الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿إنِّي وجَدْتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَها عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: ٢٣].
استنكَرَ الهدهدُ ما رآهُ مِن قومِ سَبَأٍ ومَلِكَتِهم، فذكَرَ ما لم تَجْرِ العادةُ به، وهو مُلْكُ المرأةِ على القومِ والبُلْدانِ، وفي هذا أنّ فِطَرَ الحيوانِ والإنسانِ جُبِلَتْ على قيامِ الرِّجالِ بالمُلْكِ وسيادةِ البُلْدانِ وسياسةِ الناسِ.
وليس في الآياتِ إقرارٌ مِن سليمانَ لها على مُلْكِها لقومِها، بل فيها إقرارٌ مِن سليمانَ للهدهدِ على استنكارِه، وقومُ سبأٍ لم يكونوا على الإسلامِ، والأنبياءُ يُخاطِبونَ الأُمَمَ بأعظَمِ أخطائِهم، وهو الكفرُ والشِّرْكُ، ولا يشتغِلُونَ بما دونَهُ حتى يُصلِحوا ما هو أعلى منه، ولهذا لمّا دخَلَتْ ملكةُ سبأٍ في مُلْكِ سليمانَ، لم يُوَلِّها شيئًا.
وِلايةُ المرأةِ:
ووِلايةُ المرأةِ على نوعَيْنِ:
النوعُ الأولُ: وِلايةٌ عامَّةٌ، وما تجزَّأَ عنها، فهذه ولايةٌ لا تجوزُ للمرأةِ، ويتَّفقُ الصحابةُ على هذا، وذلك أنّ كلَّ ما جعَلَهُ اللهُ إلى السُّلْطانِ والإمامِ، فهو ممّا قال فيه النبيُّ ﷺ: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ ولَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأَةً) [[أخرجه البخاري (٤٤٢٥).]].
وما يتجزَّأُ مِن وِلايةِ الإمامِ: القضاءُ، وذلك لتضمُّنِهِ العقوبةَ والحَبْسَ والجَلْدَ والقِصاصَ والتغريبَ، وولايةُ الشُّرَطِ والجندِ والجيوشِ، وإمارةُ الجهادِ، وتنفيذِ الحدودِ، وولايةُ البُلْدانِ والقُرى، وتلك الولاياتُ التي تجزَّأَتْ عن ولايةِ الإمامِ لا يُقالُ: «إنّها جائزةٌ، لكونِها ليستْ ولايةً عامَّةً»، بل هي ولايةٌ عامَّةٌ تجزَّأَتْ، ولو صَحَّتْ أنْ تَلِيَها المرأةُ، لجازَ للإمامِ الأعظَمِ أنْ يقسِّمَ ولاياتِهِ إلى أجزاءٍ، ويضَعَ على كلِّ جزءٍ امرأةً، ويُنِيبَهُنَّ عنه، فتكونُ حينَها الولايةُ الكُبْرى بيدِ المرأةِ في صورةِ رجلٍ، وهذا لا يجوزُ.
واللهُ قد جعَل الرِّجالَ قوّامينَ على النِّساءِ، كما قال تعالى: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وبِما أنْفَقُوا مِن أمْوالِهِمْ﴾ [النساء: ٣٤]، وقال تعالى: ﴿ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ ولِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، فلا يصحُّ أن تكونَ المرأةُ في بيتِها تَأْتَمِرُ بأمرِ زوجِها وتخرُجُ منه بإذنِه، ثمَّ تَنتهي ولايتُهُ وقِوامتُهُ عليها عندَ خروجِها لِتَلِيَ أمرَ زَوْجِها وأَمْرَ الأمَّةِ، فإنْ كانتْ في بيتِها، كانتْ تحتَ قِوامتِه: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ﴾ [النساء: ٣٤]، وإن خرَجَتْ، كانتِ الأمَّةُ تحتَ قِوامَتِها، وهذا لا تقرِّرُ مِثلَه الشريعةُ.
وعملُ الأُمَّةِ في كلِّ القرونِ الفاضلةِ وما بعدَها على ذلك في سائرِ البُلْدانِ وفي عملِ سائرِ المذاهبِ، لم تكنِ المرأةُ تَلِي شيئًا مِن هذا النوعِ مِن الوِلايةِ، كما قال القَرافِيُّ: «لم يُسمَعْ في عصرٍ مِنَ العصورِ أنّ امرأةً ولِيَتِ القضاءَ، فكان ذلك إجماعًا، لأنّه غيرُ سبيلِ المؤمنينَ... وقياسًا على الإمامةِ العُظْمى»[[«الذخيرة» (١٠ /٢٢).]].
وقد كانتْ أمَّهاتُ المؤمنينَ أفضَلَ نساءِ زمانِهِنَّ، ومات النبيُّ ﷺ عن أكثرِهِنَّ، وكذلك نساءُ الصحابةِ مِن المُهاجِراتِ والأنصاريّاتِ، لم يثبُتْ أنّ الصحابةَ ولَّوُا امرأةً منهنَّ، مع عَقْلِهنَّ ودِينِهنَّ وعِلْمِهنَّ.
وينسُبُ بعضُهم إلى ابنِ جريرٍ الطبريِّ القولَ بِولايةِ المرأةِ للقضاءِ، وهذا لا يثبُتُ عنه، وهو مِن الكذبِ عليه، فلا يُوجَدُ في كتبِه صريحًا، ولا أُصولُهُ تَجري على مِثْلِ هذا القولِ.
وأمّا قولُ أبي حنيفةَ: إنّ المرأةَ تَقضي فيما تَشهَدُ فيه، فليس ذلك توليةً لها للقضاءِ فتتولاهُ وتنتصِبُ له، وإنّما يصحُّ منها الفصلُ العارضُ، لأنّ إمضاءَ الحُكْمِ شيءٌ، والانتصابَ للوِلايةِ عليه شيءٌ، فأبو حنيفةَ يَكرَهُ للمرأةِ الشابَّةِ خُرُوجَها إلى المساجدِ نهارًا، حتى لا يراها الرجالُ، فكيف يُنصِّبُها قاضيةً لهم؟!
ويُنسَبُ توليةُ المرأةِ مَنصِبَ القضاءِ إلى الحنفيَّةِ، وهذا باطلٌ أيضًا، وفقهاءُ الحنفيَّةِ عبرَ القرونِ الماضيةِ مع انتشارِ مذهبِهم في الدولةِ العثمانيَّةِ لم يكنْ واحدٌ منهم يعملُ بذلك، ولا جوَّزَهُ للسُّلْطانِ، ولا وضَعُوا مدارسَ لتعليمِ المرأةِ القضاءَ والفصلَ بينَ الخصومِ، ولم يثبُتْ في عصورِ دولةِ الإسلامِ تَوَلِّي امرأةٍ للقضاءِ إلاَّ أمَّ موسى القَهْرَمانةَ حينَما ولَّتْها في بغدادَ أمُّ المُقتدِرِ حينَما تولّى ابنُها وهو دونَ البلوغِ، فوَلَّتْها باستبدادٍ وقهرٍ، لا بعِلْمٍ وفُتْيا، ولم يُوَلِّها خليفةٌ مسلِمٌ، وكانتْ معروفةً بالشرِّ والظُّلْمِ، ويأتيها الناسُ ضرورةً لا اختيارًا، ولم تكنْ مهمتُها إلاَّ التوقيعَ على الصكوكِ والمراسمِ، لا الفصلَ والقضاءَ، ثمَّ لمّا رأى المقتدِرُ بعدُ فسادَها في الأموالِ والتصرُّفاتِ، حبَسَها.
النوعُ الثاني: وِلايةٌ خاصَّةٌ، وهي ولايةُ المنافعِ، وهي ما لا يَتجزَّأُ عن ولايةِ الإمامِ، ويصحُّ أن يقومَ به الرجالُ والنساءُ مِن غيرِ إمامٍ، كوِلايةِ المنافعِ مِن ولايةِ المرأةِ على البيعِ والشراءِ، وولايتِها على الأيتامِ والأراملِ أفرادًا أو جماعاتٍ أو مؤسَّساتٍ، وولايتِها على نساءِ جنسِها بتعليمِهِنَّ، وولايتِها على المدارسِ والمَصَحّاتِ التي لا يتَّصلُ بها مَفاسِدُ تتعدّى بهـا إلى محرَّمٍ، فتحرُمُ حينئذٍ لأجلِ غايتِها، لا لأجلِ مجرَّدِ الولايةِ، كولايةِ المرأةِ على تعليمِ الرجالِ والنساءِ، فذلك لا يصحُّ، لا لأجلِ كونِها ولايةً، ولكنْ لكونِ ذلك يَلزَمُ منه مَفاسِدُ، كاختلاطِها بالرجالِ الأجانبِ، فهي إمّا أنْ تختَلِطَ بهم أو تُقصِّرَ في ولايتِها، وكلا الأمرينِ لا يجوزُ، فامتنَعَ تَوَلِّيها.
وإنّما جازتْ هذه الأنواعُ، لأنّها ولاياتٌ لا يَلْزَمُ في قيامِها إذنُ الإمامِ، وليستْ مِن ولايتِهِ ولا جزءًا منها، فيجوزُ للناسِ أن يُعلِّموا صبيانَهم، ويَحفَظوا أموالَهم، ويُعالِجوا أنفسَهم، ويَبْنُوا دُورًا لذلك، ولا يُشترَطُ عندَ الفقهاءِ إذنُ الإمامِ بهذا، لأنّها ليستْ مِن ولايتِهِ ولا مِن أجزائِها، ما لم يكنْ قد وضَعَ الإمامُ نظامًا يُصلِحُ أحوالَ الناسِ ويَضبِطُ حياتَهم، حتى لا يَبغِيَ بعضُهم على بعضٍ، فيُلتزَمُ ذلك، لا لكونِهِ لا يصحُّ عملُ الناسِ وتلك الولايةُ إلاَّ به، ولكنْ لأنّه أصلَحُ للناسِ فتجبُ طاعتُه.
وهذا بخلافِ ولايةِ الجُنْدِ والجيشِ والقضاءِ وإمارةِ البُلْدانِ والقُرى، فهذا لا بدَّ له مِن إذنِ الإمامِ، لأنّه مِن ولايتِه وأجزائِها، إذْ لا يجوزُ للناسِ أن يضَعُوا لقريتِهم أو حيِّهم قاضيًا أو أميرًا ـ دون إذن الإمام ـ يَفصِلُ في أمرِهم ويُقِيمُ الحدودَ ويأمُرُ ويَنهى، ما لم يكونوا في بلدٍ لا إمامَ أكبرَ فيه.
وولايةُ المرأةِ قد تحرُمُ لذاتِها، وقد تحرُمُ لِما تُفضي إليه:
أمّا تحريمُها لذاتِها: فهي ما تقدَّمَ مِن الوِلايةِ الكُبرى وما تجزَّأَ عنها مِن ولايةِ الإمامِ.
وأمّا تحريمُها لِما تُفضي إليه: فكولايتِها الجائزةِ في ذاتِها، ولكنَّها تُفضي إلى محَّرمٍ، كأنْ تُؤَدِّيَ إلى سفرٍ بلا مَحْرَمٍ، أو اختلاطٍ بالرِّجالِ، أو بُروزٍ دائمٍ إليهم.
وأمّا ما ينقُلُه بعضُهم أنّ عمرَ ولّى الشِّفاءَ الحِسْبةَ على السوقِ، فليس لهذا أصلٌ، وقد أنكَرَهُ ابنُ العَرَبيِّ، وقال: «هو مِن دسائسِ المُبتدِعةِ»[[«أحكام القرآن» لابن العربي (٣ /٤٨٢).]].
{"ayah":"إِنِّی وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةࣰ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِیَتۡ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق