الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيله لهؤلاء المفترين عليه، المكذبين آياته يوم القيامة. يقول تعالى ذكره: قال لهم حين وردوا عليه يوم القيامة، ادخلوا، أيها المفترون على ربكم، المكذبون رسله، في جماعات من ضُرَبائكم [[انظر تفسير ((أمة)) فيما سلف ص: ٤٠٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] = ﴿قد خلت من قبلكم﴾ ، يقول: قد سلفت من قبلكم [[انظر تفسير ((خلا)) فيما سلف ٣: ١٠٠، ١٢٨ / ٤: ٢٨٩ / ٧: ٢٢٨.]] ="من الجن والإنس في النار"، ومعنى ذلك: ادخلوا في أمم هي في النار، قد خلت من قبلكم من الجن والإنس = وإنما يعني بـ"الأمم"، الأحزابَ وأهلَ الملل الكافرة = ﴿كلما دخلت أمة لعنت أختها﴾ ، يقول جل ثناؤه: كلما دخلت النارَ جماعةٌ من أهل ملة = لعنت أختها، يقول: شتمت الجماعة الأخرى من أهل ملتها، تبرِّيًا منها. [[انظر تفسير ((اللعن)) فيما سلف ١٠: ٤٨٩، تعليق: ١.]] وإنما عنى بـ"الأخت"، الأخوة في الدين والملة، وقيل:"أختها"، ولم يقل:"أخاها"، لأنه عنى بها"أمة" وجماعة أخرى، كأنه قيل: كلما دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٧٨.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٤٥٩٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿كلما دخلت أمة لعنت أختها﴾ ، يقول: كلما دخل أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدين، [[في المطبوعة والمخطوطة: ((كلما دخلت أهل ملة)) ، والصواب ما أثبت.]] يلعن المشركون المشركين، واليهودُ اليهودَ، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوسُ المجوسَ، تلعن الآخرةُ الأولى. * * * القول في تأويل قوله: ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حتى إذا تداركت الأمم في النار جميعًا، يعني اجتمعت فيها. * * * يقال:"قد ادَّاركوا"، و"تداركوا"، إذا اجتمعوا. [[انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٤، وفي نصه زيادة حسنة: ((ويقال: تدارك لي عليه شيء، أي اجتمع لي عنده شيء. وهو مدغم التاء في الدال، فثقلت الدال)) .]] * * * يقول: اجتمع فيها الأوَّلون من أهل الملل الكافرة والآخِرون منهم. * * * القول في تأويل قوله: ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) ﴾ قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة. يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادّاركوا، قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار = الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفًا وإمامًا في الضلالة والكفر = لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا، كما:- ١٤٥٩٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"قالت أخراهم"، الذين كانوا في آخر الزمان ="لأولاهم"، الذين شرعوا لهم ذلك الدين = ﴿ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار﴾ * * * وأما قوله: ﴿قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون﴾ ، فإنه خبر من الله عن جوابه لهم، يقول: قال الله للذين يدعونه فيقولون:"ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار" =: لكلكم، أوَّلكم وآخركم، وتابعوكم ومُتَّبَعوكم ="ضعف"، يقول: مكرر عليه العذاب. * * * و"ضعف الشيء"، مثله مرة. * * * وكان مجاهد يقول في ذلك ما:- ١٤٥٩٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ﴿عذابًا ضعفًا من النار قال لكل ضعف﴾ ، مضعّف. ١٤٥٩٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٤٥٩٦- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال الله: ﴿لكل ضعف﴾ ، للأولى، وللآخرة ضعف. ١٤٥٩٧- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان قال، حدثني غير واحد، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: ﴿ضعفًا من النار﴾ ، قال: أفاعي. ١٤٥٩٨- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: ﴿فآتهم عذابًا ضعفًا من النار﴾ ، قال: حيّات وأفاعي. * * * وقيل: إن"المضَعَّف"، في كلام العرب، ما كان ضعفين، [[في المطبوعة: ((الضعف، في كلام العرب)) ، والصواب من المخطوطة.]] و"المضاعف"، ما كان أكثر من ذلك. * * * وقوله: ﴿ولكن لا تعلمون﴾ ، يقول: ولكنكم، يا معشر أهل النار، لا تعلمون ما قدْرُ ما أعدّ الله لكم من العذاب، فلذلك تسأل الضعفَ منه الأمةُ الكافرةُ الأخرى لأختها الأولى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب