الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (١١٠) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت الجماعة من رجال قوم فرعون والأشراف منهم [[انظر تفسير ((الملأ)) فيما سلف ص ١٢،، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] = "إن هذا"، يعنون موسى صلوات الله عليه = "لساحر عليم"، يعنون: أنه يأخذ بأعين الناس بخداعه إياهم، حتى يخيل إليهم العصا حية، والآدم أبيض، والشيء بخلاف ما هو به. ومنه قيل: "سَحر المطرُ الأرضَ"، إذا جادها، فقطع نباتها من أصوله، وقلب الأرض ظهرًا لبطن، فهو يَسْحَرُها سَحْرًا"، و"الأرض مسحورة"، إذا أصابها ذلك. [[هذا البيان عن معنى ((سحر المطر الأرض)) ، جيد جداً، مبين عن معنى الكلمة، وهو أوضح مما جاء في كتب اللغة، فليقيد هذا هناك.]] فشبه "سحر الساحر" بذلك، لتخييله إلى من سحره أنه يرى الشيء بخلاف ما هو به، [[انظر تفسير ((السحر)) فيما سلف ٢: ٤٣٦ - ٤٤٢ / ١١: ٢٦٥.]] ومنه قول ذي الرمة في صفة السراب: وَسَاحِرَةِ العُيُونِ مِنَ المَوَامِي تَرقَّصُ في نَوَاشِرِهَا الأرُومُ [[ديوانه: ٥٩١، واللسان (أرم) ، بهذه الرواية، أما رواية الديوان فهي: وَسَاحِرَةِ السَّرَابِ مِنَ المَوَامِي ... تَرَقَّصُ فِي عَسَاقِلِهَا الأُورُومُ تَمُوتُ قَطَا الفَلاةِ بِهَا أُوَامًا ... وَيَهْلِكُ فِي جَوَانِبِهَا النَّسِيمُ بِهَا غُدُرٌ، وَلَيْسَ بِهَا بَلالٌ ... وَأَشْبَاحٌ تَحُولُ وَلا تَرِيمُ وهذا شعر غاية! ، والرواية التي هنا هي رواية أبي عبيدة في مجاز القرآن. ورواية أبي عمرو بن العلاء: ((نواشرها)) . وكان في المطبوعة: ((نواشزها)) بالزاي، وهي في المخطوطة غير منقوطة. و ((الموامى)) جمع موماة، وهي المفازة الواسعة الملساء، لا ماء بها ولا أنيس. و ((العساقل)) جمع ((عسقلة)) ، و ((العساقيل)) جمع ((عسقول)) ، وهي قطع السراب التي تلمع وتتريع لعين الناظر. و ((الأوروم)) جمع إرم، وهي الأعلام، وقيل: هي قبور عاد وإرم. ورواية ديوانه ((وساجرة)) بالجيم، أي مملوءة من السراب. يصف السراب وهو يترجرج، فترى الحجارة والأعلام ترتفع فيه وتنخفض، وهو يتحرك بها. وأما رواية أبي جعفر ((ترقص في نواشرها)) ، فلم أجد له تفسيرًا عند أحد من شراح الشعر، أو في كتب اللغة. وظني أنه يعني به السراب كما قال ((في عساقلها)) ، وإنها من ((نشر الشيء)) بسطه ومده، وعنى به ما يمتد من السراب وينبسط؟]] . وقوله ﴿عليم﴾ يقول: ساحر عليم بالسحر [[انظر تفسير ((عليم)) فيما سلف من فهارس اللغة (علم) .]] = "يريد أن يخرجكم من أرضكم" أرض مصر، معشر القبط السحرة [[هكذا في المخطوطة مضبوطة بشدة على السين: ((السحرة)) ولو قرئت ((بسحره)) ، لكان صواب جيداً.]] = وقال فرعون للملأ "فماذا تأمرون" يقول: فأي شيء تأمرون أن نفعل في أمره؟ بأي شيء تشيرون فيه؟ * * * وقيل: "فماذا تأمرون"، والخبر بذلك عن فرعون، ولم يذكر فرعون، وقلما يجيء مثل ذلك في الكلام، وذلك نظير قوله: ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ ، [يوسف: ٥١-٥٢] . فقيل: "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب"، من قول يوسف، ولم يذكر يوسف، ومن ذلك أن يقول: "قلت لزيد قم، فإنى قائم"، وهو يريد: "فقال زيد: إنّي قائم". [[انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء ١: ٣٨٧]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب