا بِالحَقِّ والتَّصَرُّفِ في مالِ اليَتِيمِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ إشارَةً إلى أنَّ تِلْكَ الشَّنائِعَ لا يَأْتِيها النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وإنْ لَمْ يُنْهَ عَنْها؛ لِأنَّ فِطْرَتَهُ وفِطْنَتَهُ وسَلامَةَ طَبْعِهِ اللَّطِيفِ واسْتِقامَةَ مِزاجِهِ الشَّرِيفِ كانَتْ كافِيَةً في كَفِّهِ عَنْها، وكَذا صُرِفَ عَنْهُ الخِطابُ في الأمْرِ بِالإحْسانِ بِالوالِدَيْنِ والإيفاءِ بِالعَهْدِ والوَزْنِ بِالقِسْطاسِ المُسْتَقِيمِ إشارَةً إلى أنَّهُ ﷺ يَأْتِي بِهَذِهِ الأُمُورِ وإنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِها لِأنَّ تَرْكَ مُطْلَقِ الإحْسانِ بِالوالِدَيْنِ لَوْ بَلَغا لَدَيْهِ الكِبَرَ مَثَلًا يَلْزَمُهُ مِنَ الفَظاظَةِ وغِلْظَةِ القَلْبِ وجَفاءِ الطَّبْعِ ما كانَ يَأْباهُ طَبِيعَتُهُ ﷺ وكَذا الغَدْرُ والتَّطْفِيفُ كانا تَأْباهُما أخْلاقُهُ الكَرِيمَةُ لَكِنْ خُوطِبَ بِالنَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ لِأنَّهُ لَيْسَ لِلطَّبْعِ والخُلُقِ في التَّوْحِيدِ والشِّرْكِ دَخْلٌ.
والثّامِنُ: أنَّهُ تَعالى إجْلالًا لِحَبِيبِهِ ﷺ لَمْ يُخاطِبْهُ بِنَهْيِهِ عَنْ فَواحِشِ قَتْلِ الوَلَدِ والزِّنا وقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِئَلّا يُوهِمَ أنَّهُ كانَ –وحاشاهُ- يَأْتِيها قَبْلَ النَّهْيِ، وكَذا لَمْ يُخاطِبْهُ بِأمْرٍ بِالإيفاءِ بِالعَهْدِ والوَزْنِ بِالقِسْطاسِ (p-79)المُسْتَقِيمِ لِئَلّا يُوهِمَ أنَّهُ كانَ –وحاشاهُ- يَتْرُكُها قَبْلَ هَذا، وهَذا الإيهامُ أدْعى لِلِاعْتِناءِ بِدَفْعِهِ مِنَ الإيهامِ فِيما خُوطِبَ بِهِ وحْدَهُ، وخُوطِبَ بِالنَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ لِأنَّ مَعْهُودِيَّةَ دَعْوَتِهِ ﷺ لِلْخاصِّ والعامِّ مَدى اللَّيالِي والأيّامِ كَفَتْهُ هَذا الإيهامَ.
والتّاسِعُ: لَعَلَّ التَّكالِيفَ الَّتِي خُوطِبَ ﷺ بِها كَتَرْكِ القَفْوِ لِما لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ وتَرْكِ المَشْيِ في الأرْضِ مَرَحًا لَمْ تَكُنْ في غَيْرِ دِينِهِ مِن سائِرِ الأدْيانِ أوْ لَمْ تَكُنْ مُصَرَّحًا بِها مَنصُوصًا عَلَيْها في الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ ما عَدا القُرْآنَ فَوَجْهُ الخِطابِ إلَيْهِ وحْدَهُ تَلْوِيحًا بِأنَّها مِن خَصائِصِ دِينِهِ أوْ بِأنَّ التَّصْرِيحَ بِها والتَّنْصِيصَ عَلَيْها مِن خَصائِصِ كِتابِهِ، ويُؤَيِّدُ هَذا الوَجْهَ قَوْلُهُ تَعالى بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ القَفْوِ بِلا عِلْمٍ والمَشْيِ مَرَحًا: ﴿ذَلِكَ مِمّا أوْحى إلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ﴾ ثُمَّ إنِّي لا أدَّعِي في هَذا بَلْ وفي سائِرِ الوُجُوهِ البَتَّ والجَزْمَ ولا أقْفُو ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ بَلْ أقُولُ: هَذا خَطَرَ بِبالِي الكَسِيرِ والعِلْمُ عِنْدَ اللَّطِيفِ الخَبِيرِ. اه.
ويُرَدُّ عَلى قَوْلِهِ في الأوَّلِ فَإنَّ انْتِفاءَهُ بِأنْ لا يُحْسِنَ إلَيْهِما أصْلًا مِن أشَدِّ مَراتِبِ العُقُوقِ أنَّ العُقُوقَ الَّذِي هو كَبِيرَةٌ فِعْلُ ما يَتَأذّى بِهِ مَن فُعِلَ مَعَهُ مِنَ الوالِدَيْنِ تَأذِّيًا لَيْسَ بِالهَيِّنِ عُرْفًا كَما سَمِعْتَ، وعَدَمُ الإحْسانِ أصْلًا قَدْ لا يَكُونُ مِن ذَلِكَ، قالَ العَلّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ في أثْناءِ الكَلامِ عَلى الفَرْقِ بَيْنَ العُقُوقِ وقَطْعِ الرَّحِمِ: إنَّهُ لَوْ فُرِضَ أنَّ قَرِيبَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إحْسانٌ ولا إساءَةٌ قَطُّ لَمْ يَفْسُقْ بِذَلِكَ؛ لَأنَّ الأبَوَيْنِ إذا فُرِضَ ذَلِكَ في حَقِّهِما مِن غَيْرِ أنْ يَفْعَلَ مَعَهُما ما يَقْتَضِي التَّأذِّيَ العَظِيمَ لِغِناهُما مَثَلًا لَمْ يَكُنْ كَبِيرَةً فَأوْلى بَقِيَّةُ الأقارِبِ اه. وكَأنَّهُ أحْسَنَ اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ ظَنَّ أنَّهُ إذا تَحَقَّقَ عَدَمُ الإحْسانِ تَحَقَّقَتِ الإساءَةُ وهو بِمَعْزِلٍ عَنِ الصَّوابِ، ويَرِدُ أيْضًا عَلى قَوْلِهِ: وظاهِرٌ أنَّ عَدَمَ القِيامِ بِإيتاءِ مَجْمُوعِ الحُقُوقِ الثَّلاثَةِ أهْوَنُ مِن تَرْكِ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ في القِسْمِ الثّانِي أنَّهُ إنْ أرادَ أنَّهُ أهْوَنُ مِن تَرْكِ مَجْمُوعِ تِلْكَ الأُمُورِ فَلا شَكَّ أنَّ بَعْضَ ما عَدَّهُ في القِسْمِ الثّالِثِ كالوَزْنِ بِالقِسْطاسِ المُسْتَقِيمِ تَرْكُ القِيامِ بِهِ أهْوَنُ مِن تَرْكِ مَجْمُوعِ التَّكْلِيفاتِ، فَما مَعْنى هَذا التَّخْصِيصِ وإنْ أرادَ أنَّهُ أهْوَنُ مِن تَرْكِ كُلِّ واحِدٍ مِن تَرْكِ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ فَهو مَمْنُوعٌ كَيْفَ لا ويَكُونُ في ذَلِكَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ وقاطِعُها مَلْعُونٌ في كِتابِ اللَّهِ تَعالى في ثَلاثَةِ مَواضِعَ. ورَوى أحْمَدُ بِإسْنادٍ صَحِيحٍ أنَّ: «مِن أرْبا الرِّبا الِاسْتِطالَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وإنَّ هَذِهِ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَمَن قَطَعَها حَرَّمَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ الجَنَّةَ؛» ومَنعُ زَكاةٍ أيْضًا.
وقَدْ قالَ تَعالى في حم السَّجْدَةِ وهي مَكِّيَّةٌ كَهَذِهِ السُّورَةِ: ﴿ووَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهم بِالآخِرَةِ هم كافِرُونَ﴾ وإنْ نُوقِشَ فِيما ذُكِرَ قُلْنا: إنَّ عَدَمَ القِيامِ بِإيتاءِ ما ذُكِرَ صادِقٌ عَلى مَنعِ حُقُوقِ ثَلاثَةِ أصْنافٍ ولا شَكَّ أنَّ مَنعَ ذِي الحَقِّ حَقَّهُ ظُلْمٌ لَهُ فَيَتَعَدَّدُ الظُّلْمُ فِيما نَحْنُ فِيهِ، ولا أظُنُّ أنَّ ذَلِكَ أهْوَنُ مِنَ التَّطْفِيفِ وإنْ كانَ ظُلْمًا أيْضًا:
؎وظُلْمُ ذَوِي القُرْبى أشُدُّ مَضاضَةً عَلى القَلْبِ مِن وقْعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
ومِمّا ذَكَرْنا يُعْلَمُ أنَّ قَوْلَهُ: ظاهِرٌ غَيْرُ ظاهِرٍ، ويَرِدُ أيْضًا عَلى قَوْلِهِ: وتَرْكُ واحِدٍ مِن هَذِهِ الخَمْسَةِ إلَخْ. أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿ولا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ نَهْيٌ عَلى ما اخْتارَهُ الإمامُ عَنْ كَبائِرَ لا شَكَّ في أنَّ بَعْضَها أعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِن بَعْضِ ما في القِسْمِ الثّانِي كالقَوْلِ في الإلَهِيّاتِ والنُّبُوّاتِ نَحْوَ ما يَقُولُهُ المُشْرِكُونَ تَقْلِيدًا لِلْأسْلافِ واتِّباعًا لِلْهَوى وإنْ أبَيْتَ إلّا تَخْصِيصَهُ بِبَعْضِ ما قالَهُ المُفَسِّرُونَ ونَقَلَهُالإمامُ مِمّا هو أهْوَنُ أفْرادِهِ كالكَذِبِ قِيلَ لَكَ: (p-80)إنَّ في كَوْنِهِ أهْوَنَ مِنَ انْتِفاءِ الإحْسانِ مُطْلَقًا مَعَ كَوْنِهِ قَدْ لا يَكُونُ كَبِيرَةً مَنعًا ظاهِرًا كَما لا يَخْفى. وكَذا في كَوْنِ المَشْيِ مَرَحًا دُونَ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الأُمُورِ السّابِقَةِ بَحْثٌ.
وقَدْ أخْرَجَ الشَّيْخانِ: ««بَيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ مُخْتالٌ في مِشْيَتِهِ إذْ خَسَفَ اللَّهُ تَعالى بِهِ فَهو يَتَجَلْجَلُ في الأرْضِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ»»
ورَوى أحْمَدُ وابْنُ ماجَهْ والحاكِمُ: ««ما مِن رَجُلٍ يَتَعاظَمُ في نَفْسِهِ ويَخْتالُ في مِشْيَتِهِ إلّا لَقِيَ اللَّهَ تَعالى وهو عَلَيْهِ غَضْبانُ»»
وصَحَّ: ««لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ»».
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأحادِيثِ الَّتِي لَمْ يَجِئْ مِثْلُها فِيمَن لَمْ يُحْسِنْ إلى والِدَيْهِ، نَعَمْ جاءَ ذَلِكَ فِيمَن عَقَّ والِدَيْهِ، وبَيْنَ عُقُوقِهِما وعَدَمِ الإحْسانِ إلَيْهِما عُمُومٌ وخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، وعَلى هَذا فَلا يَخْفى حالٌ كَما لا يَخْفى، ويَرِدُ عَلى الوَجْهِ الثّانِي عَلى ما فِيهِ أنَّهُ غَيْرُ وافٍ بِالغَرَضِ، وعَلى الثّالِثِ أنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوى لَمْ تُساعِدْها الآثارُ، نَعَمْ ورَدَ في بَعْضِ ما ذُكِرَ أنَّ فِتْنَتَهُ لا تُصِيبُ الظّالِمَ فَقَطْ ما يُؤَيِّدُهُ، ومِن ذَلِكَ ما أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ وغَيْرُهُ: ««يا مَعْشَرَ المُهاجِرِينَ، خِصالٌ خَمْسٌ إنِ ابْتَلَيْتُمْ بِهِنَّ ونَزَلَتْ بِكم أعُوذُ بِاللَّهِ تَعالى أنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الفاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حَتّى يُعْلِنُوا بِها إلّا فَشا فِيهِمُ الأوْجاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ في أسْلافِهِمْ، ولَمْ يُنْقِصُوا المِكْيالَ والمِيزانَ إلّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وشِدَّةِ المَئُونَةِ وجَوْرِ السُّلْطانِ ولَمْ يَمْنَعُوا زَكاةَ أمْوالِهِمْ إلّا مُنِعُوا المَطَرَ مِنَ السَّماءِ، ولَوْلا البَهائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ولا نَقَضُوا عَهْدَ اللَّهِ تَعالى وعَهْدَ رَسُولِهِ ﷺ إلّا سَلَّطَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِن غَيْرِهِمْ فَيَأْخُذُوا بَعْضَ ما في أيْدِيهِمْ وما لَمْ تَحْكم أئِمَّتُهم بِكِتابِ اللَّهِ تَعالى إلّا جَعَلَ اللَّهُ تَعالى بَأْسَهم بَيْنَهُمْ»».
وإنْ كانَ في عَدَمِ إيتاءِ المِسْكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ حَقَّهُما مَنعُ الزَّكاةِ فَأمْرُ الإيماءِ المَذْكُورُ ولا يَخْفى حالُهُ فَإنَّ الأخْبارَ قَدْ تَظافَرَتْ بِعُمُومِ شُؤْمِ ذَلِكَ.
فَقَدْ صَحَّ: ««ما مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكاةَ إلّا حَبَسَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمُ القَطْرَ»».
وفِي رِوايَةٍ صَحِيحَةٍ: ««إلّا ابْتَلاهُمُ اللَّهُ تَعالى بِالسِّنِينَ»».
إلى غَيْرِ ذَلِكَ، ويَرِدُ عَلى الوَجْهِ الرّابِعِ أنَّ بَعْضَهم قَدْ أطْلَقَ القَوْلَ بِأنَّ تَرْكَ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ كَبِيرَةٌ.
وصَرَّحَ صاحِبُ العُدَّةِ بِأنَّ الغِيبَةَ نَفْسَها صَغِيرَةٌ، وتَرْكَ النَّهْيِ عَنْها كَبِيرَةٌ، وقالَ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ: ونَقَلَهُ الجَلالُ البُلْقِينِيُّ يَنْبَغِي أنْ يُفَصَّلَ في النَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ فَيُقالَ: إنْ كانَ كَبِيرَةً فالسُّكُوتُ عَلَيْهِ مَعَ إمْكانِ دَفْعِهِ كَبِيرَةٌ، وإنْ كانَ صَغِيرَةً فالسُّكُوتُ عَلَيْهِ صَغِيرَةٌ، ويُقاسُ تَرْكُ المَأْمُورِ بِهَذا إذا قُلْنا: إنَّ الواجِباتِ تَتَفاوَتُ وهو الظّاهِرُ اه.
وقَدْ عَلِمْتَ أنَّ فِيما وحَّدَ الخِطابَ فِيهِ مِنَ الأوامِرِ ما تَرْكُهُ كَبِيرَةٌ ومِنَ النَّواهِي ما فِعْلُهُ كَذَلِكَ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ ما رَجا سَلَّمَهُ اللَّهُ تَعالى عَلى أنَّ في تَعْبِيرِهِ بِالإجْبارِ فِيما عَبَّرَ فِيهِ ما لا يَخْفى، ويَرِدُ عَلى الخامِسِ أنَّ في كَوْنِ الطّاعاتِ الَّتِي وحَّدَ فِيها الخِطابَ لا تَصْدُرُ إلّا مِنَ الآحادِ لِأنَّها لا يُوَفِّي حَقَّها إلّا المُتَوَرِّعُونَ مَنعًا ظاهِرًا فَإنَّ أكْثَرَ النّاسِ صالِحِهِمْ وطالِحِهِمْ لا يَمْشِي في الأرْضِ مَرَحًا ومِثْلُ ذَلِكَ الدُّعاءُ لِلْوالِدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ فَإنّا نَسْمَعُهُ عَلى أتَمِّ وجْهٍ مِن كَثِيرٍ مِمَّنْ لا يَعْرِفُ الوَرَعَ أيَّ شَيْءٍ هُوَ، وكَذا في قَوْلِهِ: بِخِلافِ غَيْرِها فَإنَّهُ مَضْبُوطٌ، فَإنَّ تَرْكَ التَّصَرُّفِ في مالِ اليَتِيمِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ مِمَّنْ لَهُ وِلايَةٌ عَلَيْهِ أمْرٌ شاقٌّ لا يَكادُ يَقُومُ بِهِ إلّا الأفْرادُ، قالَ في رَدِّ المُحْتارِ حاشِيَةِ الدُّرِّ المُخْتارِ: لا يَنْبَغِي لِلْمُوصى إلَيْهِ أنْ يَقْبَلَ لِصُعُوبَةِ العَدْلِ جِدًّا، ومِن هُنا قالَ أبُو يُوسُفَ: الدُّخُولُ في الوِصايَةِ أوَّلَ مَرَّةِ غَلَطٌ وثانِي مَرَّةٍ خِيانَةٌ وثالِثَ مَرَّةٍ سَرِقَةٌ، ومِن هَذا يُعْلَمُ ما في الوَجْهِ السّادِسِ، ويَرِدُ عَلى السّابِعِ أيْضًا أنَّ المَشْيَ في الأرْضِ مَرَحًا كالأُمُورِ الَّتِي صُرِفَ الخِطابُ في النَّهْيِ عَنْها عَنْهُ ﷺ في أنَّ فِطْرَتَهُ وفِطْنَتَهُ وسَلامَةَ طَبْعِهِ اللَّطِيفِ واسْتِقامَةَ مِزاجِهِ الشَّرِيفِ كافِيَةٌ في الكَفِّ عَنْهُ؛ فَإنَّ الكِبْرَ مِنَ البَشَرِ لا يَنْشَأُ إلّا عَنْ جَهْلٍ وبَلادَةٍ وقَدْ جُبِلَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى أكْمَلِ ما يَكُونُ مِنَ التَّواضُعِ بَلْ وسائِرِ الصِّفاتِ الَّتِي هي (p-81)كَمالٌ في النَّوْعِ الإنْسانِيِّ ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ مَعَ أنَّهُ لَمْ يُصْرَفِ الخِطابُ فِيهِ وأنَّهُ حَيْثُ اعْتَبَرَ الفِطْنَةَ في الكافِي عَنِ الكَفِّ لَمْ يَنْفَعْهُ الِاعْتِذارُ عَنْ تَوْحِيدِ الخِطابِ في النَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ بِما اعْتُذِرَ بِهِ فَإنَّ لِلْفِطْنَةِ دَخْلًا تامًّا في التَّوْحِيدِ كَما لا يَخْفى عَلى فَطِنٍ، ويَرِدُ عَلى قَوْلِهِ في الثّامِنِ: «وهَذا الإيهامُ إلَخْ» مَنعُ ظاهِرٍ فَلا يَخْفى حالُهُ كَما لا يَخْفى، ويَرِدُ عَلى التّاسِعِ أنَّهُ لا يُساعِدُهُ نَقْلٌ ولا عَقْلٌ بَلْ جاءَ في النَّقْلِ ما يُخالِفُهُ كَما سَمِعْتَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وإنَّ اعْتُبِرَ النَّهْيُ عَنِ الشِّرْكِ مِن تِلْكَ التَّكْلِيفاتِ فَهو كافٍ في تَزْيِيفِ هَذا الوَجْهِ لِأنَّ النَّهْيَ عَنِ الشِّرْكِ جاءَ بِهِ كُلُّ رَسُولٍ ونَطَقَ بِهِ كُلُّ كِتابٍ وما ذَكَرَهُ مُؤَيِّدًا لِغَرَضِهِ بِمَعْزِلٍ عَنِ التَّأْيِيدِ، هَذا وبَقِيَتْ إيراداتٌ أُخَرُ عَلى هَذِهِ الوُجُوهِ أعْرَضْنا عَنْها وتَرَكْناها لِلذَّكِيِّ الفَطِنِ حَذَرًا مِنَ التَّطْوِيلِ فَتَأمَّلْ ذاكَ واللَّهُ يَتَوَلّى هُداكَ.
{"ayah":"ذَ ٰلِكَ مِمَّاۤ أَوۡحَىٰۤ إِلَیۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِی جَهَنَّمَ مَلُومࣰا مَّدۡحُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق